مشاركة: المسيح عليه السلام
هل صلب المسيح ؟ أو من هو الذي صلب ؟
لفترة طويلة اعتبرت أن مسألة هل صلب المسيح من عدمه خلاف تاريخي ، يدخل الحديث فيه ضمن السفسطة . ولكن إذ تبين لي أنه من صلب العقيدة المسيحية ، إذ يعتقد المسيحيون أنه قدم نفسه مختارا للصلب تكفيرا عن ذنوبهم السابقة واللاحقة !! أصبح للحديث عنه أهمية دينية .ولنتدارس هذا الأمر وجب دراسة عدة مسائل :
ا ـ النبوءات التي تناولت هذا الحدث .
ب ـ الروايات المختلفة للحدث .
ج ـ دوافع الحدث ورغبة المصلوب في صلبه .
د ـ هل يمكن أن يحمل ابن مريم ذنوب الآخرين ؟
هـ ـ النتيجة التي نصل إليها .
ا ـ النبوءات التي تناولت هذا الحدث : في مزمور 2:2-6 " قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه قائلين لنقطع قيودهما ولنطرح عنا ربطهما . الساكن في السموات يضحك الرب يستهزيء بهم حينئذ يتكلم عليهم بغضبه و يرجفهم بغيظه أما أنا فقد مسحت ملكي على جبل صهيون جبل قدسي " والواضح من أناجيل المسيحيين ومن إنجيل برنابا أنه كان هناك تآمر بين هيرودس الملك ورؤساء الكهنة على المسيح ، وهم المعنيين بقوله "الرؤساء " ولكن أناجيل المسيحيين لم توضح كيف استهزأ بهم الرب . وفي مزمور 18 :50 "برج خلاص لملكه والصانع رحمة لمسيحه " . وفي مزمور 20 : 6-9 " الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه يستجبيه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه . هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وانتصبنا يا رب خلص " وتعني كلمة يستجبي أي يرسل ليحضره وهو نفس معنى كلمة يتوفى وفى الموت يتوفى الله الأنفس أما فى قوله تعالى فى القرآن الكريم "متوفيك" فمعناها أن الله أستحضره بجسده ونفسه.وفى مزمور28 :1-8 “إليك يارب أصرخ يا صخرتى لا تتصامم من جهتى لئلا تسكت عنى فأشبه الهابطين فى الجب أستمع صوت تضرعى إذ أستغيث بك وأرفع يدى إلى محراب قدسك. لا تجذبنى مع الأشرار ومع فعلة الإثم المخاطبين أصحابهم بالسلام والشر فى قلوبهم.أعطهم حسب فعلهم وحسب شر أعمالهم.حسب صنع أيديهم أعطهم رد عليهم معاملتهم ...الرب عز لهم وحصن خلاص مسيحه هو "ولم تبين أناجيل المسيحيين كيف رد فعل المتآمرين على المسيح لنحورهم وكيف أعطوا حسب فعلهم وكيف ردت عليهم معاملتهم"وتكرر نفس المعنىفى مزمور 9 :13-16 ارحمنى يارب أنظر مذلتى من مبغضى يا رافعى من أبواب الموت لكى أحدث بكل تسابيحك فى أبواب ابنة صهيون مبتهجا بخلاصك تورطت الأمم فى الحفرة التى عملوها فى الشبكة التى أخفوها انتشبت أرجلهم معروف هو الرب قضاء أمضى الشريريعلق بعمل يديه ".
وفى إنجيل متى 4: 6 ،7 حوار تم بين إبليس (المجرب القديم،الشيطان)وبين المسيح عليه السلام فيه قول الشيطان "لأنه مكتوب أنه يوصى ملائكته بك فعلى أيديهم يحملونك حتى لا تصدم بحجر رجلك .فقال له يسوع مكتوب أيضا لا تجرب الرب إلهك"ونحوها فى لوقا 4 :9-12 ويعنى هذا المسيح عليه السلام أكد أن هذه النبوءة تشير إليه تلك التى وردت فى مزمور 91: 1-16 "أقول للرب ملجإى وحصنى إلهى فاتكل عليه ..الساكن فى ستر العلى فى ظل القدير يبيت..يسقط عن جانبك ألف وربوات عن يمينك إليك لايقرب.إنما بعينيك تنظر وترىمجازاة الأشرار لأنك قلت أنت يارب ملجإى.جعلت العلى مسكنك لا يلاقيك شرولاتدنو ضربة من خيمتك لأنه يوصى ملائكته بك لكى يحفظوك فى كل طرقك علىالأيدى يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك..أرفعه لأنه عرف اسمى يدعونىفاستجيب له معه أنا فى الضيق أنقذه وأمجده من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصى ."أما إنجيل برنابا فقد ذكر رعاية الملائكة له كوحى أوحى إليه قبل صيام الأربعين يوما " لا تخف يايسوع لأن ألف ألف من الذين يسكنون فوق السماء يحرسون ثيابك.ولا تموت حتى يكمل كل شىء ويمسى العالم على وشك النهاية".ماذا تقول نبوءات داوود عليه السلام؟أنها تقول أن الله يخلصه،يستهزىء بمناوئيه يحفظه من كل شرور الكافرين،يرفعه،يجعل العلى مسكنه،يبيت فى ظل القدير،يطيل عمره(من طول الأيام أشبعه)،بعينيه يرى مجازاة الأشرار،يريه خلاصه.هل يتفق هذا مع ما ترويه أناجيل المسيحيين عن نهايته المفجعة بالصلب عن عمر يقرب من ثلاثة وثلاثون سنة؟أما رواية إنجيل برنابا فإنها تتفق مع كل هذه النبوءات فقد خلصه الله(مزمور18 :50 ،مزمور20 :6،مزمور28 :8)"ولا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك لأنه يوصى ملائكته بك لكى يحفظوك فى كل طرقك"وأنقذه من الموت صلبا فى وسط المجرمين "فأشبه الهابطين فى الجب"وألقى شبهه على يهوذا الأسخريوطى الذى تآمر مع الكهنة عليه فصلب مكانه "تورطت الأمم فى الحفرة التى عملوها فى الشبكة التى أخفوها انتشبت أرجلهم معروف هو الرب قضاء أمضى الشرير يعلق بعمل يديه "و "أعطهم حسب فعلهم وحسب شر أعمالهم .حسب صنع أيديهم أعطهم رد عليهم معاملتهم"،وما يعنيه هذا من أستهزاء بمن تآمروا عليه فقد صلبوا صاحبهم الذى دلهم عليه.ورفع الله المسيح إلى السموات"يرفعه يجعل العلى مسكنه"و"ويستجيبه من سماء قدسه"وأنه حدث تلاميذه بعد خلاصه من الصلب بما حدث له "أحدث بكل تسابيحك مبتهجا بخلاصك"حيث سيظل هناك إلى ما قبل يوم القيامة"من طول الأيام أشبعه"حيث يعود ويشهد نهاية الأشرار.
ب-الروايات المختلفة للحدث
تناول الفرقان(القرآن الكريم)هذا الحدث بإيجاز فى قوله تعالى:"وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا "(النساء:157 )ويستفاد من قوله تعالى أن اليهود كانوا يعلمون أنه رسول الله ومع هذا سعوا لقتله ولكن الله سخر بهم وأحبط فعلهم.وقوله تعالى"وماقتلوه" ترد على بدعةجديدة نشأت في نهايات القرن العشرين الميلادي مفادها أن المسيح مات من الضرب ولم يبق ليكابد الصلب .وهي خاصية في القرآن الكريم نظرا لخلوده فكثيرا ما يرد على أمور لم تكن موجودة عند نزوله منذ أكثر من أربعة عشر قرنا.
أما إنجيل برنابا فقد أشار إلى الحدث قبل أن يحدث بذكر النبوءات التي تناولته، وبنبوءات قالها المسيح عليه السلام بنفسه، فبعد أول خطاب من المسيح لشعب إسرائيل شعر عليه السلام ببغض الكهنة والكتبة له فصلى لله قائلا " يا رب إني عالم أن الكهنة يبغضونني والكهنة مصممون على قتلي أنا عبدك ..اسمع برحمة صلوات عبدك وأنقذني من حبائلهم لأنك أنت خلاصي "... ولما أتم يسوع هذه الكلمات إذا بالملاك جبريل قد جاء إليه قائلا " لا تخف يا يسوع لأن ألف ألف من الذين يسكنون فوق السماء يحرسون ثيابك ولا تموت حتى يكمل كل شيء ويمسي العالم على وشك النهاية“ (فصل 13 :1 -11 ) ، وبعد أن اختار تلاميذه أوحى الله له أن أحدهم كافر فقال " يا رب ما هذا ؟ إني قد اخترت إثنى عشر فكان واحد منهم شيطانا "( فصل 19 :1 -8 ).
وفي فصل 112 :8 - 22 "من إنجيل برنابا " أجاب يسوع صدقني يا برنابا إنني لا أقدر أن أبكي قدر ما يجب علي. لأنه لو لم يدعني الناس إلها لكنت عاينت الله هنا كما يعاين الله في الجنة ولكنت أمنت خشية يوم الدين ... فاعلم يا برنابا إنه لأجل هذا يجب علي التحفظ وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة من نقود. وعليه فإني على يقين من أن من يبيعني يقتل باسمي .لأن الله سيصعدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إياي . ومع ذلك فإنه لما يموت شر ميتة أمكث في ذلك العار زمنا طويلا في العالم . ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة . وسيفعل الله هذا لأني اعترفت بحقيقة مسيا الذي سيعطيني هذا الجزاء أي أن أعرف أني حي وأني بريء من وصمة تلك الميتة.فأجاب من يكتب " يا معلم قل لي من هو ذلك التعيس لأني أود أن أميته خنقا" .أجاب يسوع :" صه فإن الله يريد هكذا ولا يمكن أن يفعل غير ذلك . ولكن متى حلت هذه النازلة بأمي فقل لها الحق لكي تتعزى" . حينئذ أجاب من يكتب " إني لفاعل ذلك يا معلم إن شاء الله ."." ويقصد بكلمة "من يكتب "هنا برنابا .
وفي فصل 198 :12 -17 يقول المسيح عليه السلام " عساني أنال من الله قصاصا في هذا العالم لأني لم أخدمه بإخلاص كما كان يجب على أن أفعل . ولكن الله أحبني برحمته حتى أن كل عقوبة رفعت عني بحيث أني أعذب في شخص آخر فإني كنت أهلا للقصاص لأن البشر دعوني إلها . ولكن لما كنت قد اعترفت له بأني لست إلها فقط كما هو الحق بل اعترفت أيضا أني لست مسيا فقد رفع الله لذلك العقوبة عني وسيجعل شريرا يكابدها باسمي حتى لا يبقى منها لي سوى العار ".
وفي فصل 205 :1 -8 من إنجيل برنابا " إذا بمريم قد دخلت البيت ..ثم كسرت إناء وسكبت الطيب على رأس يسوع وثوبه . فلما رأى هذا يهوذا الخائن أراد أن يمنع مريم عن القيام بعمل كهذا ... أجاب يسوع " يا يهوذا إني لعارف قلبك فاصبر أعطك الكل .. ولكن يهوذا حنق لأنه علم أنه خاسر ثلاثين قطعة من النقود لأجل الطيب الذي لم يبع .لأنه كان يختلس العشر من كل ما كان يعطى ليسوع.فذهب ليرى رئيس الكهنة ...قائلا : ماذا تعطوني وأنا أسلم إلى أيديكم يسوع ...". أما إنجيلي متى (26 :8 -15 ) ومرقس (14 :3 -10 ) فقد قالا بأن جميع التلاميذ اغتاظوا ، ولكن تلا ذلك مباشرة ذهاب يهوذا للتواطؤ مع الكهنة . ولم يربط إنجيل لوقا أي صلة بين سكب العطر وغضب يهوذا أو ذهابه إلى رئيس الكهنة . ولكن إنجيل يوحنا 12 :3 -6 يكاد يتفق مع رواية برنابا يقول " فأخذت مريم منا من طيب ..ودهنت قدمي يسوع .. فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا سمعان الإسخريوطي المزمع أن يسلمه لماذا لم يبع هذا الطيب بثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء قال هذا ليس لأنه كان يبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقا وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يلقى فيه .."
وفي فصل 210 :28 - 30 ".. حينئذ خاف الوالي مجلس الشيوخ وصالح هيرودس وكانا قبل هذا قد أبغض أحدهما الآخر إلى الموت واتحدا معا على إماتة يسوع وقالا لرئيس الكهنة : متى علمت أين الأثيم فارسل إلينا نعطك جنودا " وقد عمل هذا لتتم نبوءة داود الذي أنبأ بيسوع نبي إسرائيل قائلا " اتحد أمراء الأرض وملوكها على قدوس إسرائيل لأنه نادى بخلاص العالم ".وقد سبق ذكر نص هذه النبوءةكما هي في سفر المزامير.
وفي فصل 213 :3 -11 " فتهلل من ثم يسوع بالروح قائلا :" تبارك إسمك القدوس يا رب لأنك لم تفرزني من عدد خدمتك الذين اضطهدهم وقتلهم العالم ..ثم التفت إلى يهوذا وقال له : "يا صديق لماذا تتأخر ؟إن وقتي قد دنا فاذهب وافعل ما يجب أن تفعله " فظن التلاميذ أن يسوع أرسل يهوذا يشتري شيئا ليوم الفصح .ولكن يسوع عرف أن يهوذا كان على وشك تسليمه. ولذلك قال هكذا لأنه كان يحب الإنصراف من العالم .أجاب يهوذا :" تمهل علي يا سيدي حتى آكل ثم أذهب " فقال يسوع :" لنأكل لأني اشتهيت جدا أن آكل هذا الحمل قبل أن أنصرف عنكم ". وهو هنا يشير إلى يهوذا والذي يعد قربانا قدمه المسيح لله ، ويستكمل المسيح الحديث (نفس الفصل :20 - 29 )قائلا ".. لقد غسلتكم ولكن مع ذلك لستم كلكم طاهرين .لأن ماء البحر لا يطهر من لا يصدقني" قال هذا يسوع لأنه علم من سيسلمه .فحزن التلاميذ لهذه الكلمات. فقال يسوع أيضا :" الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني فأباع كخروف . ولكن ويل له لأنه سيتم كل ما قال داود أبونا عنه إنه "سيسقط في الهوة التي أعدها للآخرين " فنظر من ثم التلاميذ بعضهم لبعض قائلين بحزن:" من سيكون الخائن؟" فقال حينئذ يهوذا " أ أنا هو يا معلم ؟" أجاب يسوع لقد قلت لي من هو الذي يسلمني " أما الأحد عشر رسولا فلم يسمعوه ."
أما إنجيل متى 26 :17 -45 فيصف هذه الواقعة ".. واحد منكم يسلمني .. وقال الذي يغمس يده في الصفحة هو يسلمني .. فأجاب يهوذا مسلمه وقال أنا هو يا سيدي قال أنت قلت ..". وفي إنجيل مرقس 14 :12 -41 يحكي هذه القصة " الحق أقول لكم إن واحدا منكم يسلمني الآكل معي ". وفي إنجيل لوقا 22 :7 -46 " ولما كانت الساعة اتكأ والإثنى عشر رسولا معه .. ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة .. ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه ". ولم تبين هذه الأناجيل الثلاثة متى انصرف يهوذا .وفي إنجيل يوحنا 13 :1 -28 " فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا أن يسلمه .. وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ وقال ..وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم لأنه عرف مسلمه .. الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون في من قال عنه .. أجاب يسوع هو ذلك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي فبعد اللقمة دخله الشيطان فقال يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة وأما هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به ".ونتساءل متى دخل الشيطان قلب يهوذا قبل العشاء أم بعد اللقمة أم قبل ذلك عندما تآمر مع رؤساء الكهنة ؟ وإذا كان التلاميذ قد عرفوه لأنه أكل هذه اللقمة أنه الخائن فكيف تركوه ولم يحاولوا قتله ؟وهذا العشاء معروف باسم العشاء الأخير لدى المسيحيين .
وفى فصل 215 من إنجيل برنابا"ولما دنت الجنود مع يهوذا من المحل الذى كان فيه يسوع سمع يسوع دنو جمع غفير. فلذلك انسحب إلى البيت خائفا. وكان الأحد عشر نياما. فلما رأى الله الخطر على عبده أمر جبريل ومخائيل ورفائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم.فجاء الملائكة الأطهار وأخذوا يسوع من النافذة المشرفة على الجنوب .فحملوه ووضعوه فى السماء الثالثة فى صحبة الملائكة التى تسبح الله إلى الأبد .
وفى الفصل 216 "ودخل يهوذا بعنف إلىالغرفة التى أصعد منها يسوع.وكان التلاميذ نياما.فأتى الله العجيب بأمر عجيب.فتغير يهوذا فى النطق وفى الوجه فصار شبها بيسوع حتى أننا أعتقدنا أنه يسوع.أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتش لينظر أين كان المعلم.ولذلك تعجبنا وأجبنا "أنت يا سيد هو معلمنا أنسيتنا الآن؟ أما هو فقال مبتسما:"هل أنتم أغبياء حتى لا تعرفون يهوذا الاسخريوطى"وبينما كان يقول هذا دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا لأنه كان شبيها بيسوع من كل وجه"وهنا يتبين كيف تمت النبوءات بأن الشرير يقع فىعمل يديه، وهو ما لم توضحه النبوءات .ولم يذكر غير إنجيل برنابا أن المسيح قد تنبأ بهذا (فصل198 :13 ) أما أناجيل المسيحيين فتصف كيف هاجم الجند المسيح (حسب ظنهم) بعد أن دلهم عليه يهوذا إذ قبله وجعل ذلك علامة بينه وبين الجنود -فيما عدا إنجيل يوحنا الذى لم يذكر هذه القبلة،ونتساءل هل يعقل أن هناك من لم يعرفه بعد ما أنجز من معجزات بإذن الله وما وجهه للجموع من خطب حتى يحتاج الأمر لمنح علامة للذين يريدون القبض عليه؟ -وقبضوا عليه واقتادوه إلىالكهنة ثم إلى بيلاطس ثم إلى هيرودس الذى رده إلى بيلاطس ثم كيف اقتيد إلى الصلب (متى 26 :47-75 ومتى27ومرقس14: 43-72 ومرقس15 :1-23 ولوقا 22 :47-71 ولوقا23: 1-32 ويوحنا 18 :2-20 ويوحنا 19 :1-22 )ويروى إنجيل برنابا ما حدث منذ القبض على يهوذا حتى قيد إلى الصلب فى فصل 217: 1-78 باعتبار أن المقبوض عليه هو يهوذا ويختلف عن أناجيل المسيحيين بناء على ذلك الحوار بينه وبين الكهنة والوالى والملك ،وسنذكر طرفا من هذا الحوار فيما بعد .ومات المصلوب وورد ذلك صراحة فى أناجيل المسيحيين ففى متى 27: 50"فصرخ يسوع أيضا بصوت عظيم وأسلم الروح"وفى إنجيل مرقس 15: 44"فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعا "وفى إنجيل لوقا 23: 46 "ولما قال هذا أسلم الروح "وفى إنجيل يوحنا 19: 33 "أما يسوع فلما جاءوا إليه فلم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه مات "وتتبادر للذهن أسئلة منها :لمن أسلم الروح؟وإذا كان يسوع هو المصلوب ألا يدل ذلك على أنه ليس إلها ؟ فالله حي لا يموت وكون المسيح قد قام من الأموات على ما يقولون لا ينفى أنه قد مات فهو بالتأكيد ليس إلها لأن الإله لا يموت وإلا هلك العالم كله لأن الإله هو الذى يحفظه ويستحيل أن يحافظ عليه وهو ميت ،تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .وكل البشر سيقومون من الموت .وقد أقام الله عددا لا بأس به على يدى أنبيائه فى الحياة الدنيا . ونتساءل أيضا من أقام المسيح من الأموات إن كان قد مات فيستحيل أنه هو الذى أقام نفسه من الموت ؟
وقد ورد فى إنجيل برنابا فصل 217: 87، 88 فى حديثه عن المصلوب بعد موته أنه دفن فى القبر الجديد ليوسف وهو من الرامة"فأنزلوه من ثم عن الصليب ببكاء لا يصدقه أحد ودفنوه فى القبر الجديد ليوسف "وهو فى ذلك يتفق مع ما جاء فى إنجيل متى 27: 57- 60 "جاء رجل غنى من الرامة اسمه يوسف ...وطلب جسد يسوع فأخذ يوسف الجسد ... ووضعه فى قبره الجديد الذى كان قد نحته فى الصخرة "وإنجيل مرقس15: 43- 46"جاء يوسف الذى من الرامة مشير شريف ...وطلب جسد يسوع ...و..وهب الجسد ليوسف ...ووضعه فى قبركان منحوتا في صخرة" وإنجيل لوقا 23 :50 -53 "وإذا رجل اسمه يوسف وهو من الرامة مدينة لليهود وطلب جسد يسوع ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد قد وضع قط . وإنجيل يوحنا 19: 38 -42 “ثم إن يوسف الذى من الرامة ... فجاء وأخذ جسد يسوع ...وفى البستان قبر جديد لم يوضع فيه أحد قط فهناك وضع يسوع “ويشير هذا إلى أن واقعة الصلب حدثت فى الرامة فمن المنطقي أن يجعل الشخص مقبرته بالقرب من مكان إقامته وكونه قبر جديد يدل على أن ذلك كان محل إقامته الذي عاصر الأحداث وقد تم الدفن فيه لقربه من مكانها . وهنا فقط تمت النبوءة “ صوت سمع في الرامة نوح بكاء مر . راحيل تبكي على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين “ (أرميا 31 : 15 ) فواضح من النبوءة أن مكان النواح هو الرامة وليس بيت لحم . هذا مع أن إنجيل برنابا فصل 8 :9 هو وإنجيل متى 2 :18 قد بيّنا أن تحقق هذه النبوءة تم عندما قتل هيرودس أطفال بيت لحم المولودين حديثا ظنا منه أنه بذلك قد قتل المسيح (ملك اليهود ) صحيح أن المسيح عليه السلام قد نجا من هذه المذبحة ولكن مات من أبناء "راحيل " كثيرون فلها والحال كذلك أن تنوح وتولول . ومن الغريب أن هذه النبوءة ذكرت راحيل وهي أم يوسف (عليه السلام ) وبنيامين ولم تذكر ليئة أم يهوذا والذي يفترض المسيحيون أن المسيح من نسله فينعتونه بابن داود ، وداود من نسل يهوذا ابن يعقوب من زوجته ليئة . كما أن باقي نبوءة أرميا تشير إلى إفرايم ابن يوسف (عليه السلام ) وإلى عذراء إسرائيل وإن كانت تصفها بما لا يليق أن توصف به مريم (عليها رضوان الله ) مما يجعلنا نشك في صياغتها.
فبينما يقول إنجيل برنابا أن يهوذا الإسخريوطي قد صلب على أنه المسيح بعد أن ألقي عليه شبه المسيح حتى لم يشك أحد أنه هو بما فيهم تلاميذه وأمه عليها رضوان الله ، ذلك الشبة الذي جعل تلميذه برنابا ينسى ما كان قد أخبره به من أن شخصا آخر سيعذب باسمه (198 :13 ) ، فإن إنجيل متى 27 :3 -5 يقول عن نهاية يهوذا " لما رأى يهوذا ..ندم و رد الثلاثين فضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلا قد أخطأت إذ أسلمت دما بريئا ... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه .فأخذ رؤساء الكهنة الفضة .. واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم "، أي أنه انتحر شنقا وأن رؤساء الكهنة هم الذين اشتروا حقل الفخاري وذلك يتناقض مع ما جاء في أعمال الرسل 1 : 16 -19 ".. يهوذا الذي صار دليلا للذين قبضوا على يسوع .. فإن هذا إقتنى حقلا من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها .. حتى دعي هذا الحقل في لغتهم حقل دما أي حقل دم "، أي أن يهوذا هو الذي إشترى الحقل وأنه رغما عنه وقع على وجهه فشقت بطنه وليس أنفه أو جبهته ومات . ويدل هذا التناقض على غموض نهاية يهوذا وباحتمال أن تكون هناك نهاية أخرى له غير هذه وتلك مثل تلك الموصوفة بإنجيل برنابا .
ويذكر إنجيل برنابا أن تلاميذ المسيح الذين لا يخافون الله قد سرقوا جثة يهوذا وادعوا أن المسيح قد قام من الأموات (فصل218 :3 ) .وفي أناجيل المسيحيين أنه قام من الأموات وسنعرض لهذه المسألة فيما بعد .
كما يذكر إنجيل برنابا أن المسيح عليه السلام رجا الله أن يعيده إلى الأرض ليقدم السلوى لأمه وتلاميذه ، وليوضح لهم حقيقة ما حدث (219 :2 -17 ، وفصل220 وفصل 221 )، ومنها يتبين أنه لم يتم توضيح ما حدث إلا لعدد قليل لا يعدو 70 شخصا هم التلاميذ الأحد عشر وأمه ونيقوديموس وجزء من الإثنان وسبعون تلميذا . لهذا وكما تنبأ المسيح في إنجيل برنابا سيظل في عار أنه صلب مع المجرمين حتى يأتي رسول الله ، ففي القرآن الكريم أنه شبه لهم (النساء :157 ) وهو ما يزيل اللبس الذي حدث وإن لم يؤمن بذلك كل البشر . فما زال اليهود يعتقدون أنه مات ولم يقم من الأموات وأنه في الجحيم .كما ترى أناجيل المسيحيين أن المسيح قد قام من الأموات وقابل تلاميذه المخلصين على ما ورد في إنجيل متى 28 :9 -17 وفي إنجيل مرقس 16 :1 -15 ،وفي إنجيل لوقا 24 : 1 -50 ، وأضاف إنجيل يوحنا عنها تفصيلات كثيرة في الإصحاحين 20 ،21 منها "أما توما .. فقال لهم إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أومن ..ثم قال لتوما هات إصبعك إلى هنا وابصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي " والسؤال هل توضع المسامير في جنب المصلوب حتى أنه يريد أن يرى أثرها؟ لقد صلب المصلوب على صليب وليس على لوحة عريضة حتى يمكن أن يدق في جنبه مسامير لتثبيته بها.وفي إنجيل لوقا 24 :45 ،46 " حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب .وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" ولم أجد في العهد القديم أي إشارة إلى مثل هذه النبوءة.
وفي إنجيل برنابا فصل 221 :24 أنه بعد هذا اللقاء ارتفع أمام أعينهم إلى السماء ، وقد شاركه في هذا إنجيلي مرقس 16 :19 ولوقا 24 :51 .أما إنجيل يوحنا ففي الإصحاح 20 :17 قال موجها حديثه لمريم المجدلية " قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي بل إمضي إلى إخوتي وقولي لهم إني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم " والمقصود بإخوته تلاميذه الذين آمنوا به ، أي أنه منعها من لمسه وأنهم لم يروا صعوده والذي لم يبين متى كان .
ج ـ دوافع الحدث ورغبة المصلوب فى صلبه
أشارت النبوءات إلى أن عيسى هو ذلك الموصوف فيها بأنه سيصير ملكا لليهود (يولد من عذراء-فى بيت لحم ..) وقد علم ذلك كل شعب إسرائيل بما فيهم رجال الدين(الكهنة الكتبة الفريسيين)،كما علمه الرومان الذين كانوا يحتلون فلسطين عندئذ ورغب هيرودس الأب فى قتله ولكنه فشل وها هو قد عاد وبدأ يبشر جموع بنى إسرائيل الذين وجدوا فى خطابه شيئا مختلفا عما أعتادوا سماعه من رجال دينهم ذلك أنه كان يتحدث من القلب وأنه لم يطلب منهم أجرا كما أعتاد رجال دينهم ، يخاطب عقولهم ويوضح لهم ما خفى عليهم من أمور دينهم ،محذرا إياهم من النفاق والمنافقين . وأدرك رجال دينهم أنهم المقصودين في خطابه بلفظ المنافقين ،ولم يجدوا ما يستطيعون مواجهته به فها هو يقوم بكل ما أمرت به الكتب من وصايا وإن لم يهتم بالشكليات وإنما عني بالمعنى ،وقد لاحظوا عدم اهتمامه بحفظ السبت وهو الذين كانوا يقدسونه بدون وعى ،وأفهمهم أن عمل الخير واجب فى جميع الأيام ،وأن ما حرم فقط هو الأعمال الدنيوية ،وهو إنما فعل ذلك بناء على وحى الله فقد حرم السبت على اليهود لعصيانهم الله فيه ولقولهم أن الله استراح في السبت ، فإن عادوا للإيمان بالله انتفى السبب الذي من أجله حرم عليهم فيه العمل . وكان معنى تركه وشأنه اعترافا من الكهنة بصحة ما يقول وبالتالي فقدهم احترام الشعب لهم والذي فاق الحدود حتى أن كلامهم كان موثوقا به عندهم أكثر من كلام الله جل وعلا ، فهم إذا سيفقدون مصدر عيشهم. ولكن ما فعله الله من معجزات على يديه جعلهم يخشونه ،ويخشون مواجهة الشعب لهم إذا هم قاوموه علانية .لذا لجأوا للكيد له ومهاجمته سرا، ولكن ما فعلوه لم يزد شعب إسرائيل إلا تمسكا به فيما عدا من يسيرون في ركابهم من ذات سبطهم (سبط يهوذا ). فهداهم شيطانهم إلى الإستعانة بالرومان عليه بدعوى أنهم يريدون المحافظة على ملكهم إذ أن النبوءات تقول أنه سيملك على بني إسرائيل (إسرائيل )، فعليه لا بد من قتله حتى لا تنفذ النبوءة .ونسوا أن ما يقوله الله لا بد أن ينفذ ـ وسينفذ بإذن الله عندما سيعود عليه السلام ـ. هكذا تجمعت خيوط المؤامرة وبدأ التآمر.ولكن كيف تنفذ الجريمة وبدون مواجهة الشعب ؟ هنا احتاج الأمر إلى خائن يدلهم على مكان وجوده وهو في خلوة مع تلاميذه ،وقد وجدوا ضالتهم في يهوذا الإسخريوطي والذي حنق على المسيح عليه السلام إذ تسبب في فقده ثلاثين دينارا كان سيحصل عليها لو لم تسكب مريم المجدلية العطر والذي يقدر ثمنه بثلاثمائة دينارا على المسيح ،فاعتبر هذا الرقم ثلاثون دينارا ثمنا لرأس المسيح ، وهكذا تمت حلقة التآمر .
ولتبرير ما ينوون فعله ـ وربما بعدما فعلوا فعلتهم والتي أحبطها الله رغما عنهم ـ قالوا أن المسيح كان يرغب في تقديم نفسه أضحية "فقال لهم أحد منهم وهو قيافا كان رئيسا للكهنة في تلك السنة لستم تعرفون شيئا ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها ولم يقل هذا من نفسه بل إذ كان رئيسا للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة "(يوحنا 11 :49 -51 ) ويتبين من ذلك من هو صاحب هذه النبوءة !! إنه رئيس الكهنة الذي قال فيه المسيح ما قال ونعته بالنفاق وبكل ما هو معيب إذا به نبي يتنبأ وتصدق نبوءته !!! والحقيقة أنه طبقا لتقاليدهم فإن قتل المرتد عن الدين يعتبر كفارة عن الشعب ، وهم يظنون ويا لهول ما ظنوا أن المسيح (عليه السلام ) مرتد عن دين إبراهيم وموسى (عليهما السلام ) فالمراد من قول رئيس كهنتهم إذا أنه يريد تقديم المسيح قربانا عن الشعب في عيد الفصح من تلك السنة . بل ونسبوا إلى المسيح قوله " وسيتم كل ماهو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان لأنه يسلم إلى الأمم ويستهزأ به ويشتم ويتفل عليه ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم وأما هم (تلاميذ المسيح ) فلم يفهموا من ذلك شيئا وكان هذا الأمر مخفي عنهم ولم يعلموا ما قيل "(لوقا 18 :31 -34 ) ولا توجد نبوءة بهذا المعنى أو بلفظها في كل العهد القديم الموجود حاليا على الأقل .كما يرى البعض أن ما أورده إنجيل متى 12 :38 -40 عن لسان المسيح " جيل شرير يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاثة ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاثة ليالي "هي أيضا إضافة للإيهام بأن المسيح قد تنبأ بموته وخاصة وهي تناقض ما جاء في مرقس 8 :11 ،12 والعديد من المعجزات التي فعلها بإذن الله .ولم يكن المسيح يطلب الموت فإنه في متى 26 : 36 - 42 ورد قول المسيح " اجلسوا ها هنا حتى أمضي وأصلي هناك .. ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس .."ونفس الرواية تقريبا في مرقس 14 :32 -39 ، وكذا في إنجيل لوقا 22 :41 -45 " فانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلا يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس ..وظهر له ملاك من السماء يقويه وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " أي أنه لم يكن راغبا أن يصلب . كما أن النبوءات السابق إيرادها تشير بوضوح أنه سيخلص ويرفع .
ومضوا في تنفيذ جريمتهم وطبقا لما شاهده شهود العيان فقد قبض على المسيح ( أو من ظنوه المسيح في الحقيقة ) وأهين وضرب ضربا مبرحا وسيق للملك (هيرودس ) وللوالي (بيلاطس )، وقدموه لبيلاطس على أنه يرغب في ملك إسرائيل "وابتدأوا يشتكون عليه قائلين إننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلا أنه مسيح ملك " (لوقا 23 :2 ) فماذا قال بيلاطس ؟ في لوقا 23 :14 " قد قدمتم إلي هذا الإنسان كمن يفسد الشعب وها أنا قد فحصت قدامكم ولم أجد في هذا الإنسان علة مما تشتكون به عليه . ولا هيرودس أيضا لأني أرسلتكم إليه وها لا شيء يستحق الموت صنع منه " ـ أي أن المتهم لم يقل أنه ملك اليهود أو طلب عدم إعطاء الجزية لقيصر ـ ،فقد خشي الإثنان (الوالي والملك ) الأمر بقتله في البداية فألقى كل منهما المسئولية على الآخر (لوقا 23 :6 و11 ) ولكن تحت إلحاح ورشوة رئيس كهنة اليهود وتهديده للملك وللوالي بوصمهما بالخيانة العظمى لدى القيصر اضطرا للموافقة على صلبه ، وقد أنكر هذا المتهم أنه ملك اليهود (سواء أكان هو المسيح أو يهوذا ) بمعنى رغبته في إنقاذ نفسه من التهمة التي أتهم بها لينجو من عقوبة الصلب ، فأين إذا رغبة المصلوب في تقديم نفسه أضحية ؟ فالواضح أن إقتياده للصلب كان رغم أنفه وليس بإرادته .
وتمضي الأحداث كما وصفتها أناجيل المسيحيين فيعلق المتهم على الصليب ويدق بالمسامير لتثبيته عليه وإذ تحكي أناجيل المسيحيين كلماته الأخيرة وهو على الصليب فإنها تختلف فيما بينها ولكن يتفق تقريبا ما ورد في إنجيلي متى (27 :46 ) ومرقس (15 :34 ) فالنص الموجود في الأخير " وفي الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا إلوي إلوي لما شبقتني الذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني "، والمعنى الحرفي لكلمة شبقتني ليس تركتني بل هوإشتداد الرغبة الجنسية أي أن مفادها مما لا يليق بحال أن يوصف به جل وعلا كثيرا عما يوصفون .ولكن معنى هذا القول أو ذاك أن المصلوب لم يكن راغبا في الموت ومعترضا على قضاء الله . ولا يمكن بحال أن يكون نبيا ذلك الذي يعترض على قضاء الله حتى ولو كان اعتراضه مهذبا . وحتما فإنه ليس إلها بل هو يدعو إلهه الذي تركه وليس الذي عاد إليه !!
لقد قالت النبوءات أن المسيح عليه السلام يعيش إلى قرب نهاية العالم "من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصى "(مزمور 91: 1- 16 ) وها هو يموت إذا فلابد أن تقوم القيامة إذا كان هو المسيح فتخيل بعضهم أنها قامت فعلا وأوردوا ذلك في إنجيل متى 27 :51- 55 " إذا حجاب الهيكل قد أنشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل والأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين .وأما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع فلما رأوا الزلزلة وما كان خافوا جدا " لقد ظنوا القيامة باتت قريبة وبدأت بشائرها ، ولكن مع مرور أكثر من ألفين سنة (قمرية)لم تقم القيامة على ما أوردت النبوءة ،والحقيقة إذا أن المسيح عليه السلام لم يمت حتى الآن .
د-هل يمكن أن يحمل ابن مريم ذنوب الآخرين
يفسر المسيحيون صلب المسيح على أن الله قدم ابنه للصلب ليحمل بذلك ذنوب البشر . وقد سبق القول أن هذه النبوءة(الكاذبة)إنما هي من قول رئيس كهنة اليهود قيافا ،وبينا مفهومه للكلمة وما يريد الإيحاء به ليتجنب غضبة الشعب عليه وأنه لا توجد مثل هذه النبوءة في أقوال الأنبياء الحقيقيين. ونتساءل اليس الله بقادر أن يغفر للبشر ذنوبهم بمجرد إرادته ذلك دون ما حاجة لبذل ابنه لأجلهم (تعالى الله الذي لم يلد ولم يولد علوا كبيرا)؟لماذا يأمر بصلب المسيح هل من العدل أن يصلب المسيح من أجل ذنوب غيره؟؟ أم كيف يبرأ المذنبون إذا قدم المسيح نفسه مختارا على ما يقولون قربانا لله؟ ورد فى سفر عزرا 18: 20 "النفس التى تخطىءهى تموت الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن بر عليه يكون وشر الشرير عليه يكون".
النتيجة التى نصل إليها :
باستعراض ما سبق فإننا نجد أن رواية إنجيل برنابا للوقائع التى أدت فى النهاية إلى صلب يهوذا بدلا من المسيح بعد أن القي عليه شبه المسيح تتفق مع ما جاءت به النبوءات الحقيقية ،كما أن تطور الأحداث فيها منطقى (وإن كان إلقاء شبهه على يهوذا لا يمكن أن يفسر إلا بمعجزة إلهية ) غير متقطع. وقيد أيده فى أغلب ما ذكره من وقائع إنجيل أو أكثر من أناجيل المسيحيين وإن خالفوه فى فهم هذه الوقائع وانفرد عن كل أناجيل المسيحيين بوقائع لم تذكر أيها .
عودة المسيح عليه السلام
عندما أرسل المسيح عليه السلام لبني إسرائيل كان الرومان يحتلون المملكتين اليهودية وإسرائيل .وكان الرومان يسمحون لليهود بمزاولة شعائر دينهم ولم يكن اليهود عندئذ يعبدون أصناما ولكن قلوب أغلبهم كانت مليئة بالنفاق ، ولكن كان منهم من يبحثون عن الهدى ، ولهؤلاء أرسل الله المسيح عليه السلام ليهديهم إلى دينه الحق .وقد كانت السلطة الكهنوتية في يد سبط يهوذا والذي كان يستوطن القدس (أورشليم )وهي تابعة للمملكة اليهودية حيث كان يقيم معه سبط لاوي .وقد بدأت نشأة الجنسيات لكل بلد بصرف النظر عن أصله العرقي ، يفهم هذا من "ويوسف الذي دعي من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ وهو لاوي قبرسي الجنس"(أعمال الرسل :36 )ومن "واطلب في بيت يهوذا رجلا طرطوسيا اسمه شاول "( أعمال الرسل 9 :11) . وكان كهنة اليهود و الفاجرين منهم ينافقون الرومان ليستعملوهم في مقاومة أعدائهم الصالحين من بني إسرائيل .وكانت هناك قرى يشغلها كنعانيون وسامريون .
أرسل المسيح عليه السلام لجميع بني إسرائيل وليس كما يفهم من ظاهر النص " لم أرسل إلا إلى الخراف الضالة من آل إسرائيل "(متى 15 :24 ) ، واعتبره كهنة اليهود وكتبتهم وفريسييهم (رجال دينهم ) مارقا ، وظنوا أنهم هم المهتدين .فاستعدوا عليه الرومان ـ لأنهم خشوا الشعب الذي آمن به ـوطالبوهم بقتله ليصبحوا بمنجاة من غضب الشعب.لقد آمن به شعب إسرائيل في مجمله فيما عدا سبط يهوذا والذي ظن خاطئا أنه المدافع عن دين موسى عليه السلام ،يستدل على هذا من أن المسيح عليه السلام تنبأ باللعنة على أورشليم وهي محل إقامة هذا السبط دون غيره " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع بنيك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها فلم يريدوا .هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا " ( لوقا 13 :34 ،35 ) ، وفي إنجيل لوقا 21 :20 ـ25 " ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها .حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال والذين في وسطها فليفروا خارجا ..ويقعون بفم السيف ويسبون إلى جميع الأمم .. وتكون علامات في الشمس .." فهو هنا يوضح أن هذه المعركة ستكون قبل قيام الساعة (يوم الدينونة ) مباشرة.
وعندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الغالبية العظمى من سكان المناطق التي كان بها بني إسرائيل في الإسلام فهم اليوم مسلمون .
أي أن الغالبية العظمى من بني إسرائيل اليوم مسلمون ، ويحملون جنسيات عربية . أما اليهود الآن فهم نسبة لا تتعدى العشر من بني إسرائيل مع أخلاط من أجناس أخرى .
وقد أبرز المسيح عليه السلام في رسالته أن البنوة التي تحدث عنها من سبقوه لإبراهيم لا تعني البنوة التي تنشأ بالتناسل بل باتباع أعمال إبراهيم (عليه السلام )" أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم .. أجابوا وقالوا له أبونا هو إبراهيم. قال لهم يسوع لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم. ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله .هذا لم يعمله إبراهيم .أنتم تعملون أعمال أبيكم .. أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا "(يوحنا 8 :37 ـ 44 ) ،كما أبرز ذلك أيضا يحي (يوحنا المعمدان )عليه السلام"ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبا لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم . والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار " ( متى 3: 9 ، 10ولوقا 3 :8 ،9)، ويرمز لبني إسرائيل بشجرة فيعني هذا أن النبوة ستنتقل منهم لغيرهم .كما أن لعنةالذين كفروا بالمسيح عليه السلام (اليهود ) لعنة أبدية ، وهو ما يتبين أيضا من دعاء داود عليه السلام "اجعل إثما على إثمهم ولا يدخلوا برك .ليمحو من سفر الأحياء ومع الصديقين لا يكتبوا "(مزمور 69 :27 ،28).
