كتاب الصارم المسلول لابن تيمية
الجزء 1 صفحة 9
قد حكى أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي إجماع المسلمين على أن حد من سب النبي صلى الله عليه و سلم القتل كما أن حد من سب غيره الجلد و هذا الإجماع الذي حكاه هذا محمول على إجماع الصدر الأول من الصحابة و التابعين أو أنه أراد به إجماعهم على أن ساب النبي صلى الله عليه و سلم يجب قتله إذا كان مسلما و كذلك قيده القاضي عياض فقال : أجمعت الأمة على قتل متنقصه من المسلمين و سابه و كذلك حكي عن غير واحد الإجماع على قتله و تكفيره و قال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام : [ أجمع المسلمون على أن من سب رسوله الله صلى الله عليه و سلم أو دفع شيئا مما أنزل الله عز و جل أو قتل نبيا من أنبياء الله عز و جل : أنه كافر بذلك و إن مقرا بكل ما أنزل الله
قال الخطابي : [ لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله ]
و قال محمد بن سحنون : [ أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه و سلم و المتنقص له كافر و الوعيد جار عليه بعذاب الله له و حكمه عند الأمة القتل و من شك في كفره و عذابه كفر
الجزء 1 صفحة 32
في الحديث أن رجلا كان يسب النبي صلى الله عليه و سلم فقال : [ من يكفيني عدوي ] و هذا ظاهر قد تقدم تقريره و حينئذ فيكون كافرا حلال الدم لقوله تعالى : { إن الذين يحادون الله و رسوله أولئك في الأذلين } [ المجادلة : 20 ] و لو كان مؤمنا معصوما لم يكن أذل لقوله تعالى : { و لله العزة و لرسوله و للمؤمنين } [ المنافقون : 8 ] و قوله تعالى : { كبتوا كما كبت الذين من قبلهم } [ المجادلة : 5 ] و المؤمن لا يكبت كما كبت مكذبوا الرسل قط و لأنه قد قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله } الآية [ المجادلة : 22 ] فإذا كان من يواد المحاد ليس بمؤمن فكيف بالمحاد نفسه ؟ و قد قيل : إن من سبب نزولها أن أبا قحافة شتم النبي صلى الله عليه و سلم فأراد الصديق قتله
أو أن ابن أبي تنقص النبي صلى الله عليه و سلم فستأذن ابنه النبي صلى الله عليه و سلم في قتله لذلك فثبت أن المحاد كافر حلال الدمأيضا فقد قطع الله الموالاة بين المؤمنين و بين المحادين لله و رسوله و المعادين لله و رسوله فقال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم } الآية [ المجادلة : 22 ] و قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة } [ الممتحنة : 1 ] فعلم أنهم ليسوا من المؤمنين
و أيضا فإنه قال سبحانه : { و لولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنهم شاقوا الله و رسوله و من يشاق الله فإن الله شديد العقاب } [ الحشر : 4 ] فجعل سبب استحقاقهم العذاب في الدنيا و لعذاب النار في الآخرة مشاقة الله و رسوله و المؤذي للنبي صلى الله عليه و سلم مشاق لله و رسوله كما تقدم و العذاب هنا هو الإهلاك بعذاب من عنده أو بأيدينا و إلا فقد أصابهم ما دون ذلك من ذهاب الأموال و فراق الأوطان
و قال سبحانه : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فأضربوا فوق الأعناق و آضربوا منهم كل بنان ذلك بأنهم شاقوا الله و رسوله } [ الأنفال : 12 ، 13 ] فجعل إلقاء الرعب في قلوبهم و الأمر بقتلهم لأجل مشاقتهم لله و رسوله فكل من شاق الله و رسوله يستوجب ذلك
الجزء 1 صفحة 217
و قد تقدم أنه صلى الله عليه و سلم قال للذي بنت مروان لما شتمه : [ إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجل نصر الله و رسول بالغيب فانظروا إلى هذا ] و قال للرجل الذي خرق صف المشركين حتى ضرب بالسيف ساب النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ أعجبتم من رجل نصر الله و رسوله ؟ ]
و حماية عرضه صلى الله عليه و سلم في كونه نصرا أبلغ من ذلك في حق غيره لأن الوقعية في عرض قد لا تضر مقصوده بل يكتب له بها حسنات
الجزء 1 صفحة 273
فإذا نقض الذمي العهد ببعضها و هو في قبضة الإسلام ـ مثل أن يزني بمسلمة أو يتجسس للكفار ـ فالمنصوص عن الإمام أحمد أنه يقتل قال في رواية حنبل : [ كل من نقض العهد أو أحداث في الإسلام حدثا مثل هذا ـ يعني سب النبي صلى الله عليه و سلم ـ رأيت عليه القتل ليس على هذا أعطوا العهد و الذمة ]
فقد نص على أن من نقض العهد و أتى بمفسده مما ينقض العهد قتل عينا و قد تقدمت نصوصه أن من لم يوجد منه إلا نقض العهد بالامتناع فإنه كالحربي
و قال في مواضع متعددة في ذمي فجر بامرأة مسلمة : يقتل ليس على هذا صولحوا و المرأة إن كانت طاوعته أقيم عليها الحد و أن كان استكرهها فلا شيء عليها
و قال في يهودي زنى بمسلمة : يقتل : لأن عمر رضي الله عنه أتى بيهودي نخس بمسلمة ثم غشيها فقتله فالزنى أشد من نقض العهد قيل : فعبد نصراني زنى بمسلمة قال : يقتل أيضا و إن كان عبدا
قال الإمام أحمد أيضا في الجاسوس : إذا كان ذميا قد نقض العهد يقتل و قال في الراهب : لا يقتل و لا يؤذى و لا يسأل عن شيء إلا أن نعلم منه أنه يدل على عوارت المسلمين و يخبر عن أمرهم عدوهم فيستحل حينئذ دمه
و قد نص الإمام أحمد على أنه من نقض العهد بسب الله أو رسوله فإنه يقتل
الجزء 1 صفحة 287
إذا تلخصت هذه القاعدة فيمن نقض العهد على العموم فنقول : شاتم رسول الله صلى الله عليه و سلم يتعين قتله كما قد نص عليه الأئمة
أما على قول من يقول : يتعين قتل كل من نقض العهد وهو في أيدينا أو يتعين قتل كل من نقض العهد بما فيه ضرر على المسلمين وأذى لهم كما قد ذكرناه في مذهب الإمام أحمد و كما قد دل عليه كلام الشافعي الذي نقلناه أو نقول : يتعين قتل من نقض العهد بسب الرسول الله صلى الله عليه و سلم وحده كما قد ذكره القاضي أبو يعلى و غيره من أصحابنا و كما ذكره طائفة من أصحاب الشافعي و كما نص عليه عامة الذين ذكروه في نواقض العهد و ذكروا أن الإمام يتخير فيمن نقض العهد على سبيل الإجمال فإنهم ذكروا في مواضع أخر انه يقتل من غير تخيير فظاهر
الجزء 1 صفحة 393
معلوم أن محاربة الله و رسوله هي المغالبة على خلاف ما أمر الله به و رسوله إذ المحاربة لذات الله و رسوله محال فمن سب الله و رسوله لم يسالم الله و رسوله لأن الرسول لم يسلم منه بل طعنه في رسول الله مغالبة لله و رسوله على خلاف ما أمر الله به على لسان رسوله و قد أفسد في الأرض كما تقدم فيدخل في الآية و قد تقدم في المسألة الأولى أن هذا الساب محاد لله و رسوله مشاق لله تعالى و رسوله و كل من شاق الله و رسوله فقد حارب الله و رسوله لأن المحاربة و المشاقة سواء فإن الحرب هو الشق و منه سمي المحراب محرابا و أما كونه مفسدا في الأرض فظاهر
و اعلم أن كل ما دل على أن السب نقض للعهد فقد دل على أنه محاربة لله و رسوله لأن حقيقة نقض العهد أن يعود الذمي محاربا فلو لم يكن بالسب يعود محاربا لما كان ناقضا للعهد و قد قدمنا في ذلك من الكلام ما لا يليق إعادته لما فيه من الإطالة
الجزء 1 صفحة 469
و أما تسمية الصحابة الساب غادرا محاربا فهو بيان لحل دمه و ليس كل من نقض العهد و حارب سقط القتل عنه بإسلامه بدليل ما لو قتل مسلما أو قطع الطريق عليه أو زنى بمسلمة بل تسميته محاربا ـ مع كون السب فسادا ـ يوجب دخوله في حكم الآية كما تقدم
الجزء 1 صفحة 539
التكلم في تمثيل سب رسول الله صلى الله عليه و سلم و ذكر صفته ذلك مما يثقل على القلب و اللسان و نحن نتعاظم أن نتفوه بذلك ذاكرين لكن للاحتياج إلى الكلام في حكم ذلك نحن نفرض الكلام في أنواع السب مطلقا من غير تعيين و الفقيه يأخذ حظه من ذلك فنقول : السب نوعان دعاء و خبر أما الدعاء فمثل أن يقول القائل لغيره : لعنه الله أو قبحه الله أو أخزاه الله أو لا رحمه الله أو لا رضي الله عنه أو قطع الله دابره فهذا و أمثاله سب للأنبياء و لغيرهم و كذلك لو قال عن نبي : لا صلى الله عليه أو لا سلم أو لا رفع الله ذكره أو محا الله اسمه و نحو ذلك من الدعاء عليه بما فيه ضرر عليه في الدنيا أو في الدين أو في الآخرة
فهذا كله إذا صدر من مسلم أو معاهد فهو سب فأما المسلم فيقتل به بكل حال و أما الذمي فيقتل بذلك إذا أظهره
ملاحظة/فقط بعض مقتطفات من كتاب بان تيمية و ان باستطاعتي ان املا لك صفحات و صفحات حول سب النبي :salla: هل حكمه المجادلة باللسا ام بالسيف ام مداهنة و تسميته اخواننا و اصدقائنا و ...0