تخريج حديث عبد الرحمن بن سمرة في رؤية النبي لنفع الأعمال يوم القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الحديث يروى مطولاً ومختصرا، وهو من رواية عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، وهو يروى عنه من طريق سعيد بن المسيب، ثم هو يروى عنه من خمسة طرق:
الطريق الأولى: من رواية علي بن زيد بن جدعان:
أخرجها ابن شاهين في (الترغيب في فضائل الأعمال رقم 526)، وابن حبان في (المجروحين رقم 1079)، وبحشل في (تاريخ واسط ج1/ص169)، وابن الجوزي في (العلل المتناهية رقم 1166)، والطبراني في (الدعاء رقم 1488، 1861) وفي (لأحاديث الطوال رقم 39)، والخرائطي في (مكارم الأخلاق رقم 54).
وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف.
وفي طريق ابن شاهين: مجاهيل.
وفي طريق ابن حبان وبحشل وابن الجوزي: مخلد بن عبد الواحد، قال عنه ابن حبان: منكر الحديث جدا ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات فبطل الاحتجاج به فيما وافقهم من الروايات. وذكر حديثا طويلا مشهورا تركت ذكره لشهرته.
قال ابن الجوزي: وهذا حديث لا يصح؛ فيه علي بن زيد قال أحمد ويحيى: ليس بشيء، وقال أبو زرعة: يهم ويخطئ. فاستحق الترك. وفيه: مخلد بن عبد الواحد؛ قال ابن حبان: منكر الحديث جدا ينفرد بمناكير لا تشبه أحاديث الثقات.
وفي طريق الطبراني: سليمان بن أحمد الواسطي، وهو ضعيف.
قال الهيثمي في (مجمع الزوائد ج7/ص179): رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي وكلاهما ضعيف.
الطريق الثانية: من رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله بن حرملة:
أخرجها الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول رقم 1329)، والأصبهاني في (الترغيب والترهيب رقم1682).
الطريق الثالثة: من رواية هلال أبو جبلة:
أخرجها ابن الجوزي في (البر والصلة رقم 73، 255) وفي (العلل المتناهية رقم 1165)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق ج34/ص406)، والخرائطي في (مكارم الأخلاق رقم 55).
قال ابن عساكر قبل روايته للحديث: ومن غرائب حديثه؛ فذكره.
قال ابن الجوزي: وهذا حديث لا يصح؛ ففيه هلال أبو جبلة وهو مجهول، وفيه الفرج بن فضالة قال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، لا يحل الاحتجاج به.
الطريق الرابعة: من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري:
أخرجها أبو نعيم في (طبقات المحدثين بأصبهان ج2/ص303) وفي (تاريخ أصبهان ج2/ص307).
وفيه يعقوب بن عبد الله الأشعري؛ لين.
وفيه ابنه نوح؛ مجهول الحال.
وفيه علي بن بشر الأصبهاني؛ ضعيف متهم بالوضع، وقال أبو نعيم: في حديثه نكارة.
قلت: وهناك طريق خامس من رواية عمرو بن ذر: أخرجها الطبراني في (المعجم الكبير) ولم أظفر بها في المطبوع.
قال الهيثمي: قال الهيثمي في (مجمع الزوائد ج7/ص179): رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي، وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي وكلاهما ضعيف.
*والحديث قد أورده العلامة الألباني في (ضعيف الجامع الصغير ج2/ص219 وما بعدها) وضعفه.
*كما أورده العلامة الإمام ابن القيم في (الوابل الصيب ص112) وقال: وفي هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه، رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب (الترغيب في الخصال المنجية والترهيب من الخلال المردية) وبنى كتابه عليه، وجعله شرحا له، وقال: هذا حديث حسن جدا.
رواه عن سعيد بن المسيب عمرو بن ذر وعلي بن زيد بن جدعان وهلال أبو جبلة.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شان هذا الحديث، وبلغني عنه أنه كان يقول: شواهد الصحة عليه.
*كما أورده أيضا في كتاب (الروح ص224) وقال: وقد جاء فيما ينجي من عذاب القبر حديث فيه الشفاء، رواه أبو موسى المديني، وبين علته في كتابه في (الترغيب والترهيب) وجعله شرحا له.
رواه من حديث الفرج بن فضالة، حدثنا هلال أبو جبلة، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال:..؛ فذكر الحديث.
قال الحافظ أبو موسى: هذا حديث حسن جدا، رواه عن سعيد بن المسيب وعمر بن ذر وعلى بن زيد بن جدعان.
وراوي هذا الحديث عن ابن المسيب هلال أبو جبلة: مدني لا يعرف بغير هذا الحديث، ذكره ابن أبى حاتم عن أبيه هكذا، وذكره الحاكم أبو أحمد والحاكم أبو عبد الله؛ أبو جبل بلا هاء، وحكياه عن مسلم.
وراويه عنه الفرج بن فضالة؛ وهو وسط في الرواية ليس بالقوى ولا المتروك.
وراويه عنه بشر بن الوليد الفقيه المعروف بابن الخطيب كان حسن المذهب جميل الطريقة.
وسمعت شيخ الإسلام يعظم أمر هذا الحديث وقال: أصول السنة تشهد له، وهو من أحسن الأحاديث.
قلت: ومرادهم بالحسن هنا: الحسن اللغوي لا الاصطلاحي. كما أفاده الشيخ محمد عوامة.
*قال المناوي في (فيض القدير ج3/ص25):
قال جمع من الأعلام: وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام، فينبغي حفظه واستحضاره والعمل عليه مع الإخلاص، فإنه الذي فيه الخلاص. وقال ابن القيم: كان شيخنا يعظم أمر هذا الحديث ويفخم شأنه ويعجب به ويقول: أصول السنة تشهد له ورونق كلام النبوة يلوح عليه.
وهو من أحسن الأحاديث الطوال، ليس من دأب المصنف إيرادها في هذا الكتاب لكنه لكثرة فوائده وجموم فرائده وأخذه بالقلوب اقتحم مخالفة طريقته فأورده إعجابا بحسنه وحرصا على النفع به، ولهذا لما أورده الديلمي في الفردوس استشعر الاعتراض على نفسه فاعتذر بنحو ذلك.
تنبيه: قال القرطبي وغيره: هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمالا خاصة تنجي من أحوال خاصة. قال: لكن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الواردة في نفع الأعمال لمن أخلص لله في عمله، وصدق الله في قوله وفعله، وأحسن نيته له في سره وجهره، فهو الذي تكون أعماله حجة له أو دافعة عنه مخلصة إياه، فلا تعارض بين هذا الحديث وبين أخبار أخر، فإن الناس مختلفو الحال في خلوص الأعمال.
وعزاه الحافظ العراقي أيضا إلى الخرائطي في الأخلاق قال وسنده ضعيف انتهى وقال ابن الجوزي بعد ما أورده من طريقيه هذا الحديث لا يصح لكن قال ابن تيمية أصول السنة تشهد له وإذا تتبعت متفرقات شواهده رأيت منها كثيرا. انتهى
وممن أخرجه ولم أظفر بروايتهم: الديلمي في (مسند الفردوس)، وابن شاذان في (مشيخته)، والطبراني في (المعجم الكبير)، والتيمي كما عند السخاوي في (القول البديع ص265)، وأبو يعلى في (إبطال التأويلات لأخبار الصفات)، والباغبان في (فوائده) عن أبي عمرو بن مندة؛ بسنده إلى مجاهد عن عبد الرحمن بن سمرة، وقال: غريب.
قلت: وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة (مصنف عبد الرزاق رقم 6703). وكعب الأحبار (التذكرة للقرطبي1/405). ومن حديث ثابت البناني (الحلية 2/325، 6/189). ومن حديث يزيد الرقاشي (تاريخ بغداد 3/420) و (تاريخ دمشق 65/88).
خلاصة درجة الحديث: أنه حديث حسن لغيره.
والحمد لله الذي بتمامه تتم الصالحات.