الرد على كل جاهل خبيث يدعى على القرآن التثليث
الرد على كل جاهل خبيث يدعى على القرآن التثليث
اقتباس:
التثليث موجود فى الآية السابقة . الله و كلمته و روح منه .
قال النصرانى العامى ذلك مغترًا بأقوال علمائه . فإن قساوسة النصارى يمارسون الكذب على عوامهم فى مواطن كثيرة . وهذا الموطن من أشد المواطن التى يظهر فيها كذب القساوسة وخداعهم .
لقد صرح القرآن العظيم بكفر عبّاد المسيح . قال تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [المائدة 17] . وقال تعالى : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } [المائدة 72] . وكفر القرآن من قال بالتثليث : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [المائدة 73] . فلا يمكن بعد ذلك أن يصحح عقيدة التثليث الوثنية بعدما حكم بسفه هذه العقيدة وكفر وسفه معتنقيها .
ولا بد فى تثليث النصارى الشركى من تأليه المسيح . وقد قدمنا تكفير القرآن لعبّاد المسيح بسبب ذلك . كما أن القرآن قص خبر عيسى عليه السلام ، وبين أنه مجرد بشر مماثل لآدم عليه السلام فى البشرية : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران 59] ، وأنه مماثل لإخوانه الرسل : { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ } [المائدة 75] ، وأنه لا يزيد قدره عن العبودية : { إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } [الزخرف 59] ، وأنه لا يجرؤ على الخروج عن هذه العبودية ولو حاول لعوقب كما يعاقب العبد الآبق : { لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } [النساء 172] . فإذا كان تأليه المسيح ممتنعًا إلى هذه الدرجة فى حكم القرآن ، فلا يمكن تصور إجازة القرآن لتثليث النصارى الشركى بحال .
والنصارى عباد المسيح من أهل الكتاب . وقد أرشد القرآن إلى محاربتهم والأخذ على أيديهم حتى يعطوا الجزية وهم أذلاء صاغرون : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [التوبة 29] . فلا يمكن بعد طلب الإذلال لأهل الكتاب ومنهم النصارى أن يجيز القرآن ثالوثهم الشركى . هيهات لهم ثم هيهات .
وقد أخبر القرآن العظيم عن عيسى عليه السلام بأنه بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ } [الصف 6] . والرسول الذى بشر به المسيح هو الذى حارب أهل التثليث وأذل ناصيتهم ، وأمر أصحابه من بعده بتلك المحاربة وذلك الإذلال امتثالاً لأمر القرآن . ولم يتوانى أصحابه عن تنفيذ وصيته ، ففتحوا مصر وألزموا النصارى فيها بالجزية فأعطوها وهم صاغرون ، وكذلك فعلوا فى البلاد التى فتحوها من بلاد أهل الكتاب . فالتطبيق النبوى لآيات القرآن وما تبعه من تطبيق الصحابة يؤكد أن القرآن العظيم ما أجاز التثليث طرفة عين ، بل عاقب صاحبه دومًا ، بالتسفيه الفكرى أولاً ، وبالجزية والصغار ثانيًا ، والتهديد بالعذاب فى الآخرة ثالثًا لمن استمر على هذا المعتقد الشركى .
اقتباس:
التثليث موجود فى الآية السابقة . الله و كلمته و روح منه .
قال تعالى : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً } [النساء 171] .
فنص الآية نفسه ينفى عنه هوس النصرانى الجاهل الذى زعم التثليث فيها . فالنصارى عبّاد المسيح مخاطبون بنص هذه الآية : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } . والآية تنهاهم عن غلوهم فى الدين ، وقولهم على الله بغير حق : { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ } . فالنصارى عبّاد المسيح يغلون فى دينهم ويقولون على الله الباطل بنص هذه الآية . فكيف يقول جاهل بأن الآية تجيز التثليث النصرانى الشركى والآية من أولها تنهاهم وتوبخهم على معتقدهم الشركى السخيف ؟!.
والآية تبين الحق فى المسيح الذى غلت فيه النصارى عبّاد المسيح : { إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } هكذا بأسلوب القصر ، أى : لا يزيد أمر المسيح عن ذلك . فإذا كانت الآية تسفه معتقد النصارى فى المسيح وهو التثليث الشركى ، ثم تبين المعتقد الحق فى المسيح وهو كونه رسول وكلمة وروح من الله ، دل ذلك على أن وصف المسيح بالرسالة والكلمة والروح من الله يعارض تمامًا معتقد التثليث الشركى عند النصارى ؛ لأن الآية وبختهم عليه فى أولها .
وأما وصف المسيح بالكلمة ، فلا يعنى أن الله نطق بالمسيح ككلمة من كلماته . هذا تصور وثنى مضحك لا وجود له إلا فى عقول النصارى . وقد فسر القرآن مراده من وصف المسيح بكلمة من الله ، فقال تعالى : { ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ . مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [مريم 34، 35] . وفسرها بذلك فى آيات أخرى . قال تعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران 47] . فالمسيح عليه السلام وصف بالكلمة لأنه خلق بكلمة كن بلا تدخل ذكرى ، فكانت الكلمة فى حقه ألصق به من غيره ، فكان وصفه به من هذه الحيثية . ثم أكد القرآن هذا التفسير وأنه مراده من وصف المسيح بالكلمة مرة أخرى فى نفس السياق : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [آل عمران 59] . فهذه ثلاث آيات مؤكدات من القرآن لمراده من وصف المسيح بالكلمة وردت فى السياقين الذى قصا قصة المسيح بالتفصيل . وليس بعد تفسير القرآن لآياته من تفسير . فإن تفسير النص لنفسه لا يعدله تفسير آخر .
فالمسيح خلق بكلمة الله ( كن ) من غير تدخل ذكرى . وكل خلق الله خلقوا بكلمة ( كن ) إذ هذا شأن الله فى خلقه : { إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [البقرة 117] . وإنما خص المسيح عليه السلام لقربه أكثر من تأثير الكلمة فيه ؛ إذ ولد عليه السلام بدون الوسيط الذكرى المعتاد . وآدم عليه السلام لم يولد بالطريق المعتاد ، لكن أولاً : آدم عليه السلام خُلق من التراب والماء، والمسيح عليه السلام لم يُخلق مباشرة من التراب والماء على الحقيقة. وثانيًا : آدم عليه السلام لم يُبدأ خلقه بدبيب الروح فيه، بل خُلق على مراحل ومدة زمنية، فخُلق أولاً من تراب وماء، فصار طينـًا، ثم أيبس الطين، ثم قال الله كن، فكان عندها فقط. فالمسيح عليه السلام خُلق بغير مراحل سابقة، بل بمجرد نفخ جبريل فى مريم عليها السلام قيل له كن فكان . فكانت الكلمة ( كن ) ألصق فى حق عيسى من آدم عليهما السلام . والمقصود أن وصف المسيح بكلمة من الله ليس فيه تأليه للمسيح ، وبالتالى تسقط دعوى عباده التى تعللت بذلك . ويبقى المسيح كما قال القرآن عنه : رسول الله وكلمته . بمعناها القرآنى لا بالتصور النصرانى المضحك .
والحاصل أن القرآن رد على النصارى تثليثهم بإخباره أن المسيح كلمة من الله . فنفس هذا الوصف يرد تثليث النصارى الشركى . لأن الذى خلق بكلمة من الله محتاج فقير إلى الله . والله يتنزه ويتعالى عن الفقر والاحتياج . فلا يمكن أن يكون المسيح إلهًا بحال ، ولا يمكن أن يكون إلا عبدًا عاجزًا لا يملك من أمره شيئًا .
وأما وصف المسيح بأنه روح من الله ، فاللبس فى فهم النصارى حين فهموا أن لله روحًا كما للإنسان . وهذا تصور وثنى مضحك . ومصطلح ( روح الله ) فى القرآن كان فى حق جبريل لأنه ينزل بالوحى الذى يحيى الأرواح : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل 102] . وكان نفس التعبير فى حق المسيح لأنه خُلق من نفخة الروح الأمين جبريل : { فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً } [مريم 17] . وقال تعالى : { وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم 12] . وقال عز شأنه : { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء 91] . فهذه الإضافة ( روح الله ) للتفضيل والتشريف ، ولا تعنى أن جبريل أو المسيح غير مخلوقين . بالضبط كالتعبير ( ناقة الله ) و( بيت الله ) وهما مخلوقان يقينًا .
