التعريف بلفظ الجلالة – الله وما معناه’
قال تعالى “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ والقمر لَيَقُولُنَّ اللَه ۖ فأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ” سورة العنكبوت 61 .
وقال تعالى “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ليقولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” سورة لقمان 25 .
لقد إعترض بعض الكفار على قول الله تعالى “ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض” على أن يكون جوابهم على ذلك وهو بالقول “ليقولن الله” كما اخبرنا الله وزعموا بأن قول القرآن هذا هو خطأ وذلك لأنهم لا يُشيرون على خالق السماوات والأرض على أنه الله فهُم وبكل بساطة لا يعترفون بإسمه ولا يؤمنون به ومنهم من يُشير عليه بالرب فقط ولا يذكرون لفظ الجلالة أي أسم الله الخاص به، ومنهم من يقول إيل ومنهم من يقول ” GOD ” ومنهم من يقول أو يُشير عليه بالقوة الخارقة أو بالقدرة العجيبة أو هو بالخالق الذي يُعجز عن وصفه ولذلك فهم يتساءلون كيف يتم ذلك أي الإشارة عليه بأنه الله وهم لا يعرفون الخالق بإسمه هذا، فالكثير منهم ولا يُجيدون اللغة العربية وآخرين لا يستعملون نفس التسمية للإشارة عليه وبالتالي فما المقصود بذلك …. وكيف للمسلمين أن يوضحوا أو يُفسروا قوله تعالى “ليقولن الله” هذا إذن …..
-الله – ومعناه ما بين الـ ال والـ لاه
الله الظاهر : الـ والله المستتر: لاه
قال تعالى ” ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” سورة الأنعام 102
إن لفظ الجلالة “الله” يتكون من أل التعريف مضاف لها لاهـ، فأتت الـ أل “للتعريف” بالخالق فأظهرت حقيقته وعرّفت على ذاته فأصبح هو ظاهر بها لخلقه، ولحقت بها ألـ لاهـ ومعناها المُستتر الذي حجب نفسه واستتر عن خلقه، وكان التعريف بـ :
الـ لاهَ حسب القاموس المحيط: لاهَ يَلِيهُ لَيْهاً: تَسَتَّرَ، وجَوَّزَ سِيْبَوَيْه اشْتِقاقَ الجلالةِ منها، وعَلاَ، وارْتَفَعَ. وكان الـ لاه حسب لسان العرب: قال الجوهري: لاهَ يَلِيهُ لَيْهاً تَسَتَّر، وجوَّز سيبويه أَن يكون لاهٌ أَصلَ الله تعالى. وكان الـ لاه حسب مقاييس اللغة: اللام والألف والهاء. لاه اسمُ الله تعالى، ثم أدخلت الألف واللام للتعظيم. وبالتالي فإن أسم الله سبحانه وتعالى جمع ما بين الظاهر والمُستتر.
قال تعالى “هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ” سورة الحديد 3 .
-
فهو إله ظاهر ومعلوم لخلقه،
قال تعالى “هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ” سورة الحشر 24 .
قال تعالى “اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ” سورة طه 8 .
إذن فالله في الأصل هو لاهـ أي خفي ومُستتر، فهو صاحب الإل واللاهـ وكان هو وحده الله، وبالتالي فلقد كان لا يمكننا التعرف عليه حتى عرّف هو عن نفسه وذاته من خلال الــ ألوجود في كل ما رأت العين من خلق في أرض أو ما نشهده في صفحة السماء فدلالات وجوده تُحيط بنا في كل أل في الحجر والبشر والسماء والأرض والإنسان والحيوان … ، فكان الله هو الـ لاهُ وهو ألـ خالق، الـ باريْ، والـ مُصوِّر،
قال تعالى ” ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوه ” سورة الأنعام 102 .
