كيف نثبت للعالم أننا لسنا سبب الإرهاب والمشاكل؟!

حوار أجراه ا / عصام غازي مع الأستاذ عمرو خالد لمجلة كل الناس بتاريخ 7-13 ديسمبر 2005

الإسلام لم يصل إلينا على طبق من ذهب.. وطريق الرسول في سبيل نشر دعوته كان مفروشاً بالتعذيب والإهانة والاتهامات بالجنون من قريش ومن عمه وزوجته. ومع ذلك كان يثبت دائماً أنه "رحمةً مهداةً.. كان صبوراً قوياً.. لم يفقد أعصابه ولم يسب أحداً ولم يدع على من ظلمه.

الداعية عمرو خالد.. يؤكد أن في السيرة العطرة الدروس والعظة التي تدعونا كل يوم إلى إثبات أننا دين الرحمة ولسنا سبب الإرهاب والمشاكل في العالم.. كما تدعونا.. أسوة بالرسول الكريم إلى أن نكون أكثر صبراً وتحملاً للمكاره والمحن. وأن نفعل شيئاً من أجل السنة الشريفة، بالإنتاج والاستقامة وإصلاح الأرض.

عمرو خالد.. يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ دعوته بضم المتميزين من القبائل للإسلام، كان ينتقي أفضل العناصر علماً وقوةً ومكانةً.. وعندما بلغ عدد الصحابة 150 صحابياً، انتقل للخطوة التالية وهي طلب الحماية من بني هاشم خلال مأدبة أقامها، فأعلن عمه أبو طالب حمايته له ولأتباعه، بعد ذلك كانت المرحلة الثالثة، وهي الجهر بالدعوة من فوق جبل الصفا. كان النبي يبادر بالفعل ويفرض على قريش رد الفعل.

ساحر وكاهن ومجنون

كيف كان رد فعل قريش للجهر بالدعوة؟

رد الفعل كان شديداً، بدأت قريش بالتشكيك في صحة كلام النبي، ثم بدأت تسخر منه ليهتز نفسياً، لجأت إلى الإيذاء المعنوي لأهل بيته، ثم لجأت إلى الإيذاء البدني له ولأصحابه، ولم تفلح محاولات القتل التي دبروها لكي يرجع عن دعوته في التشويش والتشكيك قالوا إنه ساحر وقالوا إنه كاهن. وقالوا إنه مجنون، ثم اتهموه بالعمالة لدولة أجنبية: "وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون".

وقالوا إنه أخذ هذا الكلام عن رجل في اليمامة اسمه الرحمن!.. الإسلام لم يصل إلينا على طبق من ذهب، أرسلوا رجلاً اسمه النضر بن الحارث إلى بلاد الفرس ليستمع إلى قصص وأساطير الفرس، ليعود ويشوش على النبي عندما يتحدث، فيقول: أنا أحسن حديثاً من محمد، اسمعوا منى قصصاً أفضل من قصص محمد ثم يحكي لهم أساطير وخرافات الفرس.

ثم يسأل: ألست أحسن حديثاً من محمد؟

وكلما هم النبي بقراءة القرآن قام النضر بالتشويش عليه.

لا تصدقوا ابن أخي!

وكان أبو لهب عم النبي يمشي وراءه أينما ذهب، فإذا وقف النبي مع رجل يعرض عليه دعوته، يفاجأ بأبي لهب خلفه يقول للرجل: لا تصدق محمداً هو ابن أخي وأنا أعرفه أكثر منك، إنه مجنون لا يصدقه أحد، فيقول له أهل قريش: لا تتكلم في شيء عمك أدرى بك منّا.

الطعنة الأولى في ظهر النبي أتت من عمه. فإذا كان النبي قد حدث له ذلك، أفلا نصبر على المكاره التي تصادفنا؟

فشل التشويش على النبي كان لا يلتفت إليهم ولا يرد على ما يقولون.

كان يواصل مسيرته ويأخذ بيد الناس والقرآن يقول له: "يا أيها المزمل قم" "يا أيها المدثر قم"، والسيدة خديجة تشفق عليه وتقول له: مهلاً يا رسول الله أنت لم تعد تنام الليل. فيقول لها: مضى زمن النوم يا خديجة.

حرب نفسية

وبدأت قريش أسلوب السخرية والاستهزاء لهزه من الداخل.. وأنت كلما كانت مكانتك عالية، تتألم أكثر لأن أحدهم آذاك في كرامتك، واستهزأ بك، أنت مستعد للتنازل عن ثروتك كلها، ولا تخدش كرامتك، بعض الناس يصابون بالشلل لأن كرامتهم خدشت، والنبي بلغ من العمر 43 عاماً وعرفته قريش بالصادق الأمين، وهو سيد الخلق وحبيب الرحمن، ومع ذلك كان همه الوحيد هو تبليغ الرسالة.

ما صور الاستهزاء التي مارستها قريش ضده؟

اتفقوا مع بعضهم البعض أنهم كلما رأوا النبي في مكان فروا من أمامه جرياً، وهم يصيحون: مجنون.

يقول الله تعالى: وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون".. وانتشرت الشائعة، لدرجة أن القبيلة تأتي لموسم الحج من اليمن مثلاً، فيوصون أفرادها قبل أن تبدأ الرحلة: احذر غلام قريش ليفتنك بجنونه.

ويمر النبي وسط الآتين. فيشيرون عليه بأصابعهم: هذا هو المجنون.

أنت الآن غاضب لأجل نبيك: من حقك أن تغضب. افعل شيئاً الآن لأجل سنته، أصلح الأرض، أنتج وتحرك.

