عبد العظيم المطعني .. مدافع عن الإسلام فقدناه
كتبه: محمد سيد بركة
رحل عن دنيانا، منذ أيام، قليلة المفكر الإسلامي والداعية الكبير، الدكتور عبد العظيم المطعني بعد أن أثرى المكتبة العربية والإسلامية بأكثر من 40 كتابًا من مؤلفاته القيمة التي تعد منارة على طريق الدعوة الإسلامية، فهو ـ رحمه الله ـ كان عالمًا جليلاً ومسلمًا غيورًا تناول العديد من القضايا الشائكة على الساحة الدينية محاولاً تفنيد وتوضيح الصحيح من المغلوط فيها، إلى جانب رده على العديد من الشبهات التي تسيء للإسلام ودحض افتراءات أعداء الدين.
وكان الدكتور عبد العظيم المطعني عند وفاته يشغل منصب أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر.
ولد الدكتور المطعني في قرية المنصورية بمحافظة أسوان, وبدأ حياته العملية مصححًا لغويًا بجريدة الأهرام المصرية، ثم انتقل إلى التدريس بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، وتدَّرج في المناصب حتى حصل على الأستاذية وأُعير إلى جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية.
وكان لإسهاماته العظيمة في مجال الدعوة دور مميز في تبديد الضباب الكثيف الذي يثيره خصوم الإسلام وتبصير الشباب المسلم بحقيقة سماحة الإسلام.
في كتابه "افتراءات المستشرقين على الإسلام.. عرض ونقد" يكشف المطعني عن أربعين طعنًا من طعون المستشرقين، وناقش شبهاتهم وكشف عن زيفهم .. فبعد أن فشلت الحروب الصليبية في النيل من الإسلام، وضعت أوروبا عدة بدائل للقضاء على هذا الدين، إن أمكن، أو تحجيمه في دائرة ضيقة وتشويه حقائقه، وكان من أبرز تلك البدائل، التبشير ضد الإسلام، ثم الاستشراق والمستشرقين، وهم تلاميذ المبشرين حيث ارتدت دعاوى الاستشراق رداء العلم المجرد والبحث عن الحقيقة وانطلت بعض دعاواهم على السذج في أرض المسلمين، وإمعانًا في الزيف والتشويه، يقولون كلمة حق ثم يتبعونها بالأباطيل والطعن في الإسلام وقلب الحقائق حتى تنطلي الأكاذيب.
ومن الشبهات التي رد عليها د.المطعني.. (عزلة النبي في غار حراء) و(هروبه من حر مكة) و(القرآن والاستفادة من شعراء الجاهلية) و(أسباب انتصارات الإسلام لا صلة لها بالإسلام نفسه) و(مثالية الإسلام ومشكلة صلاحيته للتطبيق) و(الإسلام سبب تأخر المسلمين) و(منهج التشريع القرآني تنقصه الدقة والشمول).. وغيرها إلى آخر هذه الشبهات والمطاعن، ورد عليها بالحجة والبراهين انطلاقًا من كتاب الله وسنة رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وسيرته العطرة.
أما في كتابه "استدراكات مراد هوفمان على الإسلام.. عرض وتقويم"، فإن الكاتب أخذ على (مراد هوفمان) ـ وهو أحد رجالات أوروبا المعاصرين البارزين، والذي أعلن إسلامه ـ ملاحظاته واستدراكاته التي دونها في أحد كتبه الثلاثة التي ألفها عن تجربته في اعتناق الدين الجديد، ولكن أوقعته تلك التجربة السريعة التي عاشها في الإسلام في بعض المغالطات التي لم يكن على صواب فيها، مع تقدير د.المطعني لجهوده متمنيًا أن يطلع عليها هوفمان؛ عله يراجع نفسه فيما كتب.
وفي كتابه "سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله، والعلاقات الإنسانية منهاجًا وسيرة".. أوضح د.المطعني سماحة الدعوة إلى الإسلام بالوسائل السلمية، بعدما أشاع أعداء الدين الحنيف أنه دين دموي وإرهابي، ولا يقبل من الأمم والشعوب الأخرى إلا واحدة من اثنين: إما أن يسلموا أو أن يقتلوا، وهذه أكاذيب والإسلام بريء منها.. بل على العكس، فإن ما يقومون به هو الإرهاب بعينه، والدليل ما يحدث في البوسنة والهرسك والهند والصومال وفلسطين والعراق وغيرها من البلاد، مستخدمين الأسلحة الفتاكة؛ لتدمير بلاد الإسلام وإهلاك المسلمين، فاستباحوا لأنفسهم هتك الأعراض واغتصاب النساء وقتل الأطفال وهدم المساجد مستخدمين ما دأبوا عليه من إلصاق التهم والمفتريات بالإسلام والمسلمين.
لقد شرح المعطني سماحة الدعوة في القرآن الكريم في العهد المكي، ثم في العهد المدني، ثم حرية الاعتقاد، ويسرد سماحة الدعوة في النشاط النبوي، ثم في السنة القولية والسنة العملية، ثم بيَّن متى ولماذا شرع القتال في الإسلام، وضوابط ممارسة القتال وأخلاقياته، وماهية العلاقة بين المسلمين وغيرهم، مع مراعاة التركيز والإيجاز ووضوح الدليل على سماحة الإسلام وقوة الاستدلال عليها.
