ما هي البواعث التي تدفع الساحر لممارسة السحر:
إن الذي يتفحص أحوال الكُهان والسحرة، عبر مراحل التاريخ، منذ الخليقة الأولى، إلى يومنا هذا، يدرك مدى العناء الذي يتجشمه الساحر، من التعاليم الصارمة والشاقة، التي يفرضها عليه الشيطان، ومن العقوبات التي كانت تنهال على كل من يمارس السحر، من قَبل الحكومات والشرائع الدينية ، على اختلاف مشاربها. ومع ذلك استمر إقبال كثير من الناس على تعلم السحر والعمل به، فما الذي يدفع هؤلاء لسلوك هذا الطريق المليء بالأشواك والمخاطر؟ وما الذي يجعلهم يفضلون العيش في حياة تحفها من جميع الجوانب، المخاوف والاضطرابات، بين مطرقة الشيطان وسندان العقوبات؟ ولعل الدافع الأساسي الذي يحذو بالساحر أن يتعلم السحر، هو دافع نفسي، يبدأ بحب الاستطلاع والغوص في كنه المجهول، وقراءة الغيب والتنبؤ بالمستقبل، وهو ما يجلب انتباه الناس إليه، ونيل إعجابهم وتوقيرهم له، ثم ما يلبث أن ينتهي هذا الدافع بصاحبه إلى حب السيطرة واستعباد الناس، وإلحاق الضرر بهم، وهي طريقة الشيطان في إغواء الساحر واستدراجه شيئا فشيئاً، إلى هذه النهاية المؤلمة، حيث ينزع من قلبه كل المبادئ الدينية والأخلاقية، بل وحتى الإنسانية، ويجعله لا يفكر إلا في الشر، والشر وحده! ومهما حاول الساحر مراجعة نفسه، فإنه سيجد كل الأبواب موصدة في وجهه، فالعقود والمواثيق المبرمة مع الشيطان تلزمه بأن يستمر في هذا الطريق، المظلم وإلا كانت نهايته القاسية على مبدأ الشيطان وقانونه الجائر!.. وهناك دافع مادي يدفع الساحر إلى تعلم السحر والتفوق فيه، لجني من ورائه الأموال الطائلة، واستخراج الكنوز الغائرة، وسلب جيوب السذج، بعد أن يكون قد سلب عقولهم، فيبيعهم الأماني العذبة، والأوهام الكاذبة مقابل نفائس أموالهم وكرائمها!!.. فالدافع الأساسي للساحر هو الربح السريع، وتبوء مراكز الأغنياء بجهد قليل ووقت قصير، ولكن هيهات! فالأحلام الشيقة والأموال اللذيذة شيء، والواقع والتجربة شيء آخر، فما أهون الحرب على النظارة! وإذا كان السبق والتنافس في ميادين الخير والصلاح يتطلب من الإنسان أن يبذل جهودا مضاعفة، بل ينفق أعز شيء وأحبه إلى قلبه لنيل الجزاء الأوفى من قيوم السماوات والأرض، ((لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)) (1) فكيف يرجو الساحر أن يكسب النفائس عن طريق الشيطان، الذي لا يؤمن بدين ولا شرعة؟ بل هدفه من جميع البشر _كل البشر_ أن يشيع فيهم الفاحشة، والفقر والأمراض،((الشيطان يعدكم الفقر ويامركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم)) (2) ومن تتبع أخبار السحرة _قديما وحديثا_ يجد أغلبهم ماتوا فقراء تعساء، وكانت نهايتهم بطرق غريبة وشنيعة، أهونها الشنق أو الحرق!
_ وأما الذين يلجئون إلى السحرة _وجلهم من النساء_ فإنهم لا يرجعون إلا بالحسرة والخيبة، والخزي والعار، الذي لا تمحوه لا الأيام ولا السنين! وحسبهم أنهم تركوا النبع الثرّ، والمنهل الصافي، والملاذ الآمن والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولجئوا إلى الشيطان وأعوانه، فماذا يتوقعون أن يعطيهم! وهل بعد الحق إلا الضلال؟!
_ إن السحر قد اختلط على مدار التاريخ بالأساطير المضللة والخرافات، وكل هذا يحيد بالمسار الفكري، والتوجه العملي، ويجعل الإنسان يتصرف تصرفات حمقاء، تقضي عليه وعلى أهله وماله.. والتاريخ يحفظ لنا في عمق ذاكرته أشياء غريبة، بل مضحكة، عن بعض الشعوب والقبائل التي تحطمت في عقولهم الأسطورة، وغيبتهم الخرافة في أعماق جب الحياة! يقول التاريخ: إن شعوب أمريكا اللاتينية القديمة، دمرت حضارتها أسطورة قديمة عن إله أبيض، يأتي من وراء البحار، لينقذ الشعب.. وعندما جاء " كورتيز" الإسباني، على رأس قوة مسلحة، اعتقدت تلك الشعوب أن الوعد الأسطوري قد تحقق، ولم يكتشف هؤلاء الذين ضللتهم الأسطورة، حقيقة كورتيز الباحث عن الذهب، والذي أسال لعابه سنين طويلة، إلا بعد أن سامهم سوء العذاب، وذبّح أبناءهم، وكل من توسم فيه روح المقاومة، وأرسل الباقي ممن رضوا أن يعيشوا تحت سلطانه المذل إلى العمل في المناجم، مقابل أجور جد زهيدة!!
_ ومن أعظم الدوافع التي تدفع الناس اليوم إلى الوقوع في حبائل السحرة، والمشعوذين والأفاكين، على الرغم من التقدم العلمي الذي بلغته البشرية،هو المعاناة التي يعانيها البشر في هذه الأيام، فالحيرة والقلق والهموم المغروسة في أعماق القلوب، والعقد النفسية، كل ذلك يجعلهم يلجئون إلى السحرة والمخدرات والمهدئات، يلتمسون من وراء ذلك راحة النفس وهدوء البال، ولكن هيهات، فلا يزداد حالهم إلا سوءا، ولا عقدهم إلا تعقيدا.. كالمستجير من الرمضاء بحرِّ النار! فكلنا ابتعد الإنسان عن الله وعن منهجه القويم، كثرت مشاكله، وتأججت نيران نفسه المضطرمة، ولا شيء يطفئ حرائقه إلا اللجوء إلى الله _جلّ جلاله_ ((ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى)) (3)
______________________
(1) سورة آل عمران: الآية:(92)
(2) سورة البقرة: الآية:(268)
(3) سورة طه, الآية(124)