معجزة تعمي زوجة أبي لهب

ماذا أيضا حدث للنبي؟

أم جميل زوجة أبي لهب.. زوجة عمه كانت كل يوم تلقي الأشواك والقمامة أمام باب بيت النبي، ولم يفقد النبي أعصابه أبداً، كان يخرج من بيته وينظر إلى القمامة ويقول: يا معشر قريش أي جوار هذا؟.. ولم يسب عمه أو زوجة عمه أبداً، ولم تكتف أم جميل بذلك فكانت تؤجج نار الفتنة كل يوم، وتؤلب قريشاً على النبي، فينزل القرآن ليقول له: "وامرأته حمالة الحطب".. وهي لم تكن تحمل الحطب، لكنها كانت تؤجج نار الفتنة، فاستخدم القرآن الكريم هذا التعبير لوصفها، "في جيدها حبل من مسد".. وحين علمت أن القرآن الكريم وصفها بهذه الأوصاف، خرجت في مكة وهي تصيح: أين محمد؟ فقيل لها: مع صاحبه عند الكعبة، فتهرول إلى الكعبة وفي يديها حجارة، فترى أبا بكر فتسأله: أين صحابك؟ وكان النبي جالساً إلى جواره لكنها لا تراه.. معجزة. فاندهش أبو بكر ولم يرد.. أعمى الله بصرها، حتى لا تقذف وجه النبي بالحجارة التي في يديها.

فتقول لأبي بكر: بلغني أنه هجاني والله لو رأيته لأضربن بهذا الحجر وجهه، ثم تقول لأبي بكر: إن كان هو شاعراً فإني شاعرة. ثم تمشي في قريش تقول: مذمماً عصينا.. وأمره أبينا ودينه قلينا.

ويسمع الكفار هذه الأبيات فتعجبهم، وينشرونها في مكة، فيبدأ الأطفال يرددونها في الشوارع كلما رأوا النبي صلى الله علية وسلم وتفكر قريش في تغيير اسمه، ليكون مذمماً بدلاً من محمد، ويتفقون على ذلك فيما بينهم، فيغضب الصحابة فيقول لهم النبي: دعوهم إنما يشتمون مذمماً وأنا محمد.

ما عرفناك إلا حليماً

من ضمن السخرية والاستهزاء، أنهم أبصروه يطوف بالبيت، وكلما طاف يرددون النكات عليه والسخرية به ويتمايلون ضحكاً، وكان النبي يواصل طوافه كأنه لا يسمعهم، وبعد ثلاث مرات من الطواف والسخرية.

وقف النبي وقال لهم: تعرفون يا معشر قريش إن لم تنتهوا لقد جئتكم بالذبح.

فسكتوا خوفاً وقالوا امض بسلام يا أبا القاسم فما عرفناك إلا حليماً، وينزل قول الله تبارك وتعالى: "إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون". ثم يقول الله تعالى: "فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الآرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون".. فترتفع الروح المعنوية للمؤمنين.

كان النبي يتألم من الكلمات الجارحة. فينزل القرآن ليقول له: "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، "ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك".

وتنزل آية أخرى: "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم". وتظل الآيات تنزل بهذه الصورة، والنبي مصر على رسالته.

يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول".. نريد أن نثبت لأهل الأرض جميعاً أننا رحمة للعالمين، ولسنا سبب الإرهاب والمشاكل في العالم.

البعض كان يفضل أن يكون معاصراً للرسالة كي يذود عن النبي والرسالة في بدايتها، أنا راض بأنني ولدت في هذا الزمان، لكي نقول للنبي يوم القيامة: "نحن لم نرك، ومع ذلك أحببناك كثيراً، ونمشي على طريقك".

بعد وفاة النبي كان الصحابة يبكون، ورأوا صحابياً فرحاً.. سألوه: أتفرح لموت النبي؟.. قال لهم إني فرح أني أطيعه وهو ميت كما أطعته وهو حي.

يقول النبي للصحابة: "اشتقت إلى إخواني، قالوا أولسنا إخوانك يا رسول الله، قال أنتم أصحابي أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني".

إهانة خديجة!

فشل الكفار في جعل النبي يتخلى عن رسالته بالتشكيك والسخرية والاستهزاء.. فماذا فعلوا بعد ذلك؟

قرروا إيذاءه في بيته.. كان التركيز على النبي في الإيذاء خلال تلك الفترة.. فكروا في إيذاء السيدة خديجة. فأخذوا يعيرونها بأنها تنجب البنات دون الذكور في تلك الفترة، وروج لهذا الكلام رجل اسمه العاص بن وائل، والد عمرو بن العاص كان يقول: محمد أبتر، أي أنه مقطوع النسل لا ينجب أولاداً وكلما أنجب ولداً يموت، وكانوا يقولون: سنستريح منه عندما يموت لأنه أبتر، وستموت معه رسالته.

وكان هذا الكلام يوجع السيدة خديجة لأنها بلغت من العمر 55 سنة، تخيل مكة كلها توجع السيدة الشريفة العفيفة خديجة بنت خويلد، فينزل القرآن يقول: "إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر".

لا تحزن يا محمد فسوف تنال نهر الكوثر في الجنة، أكمل رسالتك، فالذي يعيرك هو المقطوع النسل في الآخرة، وسينتهي ذكره عندما يموت.

لماذا لم يدع النبي عليهم ربه أن يعاقبهم على إيذائهم له؟

"إنما أنا رحمة مهداة".. لهذا سيصبر عليهم وينزل القرآن لتهدئة النبي أكثر: "ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسر إن مع العسر يسر فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فرغب".

هذه الآيات تبين أن النبي تعرض لإيذاء شديد، والقرآن يثبته، وهو الصادق الأمين سيد الخلق، يكفي أنه مكتوب على باب الجنة: "محمد رسول الله".

http://www.amrkhaled.net/articles/articles1212.html