مناهج لتكريس العنصرية
الذي يفاقم تأثير العسكرة في نظام التعليم في إسرائيل هو حقيقة أن مناهج التعليم الإسرائيلية تكرس منهجاً يدعو لمواصلة حالة الصراع.
فحسب بحث أعده الباحث الإسرائيلي ايلي بوديا المحاضر في جامعة حيفا فأن كتب التدريس الاسرائيلية حالت دون تحقيق السلام مع العرب.
وحسب البحث فأن كتب التعليم في إسرائيل ساهمت طيلة نصف القرن الماضي اشعال جذوة الصراع الفلسطيني العربي، وكرست حالة الحرب، وحالت دون التوصل للسلام بين العرب واليهود. ووصف بوديا مناهج التدريس اليهودية ب " المنحرفة "، منوهاً الى أن هذه المناهج تتميز بطغيان الصورة النمطية والأفكار المقولبة حيال العرب، وزرع كراهيتهم في نفوس التلاميذ الإسرائيليين إلى حد الاستنتاج بأن ما جرى داخل جدران المدارس الإسرائيلية قد اثر إلى مدى بعيد في قرار الحرب والسلام لدى قادة الدولة العبرية.
واشار البحث الذي جاء تحت اسم " الصراع" الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية العبرية"
و الصادر عن مؤسسة مدار لدراسة الشؤون الإسرائيلية في رام الله، الى ان الكتب المدرسية الإسرائيلية رعت نوعاً من الصراع الصامت بين الطرفين وحافظت عليه، وقادت بطريق غير مباشر إلى اثارة الصراع المسلح.
واكد بوديا، ان جهاز التعليم الإسرائيلي قد اختار النهج القومي الذي يخضع الماضي لاحتياجات الراهن والمستقبل على حساب الحقيقة والموضوعية في كتابة التاريخ بهدف خلق ذاكرة جماعية متميزة، منوهاً الى أن ثلاثة ارباع الكتب التي تستخدم في المدارس الإسرائيلية ليست مجازة ما يعني انكشاف التلاميذ إلى مواد اكثر خطورة.
واكد الباحث أن كتب التاريخ الإسرائيلية التي اخضعها للبحث انشغلت بتعميق القيم الصهيونية ورعاية الأساطير والتمجيد بأبطالها ضمن صهر المهاجرين في بوتقة وذاكرة جماعية واحدة.
ولفت إلى أن تلك الكتب وصفت الصراع بطريقة تبسيطية أحادية الأبعاد ومشبعة بعدم الدقة إلى حد التشويه.
وأوضح الكاتب أن هذه الكتب سعت لشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم، ما أدى إلى ترسيخ صورة نمطية لدى الإسرائيليين الذين ظهروا دائماً بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السلام مقابل صورة العرب "الخونة العدوانيين المتخلفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوماً نحو التدمير".وحول تناول هذه الكتب لاول مواجهة مع المسلمين التي حدثت في المدينة المنورة، فان هذه الكتب تصف القبائل اليهودية في تلك الفترة بأنها " شريفة ومحترمة وشجاعة، بينما وصف العرب بأنهم ماكرون وخونة وبأنهم هزموا اليهود بالخدعة والمؤامرة ".
ونوه الكاتب إلى ان تعابير مثل متوحش ومحتال ومخادع ولص وسارق وإرهابي، كانت كثيراً ما تستخدم في وصف العربي بينما ما يرتكب ضد اليهود يسمى عداوات ومذابح ومجازر بغية خلق صلة بين العرب وبين اللاسامية المتأصلة في تجارب التاريخ اليهودي في أوروبا، مشيراً الى أن العرب يوصفون بأنهم النسخة الحديثة من العماليق، ألد اعداء الإسرائيليين في التوراة.
ويؤكد الكاتب أن كتب التدريس عززت عملية ابتعاد اليهود عن العرب، وهذا بدوره زاد من مستوى اسطرة الصراع وعزز الميل إلى تجريد العرب من انسانيتهم".. ونوه الكاتب إلى ان التحامل الإسرائيلي ضد العرب كان اسقاطاً للموقف اليهودي تجاه الغريب في الشتات.
ويقتبس الباحث قول الباحث اليهودي سيغريد ليحمان، الذي قال: "نحن كيهود نميل إلى رؤية العربي كغير اليهودي كأحد الاغيار، نحن كأوروبيين نراه آسيوي خصماً لتطلعاتنا القومية وكاشتراكيين نحن نراه كممثل لاشد انماط الرجعية سواداً"..
وأشار بوديا، إلى أن ردة فعل غريبة جاءت في اسرائيل على زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات، حيث حرص كبار المسؤولين في الدولة على الدعوة الى تعميق القيم الصهيونية على حساب ثقافة السلام.
واقتبس من كلام الوزير التعليم السابق زبولون هامر قوله: "هناك زعماء عرب يظنون انهم ان لم يكونوا قادرين على القضاء علينا في ميدان المعركة، فإنهم سينجحون في فعل ذلك عن طريق عملية " السلام ".
ويؤكد الباحث أن كتب التدريس الاسرائيلية تحاول ان تكرس قناعة مفادها ان السلام مع العرب " يهدد إسرائيل المهزوزة ويستلزم تحصين الناشئة بتقوية الوعي الصهيوني".. ويؤكد البحث انه عندما حاول وزير التعليم السابق اسحاق نافون احداث تقارب بين التلاميذ العرب واليهود داخل اسرائيل، لم يشارك في هذه الأنشظة الا 2% من المربين اليهود، منوهاً للموقف
الصارم للمؤسسة الدينية اليهودية الرافض لعقد مثل هذه اللقاءات،بحيث ان ذلك يثبت ان الذاكرة الجماعية لليهود كضحايا لمخططات الاضطهاد والابادة جعلتهم "سجناء ماضيهم الخاص"..
ويؤكد الباحث أن الإسرائيليين كانوا يعرفون عن الإسكندينافيين أكثر مما يعرفونه عن جيرانهم العرب، وهو ما ساهم في تعقيد الصراع كما ساعد في خلق أرضية بررت استخدام القوة ضد العرب.
ونوه إلى أن 4.1% فقط من الوقت المحدد للتاريخ في المدرسة الإسرائيلية قد خصص للتاريخ العربي، لافتاً إلى موافقته على رأي باحثين أجانب بأن اليهود نقلوا صورة الأغيار من الشتات إلى إسرائيل وسلطوها على العرب بشكل خاطئ.
من ناحيته يقول الكتاب و الناقد أنطوان شلحت، الذي كتب مقدمة للبحث أن السنوات التي تلت العام 2000 قد شهدت صعوداً يمينياً متطرفاً إلى رأس هرم جهاز التعليم في الكيان، بعد تسلم ليمور لفنات من حزب الليكود حقيبة التعليم.
واقتبس شلحت الباحث سامي شالوم، الذي رأى بفترة وزيرة التعليم السابقة ليمور لفنات الاكثر خطورة بالنسبة للتعليم الإسرائيلي، باعتبارها "قاب قوسين أو أدنى من الفاشية التامة". ونوه الى ان ليفنات قد اخرجت كل ما ليس مستمداً من الرواية الصهيونية التاريخية، والتي تعتبر ان فلسطين كانت خالية من السكان عدا قلائل هربوا عام 1948.
المدارس الدينية العسكرية " يشيفوت ههسدير "
ينقسم المتدينون في إسرائيل الى تيارين أساسيين:
1- التيار الديني الأرثوذكسي: وهو التيار الذي توصلت مرجعياته الروحية مع مؤسس الدولة دفيد بن غوريون إلى اتفاق يقضي باعفاء المنتسبين إليه من طلاب المعاهد والمدارس الدينية من الخدمة العسكرية، والتفرغ لدراسة الدين، مع العلم أن أتباع هذا التيار يشكلون حوالي 18% من اليهود في إسرائيل.
2- التيار الديني الصهيوني: وهو التيار الذي اعتبر نفسه منذ البداية جزءاً لا يتجزأ من الدولة، واعتبرت مرجعياته الروحية الخدمة العسكرية ليس مجرد واجب تقتضيه المواطنة، بل فريضة دينية يتوجب القيام بها على أكمل وجه.
ويشكل اتباع هذا التيار فقط من 7-10% من عدد اليهود، وذراعهم السياسي حزب " المفدال " الديني، وينتمي معظم المستوطنين الى هذه الشريحة.
حتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي ظلت نسبة المتدينين الصهاينة في الهيئات القيادية في الجيش حتى أقل من النسبة التي يمثلونها من حيث تعداد السكان.
فحتى ذلك الوقت ظل القادمون من القرى التعاونية " الكيبوتسات " - التي تمثل قلاع العلمانية الإسرائيلية - ينفردون بتبوؤ المواقع القيادية في الجيش، لدرجة أن الانتماء ل " الكيبوتس " كان رديفاً للانتساب للوحدات المختارة في الجيش، مع أنه بمثل هذا الانتساب تفتح الطريق أمام هؤلاء الضباط والجنود لتبوؤ المواقع القيادية في الجيش والدولة مستقبلاً. لكن منذ ذلك الوقت حدث تغير درامتيكي متلاحق ولافت للنظر.
فقد قلت نسبة خريجي " الكيبوتسات " الذين يلتحقون بالوحدات المختارة بسبب تحلل الكثير من هؤلاء من الايمان ب " واجب التضحية من أجل الدولة ". في المقابل حدثت عملية عكسية تماماً، حيث كانت توجيهات المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني لأتباعها بأن عليهم يتوجهوا تحديداً للانخراط في الوحدات المختارة والسريات النخبوية في الجيش، من أجل قيادة الجيش وبالتالي التحكم في المشروع الصهيوني.
الذي سهل على الصهاينة المتدينين تحقيق هدفهم هو وجود ما يعرف بالعبرية ب " يشيفوت ههسدير "، وهي مدارس دينية عسكرية – يمولها الجيش – و التي ينضم اليها حصراً اتباع التيار الديني الصهيوني بعد تخرجهم من المدرسة الثانوية.
فأواخر السبعينات توصلت المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني الى اتفاق مع هيئة أركان الجيش الإسرائيلي تم الاتفاق بموجبه على أن تتولى المدارس الدينية التابعة لهذا التيار مهمة اعداد الشباب الذين ينتمون لتيار الصهيونية الدينية لمرحلة الجيش.
بحيث يتولى الحاخامات الذين يشرفون على هذه المدارس محاولة زيادة الدفاعية لدى هؤلاء الشباب للتطوع للخدمة في الوحدات المقاتلة والمختارة في الجيش وذلك عبر زرع قيم التضحية من أجل الوطن وغيرها من القيم في نفوس هؤلاء الطلاب، الى جانب اعدادهم بشكل مهني لمرحلة الجيش؛ بحيث يتم اعداد هؤلاء الطلاب عسكرياً عن طريق ضباط يقوم الجيش بارسالهم الى هذه المدارس ليتولوا تدريب الطلاب على استخدام السلاح، وبعض التدريبات العسكرية داخل اطار المدرسة.
ويتولى الجيش دفع مستحقات التعليم في هذه المدارس، الى جانب دفع رواتب الحاخامات الذين يتولون التدريس فيها، لكن الجيش في نفس الوقت لا يتدخل في منهاج التعليم غير العسكرية، حيث يحظى الحاخام الذي يدير المدرسة بحرية عمل كاملة. فنظام التعليم فيها مستقل تماماً وتتحكم فيه المرجعيات الروحية للتيار الديني الصهيوني دون أي قدر من الرقابة على مضامين مناهج التعليم فيه
الى جانب مظاهر العسكرة الصارخة التي تقوم عليها هذه المدارس، فأن الطلاب فيها يتلقون تعليماً دينياً بالغ التطرف ويقوم على العنصرية وكراهية الآخر بشكل فج. ويكفي أن نعرف أن معظم هذه المدارس تقع إما في المستوطنات، أو في القدس المحتلة ويشرف عليها مدراء هم من أكثر الحاخامات تطرفاً. والى جانب العسكرية، فأن هذه المدارس تربي طلابها بصراحة على رفض القيم الديموقراطية
يقضي هؤلاء ثمانية عشر شهراً في هذه المدارس، يمارسون خلالها تعليمهم الديني وفي نفس الوقت يؤدون الخدمة العسكرية، مع العلم أنه بعد تخرجهم منها يقضون ثلاثين شهراً اضافية في الخدمة العسكرية.
يبلغ عدد هذه المدارس اثنين واربعين مدرسة، والشعار الذي ترفعه هذه المدارس أن " الخدمة العسكرية والروح القتالية هي مهمة جماعية يفرضها الدين بهدف قيادة المشروع الصهيوني ".
من هنا كان كل طالب في هذه المدارس لا ينظر خلال تأديته الخدمة العسكرية أنه يؤدي خدمة اجبارية تنتهي بعد ثلاث سنوات، بل أنها بوابة واسعة لممارسة التأثير على مستقبل الدولة وعلى عملية صنع القرار فيها.