ومما يستلفت النظر أيضا في هذه القائمة أن متى يذكر أسماء أربع نساء: ثامار، وراحاب، وراعوث، وبثشبع. وكانت ثامار كنعانية، وراحاب أمورية من أريحا، وراعوث موآبية، وبثشبع يهودية. ولعل الروح القدس أراد بذلك أن يعلن أن المسيح جاء من نســل المرأة (تك 3: 15)، وأنه جاء لجميع الناس من كل الجنســـيات، وأن نعمته تتسع لكل الخطاة من أمثال ثامار وراحاب، وهكذا أصبح لهن وضعهن فى سلسلة بيت داود الذي جاء منه المسيا الموعود.
ب- سلسلة النسب في إنجيل لوقا: وهي لا تأتي في مقدمة الإنجيل كما في إنجيل متي، ولكنها تأتي في نهاية الأصحاح الثالث بعد معمودية يسوع. كما أن ترتيب الأسماء يأتى تصاعديا من الابن إلى الأب، فتبدأ بيوسف وتنتهي بآدم. كما أن عدد الأسماء بها يكاد يكون ضعف عدد الأسماء في سلسلة النسب في إنجيل متى. ولكن أكثر ما يستلفت النظر فيها هو اختلاف الأسماء فيها في الفترة من داود إلى يوسف اختلافا يكاد يكون تاما عما في إنجيل متى، فيما عدا اسمي داود ويوسف، واسمي شألتئيل وزربابل. كما أن لوقا يصل بسلسلته إلى ناثان بن داود، ويذكر اسم هالي جدّا للرب يسوع حسب الجسد، بينما يذكر متى أن يوسف كان من نسل سليمان بن داود، وأن يوسف كان ابن يعقوب.
جـ- التوفيق بين القائمتين: منذ عهد مبكر ظهرت محاولات للتوفيق بين القائمتين على أساس اليقين الكامل بأن كلتيهما صحيحتان بلا أدنى ريب. وأهم هذه الحلول هى:
1- اعتبار أن السلسلتين هما ليوسف رجل مريم، فكلا الإنجيلين يؤكدان أن يوسف من "بيت داود" (مت 1: 16، لو 1: 27، 2: 4)، ولكن متى قصد أن يذكر الورثة الشرعيين لعرش داود، بينما يذكر لوقا أسماء أسلاف يوسف الحقيقيين. وهذا الحل جاء فى خطاب أرسله يوليوس أفريكانوس. (J.Afrecanus فى نحــــــــو 220 م). إلى أريستيدس (Aristides) حسبما جاء فى تاريخ يوسابيوس (المؤرخ الكنسى). وكان يوليوس يعتقد أن قانون زواج الأخ بأرملة أخيه، الذي لم يعقب نسلا (تث 25: 5 و6) قد تم تنفيذه فى بعض حلقات هذه السلسلة، وذلك للتغلب على التناقض الظاهري بين القائمتين. ويفترض هذا الحل مثلا أن يوسف كان ابن هالي فعلا، وأن هالي ويعقوب كانا أخوين من أم واحدة، ولكن من أبوين مختلفين. فلو أن أحدهما كان قد تزوج أرملة الآخر الذى لم يكن قد أعقب نسلا، فإن يوسف كان يمكن أن يعتبر ابنا لكليهما. ويرى البعض أن ما يؤيد هذه النظرية هو أن جد يوسف فى إنجيل متى هو "متان" (مت 1: 15)، وجدّه فى إنجيل لوقا هــــو "متثات" (لو 3: 24)، وهما اسمان متقاربان يحتمل جدّا أنهما يدلان على نفس الشخص. فلو أن هالي تزوج بأرملة أخيه يعقوب الذي لم يعقب نسلا، وولد يوسف، فإن يوسف يعتبر أبنا حقيقيا لهالي، وفي نفس الوقت يعتبر الوارث الشرعي ليعقوب. ولكن هذه النظرية تستلزم أن يكون الزواج بهذه الصورة، قد تكرر مرارا في السلسلتين (الرجا الرجوع أيضا إلى "زربابل" و"شألتئيل" فى موضعهما من الجزء الرابع من "دائرة المعارف الكتابية").
2- والحل الأرجح هو اعتبار أن إحداهما هي شجرة عائلة يوسف، والأخرى شجرة عائلة مريم، فقــد افترض "أنيوس فيتربو" فى 1440 أنه بينما يذكر متى السلسلة الشرعية من خلال يوسف، فإن لوقا يذكر السلسلة الطبيعية من خلال العذراء مريم، وهو رأى يعود أصلا إلى القرن الخامس الميلادي. وبكل تأكيد تبدو العذراء مريم الشخصية الرئيسية في قصة ميلاد المسيح في إنجيل لوقا، وبخاصة أن أداة التعريف، التى تبدأ بها عادة كل قائمة، غير موجودة في اسم "يوسف" فى إنجيل لوقا (3: 23)، مما يرجَّح معه أن القائمة الحقيقية تبدأ باسم "هالي" وليس باسم "يوسف"، وأن العبارة يجب أن تُقْرَأ: "ولما ابتدأ يسوع... وهو (على ما كان يظن ابن يوسف) ابن هالي..." (لو 3: 23)، وبذلك تكون القائمة فى إنجيل لوقا هي سلسلة نسب العذراء مريم، وتبدأ بهالي أبيها. وهو افتراض قوي جذَّاب، ولا اعتراض عليه سوى أن اسم مريم لم يذكر قبل اسم هالي، ولكن ذلك لا يمنع من مصداقية هذا الفرض الذي يقدم حلاَّ بسيطا للمشكلة.
أما كون أن "مريم" كانت نسيبة لأليصابات ابنة هارون (لو 1: 36)، فإنه لا ينفي نسبة مريم إلى داود، متى كانت قرابة مريم لأليصابات عن طريق الأم، وليس عن طريق الأب، فقد تزوج
هارون نفسه من "أليشابع"
بنت عميناداب أخت نحشون" من
سبط يهوذا (خر 6: 23، 1 أخ 2: 10).
ومما يؤيد هذه النظرية، افتراض أنه لم يكن لمريم إخوة ذكور، وأصبح يوسف هو الابن والوريث الشرعى لهالي،
بزواجه من ابنته مريم
(انظر مثلا 1 أخ 2: 21 و 34، عن نسب أبناء الابنة لأبيها، وعد 2: 6، نح 7: 63 عن نسب زوج الابنة لأبيها)".
ثم مرة أخرى لا ينزل ستار المسرحية عند هذا الحد، بل تمضى أحداثها فنجدهم يقولون إن "هالى" إنما هو أبو يوسف، أما أبو مريم فهو يعقوب (انظر أواخر مادة "Joseph" فى "Smith s Bible Dictionary".
وهذه هى عبارة المعجم نَسْخًا فلَصْقًا: -
"Joseph: Son of Heli, and reputed father of Jesus Christ… He was a just man, and of the house and lineage of David. He lived at Nazareth in Galilee. He espoused Mary, the daughter and heir of his uncle Jacob").
حيرتمونا، حيركم الله! ارسوا لكم على بر يهديكم الله: ترى
أهو يواقيم؟ أم هل هو هالى؟ أم لا هذا ولا ذاك، بل يعقوب؟
ثم رغم هذا يأنسون فى أنفسهم الجراءة لتعييرنا بأن القرآن
قد أخطأ فى اسم والد مريم!
أليس الأفضل أن تذهبوا فتتفقوا أولا على كلمة واحدة
فى موضوع أبيها عندكم، ثم بعد هذا تفكرون فى تخطئة القرآن؟
من الواضح إذن أنهم، بتخطئتهم القرآن، إنما يتهورون فى أمرٍ يتخبطون فيه ولا يدرون رؤوسهم من أرجلهم! كذلك من المعروف أن
كثيرا من شخصيات الكتاب المقدس تحمل أكثر من
اسم: فمن المعروف مثلا أن ليعقوب حفيد إبراهيم الخليل
اسما آخر هو إسرائيل. وينطبق هذا على حَمِى موسى،
الذى ذُكِر فى موضع من العهد القديم أنه راعوئيل، وفى
موضع ثانٍ أنه يثرون، وفى موضع ثالث، وهى الداهية الثقيلة،
أنه حوباب بن راعئيل، أى أنه ابن نفسه:p018:.
وقد ذكر متى أن يوسف رجل مريم هو ابن يعقوب، على حين ذكر لوقا أن أباه يسمى: هالى، وهو نفسه "هالى" الذى يقول النصارى إنه والد مريم. كما أن للمسيح عندهم عدة أسماء:-
فهو المسيح، وهو يسوع، وهو عمّانوئيل.
وهذا موجود أيضا عندنا، كما هو الحال
فى الخليفة الراشد الأول: فاسمه عبد الله
(ويُرْوَى أنه كان يسمى فى الجاهلية: "عبد الكعبة")،
وأبو بكر، والصديق وعتيق. أى أن له خمسة أسماء
مابين اسم وكنية ولقب واسم جاهلى واسم إسلامى.
وكثير من المصريين يحملون اسمين: واحد رسمى، والآخر للشهرة كما يقال. ومن هؤلاء أخى الأصغر، فهو يسمى: مختارا، وكان صغيرا يسمى: محمودا على اسم أبينا رحمه الله. ولواحدة من قريباتى اسمان أيضا: عبلة، وهو اسم الشهرة، وفاطمة، وهو الاسم الرسمى الذى لا يستخدم زوجها ولا أولادها إلا إياه، على عكس إخوتها، الذين ينادوناها عادة باسم "عبلة". وكثيرا أيضا ما يقولون لها: "بولا". فهذا اسم ثالث... :p018:وهكذا.
ومن ثم فمن الممكن جدا، إن كان اسم يواقيم أو هالى اسما صحيحا لوالد مريم، وهو ما لا أعول عليه أبدا، أن يكون له اسم آخر هو عمران، أ
و أن يكون اسم"عمران" هو الاسم الصحيح
أو الاسم الأصلى، وهو ما أرجحه بل ما أوقن به،
إذ لا يمكن أبدا أن يكون القرآن مخطئا.