ثانياً: التمويل الداخلي:
وهو تمويل المشاريع الإنتاجية من داخل البلاد ومن طرقه.
1) بيت مال المسلمين:
وهو الجهة التي تختص بكل دخل أو خرج لما يستحقه المسلمون من مال، فكل مال استحقه المسلمون ولم يتعين مالكه منهم فهو من حقوق بيت المال ولو تعين مالكه جهة كأموال الزكاة، وكل حق وجب صرفه في مصالح المسلمين فهو حق على بيت المال، وواردات بيت المال الدائمة هي: الفيء والغنائم والأنفال والخراج والجزية، وواردات الملكية العامة بأنواعها وواردات أملاك الدولة والعشور وخمس الركاز والمعدن وأموال الزكاة، غير أن أموال الزكاة لا تصرف إلا للأصناف الثمانية التي ذكرت في القرآن الكريم، ولا يجوز أن يصرف منها شيء لغير هذه الأصناف قال تعالى: ]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ[ وكذلك واردات الملكيات العامة فإنها توضع في مكان خاص في بيت المال ولا تخلط بغيرها لأنها مملوكة لجميع المسلمين يصرف الخليفة منها وفق ما يراه مصلحة للمسلمين حسب رأيه واجتهاده ضمن أحكام الشرع، أما الأموال الأخرى التي من حقوق بيت المال فتوضع فيه مع بعضها وينفق منها على شؤون الدولة وعلى الأصناف الثمانية، وعلى كل شيء تراه الدولة، والمشاريع الإنتاجية أو المشاريع التي تحقق الثورة الصناعية فينفق عليها من أموال بيت المال سواء أكانت من واردات ملكية الدولة أو من واردات الملكية العامة ماعدا أموال الزكاة التي لا ينفق منها إلا على مشروع تعلق مباشرة بالجهاد كصناعة الأسلحة والمعدات الثقيلة.
2) فرض الضرائب:
وهنا ينظر في المشاريع فإن كانت مما لا يحصل للأمة ضرر من عدم القيام بها، يبحث إذا كان هناك مال في بيت المال فاضل عن الحاجات الضرورية فإن وجد ينفق منه عليها، وإن لم يوجد تؤجل هذه المشاريع إلى أن يوجد في بيت المال مال. أما إذا كان عدم القيام بها يوقع الضرر بالأمة كعدم وجود مصانع الآلات مما يجعل البلاد معتمدة في صناعاتها وفي تسليحها على الدول الكافرة، فيجعلها مربوطة بها، وهذا من أكبر الأضرار، لذلك فإن إيجاد مصانع الآلات في مثل هذا الحال يصبح فرضاً على المسلمين، لأن الضرر لا يزال عن المسلمين إلا بإقامتها، وإزالة الضرر فرض على الدولة وفرض على الأمة، فيجب على الدولة أن توجد هذه المصانع، وجد المال لديها أم لم يوجد، فإن وجد في بيت المال مال صرف منه على إقامتها، وإن لم يوجد لديها فرضت الضرائب على المسلمين بقدرٍ يكفي لإقامة هذه المشاريع على الوجه الذي يزيل الضرر، وتجمع هذه الضرائب جبراً وبمقادير كافية لإقامة مثل هذه المشاريع لإحداث الثورة الصناعية، وتؤخذ هذه الضرائب من المسلمين دون الذميين، فإنها لا تؤخذ إلا من المسلمين ولا يؤخذ من الذمي شيء غير الجزية والخراج عن الأرض الخراجية، وتؤخذ من المسلمين مما زاد عن نفقتهم أي تؤخذ عن ظهر غنى شرعاً، وما يعتبر من ظهـر غني هو ما يفضل عن إشباع الحاجات الأساسية والكمالية بالمعروف، لأن نفقة الفرد على نفسه هي سده للكفاية جميع حاجاته التي تتطلب إشباعاً بالمعروف حسب حياته التي يعيش عليها بين الناس، وهذا لا يقدر بمقدار معين عام لجميع الناس، وإنما يقدر لكل شخص بحسب مستوى معيشته، فلا تؤخذ إلا ممن يكون مستغنياً.
وهكذا نرى أن فرض الضرائب في هذه الحال يراعى فيها أمور هي:
1) تؤخذ في حال عدم وجود مال في بيت المال أو عدم كفايته لتمويل مشروع يؤدي تـأخيره انتظاراً لواردات بيت المال إلى إيقاع الضرر بالمسلمين.
2) تؤخذ لتمويل مشروع أو تنفيذ مصلحة فرض على المسلمين القيام بها كما هي فرض على بيت المال.
3) تؤخذ بقدر الحاجة لتمويل مشروع دون زيادة أو نقصان.
4) يراعى فيها مقدرة المسلمين على دفعها، فلا تؤخذ إلا من مستغنٍ. أي ممن زاد ما يملكه عن إشباع حاجاته الأساسية والكمالية بالمعروف.
5) يراعى في تقدير النسبة العدل بين المسلمين بغض النظر عن مبلغ المال الذي تؤخذ منه أو الدخل أو الربح.
6) لا تؤخذ من آلات الإنتاج اللازمة للعمل في الصناعة أو الزراعة ولا الأرض ولا العقار.
3) الاقتراض من الأفراد أي من رعايا الدولة:
تقوم الدولة بالاقتراض لتمويل المشاريع التي لا تحتمل التأجيل حتى يتوفر المال في بيت المال ويخشى من تأخيرها إلحاق الضرر بمصالح الأمة، حينئذ تقترض لها ثم تجمع ضرائب من الناس فتسدها.
وهناك فرق بين الدولة والفرد في أخذ القروض، فالفرد مباح له الاقتراض إلا في قرض معين يوصل إلى ضرر أو يؤدي إلى حرام، أما الدولة فمباح لها الاقتراض في حالة واحدة وهي إذا لم يوجد مال في بيت المال وكانت المصلحة المراد الاقتراض من أجلها مما يجب على المسلمين، وكان يخشى الفساد من تأخيرها ففي هذا الحال فقط يجوز للدولة أن تقترض، وما عداها لا يجوز لها أن تقترض مطلقاً لأنها ليست مطلقة التصرف لا في جباية المال ولا في صرفه على مصالح الرعية بل هي مقيدة، فقد حدد الشرع واردات بيت المال وكذلك مصارفه، فإن وجد فيه مال صرف وإن لم يوجد فيه مال لم يصرف. وهي حين تلجأ إلى فرض ضرائب على المسلمين للقيام ببعض المصالح أو المشاريع، فإنما تحصل حقاً أوجبه الله على المسلمين بموجب نصوص الكتاب أو السنة، ففي الأمور التي يجب على المسلمين القيام بها وتحصل الضرائب منهم لإتمامها وتنفيذها يجوز للدولة أن تقترض من أجلها، والاقتراض يكون على حساب الضرائب وتسدد القروض منها.
واقتراض الدولة من أفراد أو جهات داخلية أي من رعايا الدولة أيسر وأسهل بل هو قطعاً لا يؤدي إلى ضرر قد تؤدي إليه القروض الأجنبية، فكما جاز للدولة أن تقرض الأفراد جاز لها أن تقترض منهم في الحالة التي ذكرت، فالشرع يجيز للدولة أن تعطي الفلاحين من بيت المال ما يتمكنون به من استغلال أراضيهم إلى أن تخرج الغلال، فقد أعطى عمر رضي الله عنه من بيت المال للفلاحين في العراق أموالاً لاستغلال أراضيهم، وعن أبي يوسف رحمه الله "ويعطى للعاجز كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل فيه"، وصفوة القول أنه لا يجوز للدولة أن تقترض من مصادر أجنبية إذا ما توفرت لها القروض من الأفراد (لما في القروض الأجنبية من الضرر بالأمة أو الدولة).