الجزء الأخير من كلام هذا البيشوي يحاول فيه أن يثبت أن القرآن الكريم قد أقر بأن المسيح عليه السلام لم يمت ، مستدلاً بقوله سبحانه وتعالى :اقتباس:
وأضاف أن المسلمين يقولون إن المسيح لم يمت، ونحن نرد عليهم بأن القرآن نفسه قال في سورة مريم : " السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً ".
وفي سورة آل عمران : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " .
واستمر الأنبا بيشوي، قائلا : إن المسلمين يردون علينا أيضا بالآية رقم 156 في سورة النساء التي تقول : " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ".
وذهب إلي تفسير ذلك بأنه خيال . واستند لتفسير الرازي بأن ذلك إهانة لله أن يجعل شخصاً يشبه المسيح يصلب بدلاً منه، لأن هذا يعني عدم قدرة الله علي حمايته ونجاته، ولأن هذا ظلم لمن يشبه المسيح وصلب بدلاً منه !!.
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ( 33 ) مريم
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 55 ) آل عمران
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !!!
مما هو معلوم أن اليهود كانوا يحاولون قتل المسيح عليه الصلاة والسلام ، وقد نجاه الله من تلك المكيدة بأن رفعه إليه ، ولم يسلمه لليهود لينالوا منه كما نالوا من كثير مما سبقوه :
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ( 110 ) المائدة
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 175 ) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( 176 ) النساء
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 55 ) آل عمران
والوفاة أُولت على ثلاثة أقوال ، أصوبها ما إختاره الإمام الطبري :
وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا ، قولُ من قال : " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ .[1]
وقال ابن عثيمين رحمه الله في قوله " ورافعك إلي " :
قوله : " ورافعك إلى " الشاهد هنا ؛ فإن " إلي " تفيد الغاية ، وقوله: ورافعك إلي
يدل على أن المرفوع إليه كان عالياً، وهذا يدل على علو الله عز وجل.
فلو قال قائل : المراد : رافعك منزلة ؛ كما قال الله تعالى :) وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ){آل عمران: 45}.
قلنا هذا لا يستقيم ؛ لأن الرفع هنا عدى بحرف يختص بالرفع الذي هو الفوقية؛ رفع الجسد، وليس رفع المنزلة .[2]
وهذا كله لحكمة إلاهية ، ألا وهي نزله عليه السلام في نهاية الزمان حاكماً بشريعة أخيه المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية [3]
فلا يقبل إلا الإسلام ، ويقتل الدجال عليه لعائن الله ، ثم يمكث في الأرض ماشاء الله أن يمكث ، حتي يموت ويصلي عليه المسلمون .
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال " ليس بيني وبينه نبي يعني عيسى عليه السلام وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فيقاتل الناس على الإسلام فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك المسيح الدجال فيمكث في الأرض أربعين [4] سنة ثم يتوفى فيصلي عليه المسلمون " .[5]
لذا فالمسيح عليه السلام حينما قال :
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ( 33 ) مريم
كان يتحدث عن إحدى المناقب التي وهبها الله إياها ، فهو عليه السلام والأمان من الله عز وجل بدءاً من لحظة ميلاده ، ووفاته بعد أن يقتل الدجال كما اخبر نبينا المصطفى ، ويوم يبعث العباد .
فهذه هي الثلاث التي نمر بها نحن البشر ، الميلاد ، ثم الوفاة ، ثم البعث والنشور لله رب العالمين :
وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ( 66 ) الحج
ولكن مثل بيشوي وهؤلاء كمثل الظمآن التائه في الصحراء الذي قتل نفسه بحثاً عن قطرة مياة حتى رقص فرحاً، فما أن وجد إسم المسيح عليه السلام ، وبجانبه كلمة " موت " ظن أنه قد أتى بما عجز عنه الأولين ، وقطرة الماء التي ستجري الحياة في ذلك الشريان البائس .
ولكن ما يلبث حتى تأتي الحقيقة الواضحة القاسمة ، وإن قطرة المياة هذه ما هي إلا من قبيل السراب الذي يراوض اليائسين .
آخر ما ذكر بيشوي في ذلك نهاية كلامه هو محاولة تفنيده للآية الكريمة النافية تماماً لمسألة صلب المسيح عليه السلام :
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ( 157 ) النساء
فقد تحدث حول هذه الآية وأعيد كلامه مرة أخرى :
وحديث قساوة النصارى حول هذه الآية وتفسير الرازي رحمه الله ما هو إلا تدليس متواتر .اقتباس:
وذهب إلي تفسير ذلك بأنه خيال . واستند لتفسير الرازي بأن ذلك إهانة لله أن يجعل شخصاً يشبه المسيح يصلب بدلاً منه، لأن هذا يعني عدم قدرة الله علي حمايته ونجاته، ولأن هذا ظلم لمن يشبه المسيح وصلب بدلاً منه
فتوجد عند المشتغلين بحوار المسلمين في الكنيسة المصرية تقليد مُسلم من جيل إلى جيل وعهد على التدليس على الرازي رحمه الله في تفسيره إلى تلك الآية .
فما معنى الخيال يا بيشوي الذي تتكلم عنه ؟
الله يقول وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم ، فما هو الخيال في ذلك ؟
منهج بيشوي ومن شايعه هو منهج لا تقربوا الصلاة ، فما لبث إلا أن وجد كلمة خيال في كلام الرازي رحمه الله ، حتى قال كلمته الحمقاء هذه .
ماقاله الإمام الرازي في تفسيره حول هذه الآية فيما يخص نقطة الخيال هو :
السؤال الأول: قوله " شُبّهَ " مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبّه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر.
والجوابمن وجهين: الأول: أنه مسند إلى الجار والمجرور، وهو كقولك: خيل إليه كأنهقيل: ولكن وقع لهم الشبه. الثاني: أن يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله " وَمَا قَتَلُوهُ " يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكوراًبهذا الطريق، فحسن إسناد " شُبّهَ " إليه.[1]
فهل عرف ما المقصود بالخيال الذي تحدث عنه الرازي رحمه الله ؟
والسؤال الأهم هل يعقل أن يكون بيشوي قد قال هذا الكلام بعد أن إضطلع على تفسير الرازي أصلاً ؟
بل أن ما يثبت كذب وتدليس هذا البيشوي هو تأكيد الرازي نفسه على نفي الصلب وإقراره وثبوته في غير موضع من تفسيره :
واعلم أنه تعالى لماحكى عن اليهود أنهم زعموا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فالله تعالى كذبهمفي هذه الدعوى وقال " وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَلَهُمْ".
وقال أيضاً :
المسألة الثالثة: رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ثابت بهذه الآية، ونظير هذه الآية قوله في آل عمران " إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ " واعلم أنه تعالى لما ذكر عقيب ما شرح أنه وصل إلى عيسى أنواعكثيرة من البلاء والمحنة أنه رفعه إليه دل ذلك على أن رفعه إليه أعظم فيباب الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية، وهذه الآية تفتحعليك باب معرفة السعادات الروحانية.[2]
ثم يدلس على الإمام الرازي فيقول :
وهذه كذبة مفضوحة وتدليس قذر من بيشوي على الإمام الرازي الذي لم يقول أصلاً هذا الكلام في تفسيره ، ولا أعلم أي تفسير للرازي يقصد هل هو التفسير الموجود بين أيدينا أم المطبوع داخل الكنيسة والذي يوزع داخل فيافي وأحراش الأديرة ؟!اقتباس:
واستند لتفسير الرازي بأن ذلك إهانة لله أن يجعل شخصاً يشبه المسيح يصلب بدلاً منه، لأن هذا يعني عدم قدرة الله علي حمايته ونجاته، ولأن هذا ظلم لمن يشبه المسيح وصلب بدلاً****** منه
تم بحمد الله
ولله الحمد والمنة
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصَّالِحَاتِ
والحمد لله أولا وآخراً وظاهراً وباطناً.
وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسلامٌ على المرسلين وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
____________________________________
[1] مفاتيح الغيب ج 6 ص 79 .
[2] السابق .
[1] جامع البيان ج 6 ص 475 .
[2] شرح العقيدة الواسطية ص 30 .
[3] هو لفظ البخاري 60 : ك : أحاديث الأنبياء 49 : ب : نزول عيسى ابن مريم عليهما السلام ح 3448 ج 2 ص 372 : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}. وبنحوه مسلم في الصحيح 1 : ك : الإيمان 71 : ب : نزول عيسى بن مريم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ح 155 ج 1 ص 470 بشرح القاضي عياض .
[4] قال الحافظ عماد الدين بن كثير ويشكل بما في رواية مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه يمكث في الأرض سبع سنين قال اللهم إلا أن تحمل هذه السبع على مدة إقامته بعد نزوله فيكون ذلك مضافا لمكثه بها قبل رفعه إلى السماء فعمره إذ ذاك ثلاث وثلاثون سنة بالمشهور
انتهى . عون المعبود ج 11 ص 306 .
[5] أخرجه أبي داود 31 : ك : الملاحم 14 : ب : خروج الدجال ح 4324 ج 2 ص 250 ، وصححه الألباني في الصحيحة ر 2182 .
وأحمد في مسنده ج 2 ص 437 ح 9630 .