رد شبهة سورة ص آية 21 - 24
افتراء او شبهة جديدة
داود النبي:
وهل أتاك نبأُ الخصمِ إذْ تسوَّروا المحراب إذْ دخلوا على داودَ ففزِع منهم. قالوا: لا تخَفْ. خصمان بَغَى بعضُنا على بعضٍ، فاحكُم بيننا بالحق ولا تُشطِط، واهدنا إلى سواءِ الصِّراط. إن هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجة ولي نعجةٌ واحدة، فقال أَكْفِلْنِيها وعزَّني في الخطاب. قال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخُلطاء لَيَبْغِي بعضُهم على بعضٍ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقليلٌ ما هُمْ. وظنّ داود أَنَّما فتنَّاه، فاستغفر ربه وخرّ راكعاً وأناب (آيات 21 24). (راجع تفسير هذه الآيات في الرازي والطبري والقرطبي والكشاف).
هذا يشتمل على أخطاء شتى، منها قوله إن الخصم تسوّروا المحراب ودخلوا على داود، ومنها أنهم استفتوه في مسألة مُبهمة. ومن اطّلع على ما ورد في التوراة في هذه القضية ظهرت له الأخطاء (راجع 2 صموئيل 12: 1 15).
تحت التجهيز
.
الجـــــــــــــــــــــــواب
الـــرد
الذي أدين به داود عليه السلام في زوجة أوريا وأذهب إليه أن ذلك باطل ويدل عليه وجوه
الأول: أن هذه الحكاية لو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم فجوراً لاستنكف منها والرجل الحشوي الخبيث الذي يقرر تلك القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل لبالغ في تنزيه نفسه وربما لعن من ينسبه إليها، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يليق بالعاقل نسبة المعصوم إليه الثاني: أن حاصل القصة يرجع إلى أمرين إلى السعي في قتل رجل مسلم بغير حق وإلى الطمع في زوجته أما الأول: فأمر منكر قال صلى الله عليه وسلم: " من سعى في دم مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله "
وأما الثاني: فمنكر عظيم قال صلى الله عليه وسلم: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وإن أوريا لم يسلم من داود لا في روحه ولا في منكوحه
والثالث: أن الله تعالى وصف داود عليه السلام قبل ذكر هذه القصة بالصفات العشرة المذكورة، ووصفه أيضاً بصفات كثيرة بعد ذكر هذه القصة، وكل هذه الصفات تنافي كونه عليه السلام موصوفاً بهذا الفعل المنكر والعمل القبيح، ولا بأس بإعادة هذه الصفات لأجل المبالغة في البيان.
فنقول :
الصفات الأولى: فهي أنه تعالى أمر محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يقتدي بداود في المصابرة مع المكابدة، ولو قلنا إن داود لم يصبر على مخالفة النفس بل سعى في إراقة دم امرىء مسلم لغرض شهوته فكيف يليق بأحكم الحاكمين أن يأمر محمداً أفضل الرسل بأن يقتدي بداود في الصبر على طاعة الله.
الصفة الثانية: فهي أن وصفه بكونه عبداً له، وقد بينا أن المقصود من هذا الوصف بيان كون ذلك الموصوف كاملاً في موقف العبودية تاماً في القيام بأداء الطاعات والاحتراز عن المحظورات، ولو قلنا إن داود عليه السلام اشتغل بتلك الأعمال الباطلة، فحينئذٍ ما كان داود كاملا في عبوديته لله تعالى بل كان كاملاً في طاعة الهوى والشهوة.
الصفة الثالثة: هو قوله:
{ ذَا الأَيْدِ }
[ص: 17]
أي ذا القوة، ولا شك أن المراد منه القوة في الدين، لأن القوة في غير الدين كانت موجودة في ملوك الكفار، ولا معنى للقوة في الدين إلا القوة الكاملة على أداء الواجبات، والاجتناب عن المحظورات، وأي قوة لمن لم يملك نفسه عن القتل والرغبة في زوجة المسلم؟
الصفة الرابعة: كونه أواباً كثير الرجوع إلى الله تعالى، وكيف يليق هذا بمن يكون قلبه مشغوفاً بالقتل والفجور؟.
الصفة الخامسة: قوله تعالى:
{ إِنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ }
[ص: 18]
أفترى أنه سخرت له الجبال ليتخذه وسيلة إلى القتل والفجور؟.
الصفة السادسة: قوله:
{ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً }
[ص: 19]
وقيل إنه كان محرماً عليه صيد شيء من الطير وكيف يعقل أن يكون الطير آمناً منه ولا ينجو منه الرجل المسلم على روحه ومنكوحه؟.
الصفة السابعة: قوله: { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } ومحال أن يكون المراد أنه تعالى شدد ملكه بأسباب الدنيا، بل المراد أنه تعالى شد ملكه بما يقوي الدين وأسباب سعادة الآخرة، والمراد تشديد ملكه في الدين والدنيا ومن لا يملك نفسه عن القتل والفجور كيف يليق به ذلك؟.
الصفة الثامنة: قوله تعالى:
{ وَءاتَيْنَـاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }
[ص: 20]
والحكمة اسم جامع لكل ما ينبغي علماً وعملاً، فكيف يجوز أن يقول الله تعالى: إنا { ءاتَيْنَـاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } مع إصراره على ما يستنكف عنه الخبيث الشيطان من مزاحمة أخلص أصحابه في الروح والمنكوح، فهذه الصفات المذكورة دالة على براءة ساحته عن تلك الأكاذيب
.