هناك أحوال تقتضي تعطيل بعض الحدود و منها المجاعة فلا تقطع فيها يد السارق لوجود الشبهة فقد يسرق جوعا و كذلك في الحرب لا تقطع يد السارق خوفا من أن يلتحق بالعدو و كذلك لا تطبق الحدود في دار الحرب. |
فتعطيل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحد السرقة لا نسميه عدم تطبيق الشرع إنما هو من فقه المرحلة فوجود شبهة الجوع تقتضي أن السارق سرق جوعا و هذا من باب حفظ النفس. فهي مقدمة عن السرقة .
قال الإمام أحمد رحمه الله : (( لا قطع في المجاعة ، يعني : أن المحتاج إذا سرق ما يأكله فلا قطع عليه ، لأنه مضطر وروى الجوزجاني عن عمر ؟ أنه قال : ( لا قطع في عام سنة ) . وقال : سألت أحمد عنه فقلت : تقول به ؟ قال : أي لعمري لا أقطعه إذا حملته الحاجة والناس في شدة ومجاعة )).
وعن الأوزاعي مثل ذلك.
قال في ( المغني ) : ( وهذا محمول على من لا يجد ما يشتريه ، أو لا يجد ما يشتري به ، فإن له شبهة في أخذ ما يأكله ، أو ما يشتري به ما يأكله وقد روي عن عمر ؟ أن غلمان حاطب بن أبي بلتعة انتحروا ناقةً للمزني فأمر عمر بقطعهم ، ثم قال لحاطب : إني أراك تجيعهم فدرأ عنهم القطع لما ظنه يجيعهم ، فأما الواجد لما يأكله أو الواجد لما يشتري به ، وما يشتريه فعليه القطع ، وإن كان بالثمن الغالي . ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي ).
فالذي قاله عمر ؟ : أن الذي يأتيني في هذه المجاعة وقد أخذ شيئاً فليس هو بسارق إنه يريد أن يأكل حتى لا يموت إذن فهو مضطر ، وقد قال تعالى : { فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن ربك غفور رحيم } [الأنعام : 145 ] ، فليس بسارق إذن عند عمر ؟ ، وهو الحق ، ولو ثبت أنه مستغنٍ فسرق لقطع عمر ؟ يده.
ثم : ليس من سلطان عمر ؟ ولا من سلطان أحد على الإطلاق أن يُوقِفَ حداً أجراه الله تعالى في كتابه ، فإن النبي ؟ قال لِحِبِّهِ وابن حِبِّهِ أسامة بن زيد رضي الله عنهما : « أتشفع في حدٍّ من حدودِ الله يا أسامة .. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها » ، أفيحل لعمر أو غيره بعد هذا القسم المغلَّظ أن يوقف حدّاً حدَّه الله ؟ في كتابه ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم .
فالحد إذا رُفِعَ للحاكم صار حقاً لله وليس من حق أحد .
و الله أعلم