خيبك الله يا سمعان ... للأستاذ متعلم
الحمد لله وكفى .. وسلام على عباده الذين اصطفى .. ثم أما بعد ..
( عوض سمعان ) أحد أشهر علماء النصارى ومنظريهم ، وكتبه أساس لازم لكل نصارى الإنترنت من جميع الطوائف .. وهو مشهور فى كتبه بأنه يورد الاعتراضات على نفسه ويرد عليها .. وقد قرأت هذا الاعتراض ورد (سمعان) عليه ، فأحببت أن أنقله مع التعليق ، لما فيه ـ النقل لا التعليق ـ من طرافة لا تخفى .
* * * * *
أورد ( سمعان ) فى أحد كتبه اعتراضًا على عقيدته هذا نصه :
" 19 - إذا كان المسيح هو الله، فلماذا ظهر في أماكن محدودة، ولم يظهر في جميع الأمكنة، حتى يراه جميع الناس ويؤمنوا به ؟ ".
ومفاد الاعتراض : لماذا ظهر الله لليهود فقط ولم يظهر لجميع الأمم فى عصر المسيح ؟ .. ما هى مزية اليهود على غيرهم فى ذلك العصر حتى يختارهم الله ليتجسد بينهم ـ زعموا ـ ويترك غيرهم ؟
أجاب (سمعان) وقال :
" الرد: إذا رجعنا إلى العصر الذي عاش فيه المسيح على الأرض، وجدنا أن الشعب الوحيد الذي كان يؤمن بالله إيماناً خالصاً من كل زيغ هو شعب اليهود ".
إذن فالميزة التى اختار الله اليهود من أجلها ليتجسد فيهم هى إيمانهم بالله . ( ودعك الآن من حكاية إيمانهم الخالص من كل زيع ! )
ومعنى الرد أن هذه الميزة لا توجد فى غير اليهود ، فلو كان غير اليهود يؤمنون بالله أيضًا ، لظل السؤال قائمًا : ولماذا فضل الله اليهود عليهم ليتجسد بينهم ؟
وقد أكد ( عوض سمعان ) هذا الأمر فقال :
" إذ أن الشعوب الأخرى كانت تعبد الكواكب والأوثان وغيرها، وإن كانت قد وُجدت لدى بعضها فكرة عن الله، فإن هذه الفكرة كانت غير صحيحة أو ناقصة، فكان من المتعذر على هذه الشعوب أن تقبل المسيح كالله المتأنس، لو كان قد ظهر بينها ".
إذن ، الله تجسد وسط اليهود لأنهم يؤمنون بالله ، فهم على استعداد لقبول فكرة الله المتأنس ، على حين باقى الأمم لا تؤمن بالله ، وبالتالى سيتعذر عليهم فكرة الله المتأنس .
ومفهوم ذلك أن هدف الله هو إيمان الأمة التى سيتجسد وسطها بفكرة الله المتأنس .. هذا هو هدفه .. لكنه رأى أن ذلك لن يتم إلا وسط أمة تؤمن بالله أولاً ، لتقبل فكرة الله المتأنس ، وأما الأمم التى لا تؤمن بالله أصلاً ، فسيتعذر عليها قبول فكرة الله المتأنس .
نحمد الله أن رب (سمعان) وجد شرطه فى أمة .. هى أمة يهود !
ونحمد الله أن (سمعان) يقر بأن إيمانها كان خالصًا من كل زيغ .. اليهود !
فهذا شرط الله قد تحقق .. وعلى أكمل وجه يرجى ..
فهل نجحت خطة الله ؟! .. وهل تحقق هدف الله ؟!
لو كان الشرط لم يتحقق ، لقلنا العذر موجود والشرط لم يقع .. ولو كان الشرط وقع ناقصًا لاعتذرنا أيضًا .. لكن (سمعان) يقر بأن الشرط وقع ، وبشكل لا مثيل فى كماله !
فهل تحقق هدف الله ؟!
هل آمن اليهود بالله المتأنس ؟!
لن نجيب !
لكن (سمعان) نفسه يصر على الإجابة ، وفى نفس الفقرة !
