نقل/ السيوطي في باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بنكاح أكثر من أربع نسوة بعض الفوائد:
1- منها نقل محاسنه الباطنة فإنه صلى الله عليه وسلم مكمل الظاهر والباطن.
2- ومنها: نقل الشريعة التي لم يطلع عليها الرجال.
3- ومنها: تشريف القبائل بمصاهرته.
4- ومنها: شرح صدره بكثرتهن عما يقاسيه من أعدائه.
5- ومنها :زيادة التكليف في القيام بهن مع تحمل أعباء الرسالة فيكون ذلك أعظم لمشاقه وأكثر لأجره.
6- ومنها: أن النكاح في حقه عبادة.
لقد كانت كل زيجة للرسول صلى الله عليه وسلم لها ظروفها وأسبابها الخاصة, وكانت بأمر من الله عز وجل.
ولا يخفى أن زواجه من هؤلاء النسوة كان تودداً لأهلهن وقبائلهن, ليكون دافعاً لهم للدخول فى الإسلام ورحمة بظروف البعض منهن وإكراما لأهلهن.
وهناك حكمة أخرى هى معرفة سيرته فى بيته, فإن الإنسان قد يبدو أمام الناس بمظهر العالِم العابد التقى الورع, ولكن لا يستطيع أن يفعل هذا فى بيته, فأعلم الناس به هى زوجته, ولم تكن واحدة تكفى لذلك, لأنها إن أخبرت عن سيرته العطرة, فربما كانت تُتَّهم بالتستر عليه لحبها له, أو تُتَّهم بانشغالها بأعباء الزوجية وشؤون البيت عن ملاحظة أحواله أو بالنسيان, أما عندما تتواتر أخباره من عدة نساء (وخصوصاً أن لهن ضرائر) فإن هذا أبلغ فى التصديق, فمن طبيعة المرأة أنها تحب زوجها, وتستر عليه, طالما أنه لها وحدها, أمّا لو أن لها ضرائر, فإن هذا أدعى لبغضه, وإفشاء عيوبه, ولو بعد موته وخاصة ممن قُتِلَ من أهلها على يديه قبل إسلامها, كالسيدة صفية, والسيدة جويرية,
أمَا وقد اجتمعن كلهن على مدحه, وأن سره مثل علانيته فى الصفاء والنقاء والتقوى, فإن هذا أدعى لتصديقهن, رضى الله عنهن وأرضاهن.
كما أن كثرة بيوتات النبى جعلت منها مصادر لنشر الدين والأخلاق والتشريع, وخاصة فى أمور النساء التى لا يعرفها الرجال.
إن تعدد الزوجات بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم كان تقييداً, وليس إطلاقاً, لأن فى مقدور أى مسلم أن يتزوج ويطلق, ويتزوج ويطلق, حتى ولو عشرين امرأة, بشرط ألا يجمع أكثر من أربع فى آن واحد, وألا يكون زواج متعة (مقيَّداً بوقت) أما الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يُسمَح له بأن يتزوج بغيرهن حتى لو ماتت إحداهن أو كلهن : (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ).
ولنلق نظرة عى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم لنتأكد أن زواجه منهن ما كان أبدا للمتعة والشهوة (حاشاه) :
المتَّفق عليه أن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة، توفِّيت اثنتان منهما حال حياته، وهما : خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة، وتُوفى عن تسع نساء.
والقُرشيَّات من زوجاته ست، والعربيات من غير قريش أربع، وواحدة من غير العرب وهي صفية من بني إسرائيل.
فالقرشيات هنَّ:
1- خديجة بنت خويلد، وهي أول من تزوج وأنجبت له كل أولاده عبد الله، والقاسم، زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، أما إبراهيم فهو من مارية القبطية. تُوفِّيت بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين على الأصح
2- سَوْدة بنت زَمْعَة، تزوَّجها بعد وفاة خديجة بقليل, مات عنها زوجها, وكان أهلها مشركين, وكان عمرها حينئذ ستة وستين عاماً, أتُترَك للضياع, أم لأهلها المشركين ؟ وهل زواج الرسول بها يُعَد شهوة, وهى تكبره بحوالى خمسة عشر عاماً ؟
3- عائشة بنت أبي بكر الصديق، عقد عليها بعد عقْده على سودة وكان زواجه منها هى والسيدة حفصة إكراماً لهما ولأبويهما أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب, فقد كانا وزيريه صلى الله عليه وسلم, وكان زواجه من بنتيهما يتيح لهما التردد عليه وزيارته بغير حرج.
4- حَفْصَة بنت عمر بن الخطاب، تزوَّجها في السنة الثانية أو الثالثة بعد الهجرة.
5- أم سلمة، تزوّجها بعد وفاة زوجها في السنة الرابعة من الهجرة كانت من أصحاب الهجرتين (الحبشة والمدينة) وقد مات عنها زوجها أبو سلمة, وكان فى حجرها يتامى يحتاجون للرعاية, فكان زواجه منها إكراماً لها على صبرها وسَبْقها فى الإسلام, وإكراماً لزوجها برعايتها بعده, ورعاية أولاده, فقد كان يدعو الله أن يزوجها من بعده من هو خير منه. وحتى ندرك أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن شهوانياً, إنه فى ليلة زواجه منها لم يجد أبناءها, فسألها عنهم فأخبرته أنهم ذهبوا لخالهم, فلم يرضَ بذلك, وأمرها بردِّهم, وقال : (من فرَّق بين والدة وولدها, فرق الله بينه وبين أحِبَّته يوم القيامة) وكان يلاطفهم, ويلاعبهم, ويضعهم على حجره, ويأكل معهم, صلوات ربى وسلامه عليه.
6- أمُّ حبيبة، عقَد عليْها سنة سبع من الهجرة وإسمها (رملة بنت أبى سفيان) فقد ذاقت من أبيها وأخيها الويلات, وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة, وهناك تنصّر زوجها فأصبحت وحيدة, فبعث الرسول للنجاشى أن يخطبها له إكراماً لها, فلو أنها رجعت لأهلها لساموها سوء العذاب.
والعربيَّات هن:
1- زينَب بنت جحش: تزوَّجها بعد طلاقها من زيد بن حارثة، سنة 3 أو 4 أو 5 من الهجرة وهى بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم زوَّجها الله له لإنهاء التبنى الذى كان سائداً قبل الإسلام.
2- جُوَيْرية بنت الحارث المُصْطلَقِيَّة، تزوَّجها سنة خمس أو ستٍّ من الهجرة كانت ضمن سَبْى غزوة بنى المصطلق, وأبوها الحارث بن أبى ضِرار زعيم القبيلة, فلما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, ذهب إليه أبوها ليفتديها بقطيع من الإبل, ولكنه عندما وصل إلى مكان يسمى (العقيق) نظر إلى الإبل فأعجبه منها اثنان, وضنَّ بهما على المسلمين, فغيّبَهما (خبَّأهما) ثم أتى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لقد سبيتم ابنتى وهذه الإبل فداؤها, فقال له الرسول: صلى الله عليه وسلم (أين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق فى شعب كذا؟) فقال الحارث: والله ما شهد ذلك أحد, أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, فطلب منه أن يزوجها له, فزوجه إياها, فانظروا كيف كان إكرامها, وإكرام أبيها بعد إسلامه, بل وإكرام أهلها, ليس فقط أن يعتقها, بل أن يتزوجها خير خلق الله, صلوات ربى وسلامه عليه, وكانت بركة على قومها, فقد أعتق الصحابة كل من فى أيديهم من أسرى بنى المصطلق (وكانوا نحو مائة) إكراماً لأصهار النبى صلى الله عليه وسلم.
3- زينب بنت خُزيمة، تزوَّجها سنة ثلاث أو أربع من الهجْرة كانت أسَنَّ منه صلى الله عليه وسلم, وكان زوجها قد استشهد فى غزوة أحد, ولم يكن لها أحد يؤويها, فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت تسمى (أم المساكين) لكثرة إنفاقها على الفقراء والمساكين.
4- ميمونة بنت الحارث، تزوَّجها صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة من الهجرة.
أما غير العربيات فهي صفيَّة بنت حُيَي بن أخْطَب من يهود بني النضير، تزوَّجها صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر سنة سبع من الهجرة كانت قد سُبِيَت فى غزوة خيبر, التى قُتِلَ فيها زوجها وأبوها وأخوها وعمها, فحررها رسول الله وتزوجها إكراماً لها ومواساة ورحمة. أمّا كيف تتزوجه بعد قتل كل هؤلاء ؟ ذلك لأنها كانت قد رأت فى المنام أن القمر فى ليلة البدر وقع فى حجرها, وحين قصَّت الرؤيا على أهلها, لطمها عمها على وجهها, وقال لها: أتريدين أن تتزوجى نبى العرب ؟ .
وتزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء ولم يدْخل بهنَّ.
وأما مارية القبطية فلم تكن زوجة حرَّة معقودًا عليها، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمتَّع بها بملك اليمين، وولَدَت له إبراهيم، وتُوفِّيت سنة 12 أو 16 من الهجرة.
وقد تزوَّج النبي صلَّى الله عليه وسلم هذا العدد على عادة العرب وغيرهم من تعدُّد الزوْجات،
ولم تنزل الآية التي حدَّدت التعدُّد بأربع إلا بعد أن تزوَّجهن جميعًا،
وقد نهاه الله عن الزيادة عليهن
وأمره بإمساكهن جزاءً على اختيارِهِنَّ له مع رقَّة عيْشِهِ وزهده،
قال تعالى : ( لا يَحِلُّ لك النساء من بعد ولا أن تبدَّل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن )
كما حرَّم على أحد أن يتزوج واحدةً منهنَّ بعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( وَمَا كَانَ لَكُم أنْ تُؤْذُوا رَسُول الله ولا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَه مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا )
ولهذا لم يطلِّق الرسول واحدة منْهنَّ
حتى تَظَللن في كَنَفِه، ويَكُنَّ أزواجه في الجنة.
فلو طلقهن النبى صلى لله عليه وسلم فأين يذهبن ومن سيرعاهن ؟؟
خصوصا وقد حرم الله تعالى عليهن الزواج بعده ومعظمهن كبيرات السن ؟؟ ما ذنبهن فى هذه الحالة ؟؟
أليس فى هذا أقوى دليل على عدل الله ورحمته ؟؟
وأنه لا يكلف نفسا إلا ما آتاها ؟؟
وأنه لا يظلم أحدا ؟؟
وأنه بعباده رؤوف رحيم ؟؟
وما كان زواجه بهنَّ عن شهْوة جنسيَّة طاغية (حاشاه) ، بل كان لمعانٍ إنسانية كريمة يَطُول بيانها، ولو كان لشهوة لاختارهنَّ أبْكاًرا، لكنهنَّ كنَّ جميعًا ثيِّبات ما عدا عائشة، ولو كان لشهوة ما رفض كثيراتٍ عرضْن أنفسهنَّ عليه هبةً دون مُقابل، وكان زواج كل واحدة بإذن ربه، فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم : (ما تزوجْت شيئًا من نسائي، ولا زوَّجت شيئًا من بناتي إلا بوحْي جاء لي به جبريل عن ربي عز وجل)
ولا يَقدح في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : (حُبب إليَّ من دنياكم الطِّيب والنساء، وجُعلت قرَّة عيني في الصلاة) فهو حبُّ رحْمة، جعله صلى الله عليه وسلم يُوصِى بِهِنَّ كثيرًا حتَّى في آخر أيَّامه.
فآية تحديد الزوجات نزلت ومعه صلى الله عليه وسلم تسع نساء,
والله عز وجل حرم زوجاته على المؤمنين, لأنهن أمهاتهم : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)
فإذا طلقهن فأين يذهبن؟
ولو طلقهن فإن هذا يحزنهن ويوغر صدور أهلهن, بل وقبائلهن.
ثم هناك سؤال هام جدا ....
أتزيد الشهوة أم تنقص مع تزايد العمر ؟
فلو كان صلى الله عليه وسلم شهوانياً (وحاشاه) فلِمَ لَمْ يعدِّد فى صِباه ؟
إن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل ممسكاً على واحدة, وهى السيدة خديجة رضى الله عنها خمسة وعشرين عاماً, هى سنوات شبابه وفتوَّته, وكانت تكبره بخمس عشرة سنة, ولم يتزوج إلا بعد وفاتها, وبعد أن صار عنده 53 عاماً, وكان منشغلاً بتبليغ الدعوة, وقيام الليل حتى تتفطّر قدماه, والجهاد فى سبيل الله, واستقبال الوفود, والتصدى لمؤامرات اليهود والمنافقين والقبائل المجاورة, وغير ذلك مما لا يقدر عليه أحد, لولا أن الله أعانه
أفمَعَ كل هذه الأعباء فى هذه السن يتبقى له وقت أو جهد للتمتع بالنساء ؟
هذا فضلاً عن حياة الزهد التى كان يحياها, حتى إنه كان يربط على بطنه حجرين من الجوع, وتمر ثلاثة أَهِلَّة ولم يُوقَد فى بيته نار (صلوات ربى وسلامه عليه) وفضلاً عن كثرة صيامه, حتى إنه نهى أمته عن صيام الوِصال, ويصوم هو لمدة ثلاثة أيام متواصلة, فهل هذا يُبقى له شهوة ؟
وهل الشهوانى يختار صغيرات السن أم العجائز ؟
وهل يختار البكر أم الثيّب ؟
إن نساء رسول الله رضى الله عنهن كن كلهن كبيرات السن, ماعدا السيدة عائشة, حتى إن بعضهن كنَّ أسَنّ منه, وهن السيدة خديجة, والسيدة سودة, والسيدة زينب بنت خزيمة,
كن كلهن ثيبات ماعدا السيدة عائشة.
ومعلوم أن الرجل الشهوانى يحب من زوجته أن تتزين, وتلبس له أجمل الثياب, فهل هذا كان متاحاً لهن ؟
إنهن حين طلبن زيادة النفقة, أمره ربه أن يخيّرهن بين الطلاق, أو البقاء معه على حياة الزهد والتقشف, فقال عز وجل : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً)
فاخترن كلهن الله ورسوله والدار الآخرة فرضى الله عنهن وأرضاهن.
قال الدكتور/ القرضاوي في كتاب فتاوى معاصرة: خص الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم بشيء دون المؤمنين، وهو أن أباح له ما عنده من الزوجات اللاتي تزوجهن، ولم يوجب عليه أن يطلقهن ولا أن يستبدل بهن من أزواج يبقين في ذمته، ولا يزيد عليهن، ولا يبدل واحدة بأخرى: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا).
والسر في ذلك أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لهن مكانة خاصة وحرمة متميزة فقد اعتبرهن القرآن أمهات للمؤمنين جميعًا، ومن فروع هذه الأمومة الروحية للمؤمنين أن الله حرم عليهن الزواج بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى هذا أن التي طلقها النبي صلى الله عليه وسلم ستظل محرومة طول حياتها من الزواج بغيره، مع حرمانها من الانتساب إلى بيت النبوة، وهذا يعتبر عقوبة لها على ذنب لم تجنه يداها، ثم لو تصورنا أنه أمر باختيار أربع من نسائه التسع وتطليق الباقي لكان اختيار الأربع منهن لأمومة المؤمنين وحرمت الخمس الأخريات من هذا الشرف أمرًا في غاية الصعوبة والحرج. فمن من هؤلاء الفضليات يحكم عليها بالإبعاد من الأسرة النبوية ويسحب منها هذا الشرف الذي اكتسبته ؟
ولو بحثنا وراء زواجه منهن، لوجدنا أن هناك حكمة هدف إليها النبي صلى الله عليه وسلم من زواجه بكل واحدة منهن جميعًا، فلم يتزوج لشهوة ولا للذة ولا لرغبة دنيوية، ولكن لحكم ولمصالح وليربط الناس بهذا الدين، وبخاصة أن للمصاهرة والعصبية قيمة كبيرة في بلاد العرب ولها تأثير وأهمية، ولذا أراد عليه الصلاة والسلام أن يجمع هؤلاء ويرغبهم في الإسلام ويربطهم بهذا الدين ويحل مشكلات اجتماعية وإنسانية كثيرة بهذا الزواج، ثم لتكون نساؤه عليه الصلاة والسلام أمهات المؤمنين ومعلمات الأمة في الأمور الأسرية والنسائية من بعده يروين عنه حياته البيتية للناس حتى أخص الخصائص، إذ إنه ليس في حياته أسرار تخفى عن الناس.
