رد شبهة سورة الأنعام 22 ــ 23
شبهة
يكتمون أو لا يكتمون؟
“ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
; (آيتا 22 ، 23).
قال عبد الرازق في تفسيره: جاء رجلٌ إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء مختلفاً عليّ من القرآن . قال ابن عباس: هات ما اختلف عليك من ذلك . قال: أسمع القرآن يقول: ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: واللهِ ربِّنا ما كنا مشركين مع أنه ورد في النساء 4: 42 “يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَّوَى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ; مع أنهم كتموا ففي العبارة الأولى قال إنهم كتموا، وفي العبارة الثانية قال إنهم لا يكتمون. فأجاب ابن عباس بما حاصله أنهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم (الطبري في الأنعام 6: 23 والرازي في النساء 4: 42).
تجهيز للرد
مشاركة: رد شبهة سورة الأنعام 22 ــ 23
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة السيف البتار
شبهة
يكتمون أو لا يكتمون؟
“ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ
; (آيتا 22 ، 23).
قال عبد الرازق في تفسيره: جاء رجلٌ إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء مختلفاً عليّ من القرآن . قال ابن عباس: هات ما اختلف عليك من ذلك . قال: أسمع القرآن يقول: ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: واللهِ ربِّنا ما كنا مشركين مع أنه ورد في النساء 4: 42 “يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَّوَى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ; مع أنهم كتموا ففي العبارة الأولى قال إنهم كتموا، وفي العبارة الثانية قال إنهم لا يكتمون. فأجاب ابن عباس بما حاصله أنهم يكتمون بألسنتهم، فتنطق أيديهم وجوارحهم (الطبري في الأنعام 6: 23 والرازي في النساء 4: 42).
تجهيز للرد
أين الشبهة إذن ؟
قال تعالي : وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم اول مرة واليه ترجعون .... فصلت 21
{ الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون }..
إن أهل الكتاب يعلمون جيداً هذه الحقيقة في هذا الدين.. ويعرفونه بها كما يعرفون أبناءهم.. وهم جيلاً بعد جيل يدرسون هذا الدين دراسة دقيقة عميقة؛ وينقبون عن أسرار قوته؛ وعن مداخله إلى النفوس ومساربه فيها؛ ويبحثون بجد:
1) كيف يستطيعون أن يفسدوا القوة الموجهة في هذا الدين؟
2) كيف يلقون بالريب والشكوك في قلوب أهله؟
3) كيف يحرفون الكلم فيه عن مواضعه؟ كيف يصدون أهله عن العلم الحقيقي به؟
4) كيف يحولونه من حركة دافعة تحطم الباطل والجاهلية وتسترد سلطان الله في الأرض وتطارد المعتدين على هذا السلطان، وتجعل الدين كله لله.. إلى حركة ثقافية باردة، وإلى بحوث نظرية ميتة، وإلى جدل لاهوتي أو فقهي أو طائفي فارغ؟
5) كيف يفرغون مفهوماته في أوضاع وأنظمة وتصورات غريبة عنه مدمرة له، مع إيهام أهله أن عقيدتهم محترمة مصونة؟!
6) كيف في النهاية يملأون فراغ العقيدة بتصورات أخرى ومفهومات أخرى واهتمامات أخرى، ليجهزوا على الجذور العاطفية الباقية من العقيدة الباهتة؟!
إن أهل الكتاب يدرسون هذا الدين دراسة جادة عميقة فاحصة؛ لا لأنهم يبحثون عن الحقيقية - كما يتوهم السذج من أهل هذا الدين! - ولا لينصفوا هذا الدين وأصله - كما يتصور بعض المخدوعين حينما يرون اعترافاً من باحث أو مستشرق بجانب طيب في هذا الدين! - كلا! إنما هم يقومون بهذه الدراسة الجادة العميقة الفاحصة، لأنهم يبحثون عن مقتل لهذا الدين! لأنهم يبحثون عن منافذه ومساربه إلى الفطرة ليسدوها أو يميعوها! لأنهم يبحثون عن أسرار قوته ليقاوموه منها! لأنهم يريدون أن يعرفوا كيف يبني نفسه في النفوس ليبنوا على غراره التصورات المضادة التي يريدون ملء فراغ الناس بها!
وهم من أجل هذه الأهداف والملابسات كلها يعرفونه كما يعرفون أبناءهم!
ومن واجبنا نحن أن نعرف ذلك.
. وأن نعرف معه أننا نحن الأوْلى بأن نعرف ديننا كما نعرف أبناءنا!
إن الواقع التاريخي من خلال أربعة عشر قرناً ينطق بحقيقة واحدة.. هي هذه الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم في هذه الآية: { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم }.. ولكن هذه الحقيقة تتضح في هذه الفترة وتتجلى بصورة خاصة.. إن البحوث التي تكتب عن الإسلام في هذه الفترة تصدر بمعدل كتاب كل أسبوع؛ بلغة من اللغات الأجنبية.. وتنطق هذه البحوث بمدى معرفة أهل الكتاب بكل صغيرة وكبيرة عن طبيعة هذا الدين وتاريخه، ومصادر قوته، ووسائل مقاومته، وطرق إفساد توجيهه! ومعظمهم - بطبيعة الحال - لا يفصح عن نيته هذه؛ فهم يعلمون أن الهجوم الصريح على هذا الدين كان يثير حماسة الدفاع والمقاومة؛ وأن الحركات التي قامت لطرد الهجوم المسلح على هذا الدين - الممثل في الاستعمار - إنما كانت ترتكز على قاعدة من الوعي الديني أو على الأقل العاطفة الدينية؛ وأن استمرار الهجوم على الإسلام - ولو في الصورة الفكرية - سيظل يثير حماسة الدفاع والمقاومة! لذلك يلجأ معظمهم إلى طريقة أخبث.. يلجأ إلى إزجاء الثناء لهذا الدين، حتى ينوم المشاعر المتوفزة، ويخدر الحماسة المتحفزة، وينال ثقة القارىء واطمئنانه.. ثم يضع السم في الكأس ويقدمها مترعة.. هذا الدين نعم عظيم.. ولكنه ينبغي أن يتطور بمفهوماته ويتطور كذلك بتنظيماته ليجاري الحضارة " الإنسانية " الحديثة! وينبغي ألا يقف موقف المعارضة للتطورات التي وقعت في أوضاع المجتمع، وفي أشكال الحكم، وفي قيم الأخلاق! وينبغي - في النهاية - أن يتمثل في صورة عقيدة في القلوب، ويدع الحياة الواقعية تنظمها نظريات وتجارب وأساليب الحضارة " الإنسانية " الحديثة! ويقف فقط ليبارك ما تقرره الأرباب الأرضية من هذه التجارب والأساليب.. وبذلك يظل ديناً عظيماً..!!!
وفي أثناء عرض مواضع القوة والعمق في هذا الدين - وهي ظاهرياً تبدو في صورة الإنصاف الخادع والثناء المخدر - يقصد المؤلف قومه من أهل الكتاب؛ لينبههم إلى خطورة هذا الدين، وإلى أسرار قوته؛ ويسير أمام الأجهزة المدمرة بهذا الضوء الكشاف، ليسددوا ضرباتهم على الهدف.
وليعرفوا هذا الدين كما يعرفون أبناءهم!
إن أسرار هذا القرآن ستظل تتكشف لأصحابه؛ جديدة دائماً؛ كلما عاشوا في ظلاله؛ وهم يخوضون معركة العقيدة؛ ويتدبرون بوعي أحداث التاريخ؛ ويطالعون بوعي أحداث الحاضر. ويرون بنور الله. الذي يكشف الحق، وينير الطريق..
{ ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته؟ إنه لا يفلح الظالمون. ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين. انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون }..
هذا استطراد في مواجهة المشركين بحقيقة ما يزاولونه، ووصف موقفهم وعملهم في تقدير الله سبحانه.. مواجهة تبدأ باستفهام تقريري لظلمهم بافتراء الكذب على الله؛ وذلك فيما كانوا يدعونه من أنهم على دينه الذي جاء به إبراهيم عليه السلام؛ ومن زعمهم أن ما يحلونه وما يحرمونه من الأنعام والمطاعم والشعائر - كالذي سيجيء في آخر السورة مشفوعاً بقوله تعالى: { بزعمهم } - هو من أمر الله.. وليس من أمره.
ومن ثم فالشرك ظلم عظيم، كما يقول عنه رب العالمين. ولن يفلح الشرك ولا المشركون:
{ إنه لا يفلح الظالمون }..
والله - سبحانه - يقرر الحقيقة الكلية؛ ويصف الحصيلة النهائية للشرك والمشركين - أو للظلم والظالمين - فلا عبرة بما تراه العيون القصيرة النظر، في الأمد القريب، فلاحاً ونجاحاً.. فهذا هو الاستدراج المؤدي إلى الخسار والبوار.. ومن أصدق من الله حديثاً؟..
. ومن ثم فالشرك ظلم عظيم، كما يقول عنه رب العالمين. ولن يفلح الشرك ولا المشركون:
{ إنه لا يفلح الظالمون }..
والله - سبحانه - يقرر الحقيقة الكلية؛ ويصف الحصيلة النهائية للشرك والمشركين - أو للظلم والظالمين - فلا عبرة بما تراه العيون القصيرة النظر، في الأمد القريب، فلاحاً ونجاحاً.. فهذا هو الاستدراج المؤدي إلى الخسار والبوار.. ومن أصدق من الله حديثاً؟..
وهنا يصور من عدم فلاحهم موقفهم يوم الحشر والحساب، في هذا المشهد الحي الشاخص الموحي:
{ ويوم نحشرهم جميعاً، ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين. انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون }..
إن الشرك ألوان، والشركاء ألوان، والمشركين ألوان.. وليست الصورة الساذجة التي تتراءى للناس اليوم حين يسمعون كلمة الشرك وكلمة الشركاء وكلمة المشركين: من أن هناك ناساً كانوا يعبدون أصناماً أو أحجاراً، أو أشجاراً، أو نجوماً، أو ناراً.. الخ.. هي الصورة الوحيدة للشرك!
