4 – أنه سيأتي بعد المسيح :
جاء على لسان المسيح في الأناجيل :
"لكني أقول لكم الحق وأنه خير لكم أن أنطلق؛ لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي ولكن إن ذهبت أرسله إليكم" (يوحنا 16/7) .
و: "أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه" (يوحنا 3/28) .
و: "هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" (يوحنا 1/27) .
و: "فأما المعزي (الروح القدس) الذي سيرله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يوحنا 14/26).
وكلها عبارات تؤكد أن ذلك النبي سيد المرسلين إنما سيأتي بعد رحيل المسيح عليه السلام .
5 – أنه خاتم النبيين :
كما جاء في إنجيل يوحنا : "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزِّياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد" (يوحنا 14/16) ، أي لتبقى رسالته إلى آخر الزمان، كما أشار إنجيل متى إلى كونه "الأصغر في ملكوت السموات" لأنه الأخير زمنيا في رهط الأنبياء: "الحق أقول لكم: إنه لم يظهر بين من ولدتهم النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه" (متى 11/1 .
6 – أنه سيصحح صورة المسيح :
"ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب؛ روح الحق الذي هو من عند الآب، ينبثق فهو يشهد لي" (يوحنا 15/26.
وقد صحح القرآن الكريم صورة المسيح، ونزهه عما نسب إليه من صفات وحرفت به دعوته، كما وصفها أعظم الأوصاف
7 – أنه سيتمم رسالات السماء :
كما جاء في عبارة: "يعلمكم كل شيء" (يوحنا 14/26 – انظر رقم 4- أعلاه)، وكذلك:
"وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه..." (يوحنا 16/ 13) .
8 – أنه سيجيء حين تغمر العالم ظلمة الجاهلية :
جاء في نبوءة أشعياء: "ها إن الظلمة تغمر الأرض، والظلام الدامس يكتنف الشعوب، ولكن الرب يشرق عليك ويتجلى مجده حولك" (أشعياء 60/2) .
ومثلها : "لتفتح عيون العُمي وتطلق سراح المأسورين في السجن وتحرر الجالسين في ظلمة الحبس" (أشعياء 42/7).
وقد كانت بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) وقد ساد الظلم والطغيان وظلام الجهل كل الأمم، فأنار العقول والقلوب بدعوة التوحيد، وحرر شعوب الأرض من ربقة الطغاة .
9 – عالمية رسالته :
"فتقبل الأمم إلى نورك، وتتوافد الملوك إلى إشراق ضيائك" (أشعياء 60/3)، وقد فتح الله بالإسلام كل ربوع الأرض ودخل الناس فيه أفواجا، بما فيهم أعظم ممالك الأرض في ذلك الزمان الفرس والرومان.
10 – سمو مكانته بين الأنبياء :
"الحق أقول لكم: إنه لم يظهر بين من ولدتهم النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه" (متى 11/11)، ولم تسجل البشرية سيرة أعظم من سيرته (صلى الله عليه وسلم) ولا مكانة أعظم من مكانته ومكانة رسالته وأمته.
11 – أن اسمه "المستوجب للحمد" أحمد ومحمد ومحمود :
جاءت تسمية النبي القادم في الأناجيل المترجمة عن اليونانية عن العبرية عن الآرامية بلفظ "المعزى" كما ذكرنا أعلاه في عبارات : (يوحنا 16/7) و(يوحنا 14/26) و(يوحنا 14/16). و"المعزى" ترجمة للفظ اليوناني Paracletos أي المحامي أو المؤيد أو الشفيع وأصله اللفظ العبري "بيرقليط" ويتشابه في الإملاء مع الكلمة العبرية "بارقليط" التي تعني المستوجب للحمد أي المحمود أو محمد أو أحمد. وقد تبين أن الكتابة العبرية؛ والتي اشتقت منها العديد من الألفاظ والمصطلحات في الترجمة اليونانية؛ لم يدخل عليها الضبط بالشكل (التشكيل) إلا في القرن الخامس الميلادي، وبالتالي فإن النص العبري قرئ وترجم على أنه بيرقليط بدلا من بارقليط، والأخير هو الأصح خاصة في ضوء كل الشواهد الأخرى .
وفي بحث لغوي لتحقيق نص عبارة: "الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لوقا 2/14) بأصلها باللغة السيريانية كانت الترجمة الدقيقة هي : "الحمد لله في الأعالي، أوشك أن يجيء الإسلام للأرض يقدمه للناس أحمد" .
12 – أمِّيَّته:
جاء في نبوءة أشعياء : "أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له أقرأ هذا فيقول: لا أعرف الكتابة" (أشعياء 29/12)، وهو وصف لا ينطبق إلا على النبي الأمي محمد (صلى الله عليه وسلم) وليس موسى أو عيسى؛ فكلاهما تلقيا قدرا وافرا من التعليم قبل بعثتهما، كما يتطابق سرد النبوءة بصورة مدهشة مع حديث بدء الوحي. "حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ( فرجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يرجف فؤاده.." (رواه البخاري).
