بسم الله الرحمن الرحيم
ب - الأغراض الفقهية للبخاري في صحيحه :
اشتمل الجامع الصحيح للإمام البخاري على (97) كتاباً و (3450) باباً مرتبة على المسائل الفقهية والعقدية وغيرها.
وكان رحمه الله يقطع الأحاديث ويختصرها ويكررها في مواضع مختلفة لتخدم الناحية الفقهية، من أجل ذلك نجد أن كتابه لم يتضمن الأحاديث الصحيحة المسندة فحسب، والتي هي أصل الكتاب. ومن أجلها صنفه، وإنما ضم إلى جانب ذلك الكثير من الآيات القرآنية التي لها صلة بموضوع الباب الذي يذكره، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، وكثيراً من الأحاديث المعلقة وكثيراً مما يستنبطه من معاني الأحاديث من الفقه والأحكام. بما تقدم ذكره، وبتراجمه التي أودعها استنباطاته العجيبة، وبرده على كثير من المخالفين لأهل الحديث.
وقد اهتم الكثير من العلماء بالجانب الفقهي من صحيح البخاري ودوّنوا فيه مصنفات كثيرة.
جـ - عناية الأمة الإسلامية وعلمائها بصحيح البخاري :
لم يحظَ كتاب بعد كتاب الله من العناية ما حظيه صحيح البخاري، وكانت هذه العناية جهوداً علمية دقيقة في خدمة هذا الكتاب، فقد انتقل إلينا صحيح البخاري من مؤلفه إلى عصرنا عبر أيد علمية أمينة : سماعاً أو إجازة، أو مناولة، وميزوا بين الروايات المختلفة والنسخ وما بينها من فروق معزوة إلى أصحابها، وهذه الاختلافات سببها اختلاف الأوقات التي يسمع فيها تلاميذ البخاري منه، أو لبعض أخطاء النساخ وأشهر هذه الروايات هي :
1) رواية أبي ذر عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الهروي الحافظ .
2) رواية ابن السكن : أبو علي سعيد بن عثمان الحافظ .
3) رواية الأصيلي : أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي .
4) رواية النسفي : أبو إسحاق إبراهيم بن معقل النسفي .
والروايات الثلاث الأولى كلها عن طريق الفربري أما الرواية الرابعة فهي للنسفي عن البخاري، وقد سمع بعضه، وأجاز له من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب.
ولقد اهتم العلماء بضبط هذه الروايات وتحريرها، وممن قام بهذا العمل الحافظ شرف الدين علي بن محمد بن عبد الله اليونيني عندما قام بضبط رواية البخاري وقابل أصله بأصل مسموع على الحافظ أبي محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، وبأصل أبي القاسم بن عساكر، وبأصل مسموع على أبي الوقت، وقد حضر معه في هذه المقابلة الإمام النحوي جمال الدين بن مالك ، فكان إذا مر بلفظ يظهر أنه مخالف لقوانين العربية المشهورة، قال لليونيني، هل الرواية فيه كذلك ؟ فإن أجابه بأنه ثابت في الرواية شرع ابن مالك في توجيهها، وجمع هذه التوجيهات في كتاب سماه "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح " وهو مطبوع. ولم يقصد اليونيني أن يرجع بهذه المقابلة ما هو ثابت في الأصول، ويخرج منها صورة مختارة - في نظره - لصحيح البخاري، وإنما قصد أن يجمع تلك الروايات كلها في صعيد واحد، تيسيراً لمن يريد الانتفاع بها من العلماء، وإغناء له عن التنقيب عليها في مختلف المظان. وقد استعان بالرموز في الإشارة إلى اختلاف النسخ، حيث اختار من بعض حروف الهجاء علامات يضعها على مواطن الخلاف، وبذلك ضبط رواياتهم مجتمعة بأخصر طريق، وحرر ألفاظ الكتاب على نحو ما هو ثابت عند أصحاب الأصول الأربعة التي قابل عليها أصله.
والنص المطبوع الآن هو نسخة اليونيني هذه، مع مقارنة ببعض النسخ، وقد أرسل هذه الأصل إلى السلطان عبد الحميد لينشر في مصر، وقد طبع في مطبقة بولاق (قلت (ابو علي) .. هي أصح طبعة للبخاري وأفضلها والله اعلم) .
وقد اهتم علماء آخرون بشرح صحيح البخاري ومن أبرز من قام بهذا العمل، الإمام أحمد بن محمد الخطابي (ت 386هـ)، ومحمد بن يوسف الكرماني (ت 788هـ) في كتابه " الكواكب الدراري " وهو مطبوع، ومنهم الإمام الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في كتابه " فتح الباري " ومحمود بن أحمد العيني (ت 855هـ) في كتابه " عمدة القاري "، وأحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني (ت 923هـ) في كتابه " إرشاد الساري ".
وقد ذكر فؤاد سزكين في كتابه " تاريخ التراث العربي " (56) شرحاً. للجامع الصحيح، بعضها مخطوط وبعضها قد طبع عدة مرات كالكتب السابقة .
وقد انصرف بعض العلماء إلى ضبط أسماء الرواة الوارد ذكرهم في الجامع الصحيح، والكلام عليهم جرحاً وتعديلاً. وقد أثمرت هذه الجهود كتباً كثيرة في هذا المجال أذكر منها ما يلي :
1) أسامي من روى عنهم البخاري : لعبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني (ت 365هـ).
2) الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد لأبي نصر أحمد بن محمد الكلاباذي (3) (ت 398هـ).
3) ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عن الثقات عند البخاري ومسلم. للدارقطني (ت 385هـ). طبع بتحقيق بوران الصناري، وكمال يوسف الحوت، بمؤسسة الكتب الثقافية - بيروت لبنان.
4) تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما، لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ت 405هـ)، طبع بتحقيق كمال يوسف الحوت، بمؤسسة الكتب الثقافية - بيروت لبنان.
5) تقيد المهمل وتميز المشكل : لأبي علي الغساني الجياني (ت 409هـ).
6) الجمع بين رجال الصحيحين، لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني (ت 507هـ) وقد طبع في الهند، وتولت طباعته دائرة المعارف العثمانية سنة 1323هـ.
7) المعلم بأسامي شيوخ البخاري ومسلم لمحمد بن إسماعيل بن خلفون (ت 636هـ) وهو مخطوط.
8) رجال البخاري ومسلم لأحمد بن موسى الهكاري (ت 763هـ).
9) قرة العين في ضبط أسماء رجال الصحيحين لعبد الغني البحراني (ت 1174هـ) وهو مطبوع.