إن الشرك في صميمه هو الاعتراف لغير الله - سبحانه - بإحدى خصائص الألوهية.. سواء كانت هي الاعتقاد بتسيير إرادته للأحداث ومقادير الكائنات. أو كانت هي التقدم لغير الله بالشعائر التعبدية والنذور وما إليها. أو كانت هي تلقي الشرائع من غير الله لتنظيم أوضاع الحياة.. كلها ألوان من الشرك، يزاولها ألوان من المشركين، يتخذون ألواناً من الشركاء!
والقرآن الكريم يعبر عن هذا كله بالشرك؛ ويعرض مشاهد يوم القيامة تمثل هذه الألوان من الشرك والمشركين والشركاء؛ ولا يقتصر على لون منها، ولا يقصر وصف الشرك على واحد منها؛ ولا يفرق في المصير والجزاء بين ألوان المشركين في الدنيا وفي الآخرة سواء..
{ ويوم نحشرهم جميعاً، ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ }..
والمشهد شاخص، والحشر واقع، والمشركون مسؤولون ذلك السؤال العظيم.. الأليم: { أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟ }..
وهنا يفعل الهول فعله.. هنا تتعرى الفطرة من الركام الذي ران عليها في الدنيا.. هنا ينعدم من الفطرة ومن الذاكرة - كما هو منعدم في الواقع والحقيقة - وجود الشركاء؛ فيشعرون أنه لم يكن شرك، ولم يكن شركاء.. لم يكن لهذا كله من وجود لا في حقيقة ولا واقع.. هنا " يفتنون " فيذهب الخبث، ويسقط الركام - من فتنة الذهب بالنار ليخلص من الخبث والزبد -:
{ ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا: والله ربنا ما كنا مشركين }..
إن الحقيقة التي تجلت عنها الفتنة، أو التي تبلورت فيها الفتنة، هي تخليهم عن ماضيهم كله وإقرارهم بربوبية الله وحده؛ وتعريهم من الشرك الذي زاولوه في حياتهم الدنيا.. ولكن حيث لا ينفع الإقرار بالحق والتعري من الباطل.. فهو إذن بلاء هذا الذي تمثله قولتهم وليس بالنجاة.. لقد فات الأوان.. فاليوم للجزاء لا للعمل.. واليوم لتقرير ما كان لا لاسترجاع ما كان..
لذلك يقرر الله سبحانه، معجباً رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أمر القوم، أنهم كذبوا على أنفسهم يوم اتخذوا هؤلاء الشركاء شركاء، حيث لا وجود لشركتهم مع الله في الحقيقة. وأنهم اليوم غاب عنهم ما كانوا يفترونه، فاعترفوا بالحق بعد ما غاب عنهم الافتراء:
{ انظر كيف كذبوا على أنفسهم، وضل عنهم ما كانوا يفترون }..
فالكذب منهم كان على أنفسهم؛ فهم كذبوها وخدعوها يوم اتخذوا مع الله شريكاً، وافتروا على الله هذا الافتراء. وقد ضل عنهم ما كانوا يفترون وغاب، في يوم الحشر والحساب!
هذا هو التأويل الذي أستريح إليه في حلفهم بالله يوم القيامة وهم في حضرته: أنهم ما كانوا مشركين. وفي تأويل كذبهم على أنفسهم كذلك. فهم لا يجرؤون يوم القيامة أن يكذبوا على الله، وأن يحلفوا أنهم ما كانوا مشركين عامدين بالكذب على الله - كما تقول بعض التفاسير - فهم يوم القيامة لا يكتمون الله حديثاً.. إنما هو تعري الفطرة عن الشرك أمام الهول الرعيب؛ وأنمحاء هذا الباطل الكاذب حتى لا أثر له في حسهم يومذاك .
ثم تعجيب الله - سبحانه - من كذبهم الذي كذبوه على أنفسهم في الدنيا؛ والذي لا ظل له في حسهم ولا في الواقع يوم القيامة!
ويمضي السياق يصور حال فريق من المشركين؛ ويقرر مصيرهم في مشهد من مشاهد القيامة.. يصور حالهم وهم يستمعون القرآن معطلي الإدراك، مطموسي الفطرة، معاندين مكابرين، يجادلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم على هذا النحو من الاستغلاق والعناد، ويدعون على هذا القرآن الكريم أنه أساطير الأولين؛ وينأون عن سماعه وينهون غيرهم عنه أيضاً.. يصور حالهم هكذا في الدنيا في صفحة، وفي الصفحة الأخرى يرسم لهم مشهداً كئيباً مكروباً؛ وهم موقوفون على النار محبوسون عليها، وهي تواجههم بهول المصير الرعيب؛ وهم يتهافتون متخاذلين؛ ويتهاوون متحسرين؛ يتمنون لو يردون إلى الدنيا فيكون لهم موقف غير ذلك الموقف، الذي انتهى بهم إلى هذا المصير.