تلك المزاعم يصطنعها اليهود عند نومهم مسترخين فى حجرات مفتوحة النوافذ، فتسقط أوراقهم كما تسقط أغطيتهم من فوق أجسادهم فيتعرون وتظهر الحقيقة، وتصبح رواياتهم مجرد أضغاث أحلام يهودية لاتَخِيل إلا على البلهاء والمغفلين ...
ومهما اصطنعوا من أوهامهم تاريخا فليعلموا وليعلم معهم بلهاء وضعفاء هذا العصر أن تاريخ بنى إسرائيل وتاريخ توراة موسى قد تكوّن على أرض مصر، ولقد صمتت الآثار المصرية القديمة تماما عن أى حكاية لهم مع ماهو معروف عن الكتابات المصرية على جدران المعابد والآثار – من دقتها فى تسجيل الأحداث، ويعلل البعض سكوت الآثار المصرية عن أى حكاية لهم، بأنها من وجهة النظر الفرعونية أن بنى إسرائيل منذ نشأتهم فى مصر حتى خروجهم هى حكاية لمجموعة من العبيد اللاجئين لاتستحق التسجيل أو أن يقام لها الآثار والمسلات ...! وأراد الله بذلك أن يضيع تاريخهم فى مصر وتضيع معه توراتهم الأصلية، وتضيع الألواح وتابوت العهد وذلك لحكمة لايعلمها سواه سبحانه وتعالى.
يدعى معظم يهود اليوم أن التوراة (أسفار موسى الخمسة وهى أهم أسفار العهد القديم) كتبها موسى بنفسه، ويتساءل كثير من المؤرخين: هل مايدعيه اليهود هو حقيقة تاريخية، وأى دليل أو يقين يملكه اليهود لإثبات مايدعونه ؟؟.. وفى المقابل أكد المؤرخون بالدليل والبرهان أن الأسفار الخمسة لم يكتبها موسى، وأنه قد تم كتابتها بعد موسى بعدة قرون من أشخاص غير معروفين.. راجع رابط الموقع:
http://freethought.mbdojo.com/authenticityoldtest.html
وقد ذكر هذا الرابط 43 دليلا استند عليهم علماء الآثار والمؤرخين لإثبات عدم وجود مايسمى باللغة العبرية زمن موسى عليه السلام وإثبات أن التوراة (الأسفار الخمسة) كتبها مؤلفون مجهولون بعد وفاة موسى عليه السلام بعدة قرون.. واكتفى هنا بذكر دليلين من بين تلك الأدلة تم طرحهما باللغة الإنجليزية كما يلي:
3. The Pentateuch was written in the Hebrew language. The Hebrew of the Bible did not exist in the time of Moses. Language takes centuries to develop. It took a thousand years to develop the English language. The Hebrew of the Bible was not brought from Egypt, but grew in Palestine. Referring to this language, De Wette says: "Without doubt it originated in the land [Canaan] or was still further developed therein after the Hebrew and other Canaanitish people had migrated thither from the Northern country" (Old Testament, Part 2). Gesenius says that the Hebrew language scarcely antedates the time of David.
4. Not only is it true that the Hebrew language did not exist, but it is urged by critics that no written language, as we understand it, existed in Western Asia in the time of Moses. Prof. Andrew Norton says: "For a long time after the supposed date of the Pentateuch we find no proof of the existence of a book or even an inscription in proper alphabetical characters among the nations by whom the Hebrews were surrounded." (The Pentateuch, p. 44) Hieroglyphs were then in use, and it cannot be imagined that a work as large as the Pentateuch was written or engraved in hieroglyphics and carried about by this wandering tribe of ignorant Israelites.
ويؤكد المؤرخون (الرابط السابق) أن لغة التوراة العبرية لم تكن موجودة فى زمن موسى عليه السلام، وقد أخذت اللغة العبرية عدة قرون بعد موسى لتتشكل كلغة يمكن كتابتها، فلغة التوراة العبرية لم يكن يعرفها بنو إسرائيل حتى خروجهم من مصر، وأنه لزمن طويل بعد التاريخ الحقيقى المفترض لكتابة التوراة، لانجد دليلا واحدا أونقشا واحدا لسفر من أسفار موسى الخمسة فى أى من الدول التى كانت تحيط ببنى إسرلئيل بعد خروجهم من مصر، وقد أكد ذلك أيضا مؤلف سفر التثنية (ص 44).. كما أن لغة مصر القديمة الهيروغليفية هى التى كانت تستعمل فى ذلك الوقت فى أرض كنعان التى خرج إليها بنو إسرائيل، ولايمكن تصور أوحتى مجرد تخيل أن يتم كتابة الأسفار الخمسة باللغة الهيروغليفية، بما يعنى ذلك أحمالا ثقيلة من أوراق البردي أو من مسلات الحجارة التى كان يتوجب على بنى إسرائيل حملها زمن التيه ووقت رحلتهم الشاقة إلى كنعان، وهم الذين قد وصفهم موسى عليه السلام بالجهل والكسل والفساد..
والسؤال الذي لايجد إجابة مقنعة ومؤكدة بأى دليل واضح ومقبول حتى الآن هو: ماهى تلك اللغة التى كتب بها موسى التوراة إن كان هو الذي كتبها بالفعل كما يدعون؟، وماهى تلك اللغة التى كتب بها الله تعالى على ألواح موسى؟ وقد جاء فى القرآن الكريم " وكتبنا له فى الألواح " (الأعراف 145)، وأشهر ماعُرف أنه مكتوب بتلك الألواح هو الوصايا العشر، ورُوى فى الخبر أن جبريل عليه السلام قبض على موسى بجناحه فمر به فى العلا حتى أدناه فسمع صرير القلم حين كتب الله له فى الألواح (ذكره الترمذى). ولايوجد دليل واحد يشير إلى اللغة التى كتب بها الله سبحانه وتعالى على ألواح موسى، أو دليل واحد مقنع أن موسى هو الذي كتب التوراة كما يدعى اليهود، أو دليل واحد على اللغة التى كتب بها موسى إن كان قد كتب شيئا فى الأصل. وقد ضاعت الألواح وضاعت التوراة الأصلية وضاع التابوت نفسه الذي كان يحتويهما حيث كان معظمه مصنوعا من الذهب الخالص، ولم يتبقى لنا أو لهم سوى بعض التخمينات والنظريات والإفتراضات وأحيانا بعض التلفيقات ...
ويقول اليهود أنه بعد أن ضاعت التوراة الأصلية تم إعادة كتابتها بين عام 450 ق.م. وعام 250 ق.م. بالكتابة العبرية المقدسة فى كتابين هما كتاب عزرا (وهو عزير فى القرآن الكريم) وكتاب نحميا Nehemiah. ونحميا هذا عاد بعد السبى البابلى من أرض فارس إلى أورشليم، أما عزرا أو عزير فكان موظفا فى بلاط فارس ومستشارا لشئون الطائفة اليهودية، وتمكن لثقة الملك فيه – من أخذ موافقته على عودة الفوج الثانى من يهود السبى إلى أورشليم حاملين معهم ماشاءوا من الأموال. وقام نحميا بحركة إصلاح دينى بعد عودته إلى أورشليم، وطلب من عزرا أن يأتى بأسفار موسى من ذاكرته.. وهذه إحدى روايات اليهود لتأكيد عدم ضياع التوراة الأصلية ولتأكيد وجود اللغة العبرية كلغة مكتملة صالحة للكتابة والتسجيل، فى حين يؤكد المؤرخون أن عزرا ونحميا حين كتبا التوراة بعد السبى البابلى كتباها باللغة الآرامية.
ومن السرد السابق يعنينا أن نقول للذين يعتقدون أن التوراة قد كتبها موسى بنفسه وباللغة العبرية ، أنه لايوجد مايؤيد اعتقادهم هذا من وثائق ومخطوطات وآثار وحفريات أو حتى مجرد دلائل يمكن أن يتقبلها المنطق البسيط ، وأن لغة التخاطب بين موسى وربه حين خاطبه الله عندما كان يرعى غنم حميه كاهن مدين (سفر الخروج 1/1-8) لم تكن سوى اللغة المصرية القديمة التى لم يكن يعرف غيرها حيث وُلد بمصر وعاش وتربى فيها أو اللغة العربية لغة أهل مدين التى تعلمها من حميه وزوجته حتى مات ولم ينطق بغير هاتين اللغتين ولم تطأ قدمه أرضا غيرأرض مصر وأرض مدين ، هذا ناهيك عن كون كلمة "توراة" ذاتها من الألفاظ المصرية ، ومعنى "توراة" Torah يرتبط بعبادة الثور المقدس فى المصرية القديمة ، وإن كثيرا من العلماء والمؤرخين يشككون أصلا فى وجود مايسمى باللغة العبرية فى زمن موسى عليه السلام .. ومع افتراض وجودها بعد ذلك أو قبل ذلك فقد ماتت تلك اللغة الهجين المصطنعة ولم يعد ينطق بها أحد لمدة لاتقل عن 2300 سنة، إلى أن كانت بداية إعادة هذه اللغة للحياة تحت إسم اللغة العبرية الجديدة، وكانت هذه البداية على يد رجل واحد هو إليعازر بن يهوذا (1858-1922) مع بداية التفكير فى إنشاء وطن يجمع شتات يهود العالم، ولتكون هذه اللغة بالرغم من تعدد لغات اليهود فى شتاتهم رمزا يصطنعونه لوحدتهم فى هذا الوطن تحت علم واحد ...
