حكم الصلاة في مسجد به ضريح و الرد على شبهات الصوفية ومن نحى نحوهم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فقد استفاضت الأحاديث في تحريم اتخاذ القبور مساجد و في تحريم الصلاة في المساجد التي بها أضرحة لما فيها من الغلو في صاحب الضريح و تعظيم صاحب القبر و لما فيها من مظنة الصلاة لصاحب الضريح و ،و لخشية تطور الأمر إلى عبادة صاحب الضريح و لحماية جناب التوحيد ولسد ذريعة الوقوع في الشرك وللبعد عن التشبه بعبدة الأوثان والمشركين .
ولم يلتزم كثير من الناس الهدي النبوي فاتخذوا القبور مساجد وصلوا في المساجد التي بها أضرحة وتطور الأمر عند البعض حتى آل إلى الطواف حول الضريح و النذر لصاحب الضريح و اعتقاد أنه يمكن أن يجلب خيرا أو يدفع مكروها وهذا شرك أكبر مخرج من الملة .
وإذا نصحت أحدهم و عرضت له النصوص النبوية التي لا تجيز الصلاة على القبور أو الصلاة في المساجد التي بها قبور تجده متعلق ببعض الشبهات يظن منها أنها تجيز الصلاة في المساجد التي بها أضرحة ،وهي في الحقيقة لا تقوى و لا تستطيع أن تعارض النصوص الصريحة الواضحة في عدم جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور فكان لا بد من بيان هذه الشبه و الجواب عنها نصيحة لله والله من وراء القصد ربيع أحمد.
من أدلة تحريم الصلاة على القبور و الصلاة في مسجد به قبر
الدليل الأول : عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الحَبَشَةِ يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ العَبْدُ الصَّالِحُ، أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ ، أُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ »[1]
الشاهد من الحديث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم – " أولئك شرار الخلق " بعد قوله : " أُولَئِكَ قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ العَبْدُ الصَّالِحُ، أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَ صَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ يدل على أن حكم كونهم من شرار الخلق علق على بناء المساجد على القبور و تصوير الصور أي من أسباب كونهم من شرار الخلق : بناء المساجد على القبور و تصوير الصور مما يدل أن بناء المساجد على القبور حرام .
ولأن هذا كان أصل عبادة الأصنام، فيما يذكر، كانوا قديماً إذا مات فيهم نبى أو رجل صالح صوروا صورته وبنوا عليه مسجداً ليأنسوا برؤية صورته، ويتعظوا لمصيره ويعبدوا الله عنده، فمضت على ذلك أزمانٌ، وجاء بعدهم خلف رأوا أفعالهم وعباداتهم عند تلك الصور ولم يفهموا أغراضهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم، وألقى إليهم أنهم كانوا يعبدونها فعبدوها [2].
و قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد – رحمه الله -: ( الذين بنوا هذه الكنيسة جمعوا فيها بين فتنتين، ضل بهما كثير من الخلق، فأما فتنة القبور فلأنهم افتتنوا بقبور الصالحين، وعظموها تعظيما مبتدعا، فآل بهم إلى الشرك. وأما فتنة التماثيل- أي الصور- فإنهم لما افتتنوا بقبور الصالحين، وعظموها وبنوا عليها المساجد، وصوروا فيها تلك الصور، آل بهم الأمر إلى أن عبدوها، وهاتان الفتنتان هما سبب عبادة الصالحين، كاللات والعزى وود وغيرها، وهذه العلة هي التي لأجلها نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ المساجد على القبور، وهي التي أوقعت الكثير من الأمم في ذلك.
والفتنة بالقبور كالفتنة بالأصنام وأشد؛ فإن الشرك بقبر رجل يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر، ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدون عبادة لا يفعلونها في بيوت الله، ويلهجون بذكرهم أكثر مما يذكرون الله، وينفقون نفائس الأموال في ذلك، ولأجل هذه المفسدة حسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة )[3].
وتحريم بناء المساجد على القبور يستلزم تحريم الصلاة فيها ؛ لأنها هي المقصودة بالبناء .
و قال الألباني – رحمه الله - : ( النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه مثاله إذا نهى الشارع عن بيع الخمر فالنهي عن شربه داخل في ذلك كما لا يخفى بل النهي عن من باب أولى .
ومن البين جدا أن النهي عن بناء المساجد على القبور ليس مقصودا بالذات كما أن الأمر ببناء المساجد في الدور والمحلات ليس مقصودا بالذات بل ذلك كله من أجل الصلاة فيها سلبا أو إيجابا يوضح ذلك المثال الآتي: لو أن رجلا بنى مسجدا في مكان قفر غير مأهول ولا يأتيه أحد للصلاة فيه فليس لهذا الرجل أي أجر في بنائه لهذا المسجد بل هو عندي آثم لإضاعة المال ووضعه الشئ في غير محله .
فإذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمنا بالصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء وكذلك إذا نهى عن بناء المساجد على القبور فهو ينهى ضمنا عن الصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء أيضا ) [4].
ولأن هذا كان أصل عبادة الأصنام، فيما يذكر، كانوا قديماً إذا مات فيهم نبى أو رجل صالح صوروا صورته وبنوا عليه مسجداً ليأنسوا برؤية صورته، ويتعظوا لمصيره ويعبدوا الله عنده، فمضت على ذلك أزمانٌ، وجاء بعدهم خلف رأوا أفعالهم وعباداتهم عند تلك الصور ولم يفهموا أغراضهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم، وألقى إليهم أنهم كانوا يعبدونها فعبدوها [5].
و قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد – رحمه الله -: ( الذين بنوا هذه الكنيسة جمعوا فيها بين فتنتين، ضل بهما كثير من الخلق، فأما فتنة القبور فلأنهم افتتنوا بقبور الصالحين، وعظموها تعظيما مبتدعا، فآل بهم إلى الشرك. وأما فتنة التماثيل- أي الصور- فإنهم لما افتتنوا بقبور الصالحين، وعظموها وبنوا عليها المساجد، وصوروا فيها تلك الصور، آل بهم الأمر إلى أن عبدوها، وهاتان الفتنتان هما سبب عبادة الصالحين، كاللات والعزى وود وغيرها، وهذه العلة هي التي لأجلها نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ المساجد على القبور، وهي التي أوقعت الكثير من الأمم في ذلك.
والفتنة بالقبور كالفتنة بالأصنام وأشد؛ فإن الشرك بقبر رجل يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بخشبة أو حجر، ولهذا تجد أهل الشرك يتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون، ويعبدون عبادة لا يفعلونها في بيوت الله، ويلهجون بذكرهم أكثر مما يذكرون الله، وينفقون نفائس الأموال في ذلك، ولأجل هذه المفسدة حسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مادتها، حتى نهى عن الصلاة في المقبرة )[6].
الدليل الثاني : عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : « أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها »[7] .
الشاهد من الحديث : قوله " نهى أن يبنى على القبور " يدل أن أي بناء على القبر منهي عنه ومن ضمن البناء على القبر بناء مسجد على القبر والأصل في النهي أنه يفيد التحريم[8] فبناء المسجد على القبر حرام لا يجوز ،وتحريم بناء المساجد على القبور يستلزم تحريم الصلاة فيها ؛ لأنها هي المقصودة بالبناء .
وقوله " أو يصلى عليها " صريح في أن الصلاة على القبر منهي عنها ، والأصل في النهي أنه يفيد التحريم ،و تحريم الصلاة على القبر يستلزم تحريم بناء المسجد على القبر للصلاة فيه إذ المقصود ببناء المسجد على القبر الصلاة فيه ،والصلاة على القبر محرمة بنص الحديث فتحرم الوسيلة الموصلة إليها وهي بناء المسجد على القبر .
الدليل الثالث : عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها »[9]
الشاهد من الحديث : قول النبي- صلى الله عليه وسلم - " و لا تصلوا إليها " صريح في النهي عن الصلاة إلى القبر ،واتخاذ القبر قبلة ،قال النووي -رحمه الله - : ( قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِليْهَا " فيه تصريح بالنهى عن الصلاة إلى القبر قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -وَأَكْرَهُ أَنْ يُعَظَّمَ مَخْلُوقٌ حَتَّى يُجْعَلَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ النَّاسِ )[10].
وقال ابن تيمية – رحمه الله - : ( لأن ذلك يشبه السجود لها، وإن كان المصلي إنما يقصد الصلاة لله تعالى. و كما نهى عن اتخاذها مساجد نهى عن قصد الصلاة عندها، وإن كان المصلي إنما يقصد الصلاة لله سبحانه والدعاء له. فمن قصد قبور الأنبياء والصالحين لأجل الصلاة والدعاء عندها فقد قصد نفس المحرم الذي سدَّ الله ورسوله ذريعته )[11] .
و قال ابن القيم – رحمه الله - : ( فَلَمَّا كَانَ نَهْيُهُ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَيْهَا نَوْعَ تَعْظِيمٍ لَهَا عَقَّبَهُ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهَا حَتَّى تُجْعَلَ قِبْلَةً )[12] .
وقال الشوكاني – رحمه الله - : ( الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الصَّلَاةِ إلَى الْقُبُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَعَلَى مَنْعِ الْجُلُوسِ عَلَيْهَا، وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ )[13].
و إذا حرمت الصلاة إلى القبر فمن باب أولى الصلاة عند القبر و على القبر ؛ لأن في الصلاة إلى القبر أو الصلاة على القبر مظنة الصلاة لصاحب القبر وفيها تعظيم لصاحب القبر وفيها غلو في صاحب القبر ،وهي في الصلاة عند القبر أظهر ففي الصلاة على نفس القبر زيادة على الصلاة إليه[14] .
و تحريم الصلاة عند القبر يستلزم عدم بناء مسجد على القبر للصلاة فيه و يستلزم تحريم الصلاة في المسجد المبني على القبر .
الدليل الرابع : عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ : « لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ » ، قَالَتْ عَائِشَةُ : « لَوْلاَ ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا »[15] .
الشاهد من الحديث : بعد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " لعن الله اليهود " قال " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " أي علق اللعن على اتخاذ القبور مساجد أي من أسباب اللعن اتخاذ القبور مساجد واللعن أمارة الكبيرة المحرمة أشد التحريم فيكون الفعل الذي أوجب اللعن حراماً[16] وعليه فاتخاذ القبور مساجد كبيرة من الكبائر .
وَالْمَسْجِدُ بَيْتُ الصَّلَاةِ[17] أو المكان المتخذ للصلاة[18] ،وهو اسمٌ جامعٌ حيثُ يُسجَدُ عَلَيْهِ، وَفِيه ، وحيثُ لَا يُسجَدُ بعد أَن يكون اتُّخِذَ لذَلِك ، فأمّا المَسْجَدُ منَ الأَرْض فموضعُ السُّجْودِ نفسُه[19] ، وقال ابن سيده : المَسْجِد: الْموضع الَّذِي يُسْجَد فِيهِ وَقَالَ الزّجاج: كل مَوضِع يتعبد فِيهِ فَهُوَ مسجِد[20].
قال ابن رجب – رحمه الله - : ( واتخاذ القبور مساجد ليس هو من شريعة الإسلام، بل من عمل اليهود، وقد لعنهم النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على ذلك )[21].
وقال المهلب – رحمه الله -: ( هذا النهى من باب قطع الذريعة، لئلا يعبد قبره الجهالُ كما فعلت اليهود والنصارى بقبور أنبيائها )[22].
ونهيه - صلى الله عليه وسلم -، وتشديده في اتخاذ القبور مساجد بالصلاة لله عندها، وإخباره بلعن من فعل ذلك، مع أنه لم يعبدها ولم يدعها، وإنما ذلك ذريعة لعبادتها والشرك بها، فكيف بمن عبدها، وتوجه إليها، ونذر لها، وطاف بها، وذبح لها، ودعا أهلها، وطلب منهم النفع والضر[23] .
و من الملاحظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال " اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ولم يقل اتخذوا على قبور أنبيائهم مساجد لتحريم جميع صور الاتخاذ من الصلاة عليه أو إليه أو له أو السجود إليه أو عليه أو له أو بناء المسجد عليه بخلاف ما لو قال اتخذوا على قبور أنبيائهم مساجد إذ لو قال اتخذوا على قبور أنبيائهم مساجد لكان فيه تحريم لبعض الصور دون البعض .
و لأن من صور اتخاذ القبور مساجد بناء المسجد على القبر ،والصلاة فيه فالصلاة في المسجد المبني على القبر تكون محرمة لحرمة اتخاذ القبور مساجد .
و تحقق معنى الاتخاذ في بناء المسجد على القبر أكثر من غيره ؛ لأن الاتخاذ أخذ الشَّيْء لأمر يسْتَمر فِيهِ مثل : الدَّار يتخذها مسكنا وَالدَّابَّة يتخذها قعده[24] ،وبناء المسجد على القبر يجعل القبر مكانا دائما للصلاة .
الدليل الخامس : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- : « اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِى وَثَناً، لَعَنَ الله قَوْماً اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ »[25] .
الشاهد من الحديث : بعدما دعا النبي - صلى الله عليه وسلم – " اللهم لا تجعل قبري وثنا " قال " لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " مما يشير أن اتخاذ القبور مساجد من أسباب جعل القبر وثنا يعبد من دون الله ، و أن الغلو في قبور الأنبياء و الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله ، والحديث يدل على حرمة اتخاذ القبور مساجد من وجهين :
الوجه الأول : لعن المتخذي القبور مساجد
الوجه الثاني : أن اتخاذ القبور مساجد من أسباب عبادة القبور ،وكل ما كان وسيلة للشرك فهو حرام.
و لأن من صور اتخاذ القبور مساجد بناء المساجد على القبور ،والصلاة فيها فالصلاة في المساجد المبنية على القبور تكون محرمة لحرمة اتخاذ القبور مساجد .
الدليل السادس : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ِمَسْعُوْدٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقوْلُ : « إنّ مِنْ شِرَارِ الناس ِ، مَنْ تدْرِكهُمُ السّاعَة ُ وَهُمْ أَحْياءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ القبوْرَ مَسَاجِد »[26].
الشاهد من الحديث : تعليق وصف شرار الناس على من تدركهم الساعة و هم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد أي أن من فعل شرار الناس اتخاذ القبور مساجد مما يدل على عدم جواز اتخاذ القبور مساجد ،و لأن من صور اتخاذ القبور مساجد بناء المساجد على القبور ،والصلاة فيها فالصلاة في المساجد المبنية على القبور تكون محرمة لحرمة اتخاذ القبور مساجد .
قال المراغي – رحمه الله - : ( فليعتبر المسلمون اليوم بهذه الأخبار التي لا مرية فى صحتها، وليقلعوا عما هم عليه من اتخاذ المساجد فى أضرحة الأولياء والصالحين والتبرك بها، والتمسح بأعتابها، وليعلموا أن هذه وثنية مقنّعة، وعود إلى عبادة الأوثان والأصنام على صور مختلفة، والعبرة بالجوهر واللب، لا بالعرض الظاهر، فذلك إشراك بالله فى ربوبيته وعبادته، وقد حاربه الدين أشد المحاربة، ونعى على المشركين ما كانوا يفعلون )[27].
الدليل السابع : عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ النَّجْرَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُنْدَبٌ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: « إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ، فَإِنَّ اللهِ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ » [28].
الشاهد من الحديث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم –: " فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ " و قوله : " إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ " نص في تحريم اتخاذ القبور مساجد ،و لأن من صور اتخاذ القبور مساجد بناء المساجد على القبور ،والصلاة فيها فالصلاة في المساجد المبنية على القبور تكون محرمة لحرمة اتخاذ القبور مساجد .
الدليل الثامن : عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : « اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا » [29]
الشاهد من الحديث : قول النبي - صلى الله عليه وسلم – : " وَلَا تتخذوها قُبُورًا " ؛ أي: مثل القبور في عدم الصلاة فيها و كأن المتقرر عندهم أن المقابر لا يصلى فيها ، والنهي عن ترك الصلاة في البيوت لئلا تشبه المقابر دليل واضح على أن المقابر ليست موضعا للصلاة فكيف تكون موضعا لإقامة مسجد و الصلاة فيه ؟! ،ولا فرق بين القبر و المقبرة في الحكم ،و إن كان الْقَبْر هُوَ الحفرة الَّتِي يستقّر بهَا الميّت والمقبرة اسْم للمكان الْمُشْتَمل على الحفرة، وَمَا ضمّت[30] .
وقال الشوكاني – رحمه الله - : ( قَوْلُهُ " وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا " لِأَنَّ الْقُبُورَ لَيْسَتْ بِمَحِلٍّ لِلْعِبَادَةِ، وَقَدْ اسْتَنْبَطَ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهِيَةَ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ، وَنَازَعَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْقَبْرِ لَا فِي الْمَقَابِرِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ الْمَقَابِرِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: " لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ " )[31] .
الدليل التاسع : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ »[32] .
الشاهد من الحديث : شبه النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – البيت الذي لا يقرأ فيه سورة البقرة بالمقبرة مما يدل أن المقابر ليست موضعا للقراءة القرآن ،وإذا لم تكن موضعا لقراءة القرآن فكيف تكون موضعا للصلاة ؟ وكيف تكون موضعا يبنى عليه مسجدا ويصلى فيه و هي ليست موضعا لقراءة القرآن ؟!!
[1] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 434, ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 528
[2] - إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم للقاضي عياض 2/450
[3] - حاشية كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم ص 155
[4] - تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني ص 37
[5] - إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم للقاضي عياض 2/450
[6] - حاشية كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم ص 155
[7] - رواه أبو يعلى في مسنده رقم 1020 وإسناده صحيح
[8] - المحصول للرازي 2/281 ،والبحر المحيط في أصول الفقه للزركشي 3/366
[9] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 972 وأبو داود في سننه رقم والترمذي في سننه رقم 1050
[10] - شرح النووي على صحيح مسلم 7/38
[11] - قاعدة جليلة في التوسل و الوسيلة لابن تيمية ص 153
[12] - إعلام الموقعين لابن القيم 4/122
[13] - نيل الأوطار للشوكاني 2/157
[14] - السيل الجرار للشوكاني ص 104
[15] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 4441 , ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 529
[16] - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لأبي الحسن عبيد الله المباركفوري 2/419
[17] - المغرب في ترتيب المعرب لبرهان الدين الخوارزمي المُطَرِّزِىّ ص 218 و المصباح المنير للفيومي ص 266
[18] - المطلع على ألفاظ المقنع لأبي عبد الله البعلي ص 29
[19] - تهذيب اللغة لأبي منصور الهروي 10/301
[20] - المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده 7/261
[21] - فتح الباري لابن رجب 3/193
[22] - شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/311
[23] - حقيقة شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف ص 98
[24] - الفروق اللغوية للعسكري ص138
[25] - رواه أحمد في مسنده رقم 7352 قال المحقق أحمد شاكر : إسناده صحيح 7/173
[26] - رواه أحمد في مسنده رقم 4143 ،وابن خزيمة في صحيحه رقم 789 و ابن أبي شيبة في مسنده رقم 272 و ابن حبان في صحيحه رقم 2325
[27] - تفسير المراغي 15/134
[28] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 532
[29] - رواه البخاري في صحيحه حديث رقم 432 , ورواه مسلم في صحيحه حديث رقم 777
[30] - المتواري علي تراجم أبواب البخاري لابن المنير ص84
[31] - نيل الأوطار للشوكاني 2/157
[32] - رواه مسلم في صحيحه حديث رقم 780