اقتباس:
ما يعرف بوثيقة بحيرا الراهب والتي تقول أن بحيرا الراهب هو من دفع نبي المسلمين للنبوة وأنه كان هو ملهمه الذي ألهمه القرآن وأن محمدا كان يسأله في كل شيء وأن بحيرا كان يقول له قل كذا وكذا!! هكذا بأسلوب لا يقبله طفل في كتاب من معلمه!! وهذه الوثيقة التي تقول بعض مواقع النت أن أصلها سرياني وأن ما هو منشور منها مترجم إلى العربية لا يمكن أن تكون وثيقة حقيقية فهي إحدى مزيفات القرون الوسطى مثلها مثل إنجيل برنابا المزيف وغيرهما من مزيفات العصور الوسطى العديدة. حيث تجمع جميع المصادر الإسلامية على أن شخصية بحيرا الراهب لم يكن لها أي وجود وقت بدء الدعوة للإسلام ولا أثنائها، وتروى عنه روايات لا يمكن أن نتأكد منها إلا من شيء واحد فقط وهو أنه كان هناك راهب باسم بحيرا عرفه التجار العرب في الطريق بين مكة والشام قبل بدء الدعوة للإسلام. وما يروى عنه قليل جدا ويتلخص فقط في ثلاثة روايات متكررة بأشكال متنوعة أهمها ما جاء في تفسير البحر المحيط ج 9: 27 ونظم الدر للبقاعي ج2: 448، وتفسير النيسابوري ج 3:199 والتحرير والتنوير ج 4:271و5:23 وتفسير حقي ج 3 :315 وأسباب نزول القرآن ج 1: 72، رواية تقول أنه أحد الذين اعتنقوا الإسلام: " وبحيرا الراهب، أو النجاشي، أو سلمان الفارسي. وابن سلام، وأبو رفاعة، وابنه في عشرة من اليهود أسلموا ". ولكن هذه الرواية لا يمكن أن تكون منطقية لأنها تخالف أهم الروايات والتي يأخذها الكتُّاب عن سيرة ابن أسحق أقدم سيرة كتبت عن نبي المسلمين.
وجاء في كتاب المقاصد الحسنة ج 1 :35 الرواية التالية والتي تكررت مع فروق بسيطة في كتب كثيرة منها (دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني1 :125، وحلية الأولياء 2 :116، وسبل الهدى والرشاد 2 :244، والاستيعاب في معرفة الأصحاب 1 :12، والإصابة في معرفة الصحابة 1 :92، والوافي بالوفيات 1 :26 00 الخ): " ووقع في خروجه مع عمه إلى الشام وقصة بحيرا الراهب مما أورده ابن إسحق معضلاً ففيها: فلما نزلوا قريباً من صومعة بحيرا صنع لهم طعاماً كثيراً وذلك فيما يزعمون عن شيء رآه وهو في صومعته، يزعمون أنه رأى رسول الله (صلعم) حين أقبلوا وعمامة تظله من بين القوم ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريباً منه فنظر إلى الغمامة حين أظلته الشجرة وتقصرت أغصان الشجرة على رسول الله (صلعم) حين استظل تحتها، القصة. ووصله البيهقي في الدلائل وأبو بكر الخرائطي واللفظ له من طريق قراد أبي نوح حدثنا يونس عن أبي إسحق السبيعي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه النبي (صلعم) في أشياء من قريش فلما أشرفوا على الراهب يعني بحيرا هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت قال: فنزل وهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله (صلعم)، وقال: هذا سيد العالمين، زاد البيهقي ورسول رب العالمين ابتعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ قريش: وما علمك، فقال: إنكم حين أشرفتم من الثنية لم يبق شجر ولا حجر، إلا خر ساجداً، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه ". وفي رواية أخرى تقول: " فلما بلغ رسول الله. (صلعم) اثنتي عشرة سنة وشهرين وعشرة أيام ارتحل به أبو طالب تاجرا نحو الشام فنزل " تيماء " فرآه حبر من اليهود يقال له " بحيرا " الراهب فقال: من هذا الغلام معك؟ فقال: هو ابن آخي فقال: أشفيقٌ عليه أنت؟ قال: نعم. قال: فوالله لئن قدمت به الشام ليقتلنه اليهود. فرجع به إلى مكة ". وهنا نراه راهبا مسيحيا وحبرا يهوديا!!
بل ووصفته بعض الروايات، أي بحيرا، بأن الله استودع فيه علمه ونوره فقد جاء في كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصفهاني 3: 79 " فعند ذلك ملك كسرى بن قباذ فملك ستا وأربعين سنة وثمانية أشهر وولي أمر الله يومئذ في الأرض مرعيدا وأصحابه المؤمنون، فلما أراد الله تعالى أن يقبض مرعيدا أوحى إليه أن يستودع علم الله تعالى ونوره بحيرا الراهب ففعل، فعند ذلك ملك هرمز بن كسرى فملك اثنتي عشرة سنة وولي أمر الله عز وجل بحيرا الراهب وأصحابه المؤمنون، فعند ذلك ملك يزدجر بن كسرى فملك أربع سنين، فعند ذلك بعث الله تعالى محمدا (صلعم) تسليما كثيرا وعلى آله وعلى جميع الأنبياء والرسل، والحمد لله رب العالمين ".
وهذه الروايات جميعا لا يمكن الوثوق بها لسبب بسيط جدا وهو أن الروية الرئيسية فيها والتي نسبت لبحيرا كان شاهدها الرئيسي هو أبو طالب عم نبي المسلمين ولو كانت صحيحة لكان أول من آمن به ولكن كما تجمع الكتب الإسلامية أنه مات مشركا ولم يؤمن به حتى مات وقد أوردت عشرات الكتب ومنها السيرة النبوية لابن إسحاق ج 1 :85 والطبري ج14 : 509 و510 وج19 :599 وابن كثير 4 :221 والرازي ج 8 :164 والوسيط لسيد طنطاوي 1 :2053 وأسباب النزول 1 :149 و228 وصحيح البخاري الأحاديث 1272 و 4307 و 4399 و 6187 وصحيح مسلم 35 وسنن النسائي 2008 و 22562 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 :122، الرواية التالية: " عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال " لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي (صلعم) وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى كان آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال له النبي (صلعم) لاستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت " مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ " (التوبة : 113). ولو كانت هذه الروايات صحيحة، ولا يمكن أن تكون صحيحة فهي متضاربة والعلماء لا يثقون فيها، لكان عمه أبو طالب أول من آمن به. وكل ما يستفاد من هذه الروايات أنه كانت توجد شخصية باسم بحيرا قبل الدعوة للإسلام بسنوات، ولكن لم يكن لها أي وجود أثناء هذه الدعوة. وبالتالي فهذه الوثيقة المزعومة باسم وثيقة بحيرا مزيفة من مزيفات العصور الوسطى. كما أن الوثيقة تقول أن هذا الراهب كان يؤمن بالله الواحد في ثالوث وبلاهوت المسيح وصلبه وفدائه للبشرية حيث تقول مقدمة الوثيقة المزيفة: أنه عندما سأل نبي المسلمين بحيرا قائلاً: " فأنت لأي رب تعبد، فقلت (أي بحيرا) له: الله الأزلي، خالق السموات والأرض وما بينهما، فقال لي: من هذا حتى نعرفه ونعترف به، فقلت له: الله الأزلي الحي الذي لا يموت، الثالوث المقدس،الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد الصاباؤت 000 الخالق، الحي، الناطق بكلمته، المحيي بروحه، مثلث أقانيمه، واحد في جوهره، قال لي هذا تقليد عظيم لم تضبطه عقول قومي ولا تفهمه، وأريد أن تقصر عني الكلام، فقلت له القصد والمعبود كلمة الله الخالقة الأزلية، الواحد في الجوهر مع الآب وروح القدس، الممجد، الذي نزل من السماء وتجسد من روح القدس، ومن مريم العذراء وعمل الآيات وصعد إلى السموات "!! والكلام هنا عن عقيدة الله الواحد في ثالوث جاء القرآن بعكسه تماماً، حيث يقول: " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ " (المائدة:73). فهل يعقل أن الراهب يؤمن بشيء ويعلم تلميذه بعكسه؟!!