سلسلة الرد على دعاوي خالد بلكين بخصوص موثوقية القران : الحلقة السادسة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرد على الحلقة السادسة
اولا : بيان موقفنا لما احرقه عثمان بن عفان رضي الله عنه و هل تضمنت مصاحفنا جميع الاحرف السبعة ام لا .
اختلف العلماء في بيان ما احرقه عثمان رضي الله عنه من القراءات الشاذة الى قسمين :
الاول : من قال بان هذه كانت قراءات ضمن الاحرف السبعة قرا بها النبي صلى الله عليه وسلم كما قرا بالمتواتر اليوم ثم نسخت بالعرضة الاخيرة و لم يبقى منها الا المتواتر وممن قال بهذا ابي عبيد القاسم بن سلام و ابن الجزري و ابن حجر و ابو شامة و الطبري رحمهم الله .
الثاني: من قال بان ما احرقه كان عبارة عن قراءات تفسيرية في مصاحف الصحابة و هوامش و ذهب الى هذا ابن حزم و الباقلاني رحمهما الله
و ما نميل اليه هو القول الاول وهو ان مصاحفنا اشتملت على حرف واحد و بعض الاحرف الستة التي قرئت في العرضة الاخيرة و احتملها الرسم العثماني
نقرا في النشر في القراءات العشر لابن الجزري رحمه الله :(( وقال بعضهم : إن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا ، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم ، وهو أوفق لهم أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة ، وبعضهم يقول إنه نسخ ما سوى ذلك ; ولذلك نص كثير من العلماء على أن الحروف التي وردت عن أبي وابن مسعود وغيرهما مما يخالف هذه المصاحف منسوخة))
وقال ايضا في نفس المصدر :
((قال بن الجزري رحمه في النشر في القراءات العشر :
(( وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن هذه المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي - صلى الله عليه وسلم - على جبرائيل - عليه السلام - متضمنة لها لم تترك حرفا منها .
( قلت ) : وهذا القول هو الذي يظهر صوابه ; لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة المستفيضة تدل عليه وتشهد له..... ثم إن الصحابة - رضي الله عنهم - لما كتبوا تلك المصاحف جردوها من النقط والشكل ليحتمله ما لم يكن في العرضة الأخيرة مما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما أخلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المعقولين المفهومين ، فإن الصحابة - رضوان الله عليهم - تلقوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أمره الله تعالى بتبليغه إليهم من القرآن لفظه ومعناه جميعا ، ولم يكونوا ليسقطوا شيئا من القرآن الثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا يمنعوا من القراءة به .))
و قال بن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري نقلا عن بن عمار و الامام البغوي رحمهما الله :
((ووافقه على ذلك جماعة منهم أبو العباس بن عمار في " شرح الهداية " وقال : أصح ما عليه الحذاق أن الذي يقرأ الآن بعض الحروف السبعة المأذون في قراءتها لا كلها ، وضابطه ما وافق رسم المصحف ، فأما ما خالفه مثل " أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج " ومثل " إذا جاء فتح الله والنصر " فهو من تلك القراءات التي تركت إن صح السند بها ، ولا يكفي صحة سندها في إثبات كونها قرآنا ، ولا سيما والكثير منها مما يحتمل أن يكون من التأويل الذي قرن إلى التنزيل فصار يظن أنه منه . وقال البغوي في " شرح السنة " : المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه ، وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف ، فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع ، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم))
و نقرا من المرشد الوجيز لابي شامة الجزء الاول الباب الثالث نقلا عن الامام الطبري رحمه الله :
(( ثم ساق الكلام إلى أن قال:
"فحملهم -يعني عثمان رضي الله عنه- على حرف واحد، وجمعهم على مصحف واحد، وحرق ما عدا المصحف [53 و] الذي جمعهم عليه، فاستوسقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها طاعة منها له ونظرًا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها، وعفو آثارها، وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها، من غير جحود منهم صحتها، فلا القراءة اليوم لأحد من المسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية".
قال: "فإن قال بعض من ضعفت معرفته: كيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمرهم بقراءتها؟ ".
قيل: إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض، وإنما كان أمر إباحة ورخصة" (1) . ثم ساق الكلام في تقرير ذلك. ))
و يدل على هذا ما صرحه سمرة بن جندب رضي الله عنه من ان القران هو على العرضة الاخيرة .في مستدرك الحاكم الجزء الثاني كتاب التفسير
2857 - أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، ثنا علي بن عبد العزيز البغوي ، بمكة ، ثنا حجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة رضي الله عنه ، قال : «عرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضات » فيقولون : إن قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة.
حسن إسناد الرواية الإمام ابن حجر رحمه الله في فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وقال ((إسناده حسن))
ثانيا : الرد على شبهة حرق الستة احرف تلزم ضياع ستة اسباع القران .
و هذا ادعاء باطل نرد عليه من وجهين :
الوجه الاول : ان قراءة المصاحف العثمانية مبنية على قراءة العرضة الاخيرة كما قام الدليل على ذلك من حديث سمرة رضي الله عنه و على هذا فكل ما سوى ذلك ياخذ حكم المنسوخ تلاوة.
الوجه الثاني : تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بان حرفا واحدا من هذه الاحرف هو كاف شاف و هذا رد قاطع على مسالة ضياع اجزاء من القران .
مسند الامام احمد مسند الانصار
((21149 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَرَأْتُ آيَةً، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ خِلَافَهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: أَلَمْ تُقْرِئْنِي آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: "بَلَى " فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَلَمْ تُقْرِئْنِيهَا كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: "بَلَى، كِلَاكُمَا مُحْسِنٌ مُجْمِلٌ " قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَضَرَبَ صَدْرِي، فَقَالَ: "يَا أُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، إِنِّي أُقْرِئْتُ الْقُرْآنَ، فَقُلْتُ: عَلَى حَرْفَيْنِ، فَقَالَ: عَلَى حَرْفَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ؟ فَقَالَ الْمَلَكُ الَّذِي مَعِي: عَلَى ثَلَاثَةٍ، فَقُلْتُ: عَلَى ثَلَاثَةٍ، حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، لَيْسَ مِنْهَا إِلَّا شَافٍ كَافٍ، إِنْ قُلْتَ: غَفُورًا رَحِيمًا، أَوْ قُلْتَ: سَمِيعًا عَلِيمًا، أَوْ عَلِيمًا سَمِيعًا فَاللهُ كَذَلِكَ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ " (1)))
قال الشيخ شعيب الارنؤوط في تحقيقه
((1) إسناده صحيح على شرط الشيخين. همام: هو ابن يحيى العَوْذي، وقتادة: هو ابن دِعامة السَّدُوسي البصري.
وأخرجه الضياء في "المختارة" (1173) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، بهذا الإسناد.))
نقرا من شرح سنن ابي داود باب نزول القران على سبعة احرف
((قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن سليمان بن صرد الخزاعي رضي الله عنه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أبي! إني أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين، قلت: على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك الذي معي: قل: على ثلاثة، قلت: على ثلاثة، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب)].
قوله: [(أقرئت القرآن فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين حتى بلغ إلى سبعة أحرف)] أن الأحرف منتهاها سبعة، وأنه ليس المراد أكثر من سبعة أحرف؛ لأنه ذكر هذا الترقي من واحد إلى أن وصل إلى سبعة، ثم قال: [(ليس منها إلا شاف كاف)] يعني: أي واحد منها هو شاف كاف.
قوله: [(إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب)]، هذا فيما مضى وفي شيء قد انتهى، وأما الآن فليس أمام الناس إلا ما هو موجود في المصحف، فيتعين عليهم أن يأتوا بما هو موجود في المصحف، وليس بإمكانهم أن يأتوا بشيء خلاف ذلك.
وهذا يفيد أن هذا مما كان موجوداً من قبل، ولكنه بعد جمع القرآن على حرف واحد في عهد عثمان رضي الله عنه لم يكن أمام أي مسلم إلا أن يأتي بالقرآن على ما هو عليه، وعلى الصيغة وعلى اللفظ وعلى الترتيل الذي جاء في هذا المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله عنه وأرضاه))
ثالثا : بيان تدليس خالد بلكين في اتهامه الباقلاني بالاضطراب .
ذهب الباقلاني في توجيه القراءات الشاذة على انها قراءات تفسيرية و نفي كونها قراءات منزلة من الاحرف السبعة وقد ذكر هذا في شرح الهداية
نقرا ما نقله عنه ابو شامة المقدسي في المرشد الوجيز الجزء الاول الباب الثالث و هو نفس ما نقله حالد بلكين الا اننا ناتي بسياقه كاملا :
(( "القوم لم يختلفوا عندنا في هذه الحروف المشهورة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي لم يمت حتى علم من دينه أنه أقرأ بها وصوب المختلفين فيها، وإنما اختلفوا في قراءات ووجوه أخر لم تثبت عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم تقم بها حجة، وكانت تجيء عنه مجيء الآحاد، [54 و] وما لم يعلم ثبوته وصحته، وكان منهم من يقرأ التأويل مع التنزيل، نحو قوله تعالى:
{وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} (1) ، وهي صلاة العصر، "فإن فاءوا فيهن" (2) , وأمثال هذا مما وجدوه في بعض المصاحف، فمنع عثمان رضي الله عنه من هذا الذي لم يثبت ولم تقم به الحجة، وحرقه، وأخذهم بالمستيقن المعلوم من قراءات الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
"فأما أن يستجيز هو أو غيره من أئمة المسلمين المنع من القراءة بحرف ثبت أن الله تعالى أنزله، ويأمر بتحريقه والمنع من النظر فيه والانتساخ منه، ويضيق على الأمة ما وسعه الله تعالى، ويحرم من ذلك ما أحله، ويمنع منه ما أطلقه وأباحه، فمعاذ الله أن يكون ذلك كذلك".
وقال في موضع آخر:
"ليس الأمر على ما توهمتم من أن عثمان رضي الله عنه جمعهم على حرف واحد وقراءة واحدة، بل إنما جمعهم على القراءة بسبعة أحرف وسبع قراءات، كلها عنده وعند الأمة ثابتة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وساق الكلام في تقرير ذلك إلى أن قال:".. لئلا تسقط قراءة قرأ بها الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويعفو أثرها، ويندرس رسمها، ويظن بعد ذلك القارئ بها أنه قارئ بغير ما أنزل الله من القرآن". "وعرف عثمان حاجة الناس إلى معرفة جميع تلك الأحرف، كتبها في مصاحفه، وأنفذ كل إمام منها إلى ناحية، لتكون [55 و] جميع القراءات محروسة محفوظة".وقال في موضع آخر:
"إنما اختار عثمان حرف زيد؛ لأنه هو كان حرف جماعة المهاجرين والأنصار، وهو القراءة الراتبة المشهورة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعليها كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي وعبد الله ومعاذ ومجمع بن جارية وجميع السلف رضي الله عنهم، وعدل عما عداها من القراءات والأحرف؛ لأنها لم تكن عند عثمان والجماعة ثابتة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا مشهورة مستفيضة استفاضة حرف زيد".
"وإنما نسب هذه الحرف إلى زيد؛ لأنه تولى رسمه في المصاحف وانتصب لإقراء الناس به دون غيره".))
و مع اننا نخالف الباقلاني رحمه الله في توجيهه للاحرف السبعة و تضمينه لها كلها في المصاحف العثمانية الا اننا نلخص ما نقلناه عن الباقلاني رحمه الله في المسالة :
1. ان القراءات الشاذة ليست من الاحرف السبعة انما هي قراءات احاد ناتجة عن دخول التفسير مع القراءة او انها سهو من القارئ حيث ظنها قراءة صحيحة .
2. ان حرف زيد هو حرف و قراءة معظم المهاجرين و الانصار و اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
3. ان حرف زيد سمي بذلك لانه تولى كتابة المصاحف زمن ابي بكر و عثمان رضي الله عنهما لا اقل و لا اكثر .
4. ان ما جمع عثمان رضي الله عنه الناس عليه انما هو حرف زيد و هي قراءة المهاجرين و الانصار التي احوت على الاحرف السبعة كاملة .
5. ان القراءات التي احرقها عثمان رضي الله عنه هي القراءات التي احتوت على التفسير او التي جاءت بطريق الاحاد و لا تثبت قرانا .
وهذا الموضع الاخير الذي نقله ابو شامة عن الباقلاني رحمهما الله لم يذكره خالد بلكين وانما اكتفى بهذا الاقتباس :
(( يس الأمر على ما توهمتم من أن عثمان رضي الله عنه جمعهم على حرف واحد وقراءة واحدة، بل إنما جمعهم على القراءة بسبعة أحرف وسبع قراءات، كلها عنده وعند الأمة ثابتة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". ))
ثم انتقل الى كتابه الانتصار و اقتبس هذا الموضع من المقدمة ليوهم المشاهد باضطراب الباقلاني :
(( ونبدأ بالكلام في نقل القرآن وقيام الحجة به. ووصف توفّر هِمَمِ الأمة على نقله وحياطته، ثم نذكر ابتداء أبي بكر رضي الله عنه لجمعه على ما أنزل عليه بعد تفرقه في المواضع التي كتب فيها. وفي صدور خلقٍ حفظوا جميعه، وخلق لم يحيطوا بحفظ جميعه، واتباع عمرَ رضي الله عنه والجماعة له على ذلك، وصوابه فيما صنعه، وسبقُه إلى الفضيلة به، والسبب الموجب لذلك، ثم نذكر جمع عثمان رضي الله عنه الناس على مصحفٍ واحد، وحرف زيد بن ثابت، ونبين أنه لم يقصد في ذلك قصد أبي بكر في جمع القرآن في صحيفةٍ واحدةٍ على ترتيب ما أوحي به، إذ كان ذلك أمرا قد استقر وفُرغَ منه قبل أيامه، ونبين صواب عثمان رضي الله عنه في جمع الناس على حرف واحد، وحظره ومنعه لما عداه من القراءات، وإن الواجبَ على كافة الناس اتباعه، وحرامٌ عليهم بعده قراءةُ القرآن بالأحرف والقراءات التي حظرها عثمانُ ومنع منها، وأنّ له أخذَ المصاحفِ المخالفةِ لمصحفه، ومطالبة الناس بها، ومنعهم من نشرها ))
فقد اراد ايهام الناس بان ذكره لحرف زيد و جمع عثمان رضي الله عنه الناس على قراءة واحدة يناقض ما قاله في شرح الهداية و ذلك لعدم علم العامي بانه بتر بقية ما نقله ابو شامة من كلام الباقلاني رحمهما الله حيث اوضح ان حرف زيد انما سمي بذلك لانه تولى رسم المصحف و ان قراءته هي قراءة عامة المهاجرين و الانصار و انها احتوت الاحرف السبعة كلها و ان القراءات الاخرى هي قراءات تفسيرية .
