4- قصة الطوفان
اكتشفت بعض الألواح التي عثر عليها فى نينوى فى أواخر القرن التاسع عشر ، وأتضح إن احدها عائد إلى مكتبة أشور بانيبال ، الذي حكم خلال القرن السابع قبل الميلاد . وان هذا اللوح يتضمن حكاية عن الطوفان شبيهة بما ورد عن الطوفان العظيم فى سفر التكوين . وبعد ترجمة هذه الألواح تبين إن قصة الطوفان هذه تشكل جزءا من قصيدة طويلة ، وهى ملحمة كلكامش ، حيث يحتوى اللوح الحادي عشر على القسم الأعظم من قصة الطوفان . وقد اكتشفت ألواح اخرى تشير إلى إن تلك الملحمة كانت قد كتبت فى الفترة البابلية القديمة التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد ، كما إن تلك الملحمة وجدت مترجمة إلى اللغة الحورية واللغة الثية . ومن هنا يتضح إن تلك الملحمة كانت قد ترجمت إلى اللغات القديمة ، وأنها عرفت منذ ألازمان القديمة فى جميع مناطق الشرق الأوسط. ومن المعتقدات السومرية والبابلية حادثة الطوفان روتها المآثر فى ثلاث روايات رئيسية تتشابه فى تفاصيلها . واهم هذه القصص قصة اتراخاسيس الذي أنقذ البشرية من خطر الفناء أثناء الطوفان العظيم الذي شمل الارض برمتها. وتقول القصة أجمعت الالهه بتحريض من اله الجو والهواء انليل على أحداث الطوفان ، عقابا للناس الذين تكاثروا فى الارض بشكل يلفت النظر ، إلا إن اله الحكمة أيا الذي عرف بحبه للناس ، عز عليه إن تفنى البشرية بفعل الطوفان ، فانذر رجلا تقيا وحكيما بان يبنى له سفينة قائلا له ) هدم بيتك وابن سفينة اترك المال وانشد الحياة واحمل فى السفينة بذرة كل المخلوقات الحية ( وتلقى رجل الطوفان أمر الإله با لطاعة فبدأ على الفور يحشد الطاقات لإنجاز المهمة فى سبعة أيام. وبعد إن انتهى من بناء السفينة جاء دور تحميلها با لمؤن والبشر والحيوانات ، حسب تعليمات اله الحكمة أيا ويقول الإله أيا مخاطبا رجل الطوفان ) ترقب الوقت المحدد الذي سوف أخبرك به ثم ادخل السفينة وأغلق بابها وزوجتك وصاحبك وقريبك والعمال الماهرين احمل فيها شعيرك وأمتعتك وأموالك ( ثم جاء الطوفان الهائل رعد يشق عنان السماء ، أعاصير مدمرة تعصف وتزمجر ، فيضان عارم ، وظلام حالك ، ودمار فى كل مكان ، حتى إن الالهه نفسها تراجعت مذعورة إلى أقصى السماوات ، واستمرت الحال على هذا المنوال سبعة أيام وسبع ليال . أتى الطوفان خلالها على كل مافي الارض من مخلوقات ) فأصبح الناس يملا ون البحر وكأنهم صغار السمك ( على حد تعبير رجل الطوفان . ومن جهة اخرى فقد كان هلاك الناس على هذا النحو مدعاة لندم شديد وحزن عميق من الالهه ، وخاصة تلك التي عرفت بحبها للناس ، مثل الإله انكى الالهه عشتار . ثم هدأ البحر ، وسكنت العواصف ، وانتهى الطوفان . ويقول رجل الطوفان انه تطلع إلى البر من السفينة فوجد إن السكون يخيم فى كل مكان ، وان البشر جميعا تحولوا إلى طين . وفى تلك الأثناء استقرت السفينة على جبل اسمه نيسير ، اى إنها قد بلغت مستقرها الأخير . وانه لا أمل فى إن تتحرك من ذلك الموضع ، وعندئذ اى فى اليوم السابع اخرج رجل الطوفان حمامة وهو يقول ) وراحت الحمامة ولكنها لم تلبث إن رجعت ، لقد رجعت الحمامة لأنها لم تجد محطا لها ، وأخرجت السنوسو وأطلقته ولكنه لم يلبث إن رجع لأنه لم يجد محطا له ، وعندما أخرجت الغراب وأطلقته فانه لم يرجع ( .
إن قصة الطوفان فى وادى الرافدين تركت أثرا واضحا فى التوراة ، حيث نقراء فى سفر التكوين تفاصيل وافية عن الطوفان. إن التشابه بين قصة الطوفان فى المراجع المسمارية وبين التوراة واضح كل الوضوح. وقد جاء ذكر الحمامة والغراب فى التوراة ايضا . وجاء ذكر استقرار السفينة على جبال ارارات . ويضيف احد النصوص المسمارية فيذكر إن رجل الطوفان اتراخاسيس اصطاد الطيور السماوية المجنحة ووضعها فى السفينة . قارن ذلك ايضا بما ورد فى التوراة ، التكوين 6-18-23 .
5- عالم الاموات
اعتقد سكان العراق القدماء من أهل بابل وسومر إن الموت نهاية كل إنسان ، وان الخلود غير ممكن إلا للآلهة . وما ملحمة كلكامش إلا تأكيد واضح على هذا المعتقد والتفكير الذي امن به سكان وادى الرافدين إيمانا عميقا . وقد استسلم كاكامش فى نهاية المطاف ، بعد إن فشل فى الحصول على الخلود ، بالرغم مما كان يتمتع به من صفات خارقة . والموت بالنسبة للديانة البابلية هو انفصال الروح عن الجسد ، وليس فناء مطلق للإنسان ، حيث إنهم اعتقدوا انه بينما يستقر الجسد فى القبر فأن الروح تنزل إلى عالم أسفل ، هو عالم الأموات ، أطلق عليه فى السومرية اسم كور ** العالم السفلى ** لتبقى هناك إلى ابد الدهر ، حيث إنهم لم يعتقدوا بوجود قيامة. وينتقل الاموات بواسطة قارب يقوده ملاح خاص يمخر عبر نهر عباب . وعلى الرغم من إن هذا العالم هو عالم الاموات إلا انه لا يخلو من معالم الحياة ، ففي معتقدات سكان وادى الرافدين مكان أبدى ، تقيم فيه أرواح الناس على اختلافهم الأخيار والأشرار الأغنياء والفقراء العبيد والأسياد ، وكذلك مستقرا لأرواح الملوك وعظماء الارض ، حيث تصف لنا الألواح السومرية نزول الملك أور - نمو إلى العالم السفلى بعد موته ، حيث يصل إلى البقعة التي كان قد عينها المسئولون هناك مقرا لأقامته ، فيحييه الاموات تحية طيبة يشعر معها كما لو كان فى بيته ، ويجد أور - نمو إن البطل الميت كلكامش قد أصبح قاضيا فى ذلك العالم ، اذ يسارع إليه فيوضح له جميع الأنظمة والتعليمات التي تحكم عالم الموتى. وجاء فى التوراة وصفا مماثلا لما ورد فى اللوح السومري أعلاه ، حيث نزول ملك بابلي إلى عالم الموتى ، واستقباله من قبل أخلية عظماء الارض ) الهاوية من أسفل مهتزة لك لاستقبال قدومك منهضة لك الاخلية جميع عظماء الارض أقامت كل ملوك الأمم عن كراسيهم كلهم يجيبون ويقولون لك أنت ايضا قد ضعفت نظيرنا وصرت مثلنا. اهبط إلى الهاوية الذين يرونك يتطلعون إليك يتأملون فيك اهذا هو الرجل الذي زلزل الارض وزعزع الممالك ( اشعيا الإصحاح الرابع عشر . علما بأن ما ورد فى الألواح السومرية سابق للعهد القديم بأكثر من ثلاثة ألاف سنة . وقد اعتقد سكان العراق القدماء ايضا بوجود صلة وثيقة بين روح الميت فى العالم السفلى وجسده فى القبر. وقد أطلق السومريون تسميات اخرى عديدة على عالم الاموات من اشهرها ** ارض اللارجعة ** حيث اعتقدوا إن روح الميت تنزل إلى هناك وتبقى محتجزة إلى ابد الدهر. والعالم السفلى فى معتقدات السومريين والبابليين مكان مظلم ، يقع تحت الارض ، وله سبع بوابات تحرسها آلهة خاصة.