وكما رد القرآن على النصارى تثليثهم الشركى بوصف المسيح بالكلمة ، فكذلك رد عليهم بوصف المسيح بأنه روح من الله . إذ الذى يحتاج إلى واسطة فى خلقه وإلى خالق قبل ذلك ليس إلهاً قديرًا بل هو عاجز محتاج فى نشأته إلى إله قدير . فبطلت بذلك ألوهية المسيح وثبتت سفاهة عبّاده وتفاهة التثليث والحكم لله العلى الكبير .
فالآية من أولها ترد على النصارى تثليثهم الشركى ، وتبين سفاهة من اعتقده ، وقصور عقل من عبد المسيح . فكيف يقول جاهل بعد ذلك بأن الآية تجيز تثليث النصارى الشركى ؟.
ثم تطلب الآية من النصارى الخروج عن كفرهم الذى كان سببه التثليث ، فتأمرهم بالإيمان بالله ورسله : { فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ } . وتنهاهم الآية عن التثليث الشركى الذى يعتقدوه فى ذات الإله { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } . وتتوعدهم بالعذاب إن لم ينتهوا عن تثليثهم الشركى : { انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ } . ثم تخبرهم بالمعتقد الصحيح فى الله وهو الوحدانية : { إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ } لا ثلاثة ولا أربعة .
ولما كان النصارى عبّاد المسيح يعتقدون فيه البنوة الحقيقية لله ، ويقولون عنه : إله حق من إله حق ، ويقولون : هو من جنس أبيه ، فلما كان ذلك منهم قال تعالى : { سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } فنزه نفسه سبحانه عما يقتضيه التثليث الشركى من القول بالبنوة والولادة ومشاركة الله لأحد فى ألوهيته . ثم بين أن المسيح كغيره من المخلوقات لا يصلح أن يكون إلهًا بل هو مملوك عاجز لله يحتاج إلى من يتوكل عليه : { لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً } .
والآية التى بعدها قاصمة ظهر عبّاد المسيح ؛ لأنها توغل فى تقرير عجز المسيح وقصوره : { لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً } [النساء 172] . فبينت الآية أن المسيح نفسه لا يزيد عن كونه عبدًا لله ، وليس هو عبد وإله كما يدعى المشركون . بل ولو حاول المسيح أن يزيد عن قدره هذا لعذبه ربه . وهذا الكلام لا يُقال عن إله ؛ إذ شأن الإله أرفع من هذا . فبينت الآية من كل طريق أن المسيح لا يمكن أن يكون إلهًا لعجزه وفقره واحتياجه ومربوبيته لله الحق ، كما بينت عجز المسيح عن الفكاك من ذلك لو أراد وتطاول إلى مقام الألوهية .
فكيف بعد كل هذا البيان والتوضيح يأتى جاهل ويسوغ لنفسه بالقول بالتثليث فى تلك الآية وهذا السياق ؟!.
اقتباس:
التثليث موجود فى الآية السابقة . الله و كلمته و روح منه .
بل الآية من أولها إلى آخرها تسفه تثليث النصارى ، وتتوسل إلى ذلك بوصف المسيح بأنه كلمة وروح من الله ؛ لأن نفس هذين الوصفين يرد تأليه النصارى له ، وينقض تثليثهم الشركى كما قدمنا .
ولكن النصارى الذين ينكرون على المسلمين دومًا حرفية فهمهم للبايبل ، لم يفهموا وصف المسيح بالكلمة والروح إلا على الحرفية ، وليست هى الحرفية المحتملة من ظاهر النص ، وإنما حرفية مضحكة لا تجيزها اللغة أصلاً . وهكذا فعلوا فى نصوص البايبل ، وتعاملوا مع مصطلحات ( ابن الله ) و( الكلمة ) وغير ذلك فى حق المسيح بنفس الحرفية المضحكة ، مع أنهم لا يزالون ليل نهار ينكرون حرفية فهم نصوص البايبل الأخرى .
اقتباس:
رسول الله و كلمته .
رسول الله (ابن الإنسان ) بتعبير الكتاب المقدس = الناسوت
كلمة الله ( ابن الله ) بتعبير الكتاب المقدس = اللاهوت
هذا الكلام ينضح بجهل هذا النصرانى بكتابه . ونحن نعلمه إن شاء الله .
قوله عن " رسول الله " أنها هى (ابن الإنسان ) بتعبير الكتاب المقدس فى غاية الجهل . لأن البايبل أطلق " ابن الإنسان " على غير الرسل ، كما فى (اشعياء 51/ 12) : " من أنت حتى تخافي من إنسان يموت ومن ابن الإنسان الذي يجعل كالعشب وتنسي الرب صانعك باسط السموات " . وكما فى (مزامير 144/3) : " يا رب أي شيء هو الإنسان حتى تعرفه أو ابن الإنسان حتى تفتكر به " .
وقوله عن التعبير " رسول الله " فى القرآن أنه يساوى " الناسوت " فى غاية الجهل . لأن القرآن لا يستخدمه للتعبير عن الناسوت مطلقًا ، وإنما يقصد به الإنسان الذى نبأه الله وكلفه تبليغ الرسالة ، وإلا على منطق النصرانى يصير كل ناسوت " رسول الله " للتساوى . وهذا حمق ما بعده حمق .
وقوله عن " ابن الله " بتعبير الكتاب المقدس = اللاهوت فى غاية الجهل أيضًا . لأن البايبل يطلق هذه الكلمة على غير المسيح عليه السلام ، فهل كل أولئك كانوا " لواهيت " أيضًا ؟. والنصوص فى ذلك كثيرة ، كما فى (لوقا 3/38) " ابن انوش ابن شيت ابن آدم ابن الله " ، فهل يقول عاقل بأن آدم هو أيضًا اشترك مع الله فى لاهوته ؟!. وتعبير " ابن الله " يطلق غالبًا على الرجل الصالح أو البار . ففى (مرقص 15/39) : " ولما رأى قائد المئة الواقف مقابله أنه صرخ هكذا وأسلم الروح قال : حقا كان هذا الانسان ابن الله " ولم يقصد قائد المئة بذلك أن المسيح يساوى الله فى اللاهوت كما يدعى النصارى جهلاً ، وإنما قصد أنه صالح بار ؛ لأن (لوقا 23/47) حكى ذلك صراحة : " فلما رأى قائد المئة ما كان مجّد الله قائلا : بالحقيقة كان هذا الانسان بارا " .
وقوله عن " كلمة الله " فى القرآن أنها تساوى ( ابن الله ) واللاهوت فى غاية الجهل والحمق . لأن فى القرآن : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [لقمان 27] . فهل يقول عاقل بأن ( أبناء الله ) و" لواهيته " أو المشتركون مع الله فى الهوته من الكثرة بحيث لا ينفدون أبدًا ؟!. وكفى بالقارئ هذا الموضع ليضحك من سفاهة فهم النصارى .
اقتباس:
فلماذا لم يكتف بصفة رسول الله على سبيل المثال ؟
أولاً - لا مانع من التأكيد على بشرية المسيح بأكثر من طريق . فأكد القرآن بشرية المسيح وعجزه عن مقام الألوهية بصفة رسول الله وكذلك بصفة الكلمة وصفة الروح .
ثانيًا - لم يضل النصارى وحدهم عن المعتقد الحق فى المسيح ، فالنصارى وإن كانوا رفعوه إلى مرتبة الألوهية وعبدوه جهلاً وحمقًا ، إلا أن اليهود حطوه عن مرتبة الصالحين ولم يعترفوا برسالته بل قالوا على مريم بهتانًا عظيمًا . ووصف المسيح بأنه رسول الله يعيد للمسيح كرامته ويرد على افتراء اليهود عليه . وكذلك وصف الكلمة والروح يرد على اليهود فى اتهامهم لمريم بالزنا لعنهم الله ، فيبين الله عز وجل أنها ما زنت وإنما حملت به بنفخة الروح الأمين جبريل ، ولم يتدخل ذكر فى ولادته ولذلك كان ألصق بعمل الكلمة كن فى حقه . فالأوصاف الثلاثة كما أنها ترد على النصارى ضلالهم ترد أيضًا على اليهود إفكهم . وسبحان الله منزل الكتاب .
وعلى النصارى أن يسألوا أنفسهم : لماذا اجترأت القساوسة على هذا الكذب والتدليس ؟. لا شك أن القساوسة عرفوا جهل العوام وتقليدهم ، وأنهم كسالى لا يتثبتون من صدق الأخبار ، فاجترأوا على الكذب عليهم كيفما شاءوا .
وعليهم أيضًا أن يسألوا : لماذا كان القرآن بهذا الإحكام بحيث إن كذب القساوسة فيه لا يروج على عاقل ؟.
{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [فصلت 26]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت 41-42]
{ الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود 1] .
{ حم . تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [فصلت 1-3]