- أبو هريرة وآل البيت رضي الله عنهم
كان أبو هريرة محباً لآل البيت، مجلاً لهم، عارفاً بفضلهم، مقدراً لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعياً لوصاياه صلى الله عليه وسلم بهم، راوياً لكثير مما روي في فضلهم ومناقبهم، وحب النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وإليك بعض ما روي عنه من مناقبهم رضي الله عنهم:
أولاً – ما روي عنه في مناقب علي رضي الله عنه:
1 – روى سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه" فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب، فأعطاه إياها، وقال: "امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك" قال: فسار علي شيئاً، ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك، فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله". (1)
2 – وعن المحرر بن أبي هريرة عن أبي هريرة قال: "كنت مع علي بن أبي طالب، حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، فقال: ما كنتم تنادون؟ قال: قال كنا ننادي أنه لا يدخل الجـنة إلا
__________________
(1) مسلم 7/121، كتاب فضائل الصحابة، وابن حبان: الصحيح 8/43، واللفظ لمسلم.
مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فإن أجله، أو أمده إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله برئ من المشركين ورسوله، ولا يحج هذا البيت بعد العام مشرك، قال: فكنت أنادي حتى صحل صوتي". (1) وقد بينت هذه الرواية أنه كان بمعية علي رضي الله عنه في أداء هذه المهمة التي كلفوا بها من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3 – وعن أبي رافع قال: قلت لأبي هريرة: إن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إذا كان بالعراق يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون، فقال : كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ.(2)
وفي هذه الرواية يذكر فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة والتأسي به فيها.
ثانياً- ما روي عنه في مناق جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
1 – روي عنه رضي الله عنه أنه قال: وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي فيها شئ فنشقها فنلعق ما فيها.(3)
____________________
(1) أحمد: المسند 15/133-134ن وصحل بفتح الصاد وكسر الحاء معناه: بح.
(2) ابن حبا: الصحيح 4/104.
(3) البخاري 2/208 فضائل الصحابة، العكة: وعاء من جلد يوضع فيه السمن.
2 – وعن المقبري عن ابي هريرة قال: كان جعفر بن أبي طالب يحب المساكين، ويجلس إليهم، ويحدثهم ويحدثونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه أبا المساكين.(1)
ثالثاً- ما روي عنه في مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.
1 – روي عنه أنه قال: عانق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن.(2)
وفي رواية عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لحسن: "اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه". (3)
2- وجاء عنه أنه قال: فما كان أحد أحب إلى من الحسن بن علي بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. (4)
3 – وعن عمير بن إسحاق قال: كنت أمشي مع الحسن بن علي في طرق المدينة، فلقينا أبا هريرة، فقال للحسن: اكشف لي عن بطنك جعلت فداك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله، قال: فكشف عن بطنه فقبل سرته. (5)
4 – وعن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين، هذا
_____________
(1) ابن ماجه: السنن 5/138.
(2) البخاري 2/216 مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.
(3) مسلم 7/129، وأحمد: المسند 14/128.
(4) ابن حبان: الصحيح 8/56.
(1) أحمد: المسند 14/195، وابن حبان: الصحيح 8/57.
على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما، فقال: "نعم من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني".(1)
5 – وعنه رضي الله عنه قال: ما رأيت الحسين بن علي إلا فاضت عيني دموعاً، وذاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي، واتكأ علي فانطلقت معه، حتى جاء سوق بني قينقاع، قال: وما كلمني، فطاف ونظر، ثم رجع ورجعت معه، فجلس في المسجد واحتبى، وقال: "ادع لي لكاع" فأتى حسين يشتد حتى وقع في حجره، ثم أدخل يده في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح فم الحسين فيدخل فاه في فيه ويقول: "اللهم إني أحبه فأحبه".(2)
ونكتفي بما ذكرناه مما رواه أبو هريرة من مناقبهم، عن باقي ما رواه أبو هريرة من مناقب آل البيت رضي الله عنهم، لدلالة ما أوردناه من مناقبهم على علاقة أبي هريرة الحميمة بهم، وحبه لهم، وحرصه على إبراز مناقبهم، وإظهار فضلهم رضوان الله عليهم، وهذا يدل على جهل كثير من المتقولين عليه بتلك العلاقة، وذلك الحب الصادق لهم.
هذا ولم يثبت عن أحد من آل البيت الكرام ما يفيد الطعن بأبي هريرة، أو النيل منه، وإنما ثبت أن بعضهم قد روى عنه، وأن كثيرا من ثقات أصحابهم والرواة عنهم، قد رووا عنه أيضاً بعلمهم ودون معارضة من أحد منهم، مما يدل على رضائهم عنه، وقبولهم لرواياته، ومن شاء التأكد مما ذكرنا، فليراجع كتاب (دفاع عن أبي هريرة) لمؤلفه الفاضل الأستاذ: عبد المنعم صالح العلي، فإنه سيجد فيها ما يؤكد ذلك.
___________________
(1) الحاكم: المستدرك 3/166، وقال: حديث صحيح، ووافقه الذهبي عليه وقوله: يلثم، أي:يقبل فاه.
(2) الحاكم: المستدرك 3/178، وقال حديث صحيح، ووافقه الذهبي عليه.