قال : " ولذلك كان من البديهي أن يظهر المسيح بوصفه الله المتأنس بين اليهود، لأنهم أقرب الناس إلى الإيمان به، وكان من البديهي أيضاً أن يظل بينهم حتى يعرفوه حق المعرفة، ويؤمنوا به كل الإيمان. ولكن لما رفضوه (على الرغم من الأدلة الكتابية والاختبارية التي تثبت حقيقة ذاته) اختار من بينهم أشخاصاً كانوا أكثر استعداداً من غيرهم لمعرفته والتوافق معه، وقضى مدة طويلة في تدريبهم وتعليمهم، حتى عرفوا بعد قيامته من بين الأموات حقيقة ذاته كل المعرفة ".
فيا أيتها الأم الثكلى اضحكى من حمق علماء النصارى !
* * * * *
(سمعان) يقر بأن اليهود " رفضوا " المسيح ، أى رفضوا الله المتأنس !
فيظل الاعتراض الذى أورده على نفسه قائمًا .. لأن إجابته زادت الطين بلة !
هو يجعل مزية اليهود أنهم يؤمنون بالله ، ويرتب على ذلك أنهم سيحققون هدف الله ، وهو الإيمان بالله المتأنس .. ثم يعود ليؤكد أن اليهود خيبوا الأمل ، ولم يحققوا الهدف !
أى أن اليهود لم يفعلوا أكثر مما كان سيفعله أى شعب آخر .. أى أمة غير اليهود كانت سترفض فكرة الله المتأنس بنص (سمعان) نفسه .. واليهود أيضًا رفضوا الله المتأنس وبنص (سمعان) نفسه أيضًا .. فأين الفرق ؟!
حاول ( سمعان ) الخروج من المأزق، فأحكم الخناق حوله أكثر !
هذه هى الأولى ..
* * * * *
والثانية أن ربه بعد خيبة أمله فى اليهود ، لم يجد حلاً إلا أن " اختار من بينهم أشخاصاً كانوا أكثر استعداداً من غيرهم لمعرفته والتوافق معه " .. و(سمعان) يقصد تلاميذ المسيح أو الحواريين.
وكأن ربه كان سيعجز ، لو تجسد فى أمة غير اليهود ، عن اختيار بضعة أشخاص منها للإيمان به !
* * * * *
والثالثة أن هؤلاء الأشخاص لم يؤمنوا بالله المتأنس بسهولة ، مع أنهم " كانوا أكثر استعدادًا من غيرهم لمعرفته والتوافق معه " ! .. فاحتاج الرب إلى أكثر من استعداد أمتهم واستعدادهم الشخصى ، واضطر لبذل المجهود المضنى معهم ، " وقضى مدة طويلة في تدريبهم وتعليمهم " !
قضى ربه مدة طويلة .. رغم استعداد أمتهم أصلاً لقبول فكرة الله المتأنس !
قضى ربه مدة طويلة .. رغم استعداد التلاميذ الشخصى لمعرفته والتوافق معه !
قضى ربه مدة طويلة .. رغم أنه لبث فيهم قبلها ثلاثين عامًا !
* * * * *
والرابعة قوله عن ربه " وقضى مدة طويلة في تدريبهم وتعليمهم "
فماذا كان يعلمهم ؟ .. وعلام كان يدربهم ؟
الذى نعلمه أنه عندما قـُـبض على المسيح ، ما كان من تلاميذه إلا أن تركوه وهربوا !
فهل هذا هو نتيجة المدة الطويلة التى قضاها ربك يا (سمعان) فى التعليم والتدريب ؟
وى ! كأن ربك يا (سمعان) كان يعلمهم الهرب ويدربهم عليه !
يقول متى : " حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا . والذين أمسكوا يسوع مضوا به الى قيافا "
هذا ما قضى رب (سمعان) " مدة طويلة " يعلم ويدرب التلاميذ عليه !
مع أن المسيح قبلها بُح صوته فى موعظة بليغة كان منها : " أتظن أني لا استطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشـًا من الملائكة ".
المسيح يبين لهم قدرة الله وقوته ، والتلاميذ قالوا ( يا فكيك ) !
الطريف أنهم هربوا فور كلامه مباشرة ، حتى أن العدد (56) من الاصحاح جاء كالتالى : شطره الأول باقى الكلام السابق للمسيح ، وشطره الأخير صنيع التلاميذ ..
" 56 وأما هذا كله فقد كان لكي تكمل كتب الانبياء.حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا "
!!!
لا شك أن إيمان التلاميذ بالإله المتأنس كان عاليًا لدرجة أنهم تركوه كلهم وهربوا !