فكان أول ما بدأ الحديث عنه في الآية الكريمة هو التعريف بقدرته على الخلق، فعرفَّ على نفسه من خلال خلقه، فهو وحده خلق كُل شيء وأوجده وأحدثه وكونه فاصبح كل ماهو مخلوق بالشيء المكون أي له كيان ووجود، وتبع ذلك بالتصريح على كونه هو الباريء فَبَرَّأ ما كان قد خلق وأوجد من كُل نقص وعيب، وكان بأن إنتهى بالتعريف على نفسه بالمُصوَّر والذي صَّور الخلق بِصُور جعلت من كُل كيان ووجود مُميزاً وفريد .. فكان أسم الله الباريء والذي أوقعه فيما بين إسميه الخالق والمُصوَّر وربط بينهما هو شهادة على وحدانية قدرته وعظيم صُنعه في الخلق والتصوير، فهو وحده والذي له الـ أسماء الحُسنى ….
قال تعالى “وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا” سورة الأعراف 180 .
وفي “لسان العرب” يُقال: الاسم الأَحْسَن والأَسماء الحُسْنى؛ وقوله عز وجل: أَحْسَنَ كُلَّ شيءٍ خَلْقَه؛ أَحْسَنَ يعني حَسَّنَ، يقول حَسَّنَ خَلْقَ كلِّ شيءٍ، نصب خلقَه على البدل، ومن قرأَ خَلَقه فهو فِعْلٌ. وبالتالي فقوله تعالى” لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ” تُشير على أن أسماءه الحُسنى تتميز عن دونها بالحُسن والتحسين والتي بها أحسن الله كُل شيء خلقه، وهي له وحده ولا يُشرَك معه أحد فيها وكانت هي التي ظهر الله وعرّف على نفسه من خلالها.
وهو إله مستتر… فهو خفيّ ولا مثيل له في أسماءه وصفاته وبذلك بقي لا يُقارن معه أحد من مخلوقاته أو يُشاركه صفاته وأسماءه،
فقال تعالى “لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ” سورة الأنعام 103 .
وقال تعالى “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ” سورة الشورى 11 .
وقال تعالى “وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ” سورة الإخلاص 4 .
إذن فإن قول الله تعالى “ليقولن الله” هي حتماً ستكون إجابتهم على سؤال من خلق السماوات والأرض فالله الجامع في وحدانيته كُل صفاته الحُسنى والتي ليس مثيل لها والتي خلق وبرأ وصوَّر فيها كُل خلقه تُشير على الله أياً كان جوابهم فهو ألـ خالق والـ باريء والمُصور، فهو الـ قادر وهو الـ قوي والـ عظيم والـ علي والـ قدير والـ جبار ومالك كُل شيء … أي إذن فلو قالوا هو قوة أو هو قدرة أو هو شيء عظيم أو هو ليس له مثيل وليس له كفواً أحد يُضاهيه، ولا نعلم عنه شيء سوى ما أظهر لنا، وهو ذو قدرة عجيبة وله سلطان عظيم، فكل هذه الصفات هي للتعريف بما ظهر وأستتر من صفاته والتي في مجموعها تُشير على الـ ال والـ لاه اي الظاهر والخفي وهذا هو الله، وبالتالي فهم يعترفون ولو عن غير قصد ومن غير علم حتى وأن كانوا على ضلالة وأختلفت لغاتهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم بأن خالق السماوات والأرض ومُسخِر الشمس والقمر هو واحد ولا أحد سواه وهو الله .
قال تعالى “هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا” سورة مريم 65 .
فحسب لسان العرب: روى المنذري عن أَبي الهيثم أَنه سأَله عن اشتقاق اسم الله تعالى في اللغة فقال: كان حقه إلاهٌ، أُدخلت الأَلف واللام تعريفاً، فقيل أَلإلاهُ، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالاً لها، فلما تركوا الهمزة حَوَّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف، وذهبت الهمزة أَصلاً فقالوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لام التعريف التي لا تكون إلاَّ ساكنة، ثم التقى لامان متحركتان فأَدغموا الأُولى في الثانية، فقالوا الله. كما وأن اسم الله لا يجوز فيه الإلَهُ، ولا يكون إلا محذوف الهمزة، تَفَرَّد سبحانه بهذا الاسم لا يشركه فيه غيره، فإذا قيل الإلاه انطلق على الله سبحانه وعلى ما يعبد من الأَصنام، وإذا قلت الله لم ينطلق إلا عليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاز أَن ينادي اسم الله، وفيه لام التعريف وتقطع همزته، فيقال يا ألله، ولا يجوز يالإلهُ على وجه من الوجوه، مقطوعة همزته ولا موصولة، وقيل في اسم الباري سبحانه إنه مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَه إذا تحير، لأَن العقول تَأْلَهُ في عظمته. وأَلِهَ أَلَهاً أَي تحير، وأَصله وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهاً.
