هل حقًا خلق اللهُ عيسى مثل آدمَ؟!

هل حقًا خلق اللهُ عيسى مثل آدمَ؟!


قالوا: هل خلق اللهُ المسيح مثلما خلق الله آدمَ...؟ هذا ليس مقبولًا، فالمسيح كان في رحم امرأة بينما آدمَ لم يكنْ في رحم امرأة...
واستندوا في قولِهم على قولِه : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(59) (آل عمران).


الردُّ على الشبهةِ


أولًا: إنّ المِثليةَ التي تتحدّث عنها الآيةُ الكريمةُ هي كينونة الخلق وليس كيفية الخلق؛ فوجه الشبه بين خلق آدم وعيسى أنهما مخلوقان من غير أبوين ، فعيسى مخلوق من غير أب وليس إلها أو ابن إله كما يزعم المعترضون ...


بينما آدم أحق بذلك القياس؛ لأنه مخلوق من غير أب و أم ...ولكن أتفق الجميع على أنه عبد من عباد الله...
وكلاهما خلقا بكلمةٍ واحدةٍ قالها اللهُ هي:" كن "، التي خلق بها الاثنين مختلفين عن مُعظمِ البشرِ....

* بالنسبة لآدم : خلقه الله من طين ، من دون أب و أم ، ثم قال الله كن آدم فكان آدم.
* بالنسبة للمسيح: كان جنينًا في بطنه أمه ولم يخلق مباشرة من التراب مثل آدم ، لكن أصله من تراب الأب البشري آدم...

جاءَ في التفسير الميسّرِ: إنَّ خَلْقَ الله لعيسى من غير أب مثَلُه كمثل خلق الله لآدمَ من غير أب ولا أم، إذ خلقه من تراب الأرض، ثم قال له: "كن بشرًا" فكان. فدعوى إلهية عيسى لكونه خلق من غير أب دعوى باطلة; فآدمَ -عليه السلامُ- خلق من غير أب ولا أم، واتفق الجميع على أنّه عَبْد من عباد الله.اهـ


ثانيًا: إنْ قيلَ: كيف خلق اللهُ المسيحَ تفصيلًا وتدقيقًا مِنَ القرآن الكريم؟

قلتُ: إنّ الذي يظهر لي أنّ اللهَ خلق جنينًا في بطنِ مريمَ، هذا الجنين أصله من طين كغيره؛ خلقه بكيفية لا نعلمها في رحم العذراء مريم بكلمة (كن)، كما خلق أبينا آدمَ بها...
دلل على ذلك قولُ الملاكِ لها لما بشرها بالمسيحِ قائلًا: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا(21) (مريم).
فهمتُ مِنَ الآيةِ: أنّ اللهَ خلق المسيح في بطنِها قبل النفخِ بكلمة (كن)، وذلك لمّا قال جبريل: وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا(21)(مريم). أيْ: أنّ الأمر قد تمَ بالفعلِ وهو في بطنكِ...

ولمّا وصل عيسى إلى الشهر الرابع في بطنِ أمّه بث اللهُ فيه الروحَ (الحياة) كما يبُثها في كلّ جنين... قال : وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ(91) (الأنبياء).
لذلك تجد آيةً أخرى تقول: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12) ( التحريم).

نلاحظ : فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا؛ أي: بث اللهُ في المسيحِ الروحَ ليحيا مثل كلّ جنينٍ ، لكنّه من دون أب، وأما "فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا " أشارة إلى مكان المسيح في رحم أمه...
فلا يعقل أنّ الروح تبث في رحمٍ خاوي، بل بثُت في جسدٍ، وفي الشهر الرابع من عمره كباقي البشر...

ثبتَ عن النبيِّ محمد كما عند البخاريّ في صحيحِه برقمِ 3085 عن عبد اللهِ بن مسعود قال: " إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ... ".

إذًا: من خلال الجمع بين الآيتين الكريمتين، يتضح المراد كما يلي:

1- قولُه:" فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا " أي: نفخة الروح في الجنين عند الشهر الرابع التي تجعله حيًّا، وتصبح له حقوقًا وأحكامًا ؛لأنه صار نفسًا إنسانيًّا ، فالنبي يقول:" ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ" ....
2- قولُه: "فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا": أي أن نفخةَ الروحِ في طفلِها الذي كان في جسدِها كشأن غيرها... نُفخ في جنينها الذي في بطنها ، ولا تُنفخ الروح في جسدٍ خاوي بلا جنين أبدًا...
وعليْه: فقد قال اللهُ كن عيسى فكان عيسى جنينًا في رحم أمه إلى أن تم الأشهر الأربعة، أرسل الملاك لينفخ فيه الروح مثل غيره من البشر، وعندما بشرها الملاك بالمولد كانت حُبلى به بالفعل،لقول الملاك لها بعد البشارة : " وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا ". أيْ: أنّ الأمرَ قد تمَ بالفعلِ وهو في بطنكِ...

وجاءَت صفةٌ خلق المسيح واضحةً من قولِه : قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فإنّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(47) (آل عمران).
فالواضح أنّ اللهَ خلقه في رحمِها بكلمة كن فكان المسيح ، كما خلق آدمَ بكلمة كن فكان آدم ، ووجه التشابه أنهما مختلفان عن بقية البشر ....
وأما ما نسب إلى جبريل من كتب التفاسير أنه نفخَ في كمها فنزلت النفخةُ في فرجِها فحبلت، وغير ذلك....هذا لا يقبله إنسانٌ مفكرٌ متعقلٌ، بل أرفضُه رفضًا شديدًا......

تنبيه: هذا اجتهادٌ شخصيٌّ مني قد يحتمل الصحة والخطأ، وأرني قد وفقتُ -بإذنِ اللهِ-...



ثالثًا: إنّ الأناجيلَ التي يُؤمنُ بها المُعترضون أهملت هذا الجانب تمامَ الإهمال، فقد اختيرت الأربعة أناجيل منْ قَاربت مائة إنجيل في مجمع نقية 325 م، ولا أدري لماذا اختاروا هذه الأربعة دون غيرها؟!
ولا يُقال: إنّهم كانوا مسوقين بالروح القدس؛ لأنّهم في هذا المجمع لم يكونوا يعلموا أنّ الروح القدس إله أو أقنوم... بل أظهروها في الجامع التالية من قانون الإيمان...

وعليْه: فكان مِنَ المحتل إنّنا نجدُ ضالتنا هذا الأمر مِنَ الأناجيل التي لم يختارها الإباء الكهنة الغير مساقين بالروح القدس حينها...

والعجب أنّهم يعتقدون في قانون الإيمان أنّ المسيحَ مولود غير مخلوق !
أيْ: أنّ العذراء مريم حبلت بالمسيحِ في بطنها وأخرجته إلى الدنيا وأرضعتُه... ولكنه غير مخلوقٍ، ولا أدري على ماذا يستندون أو يفكرون...؟!

وما الفرق الجوهري بين المولود والمخلوق لكل متعقل متعلم؟!
فهل يكون المولود من رحم امرأة خالقًا ، لأنه ليس مخلوقًا...؟!

والأكثر عجبًا أن إنجيلِ يوحنّا نسبَ ضمنيًّا إلى يسوعَ أنه ابن زنا... وذلك في الإصحاح 8 عدد 41 " أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ أَبِيكُمْ». فَقَالُوا لَهُ:«إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا. لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ".

نُلاحظُ مِنَ النصِّ: أنّ اليهود الفريسيون كان يسوع يحاورن يسوع وفي ثنايا الحوار القوا تهمة عابرة بأنّه ابن زنا إشارةً إلى أمه ، وذلك لما قالوا له: " إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا ".!

واخيرًا: بعد أن قمتُ بالبيان والبرهان أرجو من المعترضين أن يردوا على ما طرحتُه من أمور لا توافق عقل وإيمان ، بل بها إساءة وبهتان...

كتبه / أكرمُ حسن مرسي
نقلًا عن كتابي : ردّ السهام عن الأنبياءِ الأعلام، بعد المراجعة