يقول مرقس : " وتبعه شاب لابسا ازارا على عريه فامسكه الشبان. فترك الازار وهرب منهم عريانا "
حتى هذا ( العارى ) الذى وجد فى نفسه خردلة إيمان فحاول المتابعة ، طارت الخردلة عندما واجه الخطر على نفسه ، حتى أنه ترك إزاره ، وفضل الهرب عريانًا كما ولدته أمه ، على مرأى من الجمع المحتشد !
هل كانت هذه الحال هى ثمرة المدة الطويلة التى قضاها ربك يا (سمعان) فى تعليم وتدريب التلاميذ على قبول الله المتأنس ؟!
ما أبرعه إذن من معلم ! .. وأنعم به من مدرب !
* * * * *
والخامسة أن التلاميذ ، رغم استعداد أمتهم أصلاً ، ورغم استعدادهم الشخصى ، وبعد المدة الطويلة التى قضاها رب (سمعان) فى التدريب والتعليم .. بعد كل ذلك ، لم يؤمن التلاميذ بالله المتأنس !
بعد كل هذا الإعداد والاستعداد ، وبعد كل هذا الجهد والمجهود ، لم يؤمن التلاميذ بالله المتأنس .. ليس فقط بسبب ما قدمنا من انعدام إيمانهم الذى دل عليه هروبهم المشين .. ولكن أيضًا لنص (سمعان) نفسه على ذلك !
قال (سمعان) : " ... وقضى مدة طويلة في تدريبهم وتعليمهم ، حتى عرفوا بعد قيامته من بين الأموات حقيقة ذاته كل المعرفة ".
أى أن التلاميذ لم يؤمنوا بالله المتأنس بعد هذه المدة الطويلة من التدريب والتعليم ، وإنما عرفوا حقيقة الله المتخفى فى الجسد ، فقط ، بعد قيامته من بين الأموات !
أى خيبة تفوق هذه الخيبة !
ولا أدرى أخيبة (سمعان) أكبر ؟ أم الخيبة التى ينسبها إلى ربه ؟!
* * * * *
والحاصل أن (سمعان) أورد الاعتراض على نفسه ، ثم جاء بردٍ يؤكده ويقويه !
المعترض يتساءل : لماذا تجسد الله وسط اليهود دون غيرهم ؟
و(سمعان) يجيبه : بأن السبب هو أن الله يشترط إيمان القوم الذين سيتجسد وسطهم ، إيمانهم بالله المتأنس ، ولذلك اختار اليهود المؤمنين بالله ليسهل عليهم ذلك ..
فهل آمن فعلاً اليهود يا (سمعان) بإلهك المتأنس ؟
يجيب (سمعان) : كلا بالطبع ! .. فرغم استعدادهم الذاتى لم يستسيغوا قبول فكرة الله المتأنس !
فلماذا إذن يا (سمعان) اختارهم ربك على غيرهم ، ما دام الكل سيرفض ؟
يجيب (سمعان) : بعد رفض اليهود ، حاول الرب إصلاح الموقف ، فاختار من بينهم تلاميذ أكثر استعدادًا من غيرهم لقبوله كإله متأنس .
وهل آمن هؤلاء التلاميذ يا (سمعان) بإلهك المتأنس ؟!
يجيب (سمعان) : كلا بالطبع ! .. فرغم استعداد أمتهم الذاتى ، ورغم استعدادهم الشخصى ، إلا أنهم رفضوا الإيمان بالإله المتأنس.
فما الفرق إذن يا (سمعان) ؟ ولماذا فضل ربك اليهود على غيرهم فى التجسد ؟
يجيب (سمعان) : بعد رفض التلاميذ اضطر الرب لقضاء مدة طويلة من التدريب والتعليم للتلاميذ .
فهل آمنوا بعد هذه المدة يا (سمعان) بالإله المتأنس ؟
يجيب (سمعان) : كلا بالطبع ! .. ولكنهم آمنوا بالإله المتأنس ـ فقط ـ بعد قيامته من الأموات !
فهلا ظهر ربك يا (سمعان) لكل الأمم فى ذلك العصر ، وبعد قيامته من الأموات ، كان كل تلك الأمم ستؤمن كما آمن التلاميذ لهذا السبب وحده !
خيبك الله يا (سمعان) كما نسبت الخيبة إلى ربك !
سبحان ربك رب العـزة عما يصفون
وســـلام عـــلى المــرســـلين
والحمد لله رب العالمين
* * * * *