ليس في التاريخ واحد إلا له أسرار يخفيها، ولكن النبي عليه صلاة الله وسلامه يقول: (حدثوا عني) تعليما للأمة وإرشادًا لها.
وعن المطعن بكيفية الجمع بين هذا العدد من الزوجات والقيام بنشر الدعوة، فى نفس الوقت فهذا المطعن فى حد ذاته إنما هو في الحقيقة مظهر من مظاهر العظمة في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو في الحقيقة معجزة من المعجزات التي أيده الله تعالى بها
فرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن مجرد دعوة بل هذا كان إلى جانب إنشاء دولة وسياسة أمة عسكريا واجتماعيا واقتصاديا وتربويا في وقت تكالبت عليه الأعداء في جزيرة العرب من داخل المدينة حيث اليهود والمنافقون، ومن خارجها حيث قبائل العرب مجتمعة، بل لقد واجهت هذه الدولة الوليدة الدول التي كانت تحكم العالم في ذلك الوقت : الفرس والروم.
ومن جانب آخر فإن في هذا الملمح بيانا ظاهرا لما سبق من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجمع بين النساء لتحصيل شهوة أو لذة، وإنما لمصالح عليا وغايات كبرى تصب في النهاية لمصلحة نشر هذه الدعوة الجديدة ونصرة هذا الدين القويم.
وأما العلة من تحريم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم على غيره، كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً) فقد أشار القرآن إلى علة ذلك فقال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ). قال السعدي: ترتب على أن زوجات الرسول أمهات المؤمنين، أنهن لا يحللن لأحد من بعده.
وفي هذا من التشريف لهن شيء عظيم لم تشاركهن فيه امرأة، وفي هذا التحريم أيضا منفعة لهن لا تدانيها منفعة، وهي كونهن أزواجه صلى الله عليه وسلم في الجنة، فإن المرأة لآخر أزواجها في الدنيا، قال الشيخ الجزائري : حرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات، وقال صلى الله عليه وسلم : زوجاتي في الدنيا هن زوجاتي في الآخرة. وهذه علة من علل التحريم أيضا.
وقال / القرطبي : حرم الله نكاح أزواجه من بعده وجعل لهن حكم الأمهات، وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه وتنبيها على مرتبته صلى الله عليه وسلم.
وقال / الشافعي رحمه الله : وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي مات عنهن لا يحل لأحد نكاحهن، ومن استحل ذلك كان كافرا، فإنما منع من التزوج بزوجاته، لأنهن أزواجه في الجنة، وأن المرأة في الجنة لآخر أزواجها.
وقال الشيخ / الشعراوي : الرجال الذين يختلفون على امرأة توجد بينهم دائماً ضغائن وأحقاد، فالرجل يُطلِّق زوجته ويكون كارهاً لها، لكن حين يتزوجها آخر تحلو في عينه مرة أخرى فيكره مَنْ يتزوجها، وهذه كلها أمور لا تنبغي مع شخص رسول الله، ولا يصح لمن كانت زوجة لرسول الله أن تكون فراشاً لغيره أبداً، لذلك جعلهن الله أمهات للمؤمنين جميعاً.
فإذا دققنا النظر لم نجد في هذا التحريم ظلما لهن، بل فيه إنعام كبير وإكرام شهير، وأي امرأة من المؤمنات تغبطهن على هذه المكانة والمنزلة العظيمة.
ثم لا يخفى أن أي امرأة تعاشر النبي صلى الله عليه وسلم وتتطلع على مكارم أخلاقه وكريم عشرته وكمالاته التي خصه الله تعالى بها لا يمكن أن ترضى زوجا بعده ولا أن تسعد معه في الدنيا، فكيف وهي تعلم أن ذلك يحرمها من مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في درجته في الجنة.