من علي منبر مدينتي

من علي منبر مدينتي

الحمد الله الذي أمر بالتسليم للأقدار , والقبول بقضاء وحكم الواحد القهار,أحمده سبحانه وتعالى فهو المتفرد بالعزة والكبرياء , والمؤيد صفوة أوليائه بقوة الصبر علي البلاء, والشكر علي الرخاء , والحمد علي النعماء , وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد ان سيدنا محمدا عبده ورسوله , ايده ربه بقوة الصبرواليقين فكان خير من صبر ورضي بالقضاء والقدر , وكان المثلى الأعلي للصابرين , اللهم صلى وسلم عليه وعلي أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. اما بعد :-
الصبر أول منزلة من منازل الإيمان , وزينة لكل إنسان , وطريقه إلى المعالي ورقي وتحقيق الآمال , وبه ينال الغفران.
فالصبر فضيلة يحتاج إليها الإنسان في دينه ودنياه , وبه أيضا يحقق اعماله وما يرجوه في الحياة, هو طريق الجنة وسبيل نيل الثواب والرضوان؛ والصبر والتقوى سبب النصر والعزة والرفعة والكرامة , كما قال تعالى : " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسةآلاف من الملائكة مسومين وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن فلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ".
بالرضي والصبر يحلو المر , وتهون الصعاب , وتزول الشدائد , وتستعذب المحن , فتقوى العزائم, وتصمد الرجال , وتثبت الأقدام , وينتصر الحق , وتعلو الرايات . فالرضى هو الغطاء الساتر , بل هو الظل الذي يحميك من وهج لهيب الحياة القاتل , وينزع الغل والحقد الدفين , فكما تموت الأجسام عندما تفقد الطعام , كذلك تموت النفوس عندما تفقد الرضى والصبربجريان الأمور والأقدار .
فالصبر يا اخي مفتاح لكل مغلق ,وفرج لكل كربة,وعماد ترتكز عليه كل دعوة صالحة,وعمل طيب جليل, ونشر دعوة دينية إسلامية تعم بقاع المعمورة لإعلاء كلمة الله, حتى يكون للدين الذي جمع الأديان كلها الصدارة والغلبة والعزة , كما كان يوم أن اعلنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم " إن الدين عند الله الإسلام " كما وصف الحق جل جلاله الصابرين باوصاف كريمة وشريفة , وذكرهم في نيف وسبعين موضعا في القرآن الكريم, واضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر.
واعلم يا اخي أن ما من عمل إلا وعلي قدره الأجر والجزاء, وما من قربة إلا واجرها بتقدير وحساب , وما من طاعة إلا ولها وزن ومثقال إلا الصبر؛ فإن أجره قد زاد, وحسابه قد فاض , ووزنه ومثقاله قد جاوز أجر العباد قال تعالى : " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ".
وقد اختبر رسولنا صلوات الله وسلامه عليه اصحابه ذات يوم حينما دخل علي الانصار فقال : أمؤمنون انتم ؟ فسكتوا, فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : نعم يا رسول الله. فقال : وما علامة إيمانكم ؟ قالوا : نشكر علي الرخاء , ونصبر علي البلاء , ونرضى بالقضاء , فقال الرسول صلى الله عليه وسلم :مؤمنون ورب الكعبة .
وانت ايها المسلم في كل تصرفاتك أو اغلبها لا ترضى ولا تصبر ولا تشكر. إن ضاق بك رزق يوما شققت الجيوب, ولطمت الخدود, علما بأن الرزق مضمون ومكفول , ولن تموت نفس حتى تستوفي أجلها ورزقها عند الله , فهل تريد الدنيا صافية بلا نصب ولا وصب ولا هم ولا غم ؟ كلا هي الدنيا. إن تركت هما فستحمل هما آخر, " لقد خلقنا الإنسان في كبد " فهل ثبت يا عبد الله إلى رشدك وقلت لنفسك أين الصبر؟ واين الثبات؟ وأين الإيمان ؟ وأين العقيدة ؟ أين الصبر علي المكاره وعلي مصائب الدنيا ونكبات الدهر,وكوارث الحياة.
فالصبر يا إخوتي أن تلجأ إلى الله, وتفوض كل شئ إلى الله , وأن تأخذ بالأسباب وتعتمد علي الله ,وترضى بحكمه ,وتعتقد ان ما أصابك لم يكن ليخطئك , وأن ما اخطأك لم يكن ليصيبك , وأن تعتصم بالإيمان والدين والثبات عند الفزع والسكينة والطمأنينة عند الجزع,وان تقول عند نزول المصائب : " إنا لله وإنا إليه راجعون" و " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا في كل أمور حياتنا وآخرتنا وان يرزقنا الصبر علي تقلبات الدهر وما تحمله الأيام من فتن وأن يجنبنا مزالق السوء برحمته إنه علي كل شئ قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته