التمهيد:
أي عمل يقوم به الإنسان لا بد من التهيئة له, مثلًا القيام للصلاة... للأكل... أو لقراءة القرآن.
س: لماذا اتبعت كل تلك الخطوات.... ابتداءً من القراءة المسبقة والتشكيل والتدريب؟
اذكر ما يجب عمله قبل تلك الأعمال بأمثلة على ذلك: 1ـ ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ﴾ [المائدة: 6]... بمعنى إذا أردت القيام للصلاة. 2ـ وإذا أكلت فسمِّ([42]).... بمعنى إذا أردت أن تأكل فسمِّ الله. 3ـ ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98]... بمعنى إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
س: لماذا خصت قراءة القرآن بالاستعاذة؟ وهل الشيطان باستطاعته الدخول إلى قارئ القرآن؟
ج: خصت قراءة القرآن بالاستعاذة أولًا امتثالًا لقول الله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98] لأن قراءة القرآن من العبادات, فالشيطان حريص كل الحرص على أن يتمثل للإنسان في عباداته وجميع أعماله الصالحة ليفسدها.
س: لماذا يفعل الشيطان ذلك؟
ج: الشيطان منذ خلق الله البشر وخروج آدم من الجنة أقسم وتوعد بالغواية كما جاء في كتاب الله على لسان الشيطان ﴿ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82, 83] أقسم الشيطان بعزة الله أن يضل بني آدم بتزيين الشهوات لهم وإدخال الشبهة عليهم إلا الذين أخلصهم الله لعبادته وعصمهم من الشيطان الرجيم, أي هؤلاء لا يقدر على إضلالهم وإغوائهم مع محاولاته الكثيرة لهم بارتياد أماكنهم ومجالسهم, فعلى المؤمن أن يأخذ حذره من هذا العدو فقال سبحانه في كتابه: ﴿وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 168 ـ 169].
س: كيف يستطيع الشيطان التغلب على الإنسان؟
ج: يجري الشيطان من الإنسان مجرى الدم ولا يصر إلا على ارتياد المواضع التي يكثر فيها الذكر والعبادات والتردد عليها, لذا يوجد في الصلاة ـ الزكاة ـ الصوم ـ قراءة القرآن ـ وجميع الأعمال الصالحة.
س: وما موقفه من الأماكن المشبوهة الفاسدة؟
ج: الأماكن المشبوهة الفاسدة قد سيطر الشيطان عليها وعلى كل روادها, ومثال على ذلك: ـ الشيطان يفرح بزيارتك للسينما ومشاهدة الأفلام الفاسدة. ـ يفرح بجلوسك لساعات طويلة أمام التلفاز لمشاهدة المسلسلات التي تشغلك عن ذكر الله. ـ يفرح بجلوسك في مجالس الغيبة والنميمة. ـ يفرح بجلوسك في مجالس البدع والضلالة. ـ يفرح لهجرك القرآن طويلًا. ـ يفرح لتركك الصلاة أو إهمالها أو نسيانها. ـ يفرح لتركك السنن والنوافل. ـ يفرح لنومك العميق تحت فراشك الدافئ غافلًا عن فضل صلاة الليل وقراءة القرآن في جوفه. ـ يفرح لتركك الزكاة والصدقات. ـ يفرح لتركك الصيام والقيام في رمضان, أو نافلةً تقربك إلى الله. وهناك أمثلة كثيرة كثيرة, ومجمل القول: يفرح لكل ما يبعد العبد عن خالقه... إذن فهو لا يزورك في هذه الأماكن كثيرًا لأنه كسبك في صفه وأصبحت من أتباعه ولكن يصر على أن يأتيك في الأماكن التي يكثر فيها الذكر حتى يصرف العبد عما هو فيه.
س: كيف يأتي إلى العبد في صلاته؟
ج: يأتي إلى العبد في صلاته ابتداء من أول قيامه للصلاة فيؤخره بمشاغل الدنيا حتى تفوته, فإن لم يقدر أتاه في الوضوء ويشككه في الماء الذي يتوضأ منه فيقول: من أين لك أنه طاهر, أو يجعله يتوضأ مرات ومرات طالبًا للطهارة, وبذلك يكون قد أسرف في الماء أو فاته وقت الصلاة. وإذا لم يقدر عليه أتاه في الصلاة وأشغله بأمور الدنيا, فإن لم يستطع فيشغله في أمور لا يشك المصلي أن وراءها الشيطان كانشغاله بمخارج الحروف فتراه يقول (الحمد ـ الحمد) فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عليه في تحقيق الشدة وتارة في إخراج حرف الضاد واستطالته في كلمة ﴿وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ أو بأداء صفة الرخاوة في الغين في ﴿المَغْضُوبِ﴾ وهكذا, وإن لم يقدر عليه في صلاته المكتوبة أتاه في السنن والنوافل فيتركها أو يهملها, وكذا الصيام والزكاة مبديًا له التعب والمشقة في الصيام والفقر وقلة المال في الزكاة.
