"في سورة الفرقان". قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} . أمر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. لأن أمر القدوة أمر لاتباعه كما قدمنا ـ أن يقولوا: "الحمد لله" أي كل ثناء جميل لائق بكماله وجلاله، ثابت له، مبينًا أنه منزه عن الأولاد والشركاء والعزة بالأولياء، سبحانه وتعالى عن ذلك كله علوًا كبيرًا.
فبين تنزهه عن الولد والصاحبة في مواضع كثيرة. كقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخر السورة، وقوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً}، وقوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، وقوله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً}، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وهذا من احد المواقع
[مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ][مريم: 35]
كذلك في هذه الآية يقول:
["ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه" أي عما يقول هؤلاء الجاهلون الظالمون المعتدون علوا كبيرا "إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" أي إذا أراد شيئا فإنما يأمر به فيصير كما يشاء كما قال إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين".]
[مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ][المؤمنون: 91]
ويقول في هذه الآية:
[ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك والتصرف والعبادة فقال تعالى " ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض " أي لو قدر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال " ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت " ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه فيعلو بعضهم على بعض والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا فأراد واحد تحريك جسم والآخر أراد سكونه فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين والواجب لا يكون عاجزا ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد فيكون محالا فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر كان الغالب هو الواجب والآخر المغلوب ممكنا لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا ولهذا قال تعالى " ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون " أي عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك علوا كبيرا.]
[وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ][الصافات: 152]
[قوله جلت عظمته "ألا إنهم من إفكهم" أي من كذبهم "ليقولون ولد الله" أي صدر منه الولد "وإنهم لكاذبون" فذكر الله تعالى عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال فى غاية الكفر والكذب فأولا جعلوهم بنات الله فجعلوا لله ولدا تعالى وتقدس وجعلوا ذلك الولد أنثى ثم عبدوهم من دون الله تعالى وتقدس وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم.]
[قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ][الزخرف: 81]
يقول تعالى "قل" يا محمد "إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي لو فرض هذا لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيده مطيع لجميع ما يأمرني به ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته فلو فرض هذا لكان هذا ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا كما قال عز وجل "لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار" وقال بعض المفسرين في قوله تعالى "فأنا أول العابدين" أي الآنفين ومنهم سفيان الثوري والبخاري….
وهذا القول فيه نظر لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره إن كان هذا فأنا ممتنع منه؟ هذا فيه نظر فليتأمل اللهم إلا أن يقال أن إن ليست شرطا وإنما هي نافية كما قال على بن أبي طلحه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى "قل إن كان للرحمن ولد" يقول لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين وقال قتادة هي كلمة من كلام العرب "إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي إن ذلك لم يكن فلا ينبغي وقال أبو صخر "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" أي فأنا أول من عبده بأن لا ولد له وأول من وحده وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقال مجاهد "فأنا أول العابدين" أي أول من عبده ووحده وكذبكم وقال البخاري "فأنا أول العابدين" الآنفين وهما لغتان رجل عابد وعبد والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ولكن هو ممتنع وقال السدي "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" يقول لو كان له ولد كنت أول من عبده بأن له ولد ولكن لا ولد له وهو اختيار ابن جرير ورد قول من زعم أن إن نافية.]
[وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ][البلد: 3]
يقول الطبري، حيث كثر القول في هذه الآية:
[والصواب من القول في ذلك: ما قاله الذي قالوا: إن الله أقسم بكل والد وولده, لأن الله عم كل والد وما ولد. وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر, أو عقل, ولا خبر بخصوص ذلك, ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه, فهو على عمومه كما عمه.]
[وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا][الجن: 3]
يقول ابن كثير:
[قوله تعالى "وأنه تعالى جد ربنا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى "جد ربنا" أي فعله وأمره وقدرته وقال الضحاك عن ابن عباس جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه وروي عن مجاهد وعكرمة جلال ربنا وقال قتادة تعالى جلاله وعظمته وأمره وقال السدي تعالى أمر ربنا وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضا وابن جريج تعالى ذكره وقال سعيد بن جبير "تعالى جد ربنا" أي تعالى ربنا فأما ما رواه ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد الكوفي حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس قال: الجد أب ولو علمت الجن أن في الإنس جدا ما قالوا تعالى جد ربنا فهذا إسناد جيد ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ولعله قد سقط شيء والله أعلم. وقوله تعالى "ما اتخذ صاحبة ولا ولدا" أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد أي قالت الجن تنزه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد.]..
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} أي: تعالت عظمته وتقدست أسماؤه، {مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} فعلموا من جد الله وعظمته، ما دلهم على بطلان من يزعم أن له صاحبة أو ولدا، لأن له العظمة والكمال في كل صفة كمال، واتخاذ الصاحبة والولد ينافي ذلك، لأنه يضاد كمال الغنى.