من آثار وعقوبات المعاصي
وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله.
منها حرمان العلم والرزق وحصول الوحشة بين العاصي وبين الله وبينه وبين الخلق وتعسير أموره وظلمة القلب والوجه والقبر ووهن القلب والبدن وحرمان الطاعة ومحق العمر وتولد أمثالها وتضعف إرادة القلب وإنابته إلى الله ويزول عن القلب استقباح الذنوب، وهي سبب لهوان العبد على الله ويلحق ضرره غيره من الآدميين والحيوانات، وتورث الذل وتفسد العقل ويطبع على قلب صاحبها وتدخله تحت لعنة رسول الله :salla-y: وتحرمه الدخول في أدعيته لمن فعل أفعالاً كثيرة، وهي سبب لعقوبات البرزخ المتنوعة وتحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، وتذهب الحياء والغيرة وتعظيم الرب، وتستدعي نسيان الله للعبد، وهناك الهلاك، وتخرج العبد من دائرة الإحسان وتحرمه ثواب المحسنين وتزيل النعم وتحل النقم، وتوجب خوف صاحبها ورعبه، ويصير القلب مريضاً أو ميتاً بعد أن كان صحيحاً، وتعمي البصيرة، ولا يزال العاصي في أسر الشيطان وأسر النفس الأمارة بالسوء، وتسلبه أسماء المدح وتكسبه أسماء الذم وتمحق بركة العلم والعمل والرزق والعمر وكل شيء، وتخون العبد أحوج ما يكون على نفسه، وتباعد عن العبد وليه من الملائكة، وتقرب إليه عداءه الشياطين وتؤثر في القلوب الآثار القبيحة من الرين والطبع والختم والنفاق وسوء الأخلاق كلها. وبالجملة جميع شرور الدنيا والآخرة التي على القلوب والتي على الأبدان العامة والخاصة، أسبابها الذنوب والمعاصي.
هديه :salla: في علاج العشق
هذا مرض من أمراض القلب، مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكن واستحكم. عز على الأطباء دواؤه، وأعيى العليل داؤه.
- وعشق الصور إنما تبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله تعالى، المعرضة عنه، المتعوضة بغيره عنه، فإذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إلى لقائه، دفع ذلك عنه مرض عشق الصور. ولهذا قال تعالى في حق يوسف: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24] فدل على أن الإخلاص سبب لدفع العشق وما يترتب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته. فصرف المسبب صرف لسببه.
- والمقصود: أن العشق لما كان مرضاً من الأمراض، كان قابلاً للعلاج، وله أنواع من العلاج، فإن كان مما للعاشق سبيل إلى وصل محبوبه شرعاً وقدراً، فهو علاجه، كما ثبت في "الصحيحين". من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله :salla: : "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
فدل المحب على علاجين: أصلي، وبدلي. وأمره بالأصلي، وهو العلاج الذي وضع لهذا الداء، فلا ينبغي العدول عنه إلى غيره ما وجد إليه سبيلاً.
- وإن كان لا سبيل للعاشق إلى وصال معشوقه قدراً أو شرعاً، أو هو ممتنع عليه من الجهتين، وهو الداء العضال، فمن علاجه إشعار نفسه اليأس منه، فإن النفس متى يئست من الشيء، استراحت منه، ولم تلتفت إليه(انظر زاد المعاد في هدي خير العباد 4/265 لابن القيم. ).
- فمن ابتلي ببلاء قلبي أزعجه فأعظم دواء له قوة الالتجاء إلى الله ودوام التضرع والدعاء بأن يتعلم الأدعية المأثورة ويتوخى الدعاء في مظان الإجابة مثل آخر الليل وأوقات الأذان والإقامة وفي سجوده وإدبار الصلوات ويضم إلى ذلك الاستغفار، وليتخذ ورداً من الأذكار طرفي النهار وعند النوم، وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف فإنه لابد أن يؤيده الله بروح منه ويكتب الإيمان في قلبه، وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس بباطنه وظاهره فإنها عمود الدين، وليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنه بها يحمل الأثقال ويكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال، ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل، وليعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً، ولم ينل أحد شيئاً من عميم الخير إلا بالصبر والله الموفق.
- ومن أراد السلامة من فتن التعلق بالعشق والنظر المحرم فليستعن بالله وليداوم على الصلوات الخمس والدعاء والتضرع وقت السحر وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع، وليكثر الدعاء: بيا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك، وليبعد عن مواضع الفتن وليتعوض عنها بالحلال الطيب
من جوامع الكلم
جمع النبي :salla-y: بين تقوى الله وحسن الخلق (في الحديث الذي رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. )، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته، وجمع :salla-y: بين الاستعاذة من المأثم والمغرم( في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما) لأن المأثم يوجب خسارة الآخرة، والمغرم يوجب خسارة الدنيا، وجمع :salla: في قوله: "فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"(في الحديث الذي رواه ابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. ) بين مصالح الدنيا والآخرة، فإن من اتقى الله أدرك نعيم الآخرة ومن أجمل في الطلب استراح من نكد الدنيا وهمومها.
- قول النبي :salla:: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم"( رواه أبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجه قال الأرنؤوط في جامع الأصول 5/429 حديث صحيح.) هو فصل الخطاب في جميع المسائل طرداً وعكساً، فكلما كان تحريمه التكبير وتحليله التسليم، فلابد من افتتاحه بالطهارة.
- قوله :salla-y: "خذوا عني مناسككم"( رواه مسلم.) هو أن يفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، فإن كان قد فعل فعلاً على وجه الاستحباب فهو مستحب، وإن كان على وجه الوجوب فهو واجب.
- الأحاديث كلها الواردة في وصف صلاته :salla: تدل على معنى واحد، وهو أنه كان يطيل الركوع والسجود ويخفف القيام، وأن صلاته متوازنة متقاربة إن أطال القيام أطال الركوع والسجود وإن خفف القيام خفف الركوع والسجود.