كما تناول ـ رحمه الله ـ في كتابه "هذا بيان للناس".. الشبهات الثلاثين المثارة لإنكار السنة النبوية، والرد على هذه الشبهات، حيث إن الهجوم على السنة النبوية اشتد في تلك الفترة التي تم فيها تأليف الكتاب، ونشطت بعض الأقلام في الطعن في الحديث النبوي بشكل عام، ودعوة الناس إلى الإعراض عن السنة الشريفة، وعدم التعويل عليها في علاقة المسلم بربه ومجتمعه وأسرته ودنياه وآخرته.
ولما راقب المؤلف ما نشر حول هذا الموضوع، فرآه يزداد عنتًا وضراوة وقبحًا يومًا بعد يوم، ورأى الذين تولوا كبر هذه الفتنة كلهم ـ بلا استثناء ـ دخلاء أدعياء على المجال زجوا بأنفسهم فيه؛ إذ لا صلة لهم بالدراسات الإسلامية بعامة ولا بالحديث وأصوله بخاصة، وكل حظهم أنهم قرءوا بعض كتب التراث وأخذوا يبحثون عن العورات التي ظنوا أنها تفيدهم في تشويه حقائق الإسلام وعزله عن المسلمين أو عزل المسلمين عنه، رغم أن الله ـ تعالى ـ أمرنا في كتابه العزيز بامتثال كل ما ورد عن الرسول من أمر أو نهي في قوله تعالي: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: من الآية7]، فسنة الرسول - صلي الله عليه وسلم - هي مفاتيح العمل بالقرآن، والإسلام هو القرآن والسنة معًا، ومَن يجحد بهذه العقيدة فهو هالك.
كما تتبع المعطني في كتابه "أوروبا في مواجهة الإسلام.. الوسائل والأهداف" الخطط التي سلكتها أوروبا؛ لتحقيق أهدافها في القضاء على الإسلام، وعزل المسلمين عنه، إذا لم يمكن القضاء عليه وتحجيمه وحصره في مناطق ضيقة، والحيلولة بينه وبين الذيوع والانتشار.
أكد أن أوروبا أيقنت أن الإسلام قوة لا يُستهان بها، منذ الحروب الصليبية، وأن المسلمين إذا أحسنوا صلتهم بالإسلام، فلن تكون في الأرض قوة تضارع قوتهم ورأوا ذلك واضحًا في دحر صلاح الدين لهم وطردهم من بيت المقدس، بعد سبعين عامًا من بقائهم فيه.. ثم رأوا ذلك واضحًا ـ أيضًا ـ إبان دولة الخلافة وكيف توحَّد المسلمون عربًا وغير عرب تحت لواء الخلافة الإسلامية، وقد صهرت عقيدة التوحيد المسلمين في بوتقة واحدة إلى جانب تاريخ الإسلام في الهند وأسبانيا.
لقد تتبع المؤلف وسائل أوروبا في تحقيق أهدافها وسيلة وسيلة، مدعمًا القول بأصدق الوثائق التاريخية والأدلة القطعية، فكشف عن طرق المواجهة والمحاولات الخادعة؛ لاحتواء العالم الإسلامي، ثم بيَّن عمل "التبشير والمبشرون والمستشرقون"، وكيف كانت "المواجهة من الداخل" و"الأضرار بالإسلام" ثم "مواجهة العربية الفصحى ودور العملاء في محاربة الفصحى" والعمل على "إحياء أوضاع ما قبل الإسلام.. وإثارة الشبهات" و "عمل البعثات الأجنبية في بلاد الإسلام" إلخ.
ولقد أثرى المطعني المكتبة الإسلامية بكتابات قيمة منها:
(المجاز في اللغة)، (القرآن الكريم بين الإجازة والمنع: عرض، وتحليل ونقد)، (الإسلام في مواجهة الأيديولوجيات المعاصرة)، (عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين)،(خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية)، (التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الحكيم)،(مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه)، (التبشير العالمي ضد الإسلام)، (أسباب زواج النبي بأمهات المؤمنين ومواجهة افتراءات المغرضين)، (الفقه الاجتهادي الإسلامي بين عبقرية السلف ومآخذ ناقديه)، (ملاحظات موضوعية حول فتوى إسلام المرأة دون زوجها وهل يفرق بينهما)، (لماذا لابد من دين الله لدنيا الناس)، (جريمة العصر قصة احتلال المسجد الحرام)، (مصادر الإبداع بين الأصالة والتزوير)، أبي آدم.. قصة الخليفة بين الخيال الجامح والتأويل المرفوض).
بالإضافة إلي العديد من الكتب الأدبية التي ألفها بحكم عمله أستاذًا بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر.
رحم الله الدكتور عبد العظيم المطعني، وجعل ما قدم من كتابات تدافع عن الإسلام في ميزان حسناته، يوم لا ينفع مال ولا بنون .
المصدر
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/id/1317/