فما هى أصول تلك اللغة العبرية الجديدة لغة دولة إسرائيل الحالية، وكيف تشكلت ونشأت هى الأخرى، وما هو وجه الشبه بينها وبين اللغة العبرية القديمة...؟؟!!.
https://atef.helals.net/mental_respo.../session_5.htm
ملاحظة مرفقة: يقول عباس محمود العقاد فى كتابه "إبراهيم أبو الأنبياء" ص 131 (الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت):
ربما كان من المفاجآت عند بعض الناس أن يقال لهم أن ابراهيم عليه السلام كان عربيا، وأنه كان يتكلم اللغة العربية. ولكنها الحقيقة التاريخية التى لاتحتاج إلى فرض غريب أو تفسير نادر غير ترجمة الواقع بما يعنيه، وإنما الفرض الغريب أن يحيد المؤرخ عن هذه الحقيقة لينسب ابراهيم إلى قوم غير قومه الذين هو منهم فى الصميم ....
وليس معنى هذا بالبداهة أنه كان يتكلم العربية التى نكتبها اليوم أو نقرأها فى كلام الشعراء الجاهليين ومن عاصرهم من العرب الأقدمين، فلم يكن فى العالم أحد يتكلم هذه اللغة فى عصر ابراهيم ولا فى العصور اللاحقة به إلى القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد.. وإنما اللغة العربية المقصودة هى لغة الأقوام التى كانت تعيش فى شبه الجزيرة العربية وتهاجر منها وإليها فى تلك الحقبة، وقد كانت لغة واحدة من اليمن إلى مشارف العراق والشام وتخوم فلسطين وسيناء.
ولقد عُرفت تلك اللغة حينا بإسم اللغة السريانية غلطا من اليونان فى التسمية ، لأنهم أطلقوا إسم أشورية أو أسورية على الشام الشمالية ، فشاعت تسمية العربية بإسم السوريانية والسريانية من المكان الذى أقامت فيه بعض قبائل العرب الوافدة من شبه الجزيرة منذ أقدم العصور ، قبل عصر ابراهيم بزمن طويل ... واشتملت هذه اللغة السريانية فى بعض الأزمنة على عدة لغات لاتختلف فيما بينها إلا كما اختلفت لهجات القبائل العربية قبل الدعوة الإسلامية ، ومن هذه اللغات لغة آرام وكنعان وأدوم وموآب ومديان وماجاورها فى الأقاليم الممتدة بين العراق وسيناء ، وربما كانت المفاجأة أشد على من يسمع أن الخليل لم يكن عبريا من العبريين .... فقد مضى وقت طويل والناس يفهمون أن العبرية واليهودية كلمتان بمعنى واحد، ولم تكن اليهودية قط مرادفة للعبرية فى معنى صحيح.
فالعبرية فى نحو القرن العشرين قبل الميلاد كانت كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرحل فى صحراء الشام ، وكان من أبناء هذه القبائل من يعمل كالجنود المرتزقة هنا وهناك حسب المواقع والمناسبات ، وبهذا المعنى وردت كلمة العبرى والأبرى والهيبرى وماقاربها لفظا فى أحافير "تل العمارنة وفلسطين وآسيا الصغرى والعراق ، وجاءت بهذا المعنى فى الكتابات المسمارية والفرعونية" ، ولم يكن لليهود وجود فى ذلك الحين ... ولما وجد اليهود وانتسبوا إلى إسرائيل (يعقوب) كانوا هم أنفسهم يقولون عن العبرية أنها لغة كنعان ، ثم انطوت العبرية فى الآرامية التى غلبت على القبائل جميعا بين فلسطين والعراق مع اختلاف يسير بين الآرامية الشرقية والآرامية الغربية .. وأصبحت العبرية مجرد لهجة تختلف بنطق بعض الحروف كما تختلف القبائل بنطق الشين والكاف أو نطق الميم واللام إلى هذه الأيام.