س: ولماذا يأتي الشيطان للإنسان عند قراءة القرآن؟
ج: (يأتي الشيطان للإنسان عند تلاوة القرآن لأن القرآن بعيد السنا، شديد الضياء، يهدي للتي هي أقوم, ويعصم عن الزيغ والزلل، والشيطان حريص كل الحرص كما قلنا على أن يأتي الإنسان وهو يمشي في دروب الحياة لا نور معه ولا حصانة لعله يتردى فلا يقوم, أو يتيه فلا يصل. فالشيطان يحب أن يصرف الإنسان عن التلاوة ويحرمه من بركات الوحي, ولحظات الاستعداد للتلاوة, صراع بين الحق والباطل, بين الهدى والضلال, لا بد أن ننتبه ونستعد لها, ومن هنا علّمنا القرآن وأدبنا أن الاستعداد والتحضر لهذه المنة العظمى وهي تلاوة القرآن لا تكون إلا بالاعتصام والالتجاء إلى الله حتى نحسن الفهم وتتم لنا التزكية)([43]).
س: ماذا يحدث للشيطان عند الاستعاذة في بداية التلاوة؟
ج: إذا تعوّذ العبد في بداية تلاوته أو أي عمل شعر بوجود الشيطان فيه فإنه يرتعد خوفًا ورعشة من الاستعاذة بالله, وعندما يتكرر ارتعاد الشيطان لهذه الكلمة فإنه يعرف أن هذا الإنسان العابد لن يحيد عن طاعة الله إلى المعاصي. هذا ما سنعرفه في درس اليوم عن الاستعاذة في القرآن وصياغتها وحكمها وأحوالها.
العرض:
س: ما معنى الاستعاذة لغة؟
ج: الاستعاذة لغة: هي مصدر استعاذ أي طلب العون والعياذ والالتجاء والاعتصام والحصن.
س: ما معنى الاستعاذة اصطلاحًا؟
ج: هي التحصن والالتجاء والاعتصام بالله من الشيطان الرجيم, فإذا قلت: أعوذ بالله في أول السورة فكأنك تقول: «ربي أقرأ كتابك, ولكنْ هناك عدو لي, ألجأ إليك وأتحصن وأعتصم وأستعين بك منه، وهو الشيطان الرجيم».
س: ما صيغتها؟
ج: الصيغة المختارة لجميع القراء من حيث الرواية عن النبي ﷺ: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» كما ورد في سورة «النحل» وذلك في قوله: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98] وهناك صيغ أخرى يجوز الإتيان بها مثل: (أعوذ بالله من الشيطان), (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم), (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم), (أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم) وغيرها. قال الإمام الشاطبي: إذَا مَا أَرَدْتَ الدَّهْرَ تَقْرَأُ فَاسْتَعِذْ جِهَارًا مِنَ الشَّيْطَانِ بالله مُسْجلاَ عَلَى مَا أَتَى فِي النَّحْلِ يُسْرًا وإِنْ تَزِدْ لِرَبِّكَ تَنْزِيهًا فَلَسْتَ مُجَهَّلاَ
س: متى يشرع تكرار الاستعاذة؟
ج: يقطع القارئ قراءته لسببين: السبب الأول: أن يقطعها ويتكلم بكلام من جنس القراءة كتصحيح خطأ أو بيان معنى الآية أو نحوها، أو قطع القراءة لعطاس أو سعلة أو نحنحة ونحو ذلك ما لا ينفك عن القراءة غالبًا, فالحكم في هذه الحالة أنه لا يعيد الاستعاذة مرة أخرى لأن الأمور المتقدمة مما يتعلق بالقراءة تعلقًا لا ينفك عنها. السبب الثاني: أما لو قطع القراءة وتكلم بكلام أجنبي([44]) خارج عن جنس القراءة وخارج موضوعها فإنه يعيد الاستعاذة فكأن الاستئناف مرة أخرى بمنزلة القراءة المبتدأة([45]).
س: ما حكم الاستعاذة؟
ج: اختلف القراء في حكم الاستعاذة فمنهم من يرى أن الاستعاذة على سبيل الندب أي على سبيل الاستحباب (أي مستحبة) وهو قول الجمهور واستدلوا بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98], وذهب البعض الآخر إلى أن الاستعاذة واجبة استدلالًا بالآية الكريمة نفسها وسبب اختلافهم هل الأمر في الآية الكريمة يفيد الوجوب أو الندب (الاستحباب) فمن رأى أنه يفيد الندب قال: إن الاستعاذة مستحبة بسبب عدم وجود أدلة تبين أن النبي ﷺ أثَّم أحدًا لم يقرأ الاستعاذة، فبذلك وردت قرائن تصرف الأمر عن ظاهره وهو الوجوب, وعلى هذا لا يأثم القارئ بتركها, ومن رأى أنه يفيد الوجوب جعل اللفظ على ظاهره وقال: إنَّ النبي ﷺ واظب على الإتيان بها, ولأنها تدرأ شر الشيطان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ, ولأن الاستعاذة أحوط, وعلى هذا يأثم القارئ بتركها والله أعلم. والقول المختار: إن الاستعاذة واجبة بالوجوب الشرعي.