ترجمة تاريخ اليهود أو الإثم اليهودي
محمد إسماعيل بطرش
ترجمة تاريخ اليهود أو الإثم اليهودي
من يراجع تاريخ اليهود يتبادر له السؤال التالي:
ما هو الخطأ غير الطبيعي الذي ترزح تحت نيره الشخصية اليهودية منذ أقدم العصور و إلى الآن ؟ لماذا لم تستطع كل شعوب العالم تمثُّل اليهود رغم أن البشرية في كل بقاع الأرض مزيج من العديد من الأجناس و الثقافات استطاعت أن تجعل من مواريثها المتعددة بل و المختلفة نسقا موحدا تذوب فيه المعالم التي تؤدي إلى التفرقة و التمايز؟
يعتقد المسيحيون أن بني آدم يرزحون تحت نير الخطيئة الأصلية التي اقترفها آدم عليه السلام و أتى المسيح عليه السلام ليخلصهم من ربقة الخطيئة الأصلية، فكاد له اليهود عند الرومان و حكموا عليه بالصلب. أما بالنسبة لليهود، فيذكر القرآن الكريم كيف تنكروا لرسالة موسى عليه السلام عندما عاد من ميقات ربه ليجدهم عاكفين على عبادة العجل الذهبي فباءوا بغضب الله و لعل هذا هو الإثم الذي أحاق بهم و السبب الذي جعلهم يتشردون في كل بقاع الأرض دون أن تهضمهم دورة الحياة الطبيعية التي ينصهر فيها الناس فبقوا معقدا بشريا خارج دورة التفاعل الإنساني الطبيعي الذي تذوب فيه السمات الخاصة ضمن المتحد الذي يحتضنهم . لماذا لم تستطع أية حضارة هضم الجماعة اليهودية التي عرفت بكثرة انتقالها بين شعوب الأرض، و ما هو هذا الإثم الذي جر عليهم كل ما لحق و يلحق بهم من وبال. هل السبب في الوسط الذي انتقلوا و ينتقلون إليه أم في أنفسهم؟ سؤال حري بالبحث. لماذا لا يقيم من يناصر اليهود وطنا لهم بينهم؟ لماذا لم تستطع الشيوعية جعل اليهود مواطنين أمميين رغم أن ماركس كان يهوديا؟ و لماذا لم تستطع المسيحية التي غيرت طبيعتها بانتقالها إلى الغرب من حل الإشكال اليهودي رغم أن المحافظين الجدد هم حصيلة الدس الصهيوني؟
استطاع اليهود إدخال الدسيسة في المسيحية بتحميلها كتاب اليهود الذي انتحله رابيوهم على موسى عليه السلام كما استطاعوا تبرئة أسلافهم من صلب المسيح بقرار من البابا السابق.
عرفت شعوب الشرق و الغرب هجرات عديدة تمازجت فيها الشعوب و الثقافات و القوميات لتتخذ بالنهاية اسم الأرض التي يسكنوها و التي فرضت عليهم نمط الحياة التي يعيشونها. أما اليهود فبقوا في كل متحد انتقلوا إليه معقدا منفصلا. إلى متى سيبقى اليهود على هذه الحال؟ هل السبب كامن في كل شعوب الأرض أم في أنفسهم؟ هل لنا أن نفتش عن السبب رغم أن اليهود أنفسهم أحرى بهم أن يفتشوا عن السبب و أن يسعوا لفك عقدتهم التي سببت و تسبب كل مشاكل العالم منذ وجودهم و إلى الآن؟
لعل السبب هو المعتقد اليهودي لا كما أتى به موسى عليه السلام بل كما صاغوه هم لأنفسهم ليبقوا شذاذ آفاق إلى يوم الدين.
اتخذ اليهود لأنفسهم إلها خاصا بهم دون بقية الناس هو يهوه و اعتبروا أنفسهم شعبه المختار فعزلوا أنفسهم عن باقي البشر في مسكنهم و معاشهم و أسلوب حياتهم و بقوا على هذه الحال حتى الآن.
ففي أواخر العام 1990 بلغ عدد اليهود 14،1 مليونا في كل العالم منهم 5،9 مليون في الولايات المتحدة و 4،6 مليون في إسرائيل و 700 ألف في كل من فرنسة و روسية و هي المراكز الأربعة الأكبر للاستيطان اليهودي بينما سكن حوالي500 ألف يهودي في أوكرانيا و 350 ألف في كندا و 300 ألف في بريطانية العظمى و 250 ألف في الأرجنتين و 100 ألف في جنوب إفريقية. و تدلل هذه الأرقام على أن 42% من السكان اليهود يقيمون في أمريكا الشمالية و 29% في آسية و 18% في أوربة بما فيها روسيا و 8% في أمريكا اللاتينية و 2% في أفريقية و 1% في أستراليا، فأين يكون لهم مكان في فلسطين و هم غرباء عن الأرض و السكان الأصليين الذين سميت البلاد باسمهم فلسطين منذ أقدم العصور و إلى الآن؟
ترجع كلمة يهودي إلى القرن الخامس قبل الميلاد لتدل على شعب قديم يكتنف أصوله الكثير من الغموض، و لا يعرف المؤرخون شيئا عن التاريخ القديم لبني إسرائيل الذين ادعوا حملهم ميثاقا عقد بينهم و بين يهوه الذي زودهم بقانون و بطريقة لحياتهم و وعدهم بأرض يقيمون عليها شريعتهم. و ميزوا أنفسهم عن الشعوب الأخرى التي لم تشاركهم ميثاقهم بهذه الخصوصية.
في القرن السادس قبل الميلاد سباهم نبوخذ نصر القائد البابلي و اقتادهم إلى بابل. و في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد تحدثنا المصادر القديمة عن دخول بعض الفرس و اليونان و الرومان بل و العرب في الديانة اليهودية عبر القرون التي أعقبت السبي البابلي. و أن لغة اليديش ليهود الأشكيناز في أوربة الشرقية كانت أول نمط كلامي لهم من اللغة العبرية القديمة البائدة إنما ارتكزت على اللغة الألمانية.
كانت الهوية اليهودية قيد المساءلة في القرنين التاسع عشر و العشرين الماضيين، فبعض يهود) إسرائيل) في الأرض المغتصبة فلسطين يرفضون الدين اليهودي لكنهم يؤكدون انتسابهم إلى القومية اليهودية الإثنية كصهاينة، بينما يرفض يهود الغرب القومية اليهودية و يتمسكون بالدين اليهودي، كما أن يهودا آخرين في الغرب يعتبرون أنفسهم يهودا بالتراث المميز لهم. و هنالك أيضا من يتمسكون بكليهما، فاليهودي من كانت أمه يهودية أو من اعتنق الدين اليهودي حديثا. و لهذا التعدد في الهوية يقدر عدد اليهود في العالم اليوم بأربعة عشر مليونا منهم 9و5 مليونا في الولايات المتحدة و 6و4 مليونا في (إسرائيل) و 350 ألفا في كندا معظمهم في تورنتو و مونتريال و أعدادا أقل في الأرجنتين و أستراليا و روسيا و جنوب أفريقية و أوكرانيا و أوربة الغربية بينما يتناقص عددهم بسبب انخفاض نسبة الولادات و ذوبان آخرين منهم في الشعوب التي يعيشون بينها.
