مشاركة: حول قيامة يسوع المزعومة
مما جاء في المخطوطات القديمة,و يستدلّ به لإثبات حقيقة هذا التحريف , ما ذكره بنتلي في الصفحة179 من كتابه من أنّ المخطوطات القديمة التي كتبت بعد المخطوطة السينائية و المخطوطة الفاتيكانية جاء فيها في الهامش بعد ذكر هذا الملحق أنّ المخطوطات الأقدم ليس فيها هذه الخاتمة,أو وضعت إشارات تدلّ على أنّ النص الأخير مختلف عن بقية نص إنجيل مرقس حتى يعلم القارئ أنّ هناك إضافة لأصل هذا الإنجيل.
التراجم القديمة لهذا الإنجيل هي أيضا تؤكد زيف الخاتمة الإلحاقية في الإنجيل الثاني,ومن هذه التراجم,كما هو مذكور في كتاب جيمس بنتلي,قرابة مئة ترجمة أرمينية قديمة, و أقدم ترجمتين جورجيتين...
شهادة " الشواهد ":
مما يعتمد عليه النقاد المهتمين بدراسة المخطوطات لضبط النص الأصلي, ما يسمى ب " الشواهد" " Witnesses " و هي أساسا اقتباسات آباء الكنيسة من الكتاب المقدس.. و تؤيد هذه "الشواهد" مذهب المنكرين لأصالة خاتمة إنجيل مرقس,فقد ثبت من كتابات أزوبيوس ( 260 - 340 )(في كتابه Ad Mariumum 1 ) و جيروم( 342 - 420 ) أنّهما ما رأيا هذا "الملحق" في جل النسخ اليونانية المعروفة لديهم.. كما يظهر مما كتبه آباء آخرون أنّهم لا يعرفون شيئا عن هذا الملحق, لكونهم لم يقرؤوه في حياتهم, و من هؤلاء كلمنت الإسكندري Clement of Alexandria ( 150 - 210 ) و أرجن Origen (185-254)...
الانقطاع :
~ خاتمة العدد الثامن , و التي هي في التراجم اليونانية هكذا ,( ,εφοβουντο γαρ, ephobounto ), و تعريبها ليس"لأنهن كنّ خائفات" كما هو الأمر في تراجمنا , و إنما الترجمة الصحيحة الحرفية هي :" كنّ خائفات لأنّ"(موسوعة Encyclopedia4u ) .و هذا النص ليس له تتمة في العدد التاسع الذي جاء هكذا:" و بعدمَا قَامَ يَسُوعُ بَاكِراً فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الأُسْبُوعِ ، ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ الَّتِي كَانَ قَدْ طَرَدَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ" و ظاهر انقطاع آخر العدد الثامن و الإنتقال المفاجئ إلى قصة القيامة دون مراعاة السياق,مما يقطع بأنّ هذه الخاتمة ليست أصلية.
~ مما اعتمد أيضا من المخالفين لإثبات واقعة التحريف الإنقطاع الظاهر بين العدد الرابع عشر و العدد الخامس عشر من الفصل 16,وقد استنبط من هذا الأمر أن صاحب هذه الخاتمة قد اعتمد على مصدرين قام بوضعهما معا لإتمام القصة بعد العدد الثامن و قد ذكرت" دراسة وستمنستر للكتاب المقدس" " Westminster Study of the Bible " أنّ العدد الخامس عشر ربما أنه قد أخذ من نصّ مواز من إنجيل متّى .
شهادة اللغة :
لم ينس النقاد دراسة هذا الملحق من الناحية اللغوية . وقد كشفت لهم هذه الدراسة أنّ هذا الملحق, في كلّ صوره, مخالف من الناحية اللفظية و الأسلوبية لبقية نص الإنجيل . و قد شهد لهذه الحقيقة التعليق الشهير على الكتاب المقدس" The New Jerome Biblical Commentary " و التعليق المسمى " A Textual Commentary on the Greek New Testament " ص ص 102 - 106 للباحث البارز بروس م. متزغر Bruce. M. Metzger و ما كتبه الباحث المعروف نينهام Nineham في كتابه" القديس مرقس" " Saint Mark "ص ص 449 - 450. و قال المفسر وليم باركلي: إن النهاية المشهورة - علاوة على عدم وجودها في النسخ الأصلية القديمة - فإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الإنجيل، وقد اعتبرتها النسخة الإنجليزية القياسية المراجعة فقرات غير موثوق فيها.
التناقض :
نص المنكرون لأصالة هذه الخاتمة على مخالفة ما جاء فيها لنصوص أخرى في العهد الجديد:من ذلك أنه قد جاء في العدد 16 من الفصل الأخير من إنجيل مرقس أنّ المسيح قد ذكر أنّ الخلاص لا يكون إلا ب"الإيمان" و "التعميد" , في حين يفهم من مواضع أخرى أنّ الخلاص لا ينال حتما باقتران هذين الشرطين: فقد جاء في متّى 5 : 3 , 5 : 20 , 7 : 12 , 16 : 27 , 19 : 16- 17 , 24 : 45- 51 ,مرقس 9 : 42 -48 , 10 : 17 - 25 , 12 : 32 - 34 ,لوقا 7 : 44 - 50 , 13 : 27 , 18: 18 - 22 , 19 : 8 -9 أنّ الخلاص يُنال بالأعمال الصالحة, و جاء في متّى 19 : 27- 30 , مرقس 10 : 28 - 30 ,لوقا 9 : 59 - 62 أنّ الخلاص يكون بتغيير نمط الحياة , و جاء في يوحنا 3 : 18 , 3 : 15 - 16 , 3 : 36 , 6: 47 , 8 : 24 , 11: 25 - 26 , 12 : 48 , 20 :31 أنّ الخلاص إنما يُنال بالإيمان بالمسيح كمبتوع أما رسالة بولس إلى كورنثوس 15 : 21 - 23 و رسالته إلى روما 5 : 18 - 19 فتنصان على أنّ الخلاص لا ينال إلا بالإيمان بقيامة المسيح.....!!؟!
تعارض الأناجيل :
من الدلائل الأخرى على ثبوت واقعة التحريف هذه, مخالفة"متّى" و"لوقا" لما ذكره "مرقس" في 9 - 20 رغم أنّهما كانا في العادة يقتبسان منه . فهما إذن لم يقعا على هذا النص في زمان كتابتهما لإنجيليهما , و لذلك لم ينقلا الخاتمة المحدثة بصورة متأخرة !
خرافة :
أشار النقاد في هذا الباب أيضا إلى عددي مرقس 16: 17 - 18 ,فقد جاء فيهما وعد المسيح من يؤمن به بأنه سيتمكن من طرد الشياطين , والتكلم بلغات لم يكن يعرفها سابقا , و القبض على الحيات , و شرب السمّ دون أن يؤثر فيه , و معافاة المرضى بمجرد وضع اليد عليهم.. و هذه الأمور ما تحققت لأحد من النصارى , بل أدّى بعضها (شرب السمّ و إمساك الحيّات..) إلى هلاك الكثير ممن آمنوا بما جاء في هذه الخاتمة!!!
أكثر من خاتمة !!:
مما يزيد في إثبات إلحاقية هذه الخاتمة , وجود أربع خواتيم مختلفة لهذا الإنجيل كما هو مفصّل في كتاب البحّاثة جيمس متزغر " A Textual Commentary on the New Testament" الطبعة الثانية 1994 ,الصفحات من 102 - 106 و هي على التوالي :
الخاتمة الأولى تقف عند العدد 8 . الخاتمة الثانية هي الموجودة في التراجم الحالية,و هي الخاتمة الأطول. و الخاتمة الثالثة و هي المعروفة ب "Freer Logion " , و قد وُجدت في مخطوطة يونانية هي مخطوطة واشنطن Washingtonianus Codex (آخر القرن الرابع , أو القرن الخامس ميلادي), و هي الثانية من ناحية الحجم بعد الخاتمة التقليدية الحالية. و الخاتمة الرابعة و هي التي تضيف قرابة ثلاثة أسطر بعد العدد الثامن من الفصل السادس عشر,و وجدت في عدة شواهد و مخطوطات.
و قد ذكر الباحث ج. أ . ويلز G. A . Wells في كتابه " أسطورة عيسى " " The Jesus Myth " ص 18 وجود 6 خواتيم لإنجيل مرقس .. ليزداد الخرق على الراقع !!؟
اكتشاف مثير :
جاء في بعض المراجع العلمية الخاصة , و منها كتاب" Peak 's Commentary ": أنّ مخطوطة أرمينية تعود إلى القرن العاشر تنسب هذا المقطع إلى أريستون Ariston , و هو قسيس أشار إليه بابياس(توفي بابياس في آخر القرن الثاني)" .و أوضح من ذلك ما جاء في كتاب" كتابنا المقدس و المخطوطات القديمة" " Our Bible and the Ancient Manuscript " لِف. كِنين F. Kenyon و إير Eyre و سبتزوود Spottiswood ص ص 7 و 8 :"ترجمة أرمينية لإنجيل القديس مرقس اكتُشِفت حديثا, نسبت الأعداد الإثنى عشر للقديس مرقس إلى أريستون المعروف من جهة أخرى بأنه أحد أوائل آباء النصارى, و من الممكن القول أنّ هذا التراث صحيح."
شهادة التراجم الحديثة :
لقد اختار أئمة النقد في الغرب بعد كل هذه الشهادات المحققة ,التصريح بثبوت واقعة التحريف في الفصل الأخير في إنجيل مرقس,ومن أبرز مظان هذه الإعترافات تراجم الكتاب المقدس الحديثة,الإنجليزية منها خاصة, و التي أعدها نخبة من النقاد و الباحثين.. و قد فشا فيها التصريح بهذا الأمر حتى قال الباحث فَرِّيل ِتيلّ Farrel Till في مقاله الشهير بعنوان:" Did They or Didn't They":"من بين ال 17 ترجمة للعهد الجديد في مكتبتي الشخصية, 15 منها فيها تعاليق لإعلام القرّاء أنّ خاتمة مرقس هذه لم تكن موجودة في أدق المخطوطات و أوثقها."
من هذه التعليقات , نذكر:
ما جاء في هامش ترجمة The New International Version :"أوثق المخطوطات القديمة و شواهد قديمة أخرى ليس فيها مرقس 16 :9 - 20 "
جاء في هامش ترجمة The New American Standard Bible :"مخطوطات متأخرة تضيف الأعداد 9 - 20 "
جاء في هامش ترجمة The New Living Translation :"أوثق المخطوطات الأولى تنهي إنجيل مرقس عند العدد8 . مخطوطات أخرى تحتوي على خواتيم مختلفة لهذا الإنجيل."
وجاء في هامش الترجمة الفرنسية La Bible de Semeur :" مخطوطات عدة,وجيدة لا توجد فيها الأعداد 9 - 20 "
وعلّقت النسخة الكاثوليكية العربية بقولها:"و هناك سؤال لم يلق جوابا:كيف كانت خاتمة الكتاب؟ من المسلّم به على العموم أنّ الخاتمة كما هي الآن( 16 : 9 - 20 ) قد أضيفت لتخفيف ما في نهاية الكتاب من توّقف فجائي في الأية ,لكننا لن نعرف أبدا هل فقدت خاتمة الكتاب الأصلية أم هل رأى مرقس أنّ الإشارة إلى تقليد الترائيات في الجليل في الآية لا يكفي لاختتام روايته."
لقد اقتنع جميع القرّاء الجادين اليوم أنّ الدفاع الدغمائي الأشهر عن الأعداد الأخيرة لمرقس و الذي جاء في كتاب "الأعداد الإثنى عشر الأخيرة من إنجيل مرقس محفوظة" The Last Twelve Verses of the Gospel According to S.T. Mark " لجون .و.برجن John . W . Burgon (1813- 1888) ما عاد يساوي حبة خردل وزنا. و ليس الهجوم غير المبرر على المخطوطات الأقدم بمنجيه من بقية الانتقادات..بل لا محيد عن ترجيح المخطوطات الأقدم على المخطوطات المتأخرة التي اعتمدت لإعداد ترجمة الملك جيمس.
مشاركة: حول قيامة يسوع المزعومة
و الجدل المثار حول خاتمة مرقس .. يواكبه جدل آخر في الأوساط الأكاديمية بعد أن تبيّن للنقاد وجود قراءتين هامتين للإنجيل الثاني .. قراءة طويلة و قراءة أقصر منها . و الخلاف الرئيسي هو أيهما الأصل .. هل تمّ " تهذيب " القراءة الطويلة .. أم تم التوسّع في القراءة الأقصر ؟
ذهب نقاد بارزون كهلمت كوستر Koester Helmut و شنك Schenk و كروسان Crossan إلى القول الأول .. و ذهب آخرون كديفيد بيبادي David Peabodyو فرنس نيرينك Frans Neirynck و فيليب سلو Philip Sellew و روبرت هـ . جاندري Robert H. Gundry إلى القول الثاني ...
و الخلاصةالمتفق عليها بين الجميع , هي طروء التحريف الفاحش عل إنجيل مرقس !
و بعيدا عن هذا الأمر"أثار كتاب "تطور الأناجيل" الذي صدر أخيرا للسياسي البريطاني "اٍينوك باول" ضجة كبيرة ، عندما أعلن الباحث ان قصة صلب الرومان للمسيح لم تكن موجودة في النص الأصلي للأناجيل. إذ قام باول بإعادة ترجمة إنجيل متى من اللغة اليونانية. فتبين له أن هنالك أجزاء وردت مكررة في هذا الإنجيل مما يوحي بأنه أعيدت كتابتها في مرحلة تالية.
و أهم الوقائع المكررة ما ورد في الجزء الأخير من الإنجيل، الذي يتعلق بمحاكمة المسيح وصلبه. فقد لاحظ الكاتب أن هذه المحاكمة، بعد انتهائها أمام الكاهن الأكبر، تعود فتتكرر مرة ثانية- بالكلمات ذاتها- مع فارق واحد أن المحاكمة الثانية- بعكس المحاكمة الأولى- تنتهي بتنفيذ حكم الإعدام فيه عن طريق الصلب- واستنتج الباحث أن استخدام الألفاظ المستعملة نفسها في المحاكمة الأولى- لصياغة قصة المحاكمة الثانية، على رغم تغير الظروف، يوحي بالتكرار المتعمد وليس بالإشارة إلى حدث جديد، و أعرب المؤلف عن اعتقاده بأن النتيجة الطبيعية للمحاكمة الأصلية أمام مجلس الكهنة- في حالة الإدانة- لم تكن هي الصلب، وإنما الرجم بالحجارة.
و قال باول أن قصة صلب المسيح التي وردت في باقي الأناجيل، إنما جاءت عن طريق نقل الرواة اللاحقين لما وجدوه في إنجيل متى بعد أن كان التعديل أدخل عليه، ولم ترد هذه القصة في مصدر أخر. وفي رأيه أن إنجيل متى ليس فقط أول الأناجيل وإنما مصدرها الوحيد كذلك. والمشكلة التي يواجهها الباحثون هي ان الأناجيل الأربعة هي المصدر الوحيد لقصة صلب الرومان للسيد المسيح، ولو ثبت ان رواية الأناجيل هذه كانت نفسها إضافة لاحقة ولا تمثل حدثا تاريخيا، فإن هذا سوف يؤدى إلى ضرورة إعادة النظر في قبول ما ورد في قصة الأناجيل باعتباره لا يمثل الحقيقة التاريخية للأحداث."
خلاصة الأمر أنّ خاتمة مرقس هي إضافة مزيفة في الإنجيل, و إخراجها منه هو إسقاط لرواية كاملة من واحد من الأناجيل الثلاثة الأولى,كما أنه إفراغ لقيمة ما جاء في إنجيل متّى و إنجيل لوقا من حديث في هذا الموضوع لكون"متّى" و "لوقا" كانا يقتبسان مما ذكره"مرقس"في إنجيله. و إذا علمنا أنّ"متّى" و "لوقا" لمّا لم يجدا في إنجيل مرقس بغيتهما (خاتمة شيّقة و مؤثرة لقصة القيامة التي بدأ الناس في تداول خبرها قي شكل روايات متخالفة في ما بينها), سلك كل منهما طريقا خاصا و كانت المحصّلة خلافا في السرد بين الإنجيليين مما يجعل العاقل المتريّث في إصداره لأحكامه , يقررّ في خاتمت بحثه في موضوع الأصالة التاريخية لقصة القيامة أنّ فقدان نص الرواية من إنجيل مرقس"الإنجيل المرجع" و اضطراب"متّى" و "لوقا" الناقلين عنه,يثبت أنّ صاحب الإنجيل الأول و الثالث ما كانا شاهدي عيان لأحداث هذه القصة كما أنهما لا يملكان سندا متصلا معتبرا لها,و أنّ هذه الأصالة معدومة في "مرقس" ,طارئة على ذهن"متّى"و "مرقس" .
الفصــــل الأخيــر من إنجيل يوحنــــا
يعتبر إنجيل يوحنا كتاباً شديد الخصوصية بين الأناجيل الأربعة من الناحيتين اللاهوتية و التاريخية..فهو أول المصادر الكتابية عند النصارى المعتمدة كخلفية نصية لتأييد عقيدة الكنيسة.. كما أنّه يتميّز بإضفائه هالة عقدية على أعمال عيسى. أما من الناحية التاريخية فهو نسيج خاص في السرد و القصّ إذا ما قورِنَ ببقية الأناجيل.
لا يختلف الإنجيل الرابع عن بقية الأناجيل في أنّه لا يصرّح باسم مؤلفه,رغم أنّه كان من عادة الكتاب في ذاك الزمان أن يذكروا أسماءهم في مؤلفاتهم تأكيدا منهم على نسبتها إليهم!..و نظرا لكون هذا الإنجيل قد كُتِب على مراحل,على يد عدد كبير من الكتّاب,كما شهد بذلك أئمة النقد الحديث,كنخبة الباحثين في "ندوة عيسى" " Jesus Seminar ",فقد ارتأى الذين قاموا بتشكيل هذا الإنجيل في صورته الحالية أن ينسبوه إلى شخص سمّوه " التلميذ الذي أحبّه يسوع"و ذلك في الفصل الأخير من هذا الإنجيل 21: 24 حيث جاء القول:" هذا التلميذ هو الذي يشهد بهذه الأمور,و قد دوّنها هنا ,و نحن نعلم أنّ شهادته حقّ." لينال قبولا لدى نصارى القرون الأولى.
أثار هذا الإستدراك الوارد في العدد 24 من الفصل 21 أنظار النقاد إلى مسألة الفصل بأكمله,و لعلّ السبب الأول إلى لفت الأنظار إلى هذا الفصل الإلحاقي في الإنجيل الرابع هو ما يظهر عليه من أنّه نهاية ثانية لهذا الإنجيل.
إنّه ليسهل على القارئ العادي أن يلاحظ أنّ الإنجيل الرابع ينتهي انسياب حركته التاريخية المنطقيّة عند نهاية الفصل العشرين الذي جاء فيه:" و آيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب. و أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أنّ يسوع هو المسيح إبن الله و لكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه "(يوحنا 20: 30- 31)
و قد جاء هذا التعليق بعد ذكر قصة ظهور المسيح لتلاميذه و لقائه بتوما..و تبدو هذه النهاية واضحة في إغلاقها لباب الحديث عن قصة المسيح.. و لا شكّ أنّ التعليق الختامي الذي جاء في آخر الفصل 20 أراد منه صاحبه أن يثبت أنّ ما جاء في جميع الفصول السابقة لم يستوعب جميع الآيات الإعجازية لعيسى على الرغم من أنّه قد ذكر الكثير منها سابقا.
بدأ الفصل21 باستئناف الحديث عن أعمال عيسى و أقواله و كأنّه لم يرد في آخر الفصل السابق ذاك التعليق الختامي!
و بقراءة هذا الفصل21 نجد أنّه يتضمّن في الأعداد 6 - 11 معجزة لعيسى تتمثّل في هداية التلاميذ إلى اصطياد عدد ضخم من السمك.كما جاء في العددين 18 - 19 الإخبار عن الموتة"التي سوف يموتها بطرس" و هذه معجزة غيبية دون شك..و بذكر هذين الأمرين يكون الناشر لهذا الإنجيل بهذه الصورة قد خالف ما جاء في متّى 20: 30 - 31 من أنّ مؤلّف الإنجيل قد انتهى من سرد قصص معجزات المسيح عليه السلام.إنّه من البيّن أنّ مؤلف الفصل الأخير لم يراع ما جاء في آخر الفصل20 , فأضاف ما عنده ,و كتب ما عنّ له , رغم الارتباك الذي طرأ على القصة بإضافة الفصل الأخير!
الداعي الأهم لإضافة الفصل21 هو دسّ الزعم بأنّ مؤلف إنجيل يوحنا هو "التلميذ الذي أحبّه يسوع" حتى يكون لهذا الإنجيل, الذي كان يتداول دون أن يذكر عليه اسم "يوحنا" , الطبيعة الملزمة التي تحظى بها الكتب الدينية الرسمية.
إنّ ما جاء في الفصل 21 من وصف المؤلف بأنه "الذي أحبه يسوع"حجة على الزاعمين أنّ المؤلف هو "يوحنا بن زبدي" لا حجة لهم.إذ أنه لو أراد المؤلف الحقيقي لهذا الإنجيل أن يذكر اسمه لقال ذلك صراحة لوجود الحاجة الملحة لهذا الفعل.. و ما إبهامه لهذا الأمر بهذا الوصف , إلا دليل على أنه كان عاجزا أن يحدد اسما صريحا للمؤلف لكون هذا التحديد سيكشف كذبه و افتراءه بين أهل زمانه الذين كانوا يعلمون أنّه لا يوحنا و لا غيره من الحواريين قد كتبوا هذا الإنجيل.
- و عبارة " الذي أحبّه يسوع " صارت مصدر قلائل للنصارى كما سبق ذكره.. إذ اكتشفت أسفار دينية في نجع حمادى سنة 1945 تعود إلى القرن 1 و 2 ميلاديا و تذكر أنّ " مريم المجدلية " هي " أحبّ التلاميذ إلى المسيح " !!!؟ -
إذن من الواضح أنّ الفصل21 من إنجيل يوحنا,فصل مزيف مضاف إلى هذا الإنجيل و هو يتضمن الجزء الأكبر من قصة القيامة المزعومة للمسيح.و هذا الموقف الرافض لهذا الفصل ليس اجتهادا شخصيا من مسلم يملك اعتقادا راسخا ببطلان زعم قيامة المسيح من الموت,و كثافة التحريف في الكتاب المقدس بأكمله..و إنما هو تقرير لحقيقة يعرفها كل دارس للأسفار المقدسة للنصارى و إن كانت مغمورة بين العوام من النصارى الذين تريد الكنيسة قبر عقولهم في "قرون الظلمات" حيث لا صوت فوق صوت البابا !!
إنّ الإعلان عن وجود هذا التحريف في إنجيل يوحنا مبثوث في الكثير من الموسوعات و التعاليق على هذا إنجيل..و قد أكده كبار النقاد .و لا يعلم أنّ ناقدا معتبرا أنكر هذا الأمر بأدلة ذات بال , فهو يكاد يصنّف في دائرات المقررات الثابتة في دراسات الأناجيل.
من الكتابات التي جاء فيها أمر هذا التحريف , نقدم لك باقة متنوعة تثبت لك أننا لا نلقي القول على عواهنه و لا نفتري على الكنسيين الكذب:
- جاء في كتاب "الأناجيل الخمسة" " The Five Gospels " لـ"ندوة عيسى" ص 469 :"يوحنا21,اعتبر من طرف جل(الباحثين) مضافا إلى الإنجيل الرابع من طرف مؤلف آخر."
- جاء في التعليق القيّم على الترجمة الإنجليزية الحديثة" The New Revised Standard Version " المسمّى" The Harper Collins Study Bible " ص 2012 في مقدمة إنجيل يوحنا:" بعد صياغته الأولى توسّع إنجيل يوحنا بوضوح: الظاهر أنه تمّ إضافة الفصلان 15و17 و الفصل 21, من طرف المؤلف الأصلي أو من طرف شخص آخر من داخل الدوائر."
- جاء في التعليق على الكتاب المقدس المسمّى "The New International Bible Commentary ' " ص1263 :" من الراجح أنّ العددان الأخيران من الفصل20 يشكلان النهاية الطبيعية للإنجيل.الفصل الحالي من الراجح أنه قد أضيف كملحق لإزالة اللبس الذي ظهر حول كلمات عيسى المتعلّقة بما سيقع للتلميذ المحبوب(الأعداد 20- 23) و لتسجيل إعادة سمعان بطرس إلى مقام خاص من ناحية المسؤولية داخل الكنيسة(الأعداد 15- 19)"
- المحقق المشهور "كروتيس" ذكر أنّ إنجيل يوحنا كان20 فصلا ثم ألحقت به كنيسة "إيفاس" الفصل21 .
- جاء في مقال لدافيد ل.بارّ David L . Barr (من جامعة Wright State ) بعنوان"كما أرسلني الآب" " As the father has sent me "حول الفصل 20 من إنجيل يوحنا:" يُنظر بصورة عالمية إلى الفصل21 من إنجيل يوحنا على أنّه إضافة لاحقة إلى الإنجيل." كما ذكر أيضا أنّ" قصة الظهور في يوحنا21,يُعتقد بصورة واسعة أنها إضافة لاحقة,زيدت بعد موت المؤلف الأصلي."
مشاركة: حول قيامة يسوع المزعومة
جاء في مقدمة إنجيل يوحنا ,في ترجمة الكتاب المقدس المطبوع في بيروت سنة 1989,تعليقا على موضوع تركيب هذا الإنجيل:"...فمن الراجح أن الإنجيل كما هو بين أيدينا,أصدره بعض تلاميذ المؤلف,فأضافوا إليه الفصل21..."
- جاء في التفسير الشهير للكتاب المقدس " The Anchor Bible " تعليقا على متّى 28: 16 - 20 :"إنجيل متّى هو الإنجيل الوحيد الذي فيه شيء يمكن أن نسميه خاتمة . نهاية مرقس مازالت محلّ خلاف,إنجيل لوقا نهايته في الجزء الثاني من عمل المؤلف(أعمال الرسل) في حين أنه يبدو أنّ النهاية الأصلية لإنجيل يوحنا كانت عند 20: 31 (و أشار هذا الكتاب إلى مؤلَّفِ الناقد البارز ريموند براون Raymond Brown "إنجيل يوحنا" " The Gospel According to John "ص ص 13 - 21 ).
- جاء في البحث الذي قدّمه بولس ن.أندرسون Paul .A. Anderson (من جامعة George Fox ) في الإجتماع السنوي ل"مؤسسة النقد الكتابي" Society of Biblical Literature "( 17 - 20 نوفمبر 2001 ) حول التأثير المتبادل بين الإنجيل الثاني و الإنجيل الثالث:" الفصول من15 إلى 17من إنجيل يوحنا , الظاهر أنها أُقحمت بين يوحنا 14: 31 و 18 : 1 .هذه المادة,خاصة,تظهر علامات على أنها مادة متأخرة جمِّعت حول السؤال عن كيفية استمرار المسيح في قيادة الكنيسة عبر الروح القدس.الظاهر أنّ الفصل21 أضيف عن طريق الناسخ..."
- الباحث رندل هلمز Randel Helms في كتابه الماتع :"من ألّف الأناجيل؟" " Who Wrote The Gospels" بعد أن قسّم إنجيل يوحنا إلى قسمين تبعا للتمايز بين المؤلفين و المضمون قال :"الفصل الأخير من عمل يوحنا قدّم تفويض عيسى لتلاميذه :"كما أنّ الآب أرسلني,أرسلك أنا". قال هذا و نفخ فيهم و قال لهم:" اقبلوا الروح القدس"(يوحنا 20: 21- 22 ).لكنه عندما أضاف الفصل الأخير,قام يوحنا(مؤلف الجزء الثاني),بإظهار التلاميذ و هم يتصرّفون و كأنهم لم يتسلموا أي تفويض,حتى أنهم عادوا إلى أعمالهم السابقة في الصيد:" فذهبوا و ركبوا القارب,و لكنهم لم يصيدوا شيئا في تلك الليلة.و لمّا طلع الفجر,وقف يسوع على الشاطئ,و لكنّ التلاميذ لم يعرفوا أنه يسوع"(يوحنا 21: 3 - 4 ).لكن في الفصل السابق,عرف التلاميذ مباشرة عيسى القائم من الموت"فامتلؤوا بالفرح"(يوحنا20:20).نسي يوحنا هذا الأمر,ربما تحت تأثير الموقف الذي ذكره لوقا في الطريق إلى عمواس حيث"منع شيء ما" التلميذين من "رؤية الشخص" عندما ظهر عيسى القائم من الموت(لوقا 24 : 16 )."
- جاء في " الموسوعة الأمريكية " " Americana Encyclopedia " :"إنّ القارئ العادي يستطيع أن يرى أنّ الإنجيل ينتهي بانسجام تام بانتهاء الفصل العشرين الذي يقول:"و أما هذه فقد كتبت لتأمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله و لكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه" .إنّ هذا الإعلان يبين بوضوح الغرض الذي كتب من أجله هذا الكتاب(الإنجيل).بعد ذلك يأتي الفصل(الأخير)الذي يخبرنا أنّ يسوع ظهر كربّ أقيم من الأموات إلى خمسة تلاميذ و اثنين آخرين غامضين و أنه أرشدهم إلى صيد السمك بمعجزة و أنه قال لبطرس ارع خرافي ثمّ تأتي فقرة تشير إلى استشهاد يوحنا 21: 23 و كذلك تعليق مبهم,يقول هذا التلميذ الذي جاء عن طريق الجماعة التي تشير إلى نفسها بعبارة "نحن نعلم"!! و في حقيقة الأمر هؤلاء يصعب تحديدهم".
خلاصة البحث حول أصالة قصة قيامة المسيح من الموت في أناجيل الكنيسة , هي أنّ الجزء الأكبر من هذه القصة قد أضيف لاحقا .
و نحن نقول:إذا كان مؤلفو الأناجيل في صورتها البدائية غير معلومين..و إذا كانوا قد كتبوا ما كتبوا استجابة لأغراض دينية خاصة بهم..و إذا كانت قصة القيامة قد غرقت كما رأيت في لجج حبر المحرفين..فهل يبقى بعد هذا الأمر مجال للدفاع عن الحرمة التاريخية لهذه القصة ؟ "