فهو الإلَهُ: الله عز وجل، وكل ما اتخذ من دونه معبوداً إلَهٌ عند متخذه، والجمع آلِهَةٌ. والله: أَصله إلاهٌ، على فِعالٍ بمعنى مفعول، لأَنه مأَلُوه أَي معبود، قال أَبو الهيثم: فالله أَصله إلاهٌ، قال الله عز وجل: ما اتَّخذ اللهُ من وَلَدٍ وما كان معه من إلَهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بما خَلَقَ. قال: ولا يكون إلَهاً حتى يكون مَعْبُوداً، وحتى يكونَ لعابده خالقاً ورازقاً ومُدبِّراً، وعليه مقتدراً فمن لم يكن كذلك فليس بإله، وإِن عُبِدَ ظُلْماً، بل هو مخلوق ومُتَعَبَّد. قال: وأَصل إلَهٍ وِلاهٌ، فقلبت الواو همزة كما قالوا للوِشاح إشاحٌ وللوِجاحِ وهو السِّتْر إِجاحٌ، ومعنى ولاهٍ أَن الخَلْقَ يَوْلَهُون إليه في حوائجهم، ويَضْرَعُون إليه فيما يصيبهم، ويَفْزَعون إليه في كل ما ينوبهم، كم يَوْلَهُ كل طِفْل إلى أُمه. وقد أَلِهْتُ على فلان أَي اشتدّ جزعي عليه، مثل وَلِهْتُ، وقيل: هو مأْخوذ من أَلِهَ يَأْلَهُ إلى كذا أَي لجأَ إليه لأَنه سبحانه المَفْزَعُ الذي يُلْجأُ إليه في كل أَمر؛ قال الشاعر: أَلِهْتَ إلينا والحَوادِثُ جَمَّةٌ وقال آخر: أَلِهْتُ إليها والرَّكائِبُ وُقَّف والتَّأَلُّهُ: التَّنَسُّك والتَّعَبُّد.
-
أزواج الصبغيات” وتكوينها الزوجي الذي يُخلق منه الإنسان:
يقول الله تعالى:
فَاطِرُالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِۚجَعَلَلَكُممِّنْأَنفُسِكُمْأَزْوَاجًاوَمِنَالْأَنْعَامِأَزْوَاجًاۖيَذْرَؤُكُمْفِيهِۚلَيْسَكَمِثْلِهِشَيْءٌۖوَهُوَالسَّمِيعُالْبَصِيرُ. سورةالشورى 11 .
فقوله تعالى “ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا …. يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ” أي يخلقكم فيه أي في هذا الجعل “إشاره على التكاثر الجنسي” والذي قدَره عليكم فسمحت قدرته للإنسان بالتكاثر والتوالد من نفسه، وبالتالي جعل الله لنا ذرية فيكاثرنا ويذرنا كالذرار والذرات إشارة إلى أصغر شيء في لبنة البناء المادي من خلال ما جعل لنا من الأزواج التي قدَرها لهذا العمل، فذرأَ حسب لسان العرب: هو الذي ذَرَأَ الخَلْقَ أَي خَلَقَهم، وكذلك قال اللّه عز وجل: ولقد ذَرَأْنَا لجهنم كثيراً أَي خلقنا. وكأَنَّ الذرء مُخْتَصٌّ بخَلْقِ الذّرِّيَّة، وهنا قال تعالى “يذرؤُكم فيه” اي إشارة على أن يُذرؤُكم في هذا الجعل والذي يعود على الازواج، ومعنى ذلك بأن الله جعل للناس أي لكل فرد ناضج سواء ذكراً أم أُنثى ما أطلق عليها بالأزواج من داخل ما تحتويه نفسه ومن داخله فقال تعالى ” جعل لكم من أنفسكم أزواجاً” أي يصنع لكم ذرية من هذه الأزواج ويخلقكم من خلال هذا الجعل وهذه الإشارة هي أوضح ما تكون لتُشير على الـ 23 زوج من الكروموسومات الموجودة في نواة الخلية كما عرَّفها العلم الحديث والتي تحتوي على الحمض النووي أي جُزيء الـ دي إن إيه والموجود على شكل لولبي ثُنائي أيضاً يحمل الخارطة الجنينية للبناء الإنسي والمتمثل في المادة الوراثية أو الجنم النووي أي الـ 22 كرموسوم زوجي جسمي بالإضافة إلى كرموسوم زوجي جنسي واحد يختص “بتحديد الجنس، كما والملاحظ هنا هو ذكر الأنعام والتي هي أيضاً مخلوقة بنفس الطريقة وعمليات استنساخ الحيوانات ومنها النعجة دولي لأكبر دليل على دور أزواج الكرموسومات في عملية الخلق.
لقد حدثنا الله عن خلقه لنا من الأزواج من الكروموسومات فقال الله تعالى ” يُذرؤكم فيه” أي يجعل ذريتكم أو يذُرُّكم من هذه الأزواج حيث يبرز دور أزواج الكرموسومات من خلال دورها الاساسي في عملية التوالد والتناسل حين تنقسم إلى نصفين أي إلى 23 فردي حيث يتبرع كل زوج بالنصف ليشكلوا معاً 23 كرموسوم زوجي جديد أو 46 كروموسوم فردي.
إن نصف الكروموسومات التي يتبرع فيها الذكر عادةً عددها 23 كروموسوم فردي تعيش طور حياتي بدائي من خلال خليته البدائية أي الحيوان المنوي، ونصفها الآخر وعددها 23 كروموسوم فردي تساهم فيه الأنثى من خلال خليتها البدائية أي بويضته وبإجتماعهما معاً نحصل على أول لبنة بناء إنشائي للمخلوق الجديد وهذا ما نحتاجه في كل آلية عمل خلقي ويعقبه في كل مرة.
فقول الله تعالى “ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا …. يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي يخلقكم من خلال هذه الازواج “الكروموسومات الزوجية” والتي تسكن في نواة الخلية، “النطفة” فالخلية والتي هي وحدها كما أخبرنا علماء الأحياء التي تستوفي فيها الشروط الأربعة اللازمة لإحداث ونشأة الحياة وذلك شهادة على صدق كلام الله والذي عرّف على دورها في خلق الإنسان وأصل تكوينه الخلوي والتي فيها يتوفر:
1- القدرة على النضوج والنمو والإنقسام للخلية.
2- إستجابتها للحافز والمحرك أي قدرتها على التفاعل.
3- القدرة على النسخ والتكرار وهذا ضروري للبناء الخلوي وتكاثره.
4- الإستقلاب أو التمثيل الغذائي بغرض الحصول على الطاقة اللازمة والضرورية للخلية.
-
القرآن لا يكتفي بالإشارة على دور الكرموسومات ولكن يُشير أيضاً على عدده وعلى الكموسوم الجنسي والذي يُحدد جنس المولودا:
قال تعالى “وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)” سورة النجم .
فالآيات الكريمة أعلاه تُشير على نُطفة وعلى مَني، فالنطفة إذا مُنيت أي لُقِحت أو خُصِبت تُصبح إمتزاج وإختلاط لمائي الرجل والمرأة الممتهن أي الذي وظيفته هو حمل الصفات الوراثية للمخلوق الجديد، قال تعالى “مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى” ولكن يا للعجب .. فإن رقم الآية والتي تتحدث عن النطفة إذا لُقّحت بالمني هي الآية رقم 46 وبالمناسبة فهذا بالتحديد هو مجموع كامل الكروموسومات التي تحتوي عليه البويضة المُلقحة والذي تتكون منه كُل خلية إنسانية حية عدى بويضة الأُنثى الغير مُلقحة والحيوان المنوي الذكري ….
