مشاركة: الجزية في الاسلام
كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتاب ذمة وعهد إلى أهل نجران النصارى، ينقله إلينا ابن سعد في طبقاته، فيقول: " وكتب رسول الله e لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بيعهم وصلواتهم ورهبانهم وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته ، ولا راهب عن رهبانيته ، ولا كاهن عن كهانته ، ولا يغير حق من حقوقهم ، ولا سلطانهم ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين ، وكتب المغيرة". ([16])
وانساح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يطبقون ما تعلموه من نبيهم العظيم، ويلتزمون لأهل الجزية بمثل الإسلام وخصائصه الحضارية، وقد أورد المؤرخون عدداً مما ضمنوه لأهل الذمة، ومن ذلك العهدة العمرية التي كتبها عمر لأهل القدس، وفيها: "بسم الله الرحمن الرحيم ؛ هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أن لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا يُنتقص منها ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم .
ولا يكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم ، ولا يُسَكَّن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغ مأمنه ، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ...ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم.
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية ، شهد على ذلك خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان ، وكتب وحضر سنة خمس عشرة". ([17]) ، وبمثله كتب عمر لأهل اللد.([18])
وحين فتح خالد بن الوليد دمشق كتب لأهلها مثله، "بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها أماناً على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن شيء من دورهم ، لهم بذلك عهد الله وذمة رسول الله e والخلفاء والمؤمنين، لا يُعرض لهم إلا بخير إذا أعطوا الجزية". ([19])
ويسجل عبادة بن الصامت هذه السمات الحضارية للجزية في الإسلام، وهو يعرض الموقف الإسلامي الواضح على المقوقس عظيم القبط ، فيقول: "إما أجبتم إلى الإسلام .. فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدت في الدنيا والآخرة ، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم ، فإن أبيتم إلا الجزية، فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبداً ما بقينا وبقيتم ، نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا ، وكان لكم به عهد علينا ...". ([20])
ونلحظ ثانية كيف يتقدم المسلم بنفسه لحماية أهل الجزية وأموالهم، ونرى فداءه لهم بماله ودمه "نقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم" .
3- حرص المسلمين على الوفاء بعقد الذمة
وقد خشي الخلفاء أن يقصر المسلمون في حقوق أهل الذمة ، فتفقدوا أحوالهم، ومن ذلك ما رواه الطبري في تاريخه، في سياقه لحديث عمر إلى وفد جاءه من أرض الذمة " قال عمر للوفد: لعل المسلمين يفضون إلى أهل الذمة بأذى وبأمور لها ما ينتقضون بكم؟ فقالوا:ما نعلم إلا وفاء وحسن ملكة". ([21])
ولما جاءه مال الجباية سأل عن مصدره مخافة العنت والمشقة على أهل الذمة، ففي الأثر عنه رضي الله عنه "أنه أتي بمال كثير، أحسبه قال من الجزية فقال: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس؟ قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا. قال: بلا سوط ولا نوط؟ قالوا: نعم. قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي ولا في سلطاني ". ([22])
ولما تدانى الأجل به رضي الله عنه لم يفُته أن يوصي المسلمين برعاية أهل الذمة فقال: " أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، وأن يوفي لهم بعهدهم ، وأن يقاتلوا من ورائهم ، وألا يكلفوا فوق طاقتهم ". ([23])
وكتب علي رضي الله عنه إلى عماله على الخراج: "إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة، شتاءً ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابة يعملون عليها، ولا تضربن أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه على رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عَرَضاً في شيء من الخراج، فإنا إنما أمرنا الله أن نأخذ منهم العفو ، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك". ([24])
وأجلى الوليد بن يزيد نصارى قبرص مخافة أن يعينوا الروم فردهم يزيد بن الوليد الخليفة بعده، يقول إسماعيل بن عياش عن صنيع الوليد: فاستفظع ذلك المسلمون، واستعظمه الفقهاء، فلما ولي يزيد بن الوليد ردهم إلى قبرص ، فاستحسن المسلمون ذلك من فعله، ورأوه عدلاً.([25])
ولما أخذ الوليد بن عبد الملك كنيسة يوحنا من النصارى قهراً، وأدخلها في المسجد، اعتبر المسلمون ذلك من الغصب، فلما ولي عمر بن عبد العزيز شكى إليه النصارى ذلك، فكتب إلى عامله يأمره برد ما زاد في المسجد عليهم.([26])
4- من أقوال الفقهاء المسلمين في حراسة وتقرير حقوق أهل الذمة
ونلحظ فيما سبق الإسلام لحراسة حقوق أهل الذمة في إقامة شعائر دينهم وكنائسهم ، جاء في قوانين الأحكام الشرعية : "المسألة الثانية: فيما يجب لهم علينا، وهو التزام إقرارهم في بلادنا إلا جزيرة العرب وهي الحجاز واليمن، وأن نكف عنهم، ونعصمهم بالضمان في أنفسهم وأموالهم، ولا نتعرض لكنائسهم ولا لخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها". ([27])
وينقل الطحاوي إجماع المسلمين على حرية أهل الذمة في أكل الخنازير والخمر وغيره مما يحل في دينهم، فيقول: "وأجمعوا على أنه ليس للإمام منع أهل الذمة من شرب الخمر وأكل لحم الخنازير واتخاذ المساكن التي صالحوا عليها، إذا كان مِصراً ليس فيه أهل إسلام (أي في بلادهم التي هم فيها الكثرة)".([28])
وتصون الشريعة نفس الذمي وماله ، وتحكم له بالقصاص من قاتله ، فقد أُخذ رجل من المسلمين على عهد علي رضي الله عنه وقد قتل رجلاً من أهل الذمة، فحكم عليه بالقصاص، فجاء أخوه واختار الدية بدلا عن القود، فقال له علي: "لعلهم فرقوك أو فزّعوك أو هددوك؟" فقال: لا ، بل قد أخذت الدية، ولا أظن أخي يعود إلي بقتل هذا الرجل، فأطلق علي القاتل، وقال: "أنت أعلم، من كانت له ذمتنا، فدمه كدمنا، وديته كديّتنا". ([29])
وصوناً لمال الذمي فإن الشريعة لا تفرق بينه وبين مال المسلم، وتحوطه بقطع اليد الممتدة إليه، ولو كانت يد مسلم، يقول المفسر القرطبيُّ: "الذمي محقون الدم على التأبيد والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقِق ذلك أنّ المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أنّ مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه، إذ المال إنّما يحرم بحرمة مالكه". ([30])
قال الماورديّ: "ويلتزم ـ أي الإمام ـ لهم ببذل حقَّين: أحدهما: الكفُّ عنهم. والثانِي: الحماية لهم، ليكونوا بالكفِّ آمنين، وبالحماية محروسين". ([31])
وقال النوويّ: "ويلزمنا الكفُّ عنهم، وضمان ما نُتلفه عليهم، نفسًا ومالاً، ودفعُ أهلِ الحرب عنهم". ([32])
وتوالى تأكيد الفقهاء المسلمين على ذلك، يقول ابن النجار الحنبلي: "يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع من يؤذيهم وفكُّ أسرهم ودفع من قصدهم بأذى". ([33])
ولما أغار أمير التتار قطلوشاه على دمشق في أوائل القرن الثامن الهجري، وأسر من المسلمين والذميين من النصارى واليهود عدداً، ذهب إليه الإمام ابن تيمية ومعه جمع من العلماء، وطلبوا فك أسر الأسرى، فسمح له بالمسلمين، ولم يطلق الأسرى الذميين، فقال له شيخ الإسلام: "لابد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، ولا ندع لديك أسيراً، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة، فإن لهم ما لنا، وعليهم ما علينا" ، فأطلقهم الأمير التتري جميعاً. ([34])
وينقل الإمام القرافي عن الإمام ابن حزم إجماعاً للمسلمين لا تجد له نظيراً عند أمة من الأمم، فيقول: "من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح، ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة". ([35])
5- صور ناصعة من معاملة المسلمين لأهل الذمة
وحين عجز المسلمون عن أداء حقوق أهل الذمة وحمايتهم من عدوهم ردوا إليهم ما أخذوه من الجزية لفوات شرطها، وهو الحماية، فقد روى القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج وغيره من أصحاب السير عن مكحول أن الأخبار تتابعت على أبي عبيدة بجموع الروم، فاشتد ذلك عليه وعلى المسلمين ، فكتب أبو عبيدة لكل والٍ ممن خلَّفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبي منهم من الجزية والخراج ، كتب إليهم أن يقولوا لهم: إنما رددنا عليكم أموالكم، لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع ، وإنكم قد اشترطتم علينا أن نمنعكم، وإنا لا نقدر على ذلك، وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم، ونحن لكم على الشرط وما كان بيننا وبينكم إن نصرنا الله عليهم". ([36])
وحين قام أهل الذمة بالمشاركة في الذود عن بلادهم أسقط عنهم المسلمون الجزية، كما صنع معاوية رضي الله عنه مع الأرمن، يقول لوران المؤرخ الفرنسي في كتابه "أرمينية بين بيزنطة والإسلام" : "إن الأرمن أحسنوا استقبال المسلمين ليتحرروا من ربقة بيزنطة، وتحالفوا معهم ليستعينوا بهم على مقاتلة الخزر، وترك العرب لهم أوضاعهم التي ألفوها وساروا عليها، والعهد أعطاه معاوية سنة 653م، إلى القائد تيودور رختوني ولجميع أبناء جنسه ماداموا راغبين فيه، وفي جملته: ((أن لا يأخذ منهم جزية ثلاث سنين، ثم يبذلون بعدها ما شاؤوا، كما عاهدوه وأوثقوه على أن يقوموا بحاجة خمسة عشر ألف مقاتل من الفرسان منهم بدلا من الجزية، وأن لا يرسل الخليفة إلى معاقل أرمينا أمراء ولا قادة ولا خيلا ولا قضاة... وإذا أغار عليهم الروم أمدهم بكل ما يريدونه من نجدات. وأشهد معاويةُ الله على ذلك)). ([37])
ولا يتوقف حق أهل الذمة على دفع العدو عنهم، بل يتعداه إلى دفع كل أذى يزعجهم، ولو كان بالقول واللسان، يقول القرافي: "إن عقد الذمة يوجب لهم حقوقاً علينا لأنهم في جوارنا وفي خفارتنا (حمايتنا) وذمتنا وذمة الله تعالى، وذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيع ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام". ([38])
وواصل المسلمون بهدي من دينهم عطاءهم الحضاري حين تحولوا من آخذين للجزية إلى باذلين للمال رعاية وضماناً للفقراء من أهل الذمة، فقد روى ابن زنجويه بإسناده أن عمر بن الخطاب رأى شيخاً كبيراً من أهل الجزية يسأل الناس فقال: ما أنصفناك إن أكلنا شبيبتك، ثم نأخذ منك الجزية، ثم كتب إلى عماله أن لا يأخذوا الجزية من شيخ كبير.([39]) وكان مما أمر به رضي الله عنه : "من لم يطق الجزية خففوا عنه، ومن عجز فأعينوه". ([40])
وأرسل الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدي بن أرطأة يقول: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه". ([41])
أما إذا امتنع الذمي عن دفع الجزية مع القدرة عليها فإنه يعاقب، من غير أن تنقض ذمته، يقول القرطبي: "وأما عقوبتهم إذا امتنعوا عن أدائها مع التمكين فجائز، فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم، لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه، ولا يكلف الأغنياء أداءها عن الفقراء". ([42])
لقد أدرك فقهاء الإسلام أهمية عقد الذمة وخطورة التفريط فيه، وأنه لا ينقض بمجرد الامتناع عن دفع الجزية، يقول الكاساني الحنفي: "وأما صفة العقد (أي عقد الذمة) فهو أنه لازم في حقنا، حتى لا يملك المسلمون نقضه بحال من الأحوال، وأما في حقهم (أي الذميين) فغير لازم". ([43])
رابعاً : شهادة المؤرخين الغربيين
ولسائل أن يسأل : هل حقق المسلمون هذه المثُُل العظيمة ، هل وفوا ذمة نبيهم طوال تاريخهم المديد؟ وفي الإجابة عنه نسوق ثلاث شهادات لغربيين فاهوا بالحقيقة التي أثبتها تاريخنا العظيم.
يقول ولديورانت: "لقد كان أهل الذمة، المسيحيون والزرادشتيون واليهود والصابئون يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحراراً في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زيّ ذي لون خاص، وأداء ضريبة عن كل شخص باختلاف دخله، وتتراوح بين دينارين وأربعة دنانير، ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون البلوغ، والأرقاء والشيوخ، والعجزة، والعمى الشديد والفقر، وكان الذميون يعفون في نظير ذلك من الخدمة العسكرية..ولا تفرض عليهم الزكاة البالغ قدرها اثنان ونصف في المائة من الدخل السنوي، وكان لهم على الحكومة أن تحميهم..." ([44])
يقول المؤرخ آدم ميتز في كتابه "الحضارة الإسلامية": "كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون، وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار". ([45])
ويقول المؤرخ سير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام" موضحاً الغرض من فرض الجزية ومبيناً على مَن فُرضت: "ولم يكن الغرض من فرض هذه الضريبة على المسيحيين - كما يردد بعض الباحثين - لوناً من ألوان العقاب لامتناعهم عن قبول الإسلام، وإنما كانوا يؤدونها مع سائر أهل الذمة. وهم غير المسلمين من رعايا الدولة الذين كانت تحول ديانتهم بينهم وبين الخدمة في الجيش في مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين".
وهكذا تبين بجلاء ووضوح براءة الإسلام بشهادة التاريخ والمنصفين من غير أهله، ثبتت براءته مما ألحقه به الزاعمون، وما فاهت فيه ألسنة الجائرين.
هذا والله أسأل أن يشرح صدورنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنه إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يتبع
مشاركة: الجزية في الاسلام
([1]) سورة التوبة : 29 .
([2]) الجامع لأحكام القرآن (8/114)، المغرب في ترتيب المعرب (1/143)، وانظر مختار الصحاح (1/44).
([3]) سورة التوبة : (29) .
([4]) الجامع لأحكام القرآن (8/72).
([5]) انظره في إرواء الغليل ح (1255).
([6]) رواه الترمذي في سننه ح (623)، وأبو داود في سننه ح (1576)، والنسائي في سننه ح (2450)، وصححه الألباني في مواضع متفرقة ، منها صحيح الترمذي (509).
([7]) مشكاة المصابيح ح (3970)، وصححه الألباني.
([8]) الممتحنة ( 8 ).
([9]) رواه مسلم برقم (2553) .
([10]) رواه أبو داود في سننه ح (3052) في (3/170) ، وصححه الألباني ح (2626)، و نحوه في سنن النسائي ح (2749) في (8/25).
([11]) رواه البخاري ح (2295) .
([12]) رواه مسلم ح (2613)
([13]) الجامع لأحكام القرآن (8/115) ، وتفسير الماوردي (2/351-352).
([14]) طبقات ابن سعد (1/266) .
([15]) الفروق (3/14-15)
([16]) الطبقات الكبرى لابن سعد (1/ 266) .
([17]) تاريخ الطبري (4 / 449) .
([18]) انظر: تاريخ الطبري (4/ 449).
([19]) فتوح البلدان للبلاذري (128) .
([20]) فتوح مصر وأخبارها لابن عبد الحكم (68) .
([21]) تاريخ الطبري (2/503).
([22]) المغني (9/290)، أحكام أهل الذمة (1/139).
([23]) رواه البخاري برقم (1392) في (3/1356).
([24]) الخراج (9).
([25]) فتوح البلدان (156).
([26]) فتوح البلدان (132).
([27]) قوانين الأحكام الشرعية (176).
([28]) اختلاف الفقهاء (233).
([29]) مسند الشافعي (1/344).
([30]) الجامع لأحكام القرآن (2/246).
([31]) الأحكام السلطانية (143).
([32]) انظر: مغني المحتاج (4/253).
([33]) مطالب أولي النهى (2/602).
([34]) مجموع الفتاوى (28/617-618).
([35]) الفروق (3/14-15).
([36]) الخراج (135) ، وانظره في: فتوح البلدان للبُلاذري ، وفتوح الشام للأذري.
([37]) وانظر فتوح البلدان (210- 211).
([38]) الفروق (3/14).
([39]) الأموال (1/163).
([40]) تاريخ مدينة دمشق (1/178).
([41]) الأموال (1/170).
([42]) الجامع لأحكام القرآن 8/73-74.
([43]) بدائع الصنائع (7/112).
([44]) قصة الحضارة (12/131).
([45]) الحضارة الإسلامية (1/96).
مشاركة: الجزية في الاسلام
الصلح على الجزية
إذَا أَرَادَ الإمَامُ أَنْ يَكْتُبَ صُلْحاً عَلَىٰ الجِزْيَةِ كَتَبَ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم
هذا كتابٌ كَتَبَهُ عبدُ اللَّهِ: فلانٌ أميرُ المؤمنين، لليلتين خَلَتَا من شهرِ ربيعٍ الأول سنةَ كذا وكذا لفلانٍ بنِ فلانٍ، النصرانيّ، من بني فلانٍ، الساكنِ بلدَ كذا، وأهل النصرانيةِ من أهلِ بلدِ كذا إنَّك سألتني أَنْ أُؤَمِّنَكَ وأهلَ النصرانيةِ من أهلِ بلدِ كذا، وَأَعْقِدَ لك ولهم ما يُعْقَدُ لأهلِ الذِّمَّةِ على ما أعطيتني وشرطتُ لكَ، ولهم، وعليك وعليهم، فأجبتُكَ إلىٰ أَن عقدتُ لك ولهم عليَّ وعلىٰ جميعِ المسلمينَ الأمان ما استقمت واستقاموا، بجميع ما أخذنا عليكم، وذلك أَنْ يجري عليكم حُكْمُ الإسلامِ لا حكم خلافِهِ بحالٍ، يلزمكموه، ولا يكونُ لكم أن تمتنعوا منه في شيءٍ رَأَيْنَاهُ يُلْزِمُكُمْ به، وعلى أنَّ أحداً منكم إنْ ذَكَرَ محمداً أو كتابَ الله عزّ وجلّ أو دِينَهُ بما لا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ به، فقد بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللَّهِ، ثم ذِمَّةُ أميرِ المؤمنين وجميعِ المسلمين، ونَقَضَ ما أعطى عليه الأمان، وحَلَّ لأميرِ المؤمنين مَالهُ وَدَمهُ؛ كما تَحِلُّ أَموالُ أهلِ الحربِ ودماؤهم، وعَلَىٰ أَنَّ أحداً من رجالهم إن أصاب مسلمةً بزناً، أو اسمِ نكاحٍ، أو قَطَعَ الطريقَ على مسلمٍ، أو فَتَنَ مسلماً عن دِينِهِ، أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورةِ المسلمين أو إيواء لِعُيُونِهِمْ ـــ فقد نَقَضَ عَهْدَهُ، وَأَحَلَّ دَمَهُ وَمَالَهُ، وإن نَالَ مسلماً بما دون هذا في ماله أو عرضه، أو نَالَ به من على مسلم منعه من كافرٍ له عهدٌ، أو أمانٌ، لَزِمَهُ فيه الحكمُ، وَعَلَىٰ أَنْ نتتبع أفعالكم في كُلِّ مَا جَرَىٰ بينكم وبين مسلمٍ، فما كان لا يَحِلُّ لمسلمٍ ممَّا لكن فيه فعلٌ، رَدَدْنَاهُ، وعاقبناكم عليه، وذلك أن تبيعوا مسلماً بيعاً حُراماً عندنا، من خمرٍ، أو خنزيرٍ، أو دمِ أو ميتةٍ أو غيرِهِ، ونُبْطِلُ البيعَ فيهِ، ونأخذُ ثَمَنَهُ منكم إن أعطاكموه، ولا نردّه عليكم إن كانَ قائماً، ونُهْرِيقُهُ إن كان خمراً أو دماً، ونحرقه إن كان ميتةً، وإن استهلكه لم نجعلْ عليه فيه شيئاً، ونُعَاقِبُكُمْ عليه، وعَلَىٰ أَنْ لا تسقوه أو تُطْعِمُوهُ محرماً، أو تُزَوِّجُوهُ بشهودٍ منكم، أو بنكاحٍ فاسدٍ عندنا.
وما بايعتم به كافراً منكم أو من غيرِكم، لم نَتَّبِعْكُمْ فيه، ولم نسألْكُم عنه ما تَرَاضَيْتُمْ به.
وإذا أرادَ البائعُ منكم أو المبتاعُ نقضَ البيعِ، وأتانا طالباً له، فإن كان منتقضاً عندنا نَقَضْنَاهُ، وإن كان جائزاً أَجَزْنَاهُ، إلاَّ أنه إذا قَبَضَ المبيعَ وفات لم يردَّه، لأنه بيعٌ بين مشركين مَضَىٰ، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْكُمْ، أو من غيرِكم من أهلِ الكفرِ يُحَاكِمكُمْ، أَجْرَيْنَاكُم على حكمِ الإسلامِ، وَمَنْ لم يأتنا، لم نَعْرِضْ لكم فيما بينكم وبينه.
وَإذَا قَتَلْتُمْ مسلماً أو معاهداً منكم أو من غيرِكم خطأً، فالديةُ على عَوَاقِلِكُمْ، كما تكون على عَوَاقِلِ المسلمين، وعواقلُكم: قراباتُكم من قِبل آبائِكم، وإن قَتَلَهُ منكم رجلٌ لا قرابةَ له، فالديةُ عليه في مالِهِ، وإذا قَتَلَهُ عمداً فعليه القصاصُ إلاَّ أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ ديةً فيأخذونها حالَّةً.
وَمَنْ سَرَقَ منكم، فَرَفَعَهُ المسروقُ إلى الحاكمِ، قَطَعَهُ إذَا سَرَقَ ما يَجِبُ فيه القطعُ وغرم.
ومَنْ قَذَفَ فكان للمقذوفِ حَدٌّ، حُدَّ له، وإن لم يكن حَدٌّ، عُزِّرَ؛ حتى تكونَ أحكامُ الإسلام جاريةً عليكم بهذه المعاني فيما سَمَّينا، ولم نسمِّ.
وعلى أن ليس لَكُمْ أَنْ تُظْهِرُوا في شيءٍ من أمصارِ المسلمين الصليبَ ولا تُعْلِنُوا بالشركِ، ولا تَبْنُوا كنيسةً، ولا موضعَ مجتمعٍ لِصَلاَتِكُمْ، ولا تَضْرِبوا بناقوسٍ، ولا تُظهروا قَوْلَكُمْ بالشركِ فِي عيسى بن مَرْيم، ولا في غيرِهِ، لأحدٍ من المسلمين.
وأن تَلْبسوا الزنانيرَ من فوقِ جميعِ الثيابِ، الأرديةِ وغيرِها حتى لا تخفى الزنانير، وتخالفوا بِسُرُوجِكم وركوبِكم سروج المسلمين وركوبهم وتُبَايِنُوا بين قَلانِسِكُمْ، وقَلاَنِسِهِم، بِعَلَمٍ تجعلونه بقلانسِكم. وألاَّ تأخذُوا على المسلمين سرواتِ الطرقِ ولا المجالسِ في الأسواقِ.
وأن يِؤدِّي كلُّ بالغٍ من أحرارِ رجالِكُمْ غير مغلوبٍ على عقلِهِ، جزيةَ رَأْسِهِ، ديناراً مثقالاً جَيِّدَاً في رأسِ كلِّ سنةٍ، ولا يكون له أن يغيبَ عَنْ بَلَدِهِ حتى يُؤدِّيَهُ، أو يقيم به مَنْ يؤديه عنه، لا شيءَ عليه من جزية رقبتِهِ إلى رأسِ السنةِ، ومَنِ افتقرَ منكم، فجِزيَتُهُ عليه حتى تُؤَدَّىٰ عنه، وليس الفقرُ بدافعٍ عنكم شيئاً، ولا ناقضٍ لذمَّتِكُمْ وأنتم غرماؤه. عن ما به، فمتى وجدنا عندكم شيئاً أخذتم به، ولا شيءَ عليكم في أموالِكم سوى جِزْيَتِكُمْ ما أقمتم في بلادِكم واختلفتم ببلادِ المسلمين غيرَ تجّارٍ. وليسَ لكم دخولُ مكَّةَ، بحالٍ وإن اختلفتم بتجارةٍ على أَنْ تؤدُّوا من جميعِ تجاراتِكم العُشْرَ إلى المسلمين، فلكم دخولُ جميعِ بلادِ المسلمين إلا مكَّةَ، والمقامُ بجميعِ بلادِ المسلمين؛ كما شئتم إلاَّ الحجازَ، فليس لكم المقامُ ببلدٍ منها إلاَّ ثلاثَ ليالٍ، حتى تَظْعَنُوا منه.
وعَلَىٰ أَنَّ من أنبتَ الشعر تحت ثيابِهِ، أو احتلمَ، أو استكملَ خَمْسَ عشرةَ سنةً قَبلَ ذلك، فهذه الشروطُ لازمة له إنْ رضيها، فإن لم يَرْضَهَا، فلا عَقْدَ له، ولا جزيةَ على أبنائِكم الصغارِ، ولا صبي غير بالغٍ، ولا مغلوبٍ على عقلِهِ، ولا مملوكٍ، فإذا أفاق المغلوبُ على عَقْلِهِ، وبَلَغَ الصبيُّ وَعَتَقَ المملوكُ منكم، فدان دِينَكُمْ، فعليه جزيتُكُمْ، والشرطُ عليكم، وعلى مَنْ رَضِيه، ومَنْ سخطه منكم نَبَذْنَا إليه، ولكم أن نَمْنَعَكُمْ وما يَحِلّ ملكه عندنا لكم ممَّن أَرَادَكُمْ من مسلمٍ أو غيرِه بظلمٍ بما نَمْنَعُ به أَنْفُسَنَا وأموالَنَا، ونحكم لكم فيه على مَنْ جرى حُكْمُنَا عليه بما نَحْكُمُ به في أموالِنا، وما يلزمنا المحكوم عليه في أنفسكم، فليس علينا أن نَمْنَعَ لكم شيئاً ملكتموه محرماً من دمٍ ولا ميتةٍ ولا خمرٍ ولا خنزيرٍ؛ كما نمنع ما يحلّ ملكُهُ، ولا نعرض لكم فيه إلاَّ أنا لا نَدَعُكُمْ تُظْهِرُونَهُ في أمصارِ المسلمينَ، فما ناله منه مسلمٌ أو غيرُه، لم نغرمه ثَمَنَهُ؛ لأنه محرمٌ، ولا ثمنَ لمحرمٍ، ونزجره عن العرضِ لكم فيه، فإن عَادَ أُدِّب بغيرِ غرامةٍ في شيءٍ منه.
وعليكم الوفاءُ بجميعِ ما أَخَذْنَا عليكم، وأَلاَّ تَغُشُّوا مسلماً، ولا تُظَاهِرُوْا عدوَّهم عليهم بقولٍ ولا فعلٍ، عَهْدُ اللَّهِ وميثاقُهُ، وأَعْظَمُ ما أَخَذَ اللَّهُ علَىٰ أحَدٍ من خَلْقِهِ من الوفاءِ بالميثاقِ، ولكم عَهْدُ اللَّهِ وميثاقُه وذمَّةُ فلانٍ أميرِ المؤمنين، وذمَّةُ المسلمين بالوفاءِ لَكُمْ، وَعَلَىٰ مَنْ بَلَغَ مِن أَبْائِكُمْ ما عليكم بما أَعْطَيْنَاكُمْ، ما وَفَّيْتُمْ بجميعِ ما شَرَطْنَا عليكم، فإنْ غَيَّرْتُمْ أَو بدَّلتم، فَذِمَّةُ اللَّهِ، ثم ذمَّةُ فلانٍ أميرِ المؤمنين والمسلمين، بريئةٌ منكم، ومَنْ غَابَ عَنْ كتابنا ممّن أعطيناه ما فيه فرضيه إذا بلغه، فهذه الشروطُ لازمةٌ له، ولنا فيه، ومَنْ لم يرضَ، نَبَذْنَا إليه، شَهِدَ.
الإمام الشافعي رضي الله عنه *كتاب الأم*