انه الصوديوم ايها الاخوة ايتها الاخوات

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مأساة حقا هي وضعنا الصحي وخاصة فيما يتعلق بأمراض العصر
السكري وإرتفاع ضغط الدم والسمنة وأمراض القلب

لن أرهقكم بإفتتاحية علمية بل سنفتتح موضوعنا هذا بحكاية قصيرة

بطل القصة أو الحكاية هو الحاج صالح مصاب عافاكم الله بحالة صعبة من إرتفاع ضغط الدم
موعده اليوم مع طبيبه وترافقه إلى العيادة زوجته المخلصة حليمة
يقوم طبيبه بفحصه والاطلاع على نتائج التحاليل فيما يستعد الحاج صالح لاستقبال نفس "الهزايب" ولن يطول به الانتظار

"الملح الملح يا حاج . . . كم مرة نبوا انقولولك نقص مل ملح . . . تو انغيرلك في جرعة الدواء وخلاص"

يرمق الحاج صالح زوجته بنظرة جعلتها تتمنى لو أن الارض تبتلعها
لكنها المسكينة من كثرة إفراطها في التقليل من الملح لدرجة أن أضرت بصحتها هي دون ان تشعر.
ومرت بالزوجين لحظات من الصمت الحزين والحزن الصامت.
لكن حليمة عزمت على ان ترضي زوجها بأن تصنع له أكلة تعجبه لأنها تناسب وضع أسنانه التي سقطت تترا (الواحدة تلو الاخرى) كما تسقط أوراق الاشجار
قامت حليمة بصنع كعكة "كيكة رطبة وأمنفجة كيف اشديقاتها" لم تضع فيها ذرة واحدة من الملح وقدمت له معها علبة من مشروب غازي.

ما لم تعرفه حليمة هنا انها بصنعها لهذه الكعكة وبتقديمها لعلبة المشروب فقد ساهمت في رفع ضغط الدم لزوجها.
ذلك لأن هذه الكعكة يدخل في صناعتها مادة "البيكنج باودر" والتي هي عبارة عن بيكربونات الصوديوم.
فالصوديوم هنا يدخل لجسم الحاج صالح ليس من الباب المعروف للجميع والمسمى بملح الطعام الذي يتكون من كلوريد الصوديوم ولكن من أبواب جانبية كثيرة.
فالملعقة الصغيرة الواحدة من مسحوق البيكنج باودر تحتوى على ألف ملي جرام من الصوديوم، وهذه الكمية كافية لرفع ضغط الحاج صالح بشكل ملحوظ، وهذا ينطبق أيضا على كثير من الاكلات الجاهزة التي نشتريها من السوق

ولغويا فكلمة صوديوم إنتقلت إلى أغلب اللغات من اللاتينية وجذرها هي كلمة صودا
وهذه الكلمة لها أصول عربية حيث كانت تستخدم قديما لعلاج الصداع ومن هنا أتى الاشتقاق صداع=sodaa وهذا ليس من عندي ولكنه من مصادر إنجليزية .

فمصدر إرتفاع ضغط الدم هو هذا الصداع بالرغم من ان الصوديوم هو ضروري للجسم ويؤدي الافراط في التقليل منه إلى مشاكل للاصحاء كما يؤدي الاكثار منه إلى مشاكل صحية للمرضى بإرتفاع ضغط الدم .

مصدر آخر وخطير جدا لهذا الصداع و يغفل عنه الناس هو المشروبات الغازية وما أدراك ما المشروبات الغازية.
فلو أن أحدكم يقرأ قائمة المحتويات المكتوبة بخط صغير على علب المشروبات الغازية سيجد جملة من مركبات الصوديوم
من كربونات الصوديوم إلى سترات الصوديوم و البنزات والبنزوات والبلاوات والخراوات فتحس كأنك تستمع لتاجر تركي يحاول أن يبيع لسائح عربي نظافات حمامات

هناك برفسور أمريكي من جامعة كاليفورنيا إسمه Dr. Robert Lustig له مجموعة من المحاضرات عن مخاطر المشروبات الغازية ويحدد منها بالذات الكوكا كولا الشهيرة التي تمول بأموالها الطائلة دعايات منتجاتها التي تستفيد منها المحطات التلفزيونية ولهذا السبب أي بسبب تعرضه لهذه الدلوعة فقلة من الناس من سمع بمحاضرات الدكتور لستيق بل حتى إسمه لم يسمع به إلا القليل (وأنتم الآن من بينهم).

وما قاله روبرت في المشروبات الغازية يوازي ما قاله الامام مالك في الخمر
وقد لا يقبل بعضكم هذا التشبيه دون أن يقرأ ما قاله هذا الدكتور ودون أن يدرك أن التشبيه هو على مستوى القول فقط.
يذكر الدكتور روبرت لستيق بحسرة كيف أن المشروبات الغازية التي صرنا نتناولها في أفراحنا وأتراحنا في غداءنا وعشائنا في فطورنا وفي سحورنا هي المسئولة عن امراض العصر القاتلة السكري و ضغط الدم و السمنة وهي التي تؤدي إلى أمراض القلب والجلطات الدماغية عافاكم الله .

هذا الموضوع قد يطول كثيرا لو أطلق لنفسي العنان بترجمة ما يقوله الدكتور روبرت ولأحس بعدها بأسى عميق لما آل إليه حال الناس بسبب عدم وجود من يبين لهم الحقائق ويبصرهم بهذه المخاطر.

الكارثة المحزنة حقا أن الاطباء عندنا لم يبينوا لمرضاهم أن للصوديوم مداخل كثيرة للجسم وأن الخطر لا يقتصر فقط على ملح الطعام ، قد يكون هذا ناتج من كثرة ما يشاهدون من حالات المرضى لدرجة يحسوا بالسأم من الموضوع

قد تعجبون لو أخبركم بأن الصوديوم من الممكن أن يدخل لاجسامنا من باب آخر غير معروف وليس عن طريق تناول أي غذاء أو شراب ولا حتى من الهواء عن طريق الشم أو الحقن الوريدية .

منكم من لن يصدق أن الصوديوم من الممكن أن يدخل للجسم ولو بكميات قليلة عن طريق الجلد مع إلافراط في إستخدام الصابون والشامبو وكثير من الكريمات لأن هذه المنظفات جميعا تحتوى على مواد يدخل في تركيبها الصوديوم.

من أكثر المواد شيوعا والتي تدخل في تركيبة جميع أنواع المنظفات تقريبا هي مادة SLS sodium lauryl solfate
وهناك مادة أخرى شبيهة بها تسمى SLES sodium laureth solfate
هناك سببان لوجود هذه المكونات بكثرة في مواد التنظيف والشامبو ومعجون الحلاقة
الاول انها هي التي تنتج عنها هذه الرغوة التي نستمتع بها ونرتاح لملمسها
والثاني أن هذه المادة رخيصة جدا ربما برخص التراب
هذه المادة من كثرة ما قرأت عن مضارها صرت أحس بالامتعاض عند سماع أو قراءة اسمها
وتدخل في كثير من الصناعات بما فيها زيوت السيارات.

ويجب أن انبه هنا أن الجلد لا يسمح لكل مادة بالنفاذ فلو أن أحدنا امضي ساعات في البحر فلن ينفذ ماء البحر المالح داخل جسمه ولكنه سيؤثر على الطبقة الخارجية
وموضوع إمتصاص الجلد في الواقع يحتاج منا إلى أن نتوقف عنده قليلا
فمن المعروف أن الكثير من العطور تحتوي على كحول، وعندما نربط هذه المعلومة مع موضوع إمتصاص الجلد للمواد الكيميائية نعرف أننا قد نقع في المحظور نتيجة لعدم درايتنا بهذا الامر.
وهناك مواد أخرى بها سموم لا نقدر خطورة إمكانية وصولها لدمائنا عن طريق إمتصاص الجلد لها
والمشكلة الاكبر هي أنه عندما تنفذ هذه المواد إلى الدم مباشرة فإنها تجتاز دفاعات الجسم الموجودة في المعدة والامعاء والكبد وقد تساعد مختلف الانزيمات في تفتيت هذه المواد
فلعله اهون على أجسادنا أن نتناول هذه السموم عن طريق الفم من أن نسمح لها بالنفاذ مباشرة للدم عن طريق الجلد.
ومن أراد التأكد من موضوع إمتصاص الجلد للمواد سأدلكم على تجربة بسيطة جدا ذكرها لي أحدهم عندما كان يعالج مشكلة في شعره وقد تبدو لبعضكم أنها غريبة ولكنها مفيدة. فقبل آذان المغرب بحوالي خمس دقائق ضع القليل من الهريسة على جزء من الرأس أو إن إستطعت التحمل ضعها على خدك أو على الجزء السفلي من الفك واحرص على عدم لمس الشفتين.
خلال خمس دقائق أو اكثر (تختلف من شخص لآخر) ستجد طعم الهريسة الحارة على لسانك وستحس بها على شفتيك، ولهذا طلبت منكم القيام بهذه التجربة قبل آذان المغرب بخمس دقائق تقريبا تفاديا لإحتمال أن تدخل للحلق وتؤدي إلى إفساد الصوم، واللسان قبيل المغرب يكون أكثر حساسية لإستطعام أي شيئ نظرا لخلوه من آثار أي طعام آخر
فما حدث هو أن الهريسة تم إمتصاصها عن طريق الجلد وانتقلت عن طريق الدم إلى اللسان والشفتين.

والصوديوم يوجد في أغلب المواد الغذائية التي نتناولها من لحوم وحليب وبيض وتوابل ومعلبات وحتى في كثير من الخضروات الطازجة والفواكه

بديهيا هذا لا يعني التوقف عن أكل كل هذه المواد الغذائية فالموت عندئذ قد يكون أهون لبعض الناس من العيش بدون كل هذه الاطعمة
ولكن أن نعرف مصدر المشكلة ومنابعها فهذا هو المطلوب
وأما القاسم المشترك لأغلب المشاكل الصحية بالاساس هو الافراط نعم الافراط في تناول الاطعمة و المشروبات
والمصيبة انك عندما تزور صديق او قريب يسارع بتقديم الطعام والشراب وإن لم تتناول شيئ عنده يزعل ، فمتى نغير عاداتنا يا ترى ؟

فمشكلة ضغط الدم أيها السادة لا تقتصر على ملح الطعام
ولو كنت بجانب الدكتور عندما قال للحاج صالح
"الملح الملح يا حاج ...... "
لهمست في أذنه
"الصوديوم الصوديوم يا طكتور . . . "

فالصوديوم أو الافراط في تناوله هو السبب في مرض ووفاة الكثير من أهلنا وأحبتنا

أسأل الله تعالى له ولجميع موتى المسلمين في هذه الايام المباركة الرحمة والمغفرة .

تقبل الله منا الصلاة والصيام والقيام
وحشرنا في زمرة خير الانام
وسقانا الله من حوض حبيبنا المصطفى شربة لا نظمأ بعدها أبدا