وفى التوراة جاء استعمال كلمة شيؤل للتعبير عن عالم الاموات . فما هي شيؤل هذه؟ الذي تصوره الديانة اليهودية على غرار الأساطير السومرية والبابلية مستقرا لأرواح الموتى ، وقد استخدمت اللفظة فى العهد القديم 65 مرة ، وقد أعطيت لها معنى القبر 31 مرة ، ثم استخدمت 31 مرة ايضا بمعنى مستودع الموتى، و3 مرات بمعنى الحفرة. واستعمل المترجمون كلمة الحفرة لا صفاء صلاحية ومشروعية على ترجمتهم للفظة شيؤل ، اقتباسا لمعنى الجحيم بالشكل والأسلوب المسيحي الذي اخذ أصلا من ** بحيرة النار ** المصرية العربية وخاصة فى سفر الأمثال تم تحوير الكلمة إلى الاخلية حيث ترجمت عبارة ** يبقى فى شيؤل ** إلى **يسكن بين الاخلية ** وقد ترجموا هذه الفقرة فى وقت متأخر جدا . فقد تصور العبرانيون إن عالم الاموات شيؤل يقع فى باطن الارض تحت مياه البحر ، كما جاء ذلك فى سفر أيوب ) الأخيلة ترتعد من تحت المياه وسكانها. الهاوية عريانة قدامه والهلاك ليس له غطاء ( كما تصوروا هم ايضا إن العالم الأسفل مكان مظلم وان له بوابات على غرار معتقدات البابليين ) أليست ايامى قليلة اترك كف عنى فانبلج قليلا قبل إن اذهب ولا أعود إلى ارض ظلمة وظل الموت ارض ظلام مثل دجى ظل الموت وبلا ترتيب وإشراقها كالدجى ( سفر أيوب ) هل انكشفت لك أبواب الموت او عانيت أبواب ظل الموت ( سفر أيوب أيضا ) أنا قلت فى عز ايامى اذهب إلى أبواب الهاوية قد أعدمت بقية سني ( كما جاء فى سفر اشعيا. ولا يخلو اى سفر من أسفار التوراة فى ذكر الهاوية على إنها العدم الذي لا حياة بعده . لقد خلت أسفار التوراة من ذكر البعث ويوم القيامة والحساب والدينونة , وكان اعتقادهم فى بداية الأمر إن يوم الحساب يقع فى الارض السفلى , فحين جاء أخوة يوسف إلى يعقوب أبيهم بقميص يوسف ملطخا بالدماء , حزن يعقوب ومزق ثيابه وقال ) انى انزل إلى ابني نائما إلى الهاوية وبكى عليه أبوه ( تكوين 37-35 . وجاء ايضا فى التكوين 16-30 ) ولكن إن ابتدع الرب بدعة وفتحت الارض فاها وابتلعتهم وكل مالهم فهبطوا أحياء إلى الهاوية تعلمون إن هؤلاء القوم قد ازدروا بالرب . وفى الهاوية تنقطع صلة الإنسان بالرب ) لأنه ليس فى الموت ذكرك . فى الهاوية من يحمدك ( مزمور 6-5 . ويوصى داود ابنه سليمان بأن يقضى على يؤاب بن صروية فيقول له ) ولا تدع شيبته تنحدر بسلام إلى الهاوية ( ملوك أول 2-6 . ففي سفر اشعيا جاء ذكر الهاوية فى عدة مواضيع ) فالهاوية قد وسعت نفسها وفغرت فاها بلا حد ( 5-14 ويقول الملك حزقيا ملك يهوذا ) أنا قلت فى عز ايامى اذهب إلى أبواب الهاوية ,قد أعدمت بقية سني ( 38-10 ) وهى عالم سفلى تفترش فيها الرمم ويكون الدود غطاء لمن يحل فيها وهى تبتلع الجميع العظماء والملوك ( اشعيا 14-9 ) لأنكم قلتم قد عقدنا عهدا مع الموت وصنعنا ميثاقا مع الهاوية . ويمحى عهدكم مع الموت ولا يثبت ميثاقكم مع الهاوية ( اشعيا 28-15 . وبطبيعة الحال فأننا لا نتوقع إن تتشابه معتقدات الموت عند العبرانيين مع سكان بلاد وادى الرافدين إلى حد التطابق. ولكن هذا لا يمنع من وجود تأثيرات بابلية وسومرية فى معتقدات العبرانيين الخاصة بالموت والعالم الأسفل تسربت إلى التوراة.
وقد ملاْت الديانة اليهودية الفراغ الذي كانت فيه حول الموت والقبر بمادة بابلية كانت منهوبة هي الأخرى وحرفت ايضا لإخفاء الأصل الذي نهبت منه ، لكن الملامح الأساسية ظلت باقية ناطقة بمنشئها الأول. ففي الميثولوجيا البابلية كان الموت هو الاندثار ، والقبر هو الظلام الرهيب ، والحفرة العميقة التي لا صعود منها والمكان الكئيب الذي لا يعود من يذهب إليه ، والمكان الذي لا يخرج منه من دخله. وقد كان البابليون والسومريون يعتقدون إن النجاة الوحيدة من اندثار الموت وظلمة الحفرة العميقة رضا الإله مردوخ الذي يستطيع إن ينقذ الإنسان ألحى من نزول القبر. وان البابليين يؤمنون ايضا بأن محاسبة الالوهة للبشر محاسبة أرضية صريحة ، وبأن نتيجتها اى الثواب والعقاب ارضيةايضا. الثواب هو النجاة من الأمراض والأعداء والانتصار عليهم ، وامتلاك الثروة والمكانة العالية الرفيعة. وقد ترددت كلمة ** سلاه ** 73 مرة فى سفر المزامير اشارة إلى عالم الموت البابلي ، وان المعنى الحقيقي لهذه الكلمة مرادف كلمة الجب او الحفرة العميقة او الهاوية. فالديانة اليهودية لم تتقبل فكرة بقاء الروح والإيمان بان هناك عالما أخر بعد الموت ، يحاسب البشر فيه بعد رحيلهم عن الدنيا ، على ما فعلوه فى حياتهم الدنيوية ويثابون او يعاقبون . والمزمور 115 يقول ) السموات سموات للرب اما الارض فأعطاها لبنى ادم ليس الاموات يسبحون الرب ولا من ينحدر إلى الارض السكوت شيؤل ( وقد التزمت الديانة اليهودية بتلك الرؤية البابلية ، لعدم جدوى التطلع إلى وجود الروح او بقائها او الطموح إلى البعث من نصائح سفر الجامعة للأحياء ، بأن يغنموا فرصة الحياة لان التطلع إلى ما ورائها عديم الجدوى وباطل . وقد أخذت اليهودية بتلك الرؤية العدمية فى الاعتقاد . وان البقاء بعد الموت فقط فى اسم الميت وفى عظامه ودمه. ومازال اليهود حتى هذا العصر يؤمنون إيمانا قويا بأن جوهر الإنسان فى اسمه فقط. واليهودية هي الديانة التوحيدية التي أسقطت من حسابها تماما عالم ما بعد الموت ، ولم يرد من كتبها اى معتقد عن خلود الروح ، او مفهوم الانبعاث . ولاشك فى إن فكرة اليهود عن العالم الأخر بعد الموت من حيث اعتبار الموت انتهاء للحياة ، او انطفاء للوعي ، ومايأتى بعد الموت افكار لم تتبلور إلا فى العصور المتأخرة . وقد حاول أحبار اليهود فى كتاباتهم المتأخرة والتي لاتشكل جزءا من العهد القديم تدارك ذلك الأمر بالتحدث عن الجنة والنار . اما تلك الأجزاء من العهد القديم والتي الفت قبل غيرها من كتابهم المقدس فأننا لان جد فيها إلا إشارات غامضة ومتفرقة وشديدة الإبهام ، وفى أفضل حالاتها يمكن القول باعتقادهم ببقاء الإنسان بعد موته ، اى بوجود عالم أخر مختلف ويمكن ربط هذا الاعتقاد بعناصر السحر فى الديانات البدائية وتفكيرها الساذج بأن كل ما يمكن إن يبقى للإنسان بعد موته لايزيد عن عظامه ودمه واسمه . وان تلك البقايا يمكن إن تتواجد بعد الموت فى مكان يسمى شيؤل وهو عالم البقاء )عالم تستمر فيه الحياة بعد الموت بشكل غير جسدي( فهى نظيرا للعالم الأسفل. وبالرغم من ذلك فان التوراة قد اقتبست كثيرا من المعتقدات الدينية البابلية والمصرية وعند دراستنا لسفر الأمثال سنجد انه قد سلب من هذه الديانات القديمة حرفيا من حيث إن الذي يفارق الحياة ميتا فى العالم السفلى. ولكن كيف يظل الإنسان ميتا وهو قد مات أصلا؟ لان الديانة البابلية والمصرية ترى إن وراء القبر حياة اخرى باقية لكن يفارق الحياة الدنيا لا يغنم تلك الحياة الأخرى الباقية إلا بعد محاكمة عسيرة فى العالم السفلى. واذا ماادين فى تلك المحاكمة بأنه لم يكن صالحا فى حياته الدنيا حرم من الحياة الباقية اعدم فلم يعد له بقاء وهو المفهوم الذي اقتبسه )العهد القديم( بغير فهم وظل غامضا فى معتقداتهم الدينية اليهودية لأنه انتزع من سياقه ثم جاء المترجمون بأعطاءه صفة الاخلية اى )الظلال او الأشباح( ولهذا فان كل الأفكار التي سلبت من الديانة البابلية والمصرية وأضيفت إلى الديانة اليهودية طمست بعض معالمه وحرف من سياقه وأضيف إليه او انتقص منه عملا على التعتيم عن أصله مما جعله مستساغا لليهود فى تقبله وتفهمه ثم أصبح مفهوم خلود الروح ومفهوم الحساب بعد الموت والثواب والعقاب ومفهوم البعث مستبعدا فى الديانة اليهودية ولم يأتي اى ذكر للعالم الأخر وخلود الروح . وكل هذه المفاهيم لم يذكرها العهد القديم ولم تنطق به أسفار التوراة . ونتيجة لتلك الحيطة فى عدم ذكر خلود الروح او العالم الأخر قدم سفر الجامعة )العهد القديم( هذه النصيحة إلى اليهود )كل ما تجده يدك لتفعله فأفعله بقوتك لأنه ليس من عمل ولا اختراع ولا معرفة ولا حكمة فى شيؤل التي أنت ذاهب إليها( إن توجه هذه النصيحة إلى اليهود تؤكد على عدم إيمان اليهود بخلود الروح . وان وهم امتياز الإنسان بخلود وهم باطلا. وجاء ايضا فى سفر أيوب مايلى )والسحاب يضمحل ويزول. وهكذا الذي ينزل إلى شيؤل لا يصعد( وكذلك مااكده اشعيا )هم أموات لا يحيون أخلية لا تقوم( وفى عقيدة كهذه تنكر وجود اى اعتقاد بحياة للروح او خلود او بعث كان طبيعيا إن يصبح الحساب والثواب والعقاب مسألة أرضية بحتة. وجاء فى سفر الجامعة عن مفهوم الاندثار بالموت بقوله إن الإنسان عندما يموت) فى الظلام يذهب واسمه يغطى بالظلام( وتأكيده إن كل ماهو غير ذلك )باطل وقبض الريح( وهو ما يؤكده سفر أيوب حيث يؤكد النبي أيوب الرجل الطيب الذي يتمنى الموت ليخلص من العذاب الذي هو فيه)ليملكه الظلام وظل الموت( ثم يؤكد فيقول ليتني خرجت من الرحم إلى القبر رأسا( )اتركني كف عنى لأستريح قليلا قبل إن اذهب إلى حيث لا رجعة إلى ارض الظلام وظل الموت. ارض ظلمة كالظلمة ذاتها وظل الموت لا نظام فيها النور فيها ظلام(
6- الأمثال السومرية
لقد اقتبس العبرانيون كل شيء من السومريين وحتى الأمثال والعبر السومرية تم اقتباسها من قبلهم وأضافوها فى كتابهم المقدس التوراة . لقد كتبت الأمثال السومرية قبل أكثر من ثلاثة ألاف وخمسمائة سنة ولابد إنها كانت قد ترددت على السنة الناس قبل تاريخ كتابتها بزمن طويل. وقد ذكر الكاتب والباحث كريمر فى كتابه التاريخ يبدأ من سومر قائلا )كانت الأمثال والحكم العبرية الورادة فى العهد القديم تعتبر أول مجموعة من نوعها فى العالم حتى تم التعرف على الحضارة المصرية القديمة واكتشفت هناك مجموعات من الأمثال والأقوال يسبق تاريخها الأمثال العبرية بعدة سنين إلا إن التعرف على حضارة وادى الرافدين برهن على وجود مجموعات من الأمثال والأقوال والحكم السومرية مكتوبة على ألواح الطين وهى تعود إلى زمن يسبق الأمثال المصرية بعدة قرون(
7- لسان البشرية الوحيد
عثر بين الألواح السومرية على لوح يشير إلى أول فكرة خطرت ببال الإنسان السومري حول العصر الذهبي الذي هو كما هو معروف فى الميثولوجيا الكلاسيكية هو العصر الذي يعيش فيه الإنسان فى سعادة كاملة ونعيم وامن لا وجود بها للخوف والرعب حيث تضمنت تلك الملحمة قطعا جاء فيها )كان ماكان فترة من فترات الزمان امن وسلام فى ارض سومر ارض الشرائع السماوية كان العالم كله يعيش فى وحدة يصلى لانليل بلسان واحد( وهذه العبارة التي تقول )بلسان واحد( حرفيا تثبت إن السومريين وليس العبريين هم أول من قال بان سكان الارض جميعا كانوا يتكلمون جميعهم بلسان واحد قبل إن تتبلبل الالسنة وتختلف اللغات إن السومريين هم أول من تحدث عن الجنة التي عاش فيها الإنسان زمنا قبل سقوطه نتيجة لغضب الإله.
8- مجمع الآلهة
امتازت الديانة البابلية ومعتقداتها بأشد التناقضات وعدم التماسك حيث إن هذه التعقيدات التي تواجدت فيها تعد من اغرب الظواهر التي تبرز فى أية دراسة عامة لهذه المعتقدات والأفكار الدينية التي تميزت بها الديانة البابلية والسومرية. كانت هذه الديانة تتميز بتعدد الآلهة كما امتاز مجمع الآلهة البابلي الذي ضم هذه العقيدة بأنه كان مليئا بالعبادات المتناقضة. فمجمع الآلهة فى الديانة البابلية عبارة عن تزاوج بين الآلهة مما ينتج عنه ولادة الأطفال للآلهة وعن طريق هذا الزواج نشأت )العائلة الإلهية( ولقد تكونت عند البابليين فكرة )مجمع الآلهة( بعد إن تزايد عددها مع مر الزمن فظهرت أولا ثلاث شخصيات مدبرة للسماء والأرض ومقر المياه . وان إحدى هذه الشخصيات الكبرى الاولى وهو ألهه السماء كان له تحت أمرته كل ماهو مكتوب فى السماء والأرض . وكان الإله انو هو الشخصية المهيمنة على مجمع الالهه حيث كان يقيم فى السماء ثم يأتي بعده الإله انليل وثم انكى ألهه العالم السفلى والذي أصبح فيما بعد ألهه مياه الهاوية التي لإقرار لها. وكان انو من أكثر الآلهة أهمية فى العصر السومري وكان مقامه فى السماء ولقد مكث هناك بالرغم من وجود ألهه آخرون يعادلونه فى القوة وظل معترفا به على انه أعظم الآلهة شأنا حتى حلول العصر السومري الجديد. ونستطيع إن نعثر على الدلائل التي تشير إلى علو شأن انو وتفوقه من الطريقة التي يستضيف بها الآلهة الأخرين. وتعتبر سماء انو المكان المفضل لاجتماع الآلهة فى الأفراح والمناسبات. وقد سلب العبرانيون وهم فى الأسر البابلي فكرة )مجمع الآلهة( فالمزمور 82 يوضح بجلاء ووضوح هذا الاقتباس الفضيع من الديانة البابلية وهذا النص يكشفهم ويعريهم مهما كان منتزعا من سياقه او طمس وحذف بعض معالمه او إضافة إليه بعض العبارات عملا على التعتيم عن أصله وإثباتا على ذلك فقد قام المترجمون فى ترجمتهم للمزمور 82 الذي يغنى فيه أساف قائلا )الله قائم فى مجمع الآلهة. فى وسط الآلهة يقضى( إلى تحريف النص ليصبح )الله قائم فى مجمع الله فى وسط الآلهة يقضى( فالمترجمون أعمتهم التقوى لأنه كيف يضعون بأيديهم الورعة نصا فى الكتاب المقدس يفصح عن تعدد الآلهة ؟ ولهذا السبب جعلوا )مجمع الآلهة( إلى )مجمع الله( والسؤال الذي يطرح نفسه هنا وبإلحاح كيف يكون لله وهو وحده مجمع ؟ لان المجمع تعنى الكثرة من الآلهة . وثم كيف يقضى الله وسط الآلهة ؟ إن المترجمين لهذه الفقرة لم يجدوا صيغة مناسبة يتقبلها العقل عند ترجمتهم لعبارة )فى وسط الله يقضى ( فتركوها فى الأصل وهذا النص يكشف مدى تلاعبهم وخبرتهم فى التحريف.
9- فكرة المخلص عند السومريين والعبريين :
إن فكرة )المخلص( تم اقتباسها عن البابليين والفرس , فقد كان البابليون يعتقدون انه كلما استشرى الفساد فى الارض وكثر الشرور والآثام , عاد إليهم ماردوك ليطهرهم من الفساد , ويشبع الخير فيهم . اما الديانة الزرادشتية التي وضع مبادئها زرادشت )660-583 ( قبل الميلاد فأنها تعتقد بظهور مخلص من بيت زرادشت مرة كل ألف عام لكي يناصر هرمازدا اله الخير على أخيه الهرمان اله الشر . وهكذا فأن هذه الفكرة انتقلت ايضا إلى فكر محرري التوراة , فأصبحوا يؤمنون إن يهوه سوف يبعث لهم من لدنه مخلصا , ينقدهم من هوان الأسر , ويعيدهم إلى فلسطين بمعجزات ربانية , تعوض عنهم قصورهم وعجزهم . فالفكر اليهودي قائما على رؤية توراتية تحد الزمن العبري بحدثين مهمين الحدث الزمني الأول هو الوعد الالهى الذي قطعه يهوه لإبراهيم بجعل الارض الفلسطينية ملكا حصريا لذريته , اما الحدث الثاني والأخير الذي ينتهي به الزمن فهو ظهور المسيح المنتظر الذي يتحقق يظهوره الحلم العبري بإقامة ثابتة على ارض الميعاد , وسيادة دائمة على الشعوب التي أذلت العبريين . وهذا الحلم المسيحانى العبري ينهى الزمن التأريخى بحكم المسيح المنتظر . وهذا المسيح لايأتى من اجل البشر كلهم بل من اجل خلاص بنى اسرائيل وحدهم , وهو يحرر اليهود من ظلم الشعوب لهم وقهرهم , وليجعل منهم سادة على العالمين , ويحيل الاغيار عبيدا لهم واماء . وهذا المخلص لابد إن يحمل هوية تثبت تحدره من الأسرة الداوودية , ولابد إن يكون مقر حكمه هو القدس , عاصمة العالم . وان خاصية هذا المخلص هي إن يكون مالكا أسباب القوة . فالمخلص الاتى من أخر الزمان لابد إن يحمل خصائص يهوه الذي يتصف بصفات اله البركان والعاصفة , وهى سمات انليل رب السومريين .
10-مفهوم العقد عند البابليين والعبريين :
إن مفهوم العهد او العقد الذي يربط بين العبريين ويهوه , هو مفهوم مألوف لدى شعوب الشرق فى الفكر والممارسة . وتقول كارين ارمسترونغ Karen Armstrong (إن المعاهدة بين يهوه وشعبه تتبع النموذج السومري . إن الجوهر فى العقد السومري-البابلي القديم هو مطلب الولاء المطلق , وهو الولاء الذي يطلب يهوه من شعبه فى مقابل تعهد من جانبه بالرعاية والحماية ) إن اعتقاد اليهود بعلاقة خصوصية مع اله خاص بهم , وإنهم من الكون فى موقع المركز , وإنهم شعب الله المختار وغاية التاريخ والزمان . فأن القدس هي فى اعتقادهم )سرة الارض ومركز الكون( , وهو اعتقاد سومرى ومصري ايضا يسبق ظهور العبريين على مسرح التاريخ . فقد امن السومريون بأن بلادهم )ارض مقدسة مختارة( , وصورو الارض على شكل طبق مسطح يطفو على سطح القمر , وتصوروا سومر على شكل تلة او قبة او صخرة تحتل موقع الوسط من الطبق وتدعى )سرة الارض( اى مركز الارض . وكما إن السومريين اعتقدوا إن بلاد مابين النهرين ترتفع عند تخوم اليابسة تليها الهوة المائية كذلك اعتقد العبريون إن القدس ترتفع فوق تخوم الهوة المائية . والقدس عند العبريين والنبي حزقيال هي الصرة او مركز الارض , وكذلك توصف القدس فى كثير من الأدبيات الإسلامية بصرة الارض . حيث إن أول بقعة بنيت على الارض كلها موضع صخرة بيت المقدس . والعبريون خلافا لكافة الشعوب ركدوا على مر الزمان على مفاهيم مر عليها الزمن , واستمروا فى ادعائهم بأن الأمة اليهودية هي مركز الزمان والمكان , وبأن استعادة وجودهم كدولة وأمة فى هذا المركز هو شرط استتباب النظام الكوني
شبكة البصرة
الاثنين 8 شوال 1427 / 30 تشرين الاول2006
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
واليكم مزيدا من البحوث ان اردتم ذلك والسلام عليكم ورحمته وبركاته
نحن في خدمة الاسلام والحمد لله علي نعمة الاسلام
رفقه حمزه بغدادي
فلسطين القدس
الاثنين 22 رجب 1428 هـ الموافق 06 أغسطس 2007 م