وقد ورد على لسان داود (عليه السلام ) في مزامير داود ( الزبور على ما ورد في العهد القديم) ـ لعنتة للكافرين من بني إسرائيل ،وقيامهم بتحريف النبوءات "الله افتخر بكلامه ،على الله توكلت فلا أخاف .ماذا يصنعه بي البشر . في النهار كله يحرفون كلامي "(مزمور 56 :4،5 ) ، وهو ما يتبين أيضا مما ورد في أرميا 8 :8 وأرميا 23 :25 وأرميا 23 :36 . كما يتبين من مزامير داود أن الله سينقذ مسيحه (المسيح عليه السلام ) ويعيش إلى نهاية العالم " قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا على الرب ومسيحه .. الساكن في السماوات بضحك يستهزيْ بهم "( مزمور 2 :2 ـ4 ) ، وما قاله عن المسيح عليه السلام "يسقط عن جانبك ألف وربوات عن يمينك إليك لا يقرب .إنما بعينيك تنظر مجازاة الأشرار .. لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك .لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوا طرقك .على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك .. لأنه تعلق بي أنجيه أرفعه لأنه عرف اسمي .يدعوني فاستجيب له معه أنا في الضيق أنقذه وأمجده . من طول الأيام أشبعه وأريه خلاصي "(مزمور 90 في النسخة الكاثوليكية و91 في النسخة البروتستانتيه :7 ـ 16 ).وقوله "الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد .. الشرير يراقب الصديق محاولا أن يميته ..انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض إلى انقراض الأشرار تنظر " (مزمور 37 :29 ـ 34 )و" الرب عز لهم وحصن خلاص لمسيحه "(مزمور 28 :8 )و"الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه يستجبيه من سماء قدسه .. هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وانتصبنا " مزمور 20 :6 ـ9 )وما في بابها. أي أن المسيح عليه السلام سيعود ليشهد نهاية الأشرار .
وفي إنجيل برنابا فصل 52 :15 - 17 " ولكني سأعود قبل النهاية . وسيأتي معي أخنوخ وإيليا . ونشهد على الأشرار الذين ستكون آخرتهم ملعونة .كذا في فصل 144 :7 ،8 " إن أخنوخ خليل الله الذي صار مع الله بالحق غير مكترث بالعالم نقل إلى الفردوس . وهو يقيم هناك إلى الدينونة ( لأنه متى اقتربت نهاية العالم يرجع إلى العالم مع إيليا وآخر ).وقد أشارت النبوءات السابقة على المسيح إلى أن إيليا (الياس عليه السلام )سيأتي قبل المسيح عليه السلام ، وقد ظن القوم أن المقصود بذلك هو إرساله الأول وتحيروا حتى أنهم تصوروا أنه يوحنا المعمدان (يحي عليه السلام )هو إيليا كما يفهم ذلك من متى 11 :14 ومتى 17 :12 بينما قصة ميلاد يوحنا المعمدان واردة في إنجيل لوقا 1 ، بينما سيتعين أن ينزل إيليا من السماء عند عودته كما رفع على ما يذكر العهد القديم .وكذا ذكر العهد القديم أن أخنوخ (إدريس عليه السلام ) رفع أيضا . أما المصادر الإسلامية (القرآن الكريم وكتب الأحاديث التسعة ) فلا تذكر شيئا عن عودة هذين النبيين ولكن يوجد حديث آحاد ينبأ بعودة إلياس والخضر مع المسيح عليه السلام.
ويستدل من القرآن الكريم أن المسيح عليه السلام سيعود من ذلك قوله تعالى "يكلم الناس في المهد وكهلا " فمن المتفق عليه أنه رفع وله من العمر 33 سنة أي لم يبلغ حينئذ سن الكهالة ولولا ما في رفعه وإبقائة في السماء ثم إعادته من إعجاز ما ذكر أنه يتكلم كهلا فليس عجيبا أن يتكلم كهل حتى يذكر ذلك القرآن الكريم . كما ورد قوله تعالى عن المسيح عليه السلام " وإنه لعلم للساعة " ( الزخرف :61 ). كذا قوله تعالى " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "(النساء :159 ) وذلك عند عودته عليه السلام فسيستتب له الأمر وينتصر على اليهود كما أقسم الله "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي " ( المجادلة :21 ). وعيسى عليه السلام واحد من رسل الله الأربعة (هو وموسى وداود ومحمد عليهم جميعا السلام )ولذا لا بد أن ينتصر على مناوئيه من بني إسرائيل (اليهود ) وهو ما شرحه الحديث النبوي حيث ورد ذكر عودة المسيح عليه السلام وقتله الدجال في صحيح مسلم وفي صحيح الترمزي وفصّل صحيح ابن ماجه الحدث ومنه ".. يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عيسى ابن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى يصلي بالناس فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام افتحوا الباب فيفتح ووراءه الدجال معه سبعون ألف يهودي .. فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربا ويقول عيسى عليه السلام إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود فلا يبقى شيْ مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء .. إلا قال يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله .. فيكون عيسى ابن مريم في أمتي حكما عدلا وإماما مقسطا يدق الصليب ويذبح الخنزير .. وترفع الشحناء والتباغض .. وتملأ الأرض من السلم .. وتكون الكلمة واحدة فلا يعبد إلا الله .." . فغالب الظن إذا أن المسيح عليه السلام هو الذي سيقود المسلمين لقتال اليهود قبل قيام الساعة فيفنيهم ويشهد نهايتهم ، ولكن متى يكون ذلك ؟لا يعلم إلا الله فهي إحدى علامات الساعة التي استأثر الله بعلمها .
وربما كان هذا الحدث هو الذي بينه القرآن الكريم في قوله تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون * إن في هذا بلاغا لقوم عابدين * وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين * قل إنما يوحى إلي إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون ".
مشاركة: المسيح عليه السلام
جزاك الله خيراً أخي الكريم