تعتبر حكاية اليهود قصة معقدة، غير أن المؤرخين يستطيعون التركيز على نقاط مركزية كانت قد أطّرت حياة اليهود لأجيال، كما يستطيعون وصف مراكزهم الثقافية و منجزاتهم و كذلك المآسي التي واجهوها:
الفترة التوراتية: التي وضع فيها الكتاب العبري و ذكرت فيه و التي لا يزال الكثير منها مجهولا. فالكتب الخمسة الأولى من الكتاب العبري تسمى بالتوراة التي تعني التعليمات أو القانون، تحدثنا قصة الشعب اليهودي منذ إبراهيم الذي يعتبر الأب الأصلي لليهود و الذي تحدّر منه نبي القانون موسى عليهما السلام، غير أن معظم المؤرخين يتفقون على استحالة استخلاص معلومات تاريخية من القصص، ليس لأنهم يعتبرونها كاذبة بل لأنه لا توجد طريقة تثبتها. فعلماء الآثار الذين يدرسون آثار الحضارات القديمة التي تساعد أحيانا في إثبات إمكانية حدوث أمر ما، وجدوا المستوى المسودّ من سور جرش ما دلل على حدوث زلزال و حريق ضربا المدينة و دمراها كما ذكره يوشع، بينما يثير علماء الآثار الشكوك في مصداقية القصص التوراتية الأخرى. و في النهاية يكون الاعتقاد بواقعية كتب التوراة قضية اعتقادية و حسب رغم أنهم ينسبونها لموسى عليه السلام و هو منها براء إذ كيف لموسى أن يذكر فيها نبأ موته و دفنه إن كان هو كاتبها؟. و رغم الأسطورية الجزئية في القصص التوراتية نجد جميع اليهود تقريبا يقبلونها على أنها حقائق عالمية حتى وقت قريب، و لذلك يكون علينا أن ننظر بحذر إلى المحيط الأساس لهذه القصة مع العلم أن كل ما ينسبونه لله إنما يقصدون به إلههم الخاص بهم يهوه الذي اختصوه منذ البدء لأنفسهم ليحيكوا على أساطيره تاريخا منتحلا و حكايات فيها الكثير من أساطير الأقوام التي سبقتهم و ما أنزل الله بها من سلطان.
فيما يلي أقدم للقراء ترجمة لما أوردته موسوعة الإنكارتا عن تاريخ اليهود كما تعرضه الثقافة الغربية، أرجو الاطلاع عليه مع الإبقاء في الذاكرة السؤال بل و الأسئلة التي ذكرتها فيما سبق.
لماذا كان اليهود يعتبرون شذوذا في أي مجتمع حلوا به في المراحل التاريخية حتى الآن، منذ إقامتهم في مصر لدى فرعون، حتى احتلالهم أرض كنعان و بنائهم الهيكلين البائدين و حتى سبيهم من قبل نبوخذ نصّر ثم تشتيتهم في كل بقاع الأرض منذ 2500 سنة و حتى الآن و رغم عودة بعضهم لاحتلال بعض أراضي فلسطين لإقامة دولة الاغتصاب الصهيونية ) إسرائيل) بدعم من الولايات المتحدة و روسية مع حساب الزمن التاريخي الذي كان لهم في فلسطين و ذلك الذي قضاه معظمهم و ما يزالون في كل بقاع الأرض لنقدم السؤال التالي : أي حق لليهود في فلسطين؟
لماذا نترك اليهود يقتلون و يدمرون في بلادنا دون عقاب؟
لماذا يكفّر الغرب الظالم عن تمييزه العنصري ضد اليهود على حساب العرب و الفلسطينيين الذين هم سكان البلاد الأصليين منذ أقدم العصور و ليسوا مجرد عابرين شأن العبرانيين؟
إذا كان الإثم اليهودي ما يزال فاعلا في بني إسرائيل فذلك شأنهم و شأن مفكريهم أن يجدوا حلاّ لقضيتهم و ليس لنا أن نتحمل إصرهم.
لم يسئ المسلمون لليهود رغم كل إساءاتهم لهم. نحن لسنا ضد اليهود كبشر و لا نريد أن نأخذ حق الله منهم فالله وحده هو صاحب الحق و يذرهم في طغيانهم يعمهون، لكن بأس الله شديد. و الآن إلى الترجمة:
الصهيونية و إسرائيل من انتاج الاستعمار الأوربي- الأميركي الجديد
في عام 1948 أنشئ على أرض فلسطين العربي كيان غريب الوجه و اللسان و المعالم اسمه (إسرائيل) إثر نكبة حلت ببلاد العرب وضع فصولها و مراحلها الإنكليز و قام بتحقيق بنودها الروس و الفرنسيون و الأمريكان. و اليوم يوجد في غربي فلسطين دولة سكانها من تجمع شتات اليهود من كل أنحاء العالم استورد معظمهم من أوربة الشرقية.
نهاية الحقبة التوراتية أو الكتابية
نهاية الحقبة التوراتية أو الكتابية: أثناء فترة الحكم الروماني بدا أن الكتاب العبري قد بلغ شكله النهائي، فلم تضف إلى القانون الكتابي أية كتب جديدة بعد ذلك و لم تحدث أية محذوفات، فمنذ القرن الأول حتى اليوم يقدس اليهود و يدرسون المجموعة المقدسة من 39 كتابا كلها كتبت بالعبرية ما عدا بضعة أقسام كانت قد كتبت بالآرامية. عند نهاية الحقبة الكتابية انقسم اليهود إلى مجموعات تمارس الدين اليهودي بطرقهم الخاصة، و من هذه الفوضى ظهرت في القرن الأول مجموعة من القادة الدينيين يدعون بالرابيين و على مدى القرون المتلاحقة أعطى الرابيون لليهودية الشكل الذي يجب على اليهود ممارسته حتى يومنا هذا إذ أرضخ الرابيون كل قاعدة من القانون لفحص و تأويل خاص و طوروا المجموعة الضخمة من القوانين الشفهية التي سموها هالاكا أي الذهاب و هذه القوانين الشفهية كانت قد دونت في القرن الأول من القرون الخمسة بعد الميلاد و أصبحت قسما من التلمود و الميدراش. اتصفت تفاسير الرابيين باهتمام عميق بإنجاز القوانين و الآداب الكتابية إذ طوروا الاعتقاد بعدم الفعالية السياسية مصرين على أن الخلاص يكون فقط بنزول المسيح الذي يستطيع استعادة السيطرة على أرض إسرائيل.
حياة اليهود في الشتات: بدأ الشتات بالفتح البابلي في القرن السادس قبل الميلاد، و فهم العديد من اليهود أن وجودهم خارج أرض إسرائيل هو عقاب من الله بالنفي لقاء خطاياهم و هم يعتقدون أنهم غير قادرين على الرجوع حتى يخلصهم الله بإرسال المسيح. و مع الزمن فسر بعض اليهود النفي على أنه لا يعتمد على الجغرافية و على رأيهم أن النفي هو ابعاد عن الله و يمكن حدوثه حتى في أرض إسرائيل خاصة عندما ساد فيها غير اليهود، بينما فهم يهود آخرون أن حياتهم في الشتات هي خروج و أنهم اختاروا العيش خارج أرض إسرائيل.
لما يقرب من 2500 سنة تابع اليهود حياتهم خارج أرض إسرائيل، و في السنين الأولى من الشتات أقاموا متحدات أساسية في آسية الصغرى و شمال أفريقية و شبه جزيرة العرب بينما انتشروا بعد ذلك في كل بقاع الأرض و تفاعل كل متحد منهم مع الثقافة المحلية و أصبحت الحياة اليهودية و تراثهم بالنتيجة متنوعا. فبشكل خاص طور يهود أوربة و يهود حوض البحر الأبيض المتوسط بما فيه إسبانية طرقا مختلفة في ممارسة الدين اليهودي و صفات خاص بهم كيهود. فاليهود الأوربيون خارج إسبانية يسمون أشكيناز و هي تسمية عبرية لألمانية، بينما يهود إسبانية و بقية حوض البحر الأبيض المتوسط يسمون سفرديم من الكلمة العبرية لأسبانية.
القرون الأولى للشتات: لا يعرف المؤرخون شيئا عن حياة اليهود في القرون الأولى للشتات فأثناء الأسر البابلي حافظ قسم من اليهود بنجاح على هويتهم و تراثهم الخاص غير أن ظروف هذه المتحدات بقيت سرا و لا توجد معلومات كثيرة عن حيلتهم في الإمبراطورية الفارسية فما نعرفه حقا أن بعض اليهود كانوا يتوقون للعودة بينما بقي آخرون منهم في إيران حتى القرن العشرين، و تصبح الصورة أوضح فيما بعد أثناء فترة الحكم اليوناني و الروماني عندما تطورت المتحدات اليهودية في الاسكندرية بمصر و في سيرين بليبيا و في أنطاكية بسورية و في روما بإيطالية و في مدن أخرى في آسية الصغرى. تكلم اليهود في معظم هذه المتحدات اللغة اليونانية السائدة و أسسوا ديانتهم على الترجمة اليونانية لكتابهم العبري المعروفة بالسبعينية و كل واحدة من هذه المتحدات قد طورت كما يبدو شكلها الخاص من الدين اليهودي الذي كان يختلف عن دين قادة الرابيين في فلسطين حيث أطلق الرومان رسميا اسم فلسطين على إقليم يهودا في القرن الثاني قبل الميلاد. كان بعض اليهود مرتاحين تماما في عيشهم تحت حكم الإمبراطوريتين اليونانية و الرومانية بينما استاء اليهود الآخرون في إقامتهم بين أتباع الديانات الوثنية الأخرى أو لعدم احترامهم في الثقافات السائدة الأخرى. ففي فلسطين و في الشتات كانت ثورة اليهود غير ناجحة ضد الحكم الروماني. فسيمون بار كوخبا قاد ثورات في القدس في القرن الثاني لاقت دعما من يهود المنطقة، وقبل تدمير المعبد في القدس في العام 70 أرسل كثير من يهود الشتات نقودا لدعم المعبد كانت كمصدر تضامني لليهود كأمة. غير أنه بعد تدمير المعبد لم يعد ليهود الشتات هذه الرسالة الاتحادية و لم يكن لهم شيء مشترك خلافا للحفاظ على الهوية اليهودية المميزة.
المتحد البابلي: كان أفضل ازدهار للمتحد الشتاتي في بابل، فالبارثيون الذين حكموا بابل و بقية ما بين النهرين حتى 224 قد منحوا اليهود حكما ذاتيا معتبرا و حياة اقتصادية و دينية لاقت استجابة مفضلة. عانى اليهود في بابل فترة قصيرة من الاضطهاد في القرن الثالث، لكن بعد عهد فارسي عرف بالساساني هزم البارثيين، استعاد اليهود حالا حرياتهم الأساسية و استمر متحدهم بالنمو و الازدهار لفترة ألف سنة أخرى، فازدهر تعليم الرابيين في الأكاديميات الدينية البابلية و قدموا تفاسير للقانون الشفهي و تفاسير للتوراة، فالتعليقات على القانون الشفهي في بابل أنتج التلمود البابلي وهو النص العبري و الآرامي الذي اعتبر أساس اليهودية، فاليهودية الرابينية التي كانت قد تطورت في بابل كانت أكبر تطور في شكل اليهودية التي أصبحت سائدة في قلسطين في القرن الثاني يرجع في قسم كبير منه للاعترلف الروماني بالرابيين كقواد دينيين و سياسيين لليهود.
انتشار المسيحية: تبدلت الحالة الاجتماعية و السياسية لليهود بشكل ملحوظ في القرن الرابع بعد تحول الإمبراطور قسطنطين إلى المسيحية، فتحوله أشار إلى عملية جعلت المسيحية الديانة الرسمية للإمبرطورية الرومانية و اعتبر اليهود مدمرين لرفضهم الاعتراف بيسوع على أنه هو المسيح. و كثير من قادة الكنيسة و الامبرطورية اعتقدوا أنه لا ينبغي السماح لليهود بالبقاء في الإمبرطورية الرومانية إذا هم استمروا في ممارسة دينهم. حيث اعتبر اليهود قادرين على تلويث الإيمان الصحيح الذي رفضوه غير أن هذه الحال نبذت لصالح وجهة نظر قدمها اللاهوتي المسيحي القديس أوغسطين, فمثل كل المسيحيين الآخرين، كان القديس أوغسطين يعتقد أن اليهود يستحقون الإهانة و التحقير و لكن بدلا من الجدل يشأن تدميرهم أو إجبارهم على تغيير دينهم، كان يعتقد أن عليهم أن يعيشوا في حالة فقر و تحقير. و بهذه الطريقة يمكن معاقبة اليهود على رفضهم الاعتراف بالوحي الجديد بالمسيح و قد يصلحون شهودا على تفوق المسيحية. و برغم قظاظة هذا الموقف إلا أنه أفاد في إنقاذ اليهود في العهد المسيحي من الإبادة.
أنشأ قسطنطين عاصمة جديدة في بيزنطة التي هي الآن اسطنبول بتركية في القسم الشرقي من الإمبراطورية الرومانية و سمى المدينة القسطنطينية، و بعد سقوط روما على يد الغزاة في العام 476 انكمشت الإمبراطورية الرومانية في الغرب لكنها بقيت قوية في الشرق و أصبحت تعرف بالإمبراطورية البيزنطية و اختلفت المواقف تجاه اليهود في الإمبراطورية الرومانية الغربية و في الولايات التي تبعتها بينما كان في الإمبراطورية البيزنطية عدد أكبر من اليهود تحت حكمها مما كان في الولايات في الإمبراطورية الرومانية الغربية و كانت تتصرف بفظاظة أشد معهم فاليهود تحت الحكم البيزنطي كانوا يجدون صعوبة أكبر في كسب عيشهم و بين العقبات الأكثر أنهم كانوا ممنوعين من بناء كنس جديدة أو إقامة مكتب عام لهم.
تحت الحكم الإسلامي: نشأ الإسلام دينا موحدا آخر في الجزيرة العربية في القرن السابع و فتحت القوات الكثير من أقاليم الإمبراطورية البيزنطية في القرنين السابع و الثامن. رحب اليهود بالتغيير في الحكم، و رغم أنهم كانوا يلقون عوائق دينية و اقتصادية تحت الحكم الإسلامي إلا أن أحوالهم تحسنت. فالفتوحات الإسلامية امتدت من بابل إلى مصر و فلسطين. و للمرة الأولى في التاريخ كان المركزان الرئيسيان للحياة اليهودية في بابل و فلسطين تحت حكم واحد، غير أن التوازن قد انتقل إذ أصبحت بابل هي المركز الثقافي و التراثي الأهم. و منذ القرن الثامن إلى القرن الثاني عشر حدثت إنجازات ثقافية كبيرة في العالم الإسلامي و بخاصة في بابل ساهمت و استفادت من تلك المنجزات. فالأكاديميات في بابل كان يرأسها رابيون بارزون ساهموا في تأليف التلمود البابلي ليكون النص الرسمي للدين اليهودي. كما أنهم وضعوا التقاليد البابلية نظاما يحتذى في كل عالم اليهودية، إذ جعلوا من الدراسة المثل الأعلى للتدين. وأبرزهم كان سعديا بن يوسف الذي كان من عقلاء القرن العاشر الذي ترجم الكتاب العبري إلى اللغة العربية – لغة الأراضي الإسلامية فمن خلال هذه الترجمة و تعليقه على الكتاب باللغة العربية أوجد سعدية أدبا يهوديا بالعربية و أصبح الأول من بين كثير من الفلاسفة اليهود في العالم الإسلامي. فالفيلسوف موسى الميموني من مصر بزّ سعدية في الأهمية مستفيدا من الروح الريادية لسعدية إذ رفع الميموني عالم العلم اليهودي إلى ارتفاعات خيالية في القرن الثاني عشر. فيهود العالم الإسلامي نقلوا أيضا المؤلفات الفلسفية للبلدان القديمة و الإسلامية إلى المسيحيين الأوربيين فهم ترجموا العديد من التراث الفلسفي من العربية إلى العبرية كما ساعد يهود آخرون في ترجمتها من العبرية إلى اللاتينية التي كانت اللغة المكتوبة للمثقفين الأوربيين في ذلك الزمان.
تحت الحكم المسيحي: من القرن الثامن إلى أواخر العصور الوسطى بقيت الثقافة راكدة و غير مميزة في أوربة المسيحية بينما ازدهرت في العالم الإسلامي إذ بدءا من القرن الثامن شجع ملوك الفرنجة و حكام الإمبراطورية الرومانية المقدسة اليهود على الإقامة في بروفنس التي هي الآن قسم من جنوبي فرنسا و أرض الراين التي هي الآن قسم من ألمانيا و متحدات إيكس و مرسيليا أصبحت مراكز باكرة للحياة اليهودية الأوربية و حافظت على أهميتها لقرون. نتج تشجيع الاستيطان اليهودي عن اعتبار أن لليهود مهارات اقتصادية نافعة و بخاصة كتجار. و لاعتبار أنهم لا يملكون أرضا و لا يعملون كفلاحين لدى سادة إقطاعيين فإنهم اعتمدوا مباشرة على الحكام الأوربيين لحمايتهم، ز ذلك الاعتماد عنى أن بإمكان الحكام أن يعهدوا لليهود بالامتيازات الاقتصادية بأمان بدون أي تهديد لقوتهم الخاصة. رفعت تلك الامتيازات الخاصة الاستياء الذي كانت تشعر به الجماهير الأوربية تجاه اليهود من قبل و هو استياء تجذر في الفروق الدينية. لكن التدابير لم تؤدي إلى أية اضطهادات لليهود لعدة قرون لاحقة.
تبدلت حالة اليهود الأوربيين في عام 1096 في الحملة الصليبية الأولى التي كان هدفها انتزاع السيطرة على الأراضي المقدسة (فلسطين) من الحكام المسلمين، و بينما كانت الجيوش الصليبية تتجمع اتجه عداءهم الديني نحو المتحدات اليهودية في أرض الراين بتذبيح الناس و تدمير المستوطنات و لم تتمكن السلطات المحلية من إيقاف الصليبيين الهائجين. ففي بعض المتحدات فضل اليهود ألانتحار الجماعي على الوقوع في أيدي الغوغاء و افتتح الصليبيون عهدا جديدا لحياة اليهود الأوربيين.
أواخر العصور الوسطى من 1096-1492: بعد أن بدأت الحرب الصليبية و أثارت العداء على اليهود أصبحت المتحدات اليهودية الناجية في أواسط و شمال أوربة أكثر انعزالا عن محيطها الثقافي و رغم أن اليهود ما زالوا يمارسون درجة من السيطرة على شؤونهم الدينية و الثقافية إلا أنهم لم يجرؤوا على التفكير بما هو أبعد من أعرافهم الدينية، ركز الأدب مبدئيا على التلمود إذ أنتج علماؤهم تفاسير جديدة و تذكارية للتلمود البابلي زادت من شهرته و تفهمه لدى اليهود الأوربيين. هذا بالإضافة إلى الاتجاهات التصوفية الصليبية التي ظهرت بين اليهود الأوربيين الذين اتجهوا نحو الداخل راغبين في اتصال أكثر مباشرة مع الإله. و الشكل الأكثر أهمية من التصوف اليهودي كان القبالة التي تطورت في إسبانية حيث كتب الشعراء اليهود مرثيات و مناحب في ذكرى تضحيات اليهود الذين قتلوا في عام 1096 و طور يهود ألمانيا لغة خاصة بهم باتت تعرف باليديش التي بدأت كلهجة محلية للغة الألمانية المتكلمة في ذلك الزمان متفرعة عنها لتصبح اللغة اليهودية المميزة مكتوبة بالأحرف العبرية.
الاضطهاد: عاش اليهود ظروفا فظيعة بعد الصليبيين فاتهامهم بقتل المسيحيين و بخاصة الأطفال لاستخدام دمائهم لبعض الأغراض الطقسية بات أمرا شائعا ، و رغم أن القادة المسيحيين كانوا بشكل دوري ينكرون هذه التهم الدموية لأنها باطلة إلا أنها بقيت حتى القرن العشرين. و كثير من قادة الكنيسة أوجبوا مبدأ القديس أوغسطين على إرغام اليهود على العيش أذلاء محتقرين حتى منع مجلس الكنائس الكاثوليكية الرومانية المنعقد عام 1179 و 1215 اليهود من استخدام المسيحيين كما منع المسيحيين من السكن مع اليهود أو في جوارهم ملوما اليهود بلبس شارة خاصة تميز وضاعتهم كما منعوهم من الظهور بين الناس في عيد الفصح أو في المناسبات المسيحية الدينية الأخرى و كان لهذه المجالس تأثير دائم على الحيلة الاقتصادية لليهود بمنع المسيحيين من اقتراض أو إقراض المال فيما بينهم بفائدة و ترك هذا نشاط إقراض النقود كلية لليهود تماما كما أن أعمالا أخرى أبعدتهم عن مجالات أخرى من النشاط الاقتصادي. و قبل نهاية القرن الثاني عشر عاش يهود أوربة على نطاق واسع كمرابين و باعة متجولين.
طردهم من أوربة الغربية: وضعهم كمرابين ولّد عداء أكبر تجاه اليهود و لعب دورا في طردهم التدريجي من غرب و أواسط أوربة. طرد اليهود من انكلترا بعد إلغاء كل ديونهم في عام 1290، كما طردوا من فرنسة في عام 1306 لكن سمح لبعض منهم بالعودة إلى فرنسة عام 1394 كما أن الأراضي الألمانية في الإمبراطورية الرومانية المقدسة طردت اليهود على فترات عبر القرن الخامس عشر.