بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعين
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مصراوي :)
بالنسبة للموضوع العبد لله فى الحقيقة يواجه مشكلة فى فهم بعض ايات كتاب الله ويعتبرها بعض المشركين شبهة
وهما " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم "
" يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء .... "
وكلنا يعرف معنى البر الذى امرنا به الله للوالدين فامرنا به نفسه لمن لا يقاتلنا ولكن يمنعنا من فى الاية الاخرى من موالاتهم وانا اريد ان اعرف كيف اعامل اهل الكتاب هل احدثهم واتعامل معهم مثل ما اتعامل مثل الاكل سويا والعمل سويا والمساعدة وهكذا مثل ما يحدث بيننا ام ماذا
افيدونى اذا سمحتم وشكرا
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( 8 ) ) الممتحنة
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : عُنِيَ بِذَلِكَ : لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمَّ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ، مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَصِلُوهُمْ ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ . إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ : ( الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ) جَمِيعَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَتَهُ ، فَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ قَالَ : ذَلِكَ مَنْسُوخٌ ، لِأَنَّ بِرَّ الْمُؤْمِنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مِمَّنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَرَابَةُ نَسَبٍ ، أَوْ مِمَّنْ لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَلَا نَسَبَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَلَا مَنْهِيٍّ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ لَهُ ، أَوْ لِأَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةٍ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ تَقْوِيَةٌ لَهُمْ بِكُرَاعٍ أَوْ سِلَاحٍ . قَدْ بَيَّنَ صِحَّةَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي قِصَّةِ أَسْمَاءَ وَأُمِّهَا .
وَقَوْلُهُ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُنْصِفِينَ الَّذِينَ يُنْصِفُونَ النَّاسَ ، وَيُعْطُونَهُمُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَيَبَرُّونَ مَنْ بَرَّهُمْ ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ .
تفسير الطبري
وَقَوْلُهُ : ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ )أَيْ : إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ عَنْ مُوَالَاةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَاصَبُوكُمُ الْعَدَاوَةَ ، فَقَاتَلُوكُمْ وَأَخْرَجُوكُمْ ، وَعَاوَنُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ، يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنْ مُوَالَاتِهِمْ وَيَأْمُرُكُمْ بِمُعَادَاتِهِمْ . ثُمَّ أَكَّدَ الْوَعِيدَ عَلَى مُوَالَاتِهِمْ فَقَالَ : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) كَقَوْلِهِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [ الْمَائِدَةِ : 51 ] .
تفسير ابن كثير
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ ) مِنَ الْمَعْلُومِ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَعَ الْيَهُودَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ فِي الْمُؤَاخَاةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَحُقُوقِ الْقَبَائِلِ وَالْبُطُونِ ، وَمِمَّا جَاءَ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ : " وَأَنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مِنَ الْيَهُودِ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرٍ عَلَيْهِمْ " وَمِنْهُ فِي حُقُوقِ الْحِلْفِ وَالْوَلَاءِ فِي الْحَرْبِ : " وَأَنَّ الْيَهُودَ يُنْفِقُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ ، وَأَنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمَّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينُهُمْ ، مَوَالِيهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ أَوْ أَثِمَ فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ ( أَيْ يُهْلِكُ ) إِلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ ، وَأَنَّ لِيَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ " ثُمَّ أَعْطَى مِثْلَ مَا لِبَنِي عَوْفٍ لِيَهُودِ بَنِي الْحَارِثِ وَسَاعِدَةَ وَجُشَمَ وَالْأَوْسِ وَثَعْلَبَةَ - وَمِنْهُمْ جَفْنَةُ - وَالشَّطَنَةُ .
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ : " وَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَارَ الْكُفَّارُ مَعَهُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ صَالَحَهُمْ وَوَادَعَهُمْ عَلَى أَلَّا يُحَارِبُوهُ ، وَلَا يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ ، وَلَا يُوَالُوا عَلَيْهِ عَدُوَّهُ ، وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ آمِنُونَ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ، وَقِسْمٌ حَارَبُوهُ وَنَصَبُوا لَهُ الْعَدَاوَةَ ، وَقِسْمٌ تَارِكُوهُ فَلَمْ يُصَالِحُوهُ وَلَمْ يُحَارِبُوهُ ، بَلِ انْتَظَرُوا مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ وَأَمْرُ أَعْدَائِهِ ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ كَانَ يُحِبُّ ظُهُورَهُ وَانْتِصَارَهُ فِي الْبَاطِنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الظَّاهِرِ ، [ ص: 351 ] وَهُوَ مَعَ عَدْوِّهِ فِي الْبَاطِنِ ؛ لِيَأْمَنَ الْفَرِيقَيْنِ ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ ، فَعَامَلَ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَصَالَحَ يَهُودَ الْمَدِينَةِ ، وَكَتَبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابُ أَمْنٍ . وَكَانُوا ثَلَاثَ طَوَائِفَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ ; بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَبَنِي النَّضِيرِ ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ ، فَحَارَبَتْهُ بَنُو قَيْنُقَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ ، وَأَظْهَرُوا الْبَغْيَ وَالْحَسَدَ " ، ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلٍ آخَرَ : " ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ بَنُو النَّضِيرِ ، قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ " وَبَيَّنَ كَيْفَ تَآمَرُوا عَلَى قَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ) ( 5 : 11 ) إِذْ وَرَدَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي فَصْلٍ آخَرَ أَنَّ قُرَيْظَةَ كَانَتْ أَشَدَّ عَدَاوَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ نَقَضُوا صُلْحَهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ ، وَبَيَّنَ كَيْفَ حَارَبَ كُلَّ طَائِفَةٍ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا . فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْعَامُّ فِي النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ . وَكَانَ نَصَارَى الْعَرَبِ ، وَكَذَا الرُّومُ بِالطَّبْعِ ، حَرْبًا لَهُ كَالْيَهُودِ .
وَأَمَّا السَّبَبُ الْخَاصُّ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ فَهَاكَ مُلَخَّصُهُ : أَخْرَجَ رُوَاةُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ، وَابْنُ عَسَاكِرَ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ ، أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ : لَمَّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَبَّثَ بِأَمْرِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ( زَعِيمُ الْمُنَافِقِينَ ) وَقَامَ دُونَهُمْ ، وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَرَّأَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِنْ حِلْفِهِمْ ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَلَهُ مِنْ حِلْفِهِمْ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ، فَخَلَعَهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : " أَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَوِلَايَتِهِمْ " ، قَالَ : وَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللَّهِ نَزَلَتِ الْآيَاتُ فِي الْمَائِدَةِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ) إِلَى قَوْلِهِ : ( فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) .
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : جَاءَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي مَوَالِيَ مِنَ الْيَهُودِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ وِلَايَةِ يَهُودَ ، وَأَتَوَلَّى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ : إِنِّي رَجُلٌ أَخَافُ الدَّوَائِرَ ، لَا أَبْرَأُ مِنْ وِلَايَةِ مَوَالِيَّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ : " يَا أَبَا الْحُبَابِ ! أَرَأَيْتَ الَّذِي نَفَسْتَ بِهِ مِنْ وَلَاءِ يَهُودَ عَلَى عُبَادَةَ ، فَهُوَ لَكَ دُونَهُ " قَالَ : إِذَنْ أَقْبَلُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ) إِلَى أَنْ بَلَغَ ( وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ( 5 : 67 ) .
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْآيَةِ ، أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ؛ [ ص: 352 ] إِذْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِمْ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ؛ يَدْعُونَهُ وَقُرَيْشًا لِيُدْخِلُوهُمْ حُصُونَهُمْ ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ إِلَيْهِمْ يَسْتَنْزِلُهُمْ مِنْ حُصُونِهِمْ ، فَلَمَّا أَطَاعُوا لَهُ بِالنُّزُولِ أَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِالذَّبْحِ ، وَفِيهَا أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُكَاتِبُونَ النَّصَارَى بِالشَّامِ ، وَأَنْ بَعْضَهُمْ كَانَ يُكَاتِبُ يَهُودَ الْمَدِينَةِ بِأَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمَنُّونَ إِلَيْهِمْ لِيَنْتَفِعُوا بِمَا لَهُمْ وَلَوْ بِالْقَرْضِ ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ . وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ : لَمَّا خَافُوا أَنْ يُدَالَ لِلْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِفُلَانٍ الْيَهُودِيِّ فَيَتَهَوَّدَ مَعَهُ . وَقَالَ آخَرُ : إِنَّهُ يَلْحَقُ بِفُلَانٍ النَّصْرَانِيِّ فَيَتَنَصَّرَ مَعَهُ ، وَأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ .
قال الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ) علم مما سبق أن المراد بالولاية ولاية التناصر والمحالفة ، وقيده بعضهم بكونها على المؤمنين ، وأن النهي لأفراد المسلمين وجماعتهم دون جملتهم ، وأنه يشمل المؤمنين الصادقين وغيرهم ; لأنه مقدمة للإنكار على مرضى القلوب الذين يتخذون لهم اليد عندهم لعدم ثقتهم ببقاء الإسلام وثبات أهله . ولولا هذا لجوز أن يكون النهي لجملة المسلمين أيضا ، لا لأن من أصول الدين ألا يحالف أهله من يخالفهم فيه . كيف وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حالف يهود المدينة عقب الهجرة ؟ بل لأن القوم كانوا في حنق شديد على الإسلام وحسد للعرب على ما آتاهم الله من فضله ، فلا يوثق بوفائهم بعد ما كان من خيانتهم وغدرهم ، ولكن هذا غير مراد من الآية ، بل السياق يدل على الوجه الأول ؛ وهو أن يوالي أفراد أو جماعات من المسلمين أولئك اليهود والنصارى المعادين للنبي والمؤمنين ، ويعاهدونهم على التناصر من دون المؤمنين ؛ رجاء أن يحتاجوا إلى نصرهم إذا خذل المسلمون وغلبوا على أمرهم . ونكتة التعبير عنهم باليهود والنصارى دون أهل الكتاب هي أن معاداتهم للنبي والمؤمنين إنما كانت بحسب جنسياتهم السياسية ، لا من حيث أن كتابهم يأمرهم بذلك .
هذا النهي عن ولاية أهل الكتاب مثل النهي عن ولاية المشركين في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) ( 60 : 1 ) . . . إلخ . وقد نزلت في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش يخبرهم بعزم النبي صلى الله عليه وسلم على حربهم [ ص: 353 ] ; لأن له عندهم مالا وأهلا ، فأراد أن يتخذ عندهم يدا ; لأجل حماية أهله . والنهي عن الشيء بسبب من الأسباب لا يتناول من لم يتحقق فيهم ، ولا ينافي زوال النهي بزوال سببه ; ولذلك قال تعالى بعد هذا النهي في هذه السورة " الممتحنة " : ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) ( 60 : 7 - 9 ) فهذه الآيات نص صريح في كون النهي عن الولاية لأجل العداوة ، وكون القوم حربا ، لا لأجل الخلاف في الدين لذاته ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حالف اليهود كتب في كتابه " لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم " كما أمره الله أن يقول لجميع المخالفين : ( لكم دينكم ولي دين ) ( 109 : 6 ) .
تفسير المنار
_____________________________
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن الولاء والبراء يراد بها موالاة المسلم إخوته المسلمين ومحبتهم ومحبة الدين وبغضه للكفار والبراءة منهم ومن أعمالهم ومعبوداتهم وعاداتهم، وحب المؤمن العاصي بقدر طاعته وبغضه بقدر عصيانه. قال تعالى في موالاة المؤمنين: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة: 71]. وقال تعالى في محبة الإيمان وكراهية الكفر والمعاصي: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ [الحجرات: 7]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في محبة المؤمنين وكراهة الكفر: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار. رواه البخاري ومسلم . ويقول أيضا: من أحب لله وأبعض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان. رواه أبو داود وصححه الألباني . وقال تعالى في عدم موالاة الكفار: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء [الممتحنة: 1] وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم وبراءته من المشركين ومعبوداتهم وحضنا على التأسي به في ذلك: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه [الممتحنة: 4]
فالعلاقة بين المسلم وغيره يجب أن تضبط بميزان الشريعة، وأساس هذه العلاقة إن كانوا مسالمين غير محاربين يجب أن يكون: البر إليهم والعدل معهم والإنصاف لهم، ودعوتهم إلى الدين الحق بقدر المستطاع، ومع هذا فلا بد من خلو القلب من مودتهم ومحبتهم، فإن الحب في الله والبغض في الله: أوسط وأوثق عرى الإيمان،
مركز الفتوى إسلام ويب
مواضيع ذات صلة
الرد على دعوى معاداة الإسلام لمخالفيه وتعصبه ضد العقائد الأخرى
المولاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية