قال الله تعالى في سورة الحديد :
وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ {57/25}
في هذه الآية الكريمة سنتناول بالمناقشة قضيتين علميتين :
القضية الاولى هي "وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ" ، فمن اين نزل الحديد ؟ واين يتكون الحديد ؟ وهل هو اصلا تكون مع الارض أم جاء من الخارج ؟ وما هي البراهين العلمية على ذلك ؟
القضية الثانية هي "فيه بأس شديد" ، فما معنى هذا الكلام من الناحية العلمية ؟
القضية الاولى:
اثبت العلم الحديث ان ذرات الحديد لا يمكن ان تتكون إلا في قلب النجوم العملاقة . لماذا ؟ لآنه يحتاج الى طاقة هائلة لا توجد مثيلتها في النظام الشمسي كله ، إذ ان النجوم العملاقة عندما يتكون في قلبها الحديد تكون في الواقع في نهاية حياتها ، والشمس كما هو معروف عند العلماء ليست نجما عملاقا ، ولازالت في وسط حياتها ، ولذلك لا يمكنها تكوين الحديد . كما ان درجة حرارة قلب الشمس لا تزيد عن عشرين مليون درجة ، بينما الاندماج النووي الخاص بتكون الحديد يحدث فقط في نجوم عملاقة ترتفع درجتها الى اكثر من مائة مليون درجة كلفن كما سنرى لاحقا .
كيف يتكون الحديد ؟
قبل ان نعرف هذا ، يجب ان نتعرف على بعض الحقائق العلمية الخاصة بالنجوم . فالنجم عبارة عن كرة ضخمة من الغازات الملتهبة تتكون من الهيدروجين والهيليوم وقليل من العناصر الاثقل وزنا ( الاكسجين ، الكربون، السليكون) وهي تتماسك معا بواسطة قوة جاذبيتها الذاتية .
ولكن من اين تأتي الطاقة الهائلة المنطلقة من النجوم (مثل الشمس) ؟
تأتي من تفاعلات الاندماج النووي ، حيث تندمج نواتين من الهيدروجين لتكونا ذرة من الهيليوم الاثقل وزنا ، وتنطلق طاقة هائلة من هذا التفاعل ،
وطاقة الشمس خير نموذج لهذه العملية . ولكن ماذا يحدث عندما يتم استهلاك الهيدروجين الموجود بالنجم ؟
في حالة النجوم الصغيرة والمتوسطة (مثل الشمس) سوف ينكمش حجم النجم وتتغلب قوى جاذبيته على ضغط الغازات داخله (لآنها قد نفذت) فيحدث انهيار لقلب النجم نحو الداخل و تمدد لطبقاته الخارجية نحو الخارج ويصبح ما يسمى بالعملاق الاحمر ، ثم ينكمش الى قزم ابيض .
اما في حالة النجوم الاكبر (ضعفي الى ثلاثة اضعاف حجم الشمس) يتحول النجم الى عملاق احمر اضخم حجما ، ثم ينفجر انفجار يعرف باسم
سوبر نوفا ثم ينتهي لنجم نيوتروني نابض (النجم الطارق) .
اما في حالة النجوم العملاقة (خمسة اضعاف الشمس و اكبر) ، تحدث تفاعلات اخرى نتيجة لارتفاع درجات الحرارة بشكل قوي جدا (اكثر من مائة مليون درجة من مقياس كلفن الى ستمائة مليون درجة كلفن) و يبدأ تفاعلات الاندماج النووي لتكوين عناصر اثقل من الهيليوم حيث تندمج نويات الهيليوم لتكون الكربون ، والاكسجين ثم يتكون بعد ذلك السيليكون ، ثم مع ازدياد الضغط والحرارة تندمج نويات السليكون لتكون الحديد .
بعد تكون الحديد يقف التفاعل النووي الاندماجي لآن الحديد لا يمكن ان تندمج ذراته معا لتكون ذرات اثقل وزنا . يحدث بعد ذلك انفجار السوبرنوفا الرهيب مما يؤدي الى تطاير عناصر كثيرة الى الفضاء الخارجي ، ويتحول باقي النجم الى ما يعرف بالثقب الاسود .
Stars expand as they grow old. As the core runs out of hydrogen and then helium, the core contacts and the outer layers expand, cool, and become less bright. This is a red giant or a red super giant (depending on the initial mass of the star). It will eventually collapse and explode. Its fate is determined by the original mass of the star; it will become either a black dwarf, neutron star, or black hole.
http://www.enchantedlearning.com/subjects/astronomy/stars/lifecycle/
The simplest set of reactions are called helium capture reactions, where helium is captured by a series of more massive elements in the sequence carbon to oxygen to neon to magnesium. Other reactions, which can take place only at the highest temperatures and pressures, are C + O -> Si, and Si + Si -> Fe. Once silicon is fusing into iron, the game is up for the star. No reaction with iron can release more energy. Once this begins to happen, the star has only days until the end.
http://web.njit.edu/~gary/202/Lecture19.html
As the debris of a supernova clears, we see a gaseous expanding shell around the old star, the "supernova remnant," which consists of the debris of the explosion that is rich in the by- products of myriad nuclear reactions mixed in with local interstellar matter that is compressed by the mighty blast. Supernova remnants are readily identifiable by their X-rays and radio radiation. We believe all the iron in the Universe has come from such (and related) explosions.
http://stars.astro.illinois.edu/sow/star_intro.html
الخلاصة :
الحديد لا يتكون إلا في قلب النجوم العملاقة وفي آخر مراحل حياتها ، وينتقل منها الى الفضاء الخارجي بعد انفجار النجم .
الطاقة المستهلكة في تكون ذرات الحديد لا يوجد مثلها في النظام الشمسي .
إذاُ ، الحديد لم يتكون على الارض ، بل في قلب النجوم العملاقة المتفجرة . ولكن مع ذلك وصل الى الارض التي كانت منذ ملايين السنين مرمى لصخور ونيازك قادمة من خارج النظام الشمسي قذفت بالحديد الى الارض .
والنظرية السائدة عند العلماء الآن هي أن الحديد قد وصل الارض بواسطة تصادم كتلة كبيرة منه على هيئة كوكب صغير للأرض (كوكب ثيا ) منذ اربعة ونصف مليار سنة ، وقد اخترقت الارض من ثقلها لتستقر في المركز ، ومن شظايا الصخور المتطايرة بسبب الانفجار ، تم قذفها الى مدار حول الارض ثم تجمعت معا بواسطة الجاذبية مكونة القمر .
Astronomers think the collision between Earth and Theia happened at approximately 4.4 and 4.45[13] bya; about 30–50 million years after the Solar System began to form. In astronomical terms, the impact would have been of moderate velocity. Theia is thought to have struck the Earth at an oblique angle when the latter was nearly fully formed. Computer simulations of this "late-impact" scenario suggest an impact angle of about 45° and an initial impactor velocity below 4 km/s.[14] Theia's iron core would have sunk into the young Earth's core, and most of Theia's mantle accreted onto the Earth's mantle, however, a significant portion of the mantle material from both Theia and the Earth would have been ejected into orbit around the Earth (if ejected with velocities between orbital velocity and escape velocity) or into individual orbits around the sun (if ejected at higher velocities). The material in orbits around the earth quickly coalesced into the Moon (possibly within less than a month, but in no more than a century).
http://en.wikipedia.org/wiki/Giant_impact_hypothesis
The other part of the mystery is the lack of iron on the Moon, which would be taken care of by the planet that smashes into the Earth, named Theia. In computer simulations, Theia has to be half the mass of Mars and strike at 20km/s in order to penetrate into the core of the Earth and throw material out some of which escapes Earth's gravity. In this scenario, Theia's iron core merges with the Earth's core, leaving the mantle to make the Moon, with a similar isotopic composition but a low iron content.
http://www.theregister.co.uk/2012/10/18/moon_made_from_earth_collision/
وقد وجد العلماء ان القمر يشابه في معادنه وتكوينه الارض إلا في نقطة واحدة وهو فقره الشديد في الحديد ، وهذا يدعم نظرية كوكب ثيا الذي تصادم مع الارض منذ مليارات السنين .
http://im84.gulfup.com/cpHMQa.jpg
الرابط التالي يشرح النظرية بالفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=CqstCQxsLRc
الخلاصة :
الحديد نزل من السماء ولم يتكون على الارض
القضية الثانية :
"فيه بأس شديد"
تقع ذرة الحديد في وسط الجدول الدوري (للعناصر الكيميائية) وهي تمتلك اقوى طاقة ترابط (بين جسيمات نواة الذرة) ولذلك هي اكثر العناصر ثباتا.
إنها لا تنشطر (مكونة ذرات اصغر في اي تفاعل نووي) ولا تندمج (مكونة ذرات اثقل في اي تفاعل نووي) . إنها تمثل الحد الفاصل بين الانشطار والاندماج (النووي) .
The Iron atom, situated in the middle of the periodic table, has the highest binding energy and hence is the most stable element. It neither splits nor fuses with other atoms in a nuclear reaction. It represents the dividing line between fission and fusion
http://www.mpoweruk.com/nuclear_theory.htm
ويقول موقع آخر :
اكثر نوي (ذرات العناصر) ثباتا هو الحديد . نوى العناصر الاكبر من الحديد مثل الرصاص او الاصغر مثل الاكسجين تعد اقل ثباتا .
The most stable kind of nucleus is iron. Nuclei larger than iron, like lead, or smaller than iron, like oxygen, are less stable.
http://museumvictoria.com.au/scidiscovery/radioactivity/stable.asp
ويقول موقع ناسا :
في هذه المرحلة (من حياة النجوم) تتكون كثيرا من العناصر الكيميائية داخل النجم وتصل درجة حرارة قلب النجم ما بين مائة مليون و ستمائة مليون كلفن
وتتوقف هذه العملية عندما يكون قلب النجم مكون اساسا من الحديد .
During this stage, many different chemical elements will be produced in the star and the central temperature will approach temperatures between 100 million and 600 million K. This process ends when the core is composed primarily of iron
http://imagine.gsfc.nasa.gov/docs/science/know_l2/stars.html
تعليق :
هذا الكلام يؤكد على قوة عنصر الحديد وأنه لا يوجد عنصر اكثر قوة منه . فذرته الاكثر ثباتا بين كل العناصر ، و تكونه يحتاج الى درجات حرارة خيالية
لا توجد إلا في النجوم العملاقة التي توشك على الانفجار ، فتخيل معي مادة لا تتكون إلا في هذه الظروف الخيالية من الضغط ودرجة الحرارة .
أهمية الحديد في حياة الانسان :
لا يمكن ان ينكر احد دور الحديد في حياة الانسان ، إذ أنه العمود الفقري للصناعة ، فلا صناعة بدون حديد او انتاج الصلب الشهير بمتانته و رخص سعره نسبة الى بقية المعادن ، لذلك تصنع منه الآلات والمركبات والسفن وغيرها . وهو مادة قابلة لإعادة التدوير والاستخدام مرة اخرى في الصناعة ، والجميع يعرف تجارة الحديد الخردة . وحيثما نظر الانسان حوله يجد الحديد حوله في كل مكان حتى في الادوية و الطلاء و الصناعات الكيميائية .
ومن هنا قال الله تعالى في هذه الآية ان الحديد "فيه منافع للناس" ، ولا يوجد معدن آخر نفع الناس كما نفعه الحديد في الواقع .
وجه الاعجاز في الآية :
اولا:
الاشارة الى قوة الحديد بأن فيه بأس شديد . صحيح كان الحديد معروف بالقوة منذ زمن بعيد ولكن العلم الحديث كشف عن حقيقة أنه اكثر العناصر قوة وثباتا ، وكشف عن سر هذه القوة وهذا الثبات .
ثانيا :
الاشارة أنه نزل من السماء ولم يتكون في الارض ، وهذه معلومة لم تكتشف إلا في القرن العشرين ، فمن كان يتخيل ان الحديد لا يتكون إلا في الافران النجمية العملاقة فقط ؟
ومن كان يعلم ان النجوم تنفجر بعد ذلك قاذفة كثيرا من المعادن بما فيها الحديد لتكون نيازك في الفضاء الخارجي ؟
ثالثا :
كان الحديد مستخدم في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن استخدامه يقاس ابدا بما حدث في العصور التالية حيث بدأ الاعتماد عليه يزيد تدريجيا كلما خطى الانسان خطوة نحو التقدم العلمي ، ولكن الأية تشير لمنافعه العظيمة للناس في عصر كانت الادوات الخشبية هي السائدة .
فسبحان من علم الانسان ما لم يعلم ، وسبحان من أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم عن كل هذه الاسرار لتكون آية للناس على صدقه صلى الله عليه و سلم