أما قوله تعالى “وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى” في الآية رقم 45 ففيه الإشارة على أنه لم يكن قد اكتمل نصاب عدد الكروموسومات في الخلية الملقحة بعد فافتقدت كروموسوم واحد والذي اشار عليه العلم بالكرموسوم الجنسي اي الذي يحدد الجنس والذي حين أُضيفت لها الآية رقم 46 والتي تتحدث عن تلقيح بويضة الأُنثى بمني الذكر ازداد عدد كروموسوماتها بواحد وبهذا فلقد اكتمل نصاب عدد الكروموسومات فيها إلى 46 وبذلك تم من خلال هذه الإضافة تحديد جنس المولود من ذكر أو أُنثى، وبما أن الحديث عن المني “الحيوان المنوي” إذن فالإشارة واضحة على أن هذا الكرموسوم الآخير والمسؤول عن تحديد الجنس يعود على الذكر وليس الأُنثى فالخلية إذا لُقحت بالحيوان المنوي للرجل والذي يحتوي على الكروموسوم X يكون المولود ذو كروموسومات جنسية XX وبالتالي يكون المولود أنثى، أما إذا كان الحيوان المنوي المخصب للبويضة يحمل الكروموسوم Y فينتج عن التخصيب زوج الكروموسومات الجنسية XY، ويكون المولود بذلك ذكرا وبالتالي إذن فإن الحيوان المنوي الذكري هو الذي يحدد نوع المولود …. فهل هذه أيضاً صدفة يا عباد الله.
لقد أخبرنا الله لأن نعتبر من خلال الدرس والبحث في تكويننا النفسي وخلقنا ليكون لنا في ذلك عبرة ودرس فيقولاللهتعالى، “وَفِيالْأَرْضِآيَاتٌلِّلْمُوقِنِينَ. وَفِيأَنفُسِكُمْۚأَفَلَاتُبْصِرُونَ” سورةالذاريات 20 – 21 .
ويقول الله تعالى “وَفِيخَلْقِكُمْوَمَايَبُثُّمِندَابَّةٍآيَاتٌلِّقَوْمٍيُوقِنُونَ” سورةالجاثية 4 .
أزواج الكروموسومات ودورها في نقل الصفات الوراثية من الآباء إلى البنين والحفدة
-
قال تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً سورة النساء 1.
فهذا القول القرآني “وخلق منها زوجها” يختلف عن قوله تعالى “وجعل منها زوجها” …
قال تعالى “هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ” سورة الأعراف 189 .
قال تعالى “وجعل منها زوجها” وهنا الحديث عن الزوج يخص حواء فقط ويُشير عليها والتي خلقها الله سبحانه وتعالى وخلقنا من هذه النفس أي آدم عليه السلام ولنُركز على قوله تعالى “وجعل منها زوجها” حيث لم يقل خلق منها زوجها أي على العكس من الآية التي سبقت من سورة النساء 1 وهذا دليل على أن الخلق والجعل هو ليس بالواحد أي نفس الشيء وذلك لأن الخلق شيء والجعل شيء آخر وهما مختلفين تماماً فالجعل ليس إحضار وتكوين جديد كالخلق ولكن ففيه التطويع والتحسين والتركيب والتقدير والسماح الوظيفي لهذا الكيان المخلوق، فالجعل يأتي بعد الخلق ولا يساويه وقوله تعالى “جعل منها” أي قدّر وسمح للتركيبة الخلوية للنفس بالتكاثر الجنسي ومكنها من القدرة على المعاشرة والقدرة على التوالد والتكاثر وذلك من خلال تنظيم ما آل عليه خلقه “خلق منها زوجها” ومن ثم “جعل منها زوجها” ليكون قادر على التناسل من خلال جعل لكل منهما آلية جهاز تناسلي وإحتواء كل من نفسيهما على الغريزة الجنسية وتسخير أزواج الكروموسومات وتزيين الشهوة لكليهما فأتى السكون نتيجة الجعل ولحق فيه فتسبب في المعاشرة وبالتالي حدوث الحمل.
كما وكان في إشارة أخرى على آيات الله في خلق النفس البشرية ما نستمده من قوله تعالى في كتابه العزيز هو الإشارة على العوامل الوراثية والتي تنتقل من الأجداد والآباء إلى البنين والحفدة،
قال تعالى “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ” سورة النحل 72 .
فلقد كُنّا قد إستنتجنا بأن الحديث يدور عن أزواج الكرموسومات “ والله جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا” والتي يُخلق بها ومنها الإنسان أي تحمل الشيفرة الوراثية (الصفات) للمولود ومن ثم ينتقل حديث الآية الكريمة عن دور هذه الأزواج من الكرموسومات في إحداث أو توليد البنين والحفدة، ولو كان ذلك يعني الزوج والزوجة كما يُشير على ذلك بعض المفسرين والعلماء لكان هذا خطأ لأن الزوج لا يمكن لأن يولد البنين والحفدة في آن واحد أو مُباشرة أي من إلى، فالرجل والمرأة لا يلدان حفيدهم كما وأن الزوج لا يعمل للزوج الآخر وحده بنين لأن عمل البنين يحتاج لكل من الزوجين الذكر والأنثى فعند تزاوج الرجل “اكس واي” + المرأة “إكس إكس” تكون النتيجة مولود إما أُنثى “إكس إكس” أو ذكر “إكس واي” أما الحفدة فلا يتدخل أي من الزوجين في جعلهم بالطريقة المعتادة ونصيبهم الوراثي من الحفدة لا يتعدى النصف والذي يتمثل في مشاركة بنينهم فقط أما النصف الباقي فهو ما يتمثل في مشاركة زوج البنين “من ذكر أو أنثى” حين يقوم بالتزاوج مع شخص آخر “أي مع نظيره العكسي من ذكر أو أُنثى” وتكون النتيجة ولادة الحفيد وبالتالي لا يحدث هذا من خلال هذا الجعل بالطريقة التقليدية أي من النفس سوى أن تكون الإشارة على أزواج الكرموسومات والتي يتم من خلالها إنتقال العوامل الوراثية إلى البنين ومن ثم إنتقالها إلى الحفدة وبالتالي مكنتنا من التعرف على الجينات الوراثية لكل نسل وعائلة، ومكنتنا أيضاً من التعرف على بقايا الأموات ونسَبهم وكشف المسؤولين عن عمليات الإغتصاب والجريمة وفي البحث عن المفقودين، والتعرف على انساب المواليد الغير شرعيين، وكشف الإمراض الوراثية … وذلك كُله من خلال فحص حمضهم النووي “الدنا” وما تحتوي عليه تركيبتهم الخلوية.
إن قوله تعالى “وجعل لكم من أنفسكم أزواجا” بحاجة لتوضيح أكثر أي كيف تتم عملية الجعل هذه حيث لا يتوهم القاريء على أن المقصود وهو بأن النفس الأنثوية بقادرة على إحداث زوج الذكر منها وبنفس الوقت على أن النفس الذكرية بقادرة على إحداث زوج الأُنثى منها أي عملية تبادلية، وبالتالي فقوله تعالى بجعله لما أشار عليه بالأزواج لكل من نفسي الذكر والأُنثى “الكروموسومات” هي وحدها المسؤولة عن عملية التكاثر والتوالد والتي من خلالها نحصل على البنين والحفدة والذرية بشكل عام.
فكان إمكانية حدوث خلق المسيح من الأنثى “أمه مريم” ذات الـ ” XX ” وعدم إحتواء كرموسوماتها على الـ “y” كرموسوم أي بدون عملية تزاوج مع الكرموسوم الذكري وبنفخة من روح الله هو معجزة وآية من آيات الله كما وأكد العلم الحديث على إستحالة حدوث هذا الحمل دون التدخل الرباني فيه … إن خلق المسيح لا يمكن حدوثه طبيعياً نتيجة عدم تلقيح خلية مريم الأنثوية والمتمثلة بالـ إكس إكس من أي حيوان منوي والمتمثل بالـ إكس واي كروموسوم الذكري، كما ولا يمكن حدوث ذلك أيضاً عن طريق تقنية النسخ ” the cloning technique ” لكرموسوماتها الأنثوية أي الـ إكس إكس كما كان في خلق حوّاء من آدم أي من نفسه ومن كرموسوماته الذكرية الـ إكس واي ويمكننا الرجوع إلى الخلق النسخي لحوّاء للتحقق من ذلك حيث وإن حدوث ذلك هو خرق للطبيعة أي معجزة وبالتالي فلقد كان لنا في خلق المسيح من العذراء البتول عبرة وآية،
قال تعالى “وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ” سورة الأنبياء 91 .
وقال تعالى “فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ” سورة المؤمنون 14 .