مرة أخرى يختلف الشيخ الشعراوي مع الامام محمد عبده
الشيخ الشعراوي في خواطره حول الآية الكريمة
" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)" سورة الفيل
قد إختلف كثيراً مع الشيخ / محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني ومدرستهم
فقال
في قوله تعالى " فَعَلَ رَبُّكَ" رد على طائفة العقلانيين الذين أرادوا أن يستقبلوا أقعال الحق سبحانه وتعالى بقانون البشر ولذلك كانوا يردون كل شيىء لا يدخل تحت قانون البشر ولا معقول البشر ويحاولون أن يأولوه بما يخضع لقانون البشر وفكرهم وعقلهم وهذه المدرسة ظهرت طبعاً في أوائل النهضة الحديثة والتي من أشهر أئمتها الشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني حيث كانوا يكتبون في الأسلام بالغيبيات ،و الغيبيات مفهوم يقف حوله الناس كثيراً فالعقول المادية تريد أن تعزل الرسالات والنبوات عن مرسلها وتريد تفسير الأشياء بناموس البشر والكون.
فمثلا : قال الشيخ محمد عبده في الطير الأبابيل :إنها كانت الميكروبات والجدري وما أشبه ذلك والذي حمله على هذا القول أنه إستبعد أن تحمل الطيور حجارة ثم تنزل تلك الحجارة على هؤلاء الناس فتقتلهم !!!
وكذلك يقول : ففي الإسلام أشياء كثيرة حول سيرة الرسول والغيبيات ولا يصدقها العقل !!وبالتالي يردها ويقول : هذه أشياء لم تحدث بالفعل ويبدأ في تفسيرها تفسيراً عقلياً وذلك حتى يبعدوا الأمور الغيبية عن الإسلام وعزلوا عن حياة الرسول المعجزات وعزلوا اسرار الكون ونفوا كل الغيبيات وكل ما يخالف العقل البشري أو يخالف قانون أو فسروها تفاسيرً مادية عقلية بعيدة عن مدلولاتها
ولذلك يقول هيكل في كتاب الصلاة : أنا سأنهي المعجزات التي حدثت لرسول الله وأبعد الغيبيات وأبحث فيه كإنسان عبقري ... وظن أننا نُسر عندما يكون محمد صلى الله عليه وسلم هو القائد الأول للإنسانية أو محمد العبقري ، كلا .. إننا لا نريده قائداً أو عبقرياً
إنما يكفينا أن تقول : إنه رسول الله فقط ، لأنك عندما تقول : قائد عبقري فقد جعلته بإمكانية الإنسان العادي فتلغي عنه الغيبيات وأولها الوحي ثم المعجزات لكن عندما تقول : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد علمنا أنه قد أخذ إمكانياته من الحق فتكون قد أعطيته ملا هو أعلى من العبقرية والقيادة
والشيخ محمد عبده في مثل هذه السورة ، عندما قال في هذه الغيبيات ما قال ، نقول له : هل هذه الحادثة موثقة تاريخياً أما لا؟ فسيقول نعم ... موثقة تاريخياً ... ثم متى حدثت هذه الحادثة ؟ لقد حدثت في عام الفيل ، ذلك العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعد أربعين سنة من هذا العام ، وبعدما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة وتوالى نزول القرآن على أهل مكة ، كان هناك أناس أعمارهم خمسون أو ستون أو سبعون أو ثمانون أو تسعون ... ثم نزلت هذه السورة وقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وكان معظم القوم كافرين بها وحريصين على أن يكذبوه ولو علموا أن شيئاً مما نُزل عليه يمكن أن يُكذّب لما أدخروا في ذلك وسعاَ، فلما نزل قول الله " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)"
... فلو لم تكن هذه الحادثة عند أصحاب سن الخمسين والستين والسبعين كما نزل في القرآن لكان من الممكن أن يقولوا :إنها حادثة كاذبة ولكن لم يجنرىء أحد أن يقول هذا لأنهم رأوا بأعينهم هذه الطيور الأبابيل
والذي يدل على أن الحادثة وقعت أن العرب قبل الإسلام كانوا لا يعرفون الميكروب فالميكروب اكتشف في القرن السادس عشر او السابع عشر فاذا لم يكونوا قد عرفوا الميكروب ولم يعرفوا الطير الأبابيل بمدلوا الأبابيل وحجارة بمدلول حجارة وكعصف مأكول بمدلوله لكان من الممكن أن يُكذّب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأجيال العاقلة وأصحاب التجربة الذين رأوا الحادثة
وما داموا يكذبون بالغيبيات ويريدون أن يخضعوها لأسباب نواميس كونية وليس قوة غيبية تدخلت فنقول أن الميكروب – كما نعلم – له مدة حضانة في الجسم وليس مجرد أن ينزل ويصيب الجسم يؤثر في الجسم مرة واحدة بل له مدة حضانة في الجسم وليس مجرد أن ينزل ويصيب الجسم يؤثر في الجسم مرة واحدة بل له مدة حضانة كبيرة قد تكون اسبوعين وبعد ذلك يبقى الجسم حتى يموت وبعد ذلك يتعفن وبعد ذلك يتفتت وبعد وقت طويل يكون عصفاً مأكولاً فالمسألة تريد وقتاً طويلاً فأي ميكروب هذا الذي يوجه كالصاروخ ؟!!!!!!!!!!
المصدر : خواطر الشيخ الشعراوي
وفي النهاية أخي في الله كن دائماً من المسبحين ولا تشذ عن نغم الوجود في التسبيح حتى لا تكون شاذاً ، كي لا تكون الحيثية التي أعطيت لك – وهي الزيادة في الفكر – عائقاً لك عن أن تكون مع من هو أدنى منك ، فلا تكن نغمة شاذة في ذلك الوجود ، فالوجود كله مسبح " تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) " سورة الإسراء كما أذكركم بأن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى بملائكته المسبحة بقدسه، وثلّث بكم ـ أيها المؤمنون ـ من جنّه وإنسه، فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد
