المجال الذي سأختار هو الإعجاز العلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا . والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , وعلى أله وصحبه وسلّم تسليما .
أما بعد
السؤال : لو لديك فرصة واحدة تتناقش فيها مع النصارى ما الموضوع الذي تختار؟
إنه سؤال يبدو بسيطا ولكنه من الأهمية بما كان من حيث أنه هو السبيل الذي يستطيع أن يحدّد بكل دقة أي الكتابين هو كلام الله حقا وحقيقة . لأننا عندما نقول أن هذا الكتاب هو كلام الله فهذا يعني أنه يجب أن يكون في مستوى المتكلم به . وبما أن الله هو الخالق و العليم و الحكيم و القوي و الأزلي و الأبدي وهو الذي يسيّر الكون كله ما نعلم منه وما لا نعلم . فكلامه يجب أن يكون من هذا المستوى العظيم من القدرات الغير محدودة . لأن الصفات الإلهية المذكورة من علم وقدرة وحكمة وغيرها تقتضي كلاما منطقيا , وعلما دقيقا و حقائق لا تناقض فيها مع ما وصل إليه الإنسان من علم ومعرفة في مختلف العلوم . كما أنه يجب أن يكون خاليا تماما من كل مغالطات أو أخطاء فيما يُخْبِر عنه من تاريخ الأزمنة الغابرة للكون بكل مخلوقاته , وألا يتعارض مع ما تنبّأ به من أحداث المستقبل مهما طال الزمن , لأن المفروض أن المتكلم فيه هو الله العليم الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء البتة. من هذا المنطلق قلت أن السؤال ليس بالسهل كما يبدو للبعض لأن الجواب عنه سيحدّد مصير أمة بأكملها ومدى صحة عقيدتها , ونحن نعلم أن أمة بلا عقيدة أمة ميّتة ومندثرة مهما بلغ شأنها من العلم و الغلبة . كما أن كتابا أو كلاما من هذا النوع الذي ذكرنا لا يمكن أن يقول به إلا رب حكيم عليم واحد أحد لا مثيل له ولا شريك له وليس له ثان .
ولهذا كنت ولا زلت أحاور أهل الكتاب بل حتى الملاحدة في إثبات أن القرآن كلام الله تعالى أحاورهم بالإعجاز العلمي في القرآن والسنّة لأنه السبيل الأمثل و الحجة الدامغة لكل المتعنّتين الذين لا يؤمنون بوجود الله أو سماوية القرآن الكريم . كما أنه السلاح الملجم و البرهان المُفحم لأهل الكتاب الذين ينكرون أن القرآن الكريم كلام الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وعندما نعكس المسألة فإن الحقائق العلمية مقياس دقيق لتفنيد من يدّعي أن الكتاب المقدس كلام الله في الوقت الذي نجد أن فيه مسائل تتعارض وتتناقض جملة وتفصيلا مع ما وصل إليه العلم . لأنه من المستحيل تماما أن يتنبأ شخص ـ قبل عشرات القرون ـ من عند نفسه أو من علم تعلمه من غيره أن يتنبأ بما وصل إليه الإنسان اليوم من مستوى علمي مبهر دون أن يكون مدعوما من رب عليم حكيم , لا أول له ولا آخر ليس كمثله شيء وهو السميع العليم . وحتى لا أكون متكلّما من فراغ فسأعطي مثلا بسيطا حتى أبيّن أهمية الإعجاز العلمي في مناظرة أهل الكتاب بصفة عامة , بعيدا عن كل حقد أو أحكام مسبقة يدعو لها كثير من الحاقدين عن الإسلام أو الجاهلين بتعاليمه. وعلى سبيل المثال لا الحصر الآية الكريمة 24في سورة يونس التي يقول فيها المولى عزّ وجلّ " ...حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازيّنت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا , فجعلناها حصيدا كأن لم تَغْنَ بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون" لقد قام حول هذه الآية نقاش كبير و تساؤلات كثيرة حول ما معنى أن محمدا يدّعي أن القرآن وحي من الله الذي يعلم الغيب و يعلم كل شيء ومع ذلك لا يعلم متى تأتي الساعة هل بالليل أم بالنهار. ثم بقي النقاش حولها وعندما بحثت في تفسيرها عند السلف الصالح كالقرطبي مثلا يقول فيها " ليلا أو نهارا , ظرفان ." وقال الطبري "إما ليلا أو نهارا" وهكذا لم يدقّقوا فيها كثيرا . وبقيت حتى جاء العلم بحقائقه المبهرة ليثبت أن هذه الآية الكريمة تحمل في طياتها إعجازا علميا عظيما وحقيقة علمية لا يمكن أن يعلمها حين نزول القرآن إلا الله العليم الحكيم الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى . نعم فهو سبحانه وتعالى الذي أوحى إلى رسوله الكريم هذه الحقيقة العلمية والتي مفادها أن الأرض نصفها يكون فيه الليل والنصف الآخر يكون فيه النهار . وهذه الحقيقة أصبحت اليوم بديهية يعلمها الصغير و الكبير. ولا أحد يستطيع أن ينكرها لأن العلم أثبتها بما لا يدع مجالا للشك . ولذلك لو حدّد القرآن قيام الساعة مثلا بالليل ثم سكت أو تنبّأ بقيامها نهارا ثم سكت لكان ذلك مناقضا ومتعارضا مع ما وصل إليه العلم وتحقّق منه تحققا يقينيا . ولكان ذلك حجة على أن القرآن ليس كلام الله . ولكن بما أن ذلك لم يحصل وثبت الآن أن هذه الحقيقة لم تكن معروفة إلا في السنوات الأخيرة بعدما غزا الإنسان الفضاء وصعد إلى مسافات كبيرة ودرس وتقدّم في العلم . عندها فقط اكتشف هذه الحقيقة العجيبة . والسؤال الآن وهو محور هذا الموضوع كله: من أخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة العلمية قبل مئات السنوات ؟ والتي تدلّ على عظمة الله الخالق كما تبرهن على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون كلام بشر مهما كان علمه ومستواه المعرفي . فما بالك أن الذي جاء بها شهد على أميّته الأعداء قبل الأصدقاء . فسبحان من أنزل على عبده القرآن الكريم وقال فيه " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا . "
أرجو أن أكون قد وفّيتُ هذا السؤال حقه , وأعد إخوتي بمواضيع في الإعجاز العلمي في أثبات أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .