-
هل هناك إكراه في الدين؟
إخواني في الله أرجو الرد على هذه الشبهة:
كما تعلمون أنه (لآإكراه في الدين) لكنني فوجئت بابن كثير وهو يقول في تفسيرها:
(وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ مَنْسُوخَة بِآيَةِ الْقِتَال وَأَنَّهُ يَجِب أَنْ يُدْعَى جَمِيع الْأُمَم إِلَى الدُّخُول فِي الدِّين الْحَنِيف دِين الْإِسْلَام فَإِنْ أَبَى أَحَد مِنْهُمْ الدُّخُول وَلَمْ يَنْقَدْ لَهُ أَوْ يَبْذُل الْجِزْيَة قُوتِلَ حَتَّى يُقْتَل وَهَذَا مَعْنَى لَا إِكْرَاه قَالَ اللَّه تَعَالَى" سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْس شَدِيد تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ " وَقَالَ تَعَالَى " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ " وَقَالَ تَعَالَى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ" وَفِي الصَّحِيح عَجِبَ رَبُّك مِنْ قَوْم يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّة فِي السَّلَاسِل يَعْنِي الْأُسَارَى الَّذِينَ يُقْدَم بِهِمْ بِلَاد الْإِسْلَام فِي الْوَثَائِق وَالْأَغْلَال وَالْقُيُود وَالْأَكْبَال ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ يُسْلِمُونَ وَتَصْلُح أَعْمَالهمْ وَسَرَائِرهمْ فَيَكُونُوا مِنْ أَهْل الْجَنَّة)
http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di...EER&tashkeel=0
هل فعلا الآيه منسوخة بقوله تعالى في سورة التوبة(5):
(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وَقَوْله " وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد " أَيْ لَا تَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ وِجْدَانكُمْ لَهُمْ بَلْ اِقْصِدُوهُمْ بِالْحِصَارِ فِي مَعَاقِلهمْ وَحُصُونهمْ وَالرَّصْد فِي طُرُقهمْ وَمَسَالِكهمْ حَتَّى تُضَيِّقُوا عَلَيْهِمْ الْوَاسِع وَتَضْطَرُّوهُمْ إِلَى الْقَتْل أَوْ الْإِسْلَام وَلِهَذَا قَالَ " فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلهمْ إِنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم " وَلِهَذَا اِعْتَمَدَ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي قِتَال مَانِعِي الزَّكَاة عَلَى هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة وَأَمْثَالهَا حَيْثُ حَرَّمَتْ قِتَالهمْ بِشَرْطِ هَذِهِ الْأَفْعَال وَهِيَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَالْقِيَام بِأَدَاءِ وَاجِبَاته وَنُبِّهَ بِأَعْلَاهَا عَلَى أَدْنَاهَا
http://quran.al-islam.com/Tafseer/Di...EER&tashkeel=0
أفيدونا أفادكم الله.
-
السلام عليكم
آية (لا إكراه في الدين) فيها عدة أقوال ذكرها الإمام القرطبي جميعا في تفسيره وهي بإختصار:
1-أنها منسوخة بآية "يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين" [التوبة: 73].
2-ليست بمنسوخة وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصة.
3-نزلت هذه في الأنصار، كانت تكون المرأة مقلاتا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده؛ فلما أجليت بنو النضير كان فيهم كثير من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا فأنزل الله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي".
4-نزلت الآية في رجل من الأنصار يقال له أبو حصين كان له ابنان، فقدم تجار من الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الخروج أتاهم ابنا الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصرا ومضيا معهم إلى الشام، فأتى أبوهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتكيا أمرهما، ورغب في أن يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم من يردهما فنزلت: "لا إكراه في الدين" ثم نسخت بآية السيف..
5- معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف مجبرا مكرها..
6-وهو أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا إذا كانوا كبارا، وإن كانوا مجوسا صغارا أو كبارا أو وثنيين فإنهم يجبرون على الإسلام؛ لأن من سباهم لا ينتفع بهم مع كونهم وثنيين؛ ألا ترى أنه لا تؤكل ذبائحهم ولا توطأ نساؤهم، ويدينون بأكل الميتة والنجاسات وغيرهما، ويستقذرهم المالك لهم ويتعذر عليه الانتفاع بهم من جهة الملك فجاز له الإجبار. ونحو هذا روى ابن القاسم عن مالك. وأما أشهب فإنه قال: هم على دين من سباهم، فإذا امتنعوا أجبروا على الإسلام، والصغار لا دين لهم فلذلك فأجبروا على الدخول في دين الإسلام لئلا يذهبوا إلى دين باطل. فأما سائر أنواع الكفر متى بذلوا الجزية لم نكرههم على الإسلام سواء كانوا عربا أم عجما قريشا أو غيرهم
وللمزيد يمكن الرجوع لتفسير الإمام القرطبي رحمه الله...
فالواضح أن كل هذه إجتهادات من المفسرين,والقول بأن الآية منسوخة هو واحد من عدة أقوال...
ولو أن حضرتك أعدت قراءة تفسير ابن كثير ستجد أن هناك أقوالا أخرى في الآية مثل قوله:
"وقد ذهب طائفة كثيرة من العلماء, أن هذه محمولة على أهل الكتاب"
كما أن الإمام الطبري قد نفى نسخ الآية في تفسيره فقال:
(وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية فـي خاص من الناس, وقال: عنى بقوله تعالـى ذكره: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} أهل الكتابـين والـمـجوس, وكل من جاء إقراره علـى دينه الـمخالف دين الـحق, وأخذ الـجزية منه. وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا)...
كما أنه من الواضح من روايات نزول الآية الكريمة أنها نزلت بعد الأمر بقتال المشركين مما يرجح القول بأن الآية ليست بمنسوخة.....
والحقيقة أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابتة إلى يوم الدين بدليل قول رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام:
- والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله يبعث عليكم عذابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم
الراوي: حذيفة - خلاصة الدرجة: [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] - المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - الصفحة أو الرقم: 3/230
وفي الآية الكريمة:
" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"[آل عمران:110]
وهناك الكثير من آيات القرآن الكريم تحث على الدعوة بالمعروف وعن الإعراض عن أذى المشركين...
أما عن الآية الكريمة:
(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
فقد نزلت مع مجموعة آيات في بدايات سورة التوبة_ويقال أن هذه الآيات هي من أواخر مانزل من القرآن_فقد نزلت بعد أن عاد الرسول :salla-y: من غزوة تبوك ووجد أن المشركين يحاصرون مكة ويطوفون بالكعبة عرايا,فأمر الله عز وجل المؤمنين بقتال هؤلاء المشركين الذين يحاربون دينه ويصدون عن الدعوة,وهي كذلك-أي هذه الآيات- فيها أمر للمسلمين في كل مكان وكل عصر بقتال كل من يصد عن الدعوة وعن الدين الذي اختاره الله للبشرية لتنال السعادة في الدنيا والآخرة,فمن اهتدى منهم وعاد إلى دين الفطرة وأقام شرائع الله فقد أمر الله عز وجل بكف الأذى عنه....
-
الرد منقول عن شيخنا بن عثيمين رحمه الله:
أولا لابد من التقريب بين الآية والحديث فالآية هي قوله تعالى(فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم(5))
والحديث قوله صلى الله عليه وسلمhttp://www.imanway1.com/horras/images/smilies/frown.gifأمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن هم فعلو ذلك عصمو مني دمائهم وأموالهم وحسابهم على الله إلا بحق الإسلام)
يقول الشيخ بن عثيمين: هذا عام أي الأصل قتالهم إلا أن يسلموا فإن أسلموا فليسوا من أهل الحرب والقتال.
طيب هل هذا معناه إجبارهم على الإسلام؟
الجواب: كلا . إن أبوا الإسلام فعليهم دفع الجزية فهذه الآيه عامة وهذا الحديث من الأحاديث النادرة المخصصة بالقرآن فالحديث عام خصصه قول الله تعالىhttp://www.imanway1.com/horras/images/smilies/frown.gifقاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الآخر ولايحرمون ماحرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون(29) )التوبة.
فإن أبو الإسلام فيدفعون الجزية خضوعا لحكم الإسلام فليس المقصد إجبارهم على إعتناق الإسلام بل إجبارهم على الرضوخ لحكم الإسلام. ونقاتلهم حتى لاتكون فتنة أو كفر ظاهر.
طيب هذا حال أهل الكتاب يدفعون الجزية فما حال الهندوس والبوذيين ومن في حكمهم؟
الجواب:
تؤخذ منهم الجزية لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر.
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
رابط شرح الحديث:
http://www.islamway.com/?iw_s=Lesson...9484&series_id=
-
قبل البدء فى الحديث عن آية السيف أشير إلى قول الله تعالى
وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ
الأنفال 58
تفسير ابن كثير
يَقُول تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْم " قَدْ عَاهَدْتهمْ " خِيَانَة " أَيْ نَقْضًا لِمَا بَيْنك وَبَيْنهمْ مِنْ الْمَوَاثِيق وَالْعُهُود " فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ " أَيْ عَهْدَهُمْ " عَلَى سَوَاء " أَيْ أَعْلَمهُمْ بِأَنَّك قَدْ نَقَضْت عَهْدهمْ حَتَّى يَبْقَى عِلْمك وَعِلْمهمْ بِأَنَّك حَرْب لَهُمْ وَهُمْ حَرْب لَك وَأَنَّهُ لَا عَهْد بَيْنك وَبَيْنهمْ عَلَى السَّوَاء أَيْ تَسْتَوِي أَنْتَ وَهُمْ فِي ذَلِكَ قَالَ الرَّاجِز . فَاضْرِبْ وُجُوه الْغَدْر لِلْأَعْدَاءِ حَتَّى يُجِيبُوك إِلَى السَّوَاء . وَعَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى " فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء " أَيْ عَلَى مَهَلٍّ " إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْخَائِنِينَ " أَيْ حَتَّى وَلَوْ فِي حَقّ الْكُفَّار لَا يُحِبّهَا أَيْضًا . قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ أَبِي الْفَيْض عَنْ سَلِيم بْن عَامِر قَالَ : كَانَ مُعَاوِيَة يَسِير فِي أَرْض الرُّوم وَكَانَ بَيْنه وَبَيْنهمْ أَمَد فَأَرَادَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُمْ فَإِذَا اِنْقَضَى الْأَمَد غَزَاهُمْ فَإِذَا شَيْخ عَلَى دَابَّة يَقُول : اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر وَفَاء لَا غَدْرًا إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن قَوْم عَهْد فَلَا يَحِلَّنَّ عُقْدَة وَلَا يَشُدّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء " قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعَ فَإِذَا بِالشَّيْخِ عَمْرو بْن عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ شُعْبَة وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ طُرُق عَنْ شُعْبَة بِهِ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الزُّبَيْرِيّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيل عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ عَنْ سَلْمَان يَعْنِي الْفَارِسِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ اِنْتَهَى إِلَى حِصْن أَوْ مَدِينَة فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ دَعَوْنِي أَدْعُوهُمْ كَمَا رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ فَقَالَ إِنَّمَا كُنْت رَجُلًا مِنْكُمْ فَهَدَانِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَدُّوا الْجِزْيَة وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاء " إِنَّ اللَّه لَا يُحِبّ الْخَائِنِينَ " يَفْعَل ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع غَدَا النَّاس إِلَيْهَا فَفَتَحُوهَا بِعَوْنِ اللَّه
تفسير القرطبى
وَهَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَة وَبَنِي النَّضِير . وَحَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَنْ مُجَاهِد . قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَاَلَّذِي يَظْهَر فِي أَلْفَاظ الْقُرْآن أَنَّ أَمْر بَنِي قُرَيْظَة اِنْقَضَى عِنْدَ قَوْله " فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ " ثُمَّ اِبْتَدَأَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَة بِأَمْرِهِ فِيمَا يَصْنَعهُ فِي الْمُسْتَقْبَل مَعَ مَنْ يَخَاف مِنْهُ خِيَانَة , فَتَتَرَتَّب فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَة . وَبَنُو قُرَيْظَة لَمْ يَكُونُوا فِي حَدّ مَنْ تُخَاف خِيَانَته , وَإِنَّمَا كَانَتْ خِيَانَتهمْ ظَاهِرَة مَشْهُورَة . قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَجُوز نَقْض الْعَهْد مَعَ خَوْف الْخِيَانَة , وَالْخَوْف ظَنّ لَا يَقِينَ مَعَهُ , فَكَيْفَ يَسْقُط يَقِين الْعَهْد مَعَ ظَنّ الْخِيَانَة . فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا - أَنَّ الْخَوْفَ قَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى الْيَقِين , كَمَا قَدْ يَأْتِي الرَّجَاء بِمَعْنَى الْعِلْم , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا " [ نُوح : 13 ] . الثَّانِي - إِذَا ظَهَرَتْ آثَار الْخِيَانَة وَثَبَتَتْ دَلَائِلهَا , وَجَبَ نَبْذ الْعَهْد لِئَلَّا يُوقِع التَّمَادِي عَلَيْهِ فِي الْهَلَكَة , وَجَازَ إِسْقَاط الْيَقِين هُنَا ضَرُورَةً . وَأَمَّا إِذَا عُلِمَ الْيَقِينَ فَيُسْتَغْنَى عَنْ نَبْذ الْعَهْد إِلَيْهِمْ , وَقَدْ سَارَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْل مَكَّة عَام الْفَتْح , لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْهُمْ نَقْض الْعَهْد مِنْ غَيْر أَنْ يُنْبَذ إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ . وَالنَّبْذ : الرَّمْي وَالرَّفْض . وَقَالَ الْأَزْهَرِيّ : مَعْنَاهُ إِذَا عَاهَدْت قَوْمًا فَعَلِمْت مِنْهُمْ النَّقْض بِالْعَهْدِ فَلَا تُوقِعْ بِهِمْ سَابِقًا إِلَى النَّقْض حَتَّى تُلْقِيَ إِلَيْهِمْ أَنَّك قَدْ نَقَضْت الْعَهْدَ وَالْمُوَاعَدَةَ , فَيَكُونُوا فِي عِلْم النَّقْض مُسْتَوِيِينَ , ثُمَّ أَوْقِعْ بِهِمْ . قَالَ النَّحَّاس : هَذَا مِنْ مُعْجِز مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن مِمَّا لَا يُوجَد فِي الْكَلَام مِثْله عَلَى اِخْتِصَاره وَكَثْرَة مَعَانِيه . وَالْمَعْنَى : وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْم بَيْنَك وَبَيْنَهُمْ عَهْد خِيَانَة فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ الْعَهْد , أَيْ قُلْ لَهُمْ قَدْ نَبَذْت إِلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ , وَأَنَا مُقَاتِلُكُمْ , لِيَعْلَمُوا ذَلِكَ فَيَكُونُوا مَعَك فِي الْعِلْم سَوَاء , وَلَا تُقَاتِلهُمْ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُمْ عَهْد وَهُمْ يَثِقُونَ بِك , فَيَكُون ذَلِكَ خِيَانَةً وَغَدْرًا . ثُمَّ بَيَّنَ هَذَا بِقَوْلِهِ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبّ الْخَائِنِينَ
يتبع