و لكن العجيب ان الباقلاني رحمه الله في موضع اخر من كتابه الانتصار اعاد ما قاله في شرح الهداية ( كما نقلناه من اقتباس ابي شامة له في المرشد الوجيز ) و هذا يدل ان خالد بلكين لم يقرا كتاب الانتصار و انما بدا يقرا المقدمة ثم طار فرحا بما لم يفهمه او انه دلس متعمدا !!!
نقرا من كتاب الانتصار الجزء الاول :
((ثم أخبرهم أن كل تلك القراءات منزلةٌ من عند الله تعالى، ومن جملةِ السبعة الأحرف التي راجع فيها وسألَه التخفيفَ عن أمته، وأنه استزاد الملكَ فزاده حتى بلغ سبعةَ أحرف، فوجبَ بذلك القطعُ على تصويب كل قارىء ببعض هذه السبعة الأحرف، وأنّها بأسرها من عند الله تعالى، وأن عثمانَ وأبيّا وعبدَ الله بن مسعود لم يختلفوا قط في شيءٍ من هذه الأحرف السبعة، ولا أنكر أحدٌ منهم على صاحبه القراءة ببعضها والإخبار له وإطلاق الباقي لمن قرأ به، وأن عثمانَ لم يَحرِق شيئاً من المصاحف لتضمنها شيئاً من هذه القراءات، وأنّه إنما حرَّق منها ومنعَ من التمسك به لتضمنها شيئاً لم يثبت أنّه قرآن، وما أُثبتَ على خلاف ما أنزل الله، أو لتضمنه الآيةَ وتفسيرَها التي يخافُ على غير مثبتها توهمه لكون التفسير قرآناً، أو لتضمُّن تلك المصاحف لقرآنٍ كان أُنزلَ ثم نُسخَ ومُنع وحُظرَ رسمُه، فلم يعرف ذلك من سَمِعَهُ أو أثبته بذكره لنفسه لا ليجعل مصحفَه إماماً.
وقد روى رواية ظاهرةً أنّ عمر رضيَ الله عنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت آية الرّجم: والشيخُ والشيخة فارجموهما ألبتّة، أثبتها يا رسول الله، فقال له: لا أستطيعُ ذلك لقوله عليه السلام إنه مما نُهيَ عن رسمه، ولو كان مما أمِرنا بإثباته لاستطاعَ أن يثبته ولم يكن لتركه وإجابة عُمر بأنّه لا يستطيع ذلك وجه.
فيجب إذا كان ذلك كله أخذُ المصاحف المتضمِّنة لمثل هذه الأمور وتصفية آثارها والمنعِ من التمسُّك بها والانتساخِ منها إذا كان ذلك من أجلبِ الأمورِ لفساد نقلِ القرآن وإدخال السنة والتخاليط فيه، وخلطِه بما ليس منه على مارتبناه وبيّنّاه من قبل. ووجبَ لذلك أن لا يكونَ بين عثمانَ وعبد الله وأبيّ خلافٌ في هذه القراءات، وفي تسويغ جميعها وإطلاقه والقطعِ على أنَّها من عند الله جلّ ذكره، وأنّه لا يجوز لعثمانَ ولا لغيره منعُ القراءة بشي، من هذه الأحرف وحظره وتخطئةِ القارىء به وتأثيمِه بعد توقيف الرسول على صواب القارىء بكل شيء منها، لأنّه لا يسوغ لأحد أن يُحرِّم ويحظر ما أحقه الله جلَّ وعزَّ ويُخطَىءَ من حَكمَ اللهُ بصوابه، وحكم الرسولُ بأنّه محسنٌ مُجملٌ في قراءته ))
فانظروا و تعجبوا من هذا التدليس !!!
يتبع