13 – ترديده الوحي كما نزل :
استمر نـزول القرآن على النبي (صلى الله عليه وسلم) في شتى المناسبات طوال بعثته، فكان يتلقى الوحي من الملك جبريل فيردد ما يسمع بلا تردد تماما كما جاء في نبوءة أشعياء السابقة، وكما جاء في عبارة سفر التثنية: "أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به" (تثنية 18/18)، فتأمل عبارة "وأجعل كلامي في فمه"، وكذلك عبارة إنجيل يوحنا: "وأما متى ما جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يوحنا 16/ 13) .
وتأمل أيضا كيف تتطابق هذه المعاني مع ما جاء في القرآن:
)وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ( [العنكبوت : 48 .
)وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إلاَّ وَحْيًا أَوْمِن وَرَآي حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَليٌّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحًا مِن أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلاَ الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ( [الشورى: 51 – 52 .
)إن هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى * ذوُ مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَو أَدْنَى * فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى( [النجم : 4 – 10 .
)لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ * فَإَذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِع قُرْءَانَهُ * ثُمَّ إنَّ عَلَينَا ببَيَانَهُ( [القيامة: 16- 19].
14 – هجرته إلى المدينة :
"فاحملوا يا أهل تيماء الماء للعطشان واستقبلوا الهاربين بالخبز" (أشعياء 21/14) .
وهي إشارة لأهل المدينة المنورة الذين آووا النبي وصحبه من المهاجرين ، وآخى كل واحد منهم وافدا من المهاجرين يشاركه الطعام والشراب، و"المدينة" اسمها قبل الهجرة "يثرب" أو "طَيْبَة"، ولاحظ الشبه بين الاسم الأخير و"تَيْماء". وقد كانت الهجرة بإذن الله؛ عندما أعلم رسوله بما أجمع عليه الكفار أن يضربوه بسيوفهم ضربة رجل واحد ليتفرق دمه بين القبائل، فتأمل ما جاء في نفس النبوءة : "لأنهم قد فروا من السيف المسلول، والقوس المتوتر ومن وطيس المعركة" (أشعياء 21/15) .
15 – جهاده المشركين وانتصار الدعوة :
كانت حياته (صلى الله عليه وسلم) جهادا في معارك متصلة ضد المشركين والمتآمرين عليه من اليهود والمنافقين، طبقا لما جاء في نبوءة أشعياء :
"لا يكل ولا تثبط له همة حتى يرسخ العدل في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته" (أشعياء 42/4)
كما أشارت نبوءة أشعياء إلى هزيمة المشركين في موقعة بدر الفاصلة التي كانت فاتحة نصر المسلمين واندحار كفار قريش: "لأنه هذا ما قاله لي الرب: في غضون سنة مماثلة لسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار" (أشعياء 21/16)، وقيدار هو جد قريش من أبناء إسماعيل:
"وهذه أسماء أبناء إسماعيل: نبايوت بكر إسمايل، وقيدار و..." (تكوين 25/13).د
16 – الفتح وانتشار دولة الإسلام :
بشرت نبوءة أشعياء بانتشار نور الإسلام في الأرض ودخول الناس فيه أفواجًا": فتقبل الأمم إلى نورك، وتتوافد الملوك إلى إشراق ضيائك" (أشعياء 60/3. كما أشارت إلى توحد قبائل العرب ثم العجم في دولة واحدة تحت لواء الإسلام": تأملي حولك وانظري، فهاهم جميعا قد اجتمعوا، وأتوا إليك. يجيء أبناؤك من بعيد وتحمل بناتك على الأذرع" (أشعياء 60/4).
وتصل أمة الإسلام إلى أوجها: "عندئذ تنظرين وتتهللين وتطغى الإثارة على قلبك وتمتلئين فرحا لأن ثروات البحر تتحول إليك وغنى الأمم يتدفق عليك" (أشعياء 60/5) .
17 – الحج إلى بيت الله الحرام :
تشير نبوءة أشعياء إشارات دقيقة إلى وفود الحجيج من كل بلاد العالم لأداء شعائر الحج ملبين لله تعالى:
"أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر وسكانها، لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار، لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر" (أشعياء 42/ 10-12).
فالتسبيح والتلبية هنا على رؤوس الجبال ينطبق على تجمع الحجاج على جبال عرفة والمزدلفة ومنى، في أكبر تجمع بشري يشهده العالم عاما بعد عام:
"تكتظ أرضك بكثرة الإبل، من أرض مِديان وعيفة تغشاك بُكْرانٌ، تتقاطر إليك من شَبَا محملة بالذهب واللبان وتذيع تسبيح الرب" (أشعياء 60/6 .
وينحر الحجاج الهدي من الغنم التي أتوا بها شكرا لله تعالى: "جميع قطعان قيدار تجتمع إليك، وكباش نبايوت تخدمك، تقدم قرابين مقبولة على مذبحي، وأمجد بيتي البهي" (أشعياء 60/7 ...
وبيت الله الحرام الذي يؤمه الحجاج والمعتمرون ليلا ونهارا على مدار العام هو البيت الوحيد الذي لا يوصد أبدا ليلا ولا نهارا منذ طهره محمد (صلى الله عليه وسلم) من الأوثان يوم فتح مكة، فتأمل النبوءة:
"تفتح أبوابك دائما ولا توصد ليل نهار، ليحمل إليك الناس ثروة الأمم، وفي موكب يساق إليك ملوكهم" (أشعياء 60/11).