اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أكرم حسن
أولًا: إن الباحثين المسلمين جانبوا الصواب ولا أنا أقول الحق مهما كان ومع من كان؛ هذه هي الأمانة العلمية، ومن بركة العلم....
الحقيقة التي يجهلها كثير من المسلمين أن السماء لها أعمدة ولكن نحن لا نرها
أخالفك الرأى شيخنا الفاضل
--------------------------------------
أولا :
حتى العدد الذى استشهدت به قائلا أنه من (الحق) الذى يحتوى كتابهم (المقدس) على بعضه .. والذى تقف أنت معه (أينما كان) .. لم يفسره علماء النصارى على أن للسماء أعمدة بالفعل - سواء مرئية أو غير مرئية - بل يفسرونها بالمعنى المجازى الروحانى كما هى عادتهم :
1- تفسير أنطونيوس فكرى :
أعمدة السماوات ترتعد، وترتاع من زجره= يقصد الجبال التي على قممها ترتكز السماء وهذه ترتعد مع الرعود والزلازل
2- تفسير البابا غريغوريوس (الكبير) :
ما هي أعمدة السماء سوى الملائكة القديسين، كارزي الكنيسة الأساسيين، الذين يقوم عليهم كل العالم السماوي الذي للصرح الروحي المرتفع بلا توقف، كما يقول الكتاب المقدس في موضع آخر: "من يغلب أجعله عمودًا في هيكل إلهي" (رؤ 13:3). فمن يتأسس بثباتٍ بهدفٍ سليمٍ في الذهن في عمل الله إنما يقوم كعمودٍ في إنشاء الصرح الروحي. إذ يُوضع في هذا الهيكل الذي هو الكنيسة، يصير للنفع والزينة معًا. لكن أيوب يدعو أعمدة السماء هؤلاء الذين يدعوهم الرسول أعمدة الكنيسة، إذ يقول: "بطرس ويعقوب ويوحنا، المعتبرون أعمدة، أعطوني يمين الشركة" (غل 9:2).
ليس من غير اللائق أن نفسر "أعمدة السماء" بكونها الكنائس ذاتها. فبكونها كثيرة في العدد لكنها تقيم كنيسة كاثوليكية (جامعة) واحدة تنتشر على كل وجه الأرض. هكذا أيضًا يكتب الرسول يوحنا إلى السبع كنائس، قاصدًا الكنيسة الواحدة الجامعة مزودة بالروح الذي له نعمة في سبعة جوانب
--------------------------------------
ثانيا :
قال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)
وقال تعالى : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا).
1- قال ابن كثير رحمه الله فى تفسير ابن كثير (4/429):
" قَوْلُهُ : بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ : أَنَّهُمْ : قَالُوا : لَهَا عَمَد وَلَكِنْ لَا تُرَى ، وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ : السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ مِثْلُ الْقُبَّةِ ، يَعْنِي بِلَا عَمَدٍ ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالسِّيَاقِ ، وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ) الْحَجِّ/ 65 ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ : (تَرَوْنَهَا) تَأْكِيدًا لِنَفْي ذَلِكَ ، أَيْ: هِيَ مَرْفُوعَةٌ بِغَيْرِ عَمْدٍ كَمَا تَرَوْنَهَا ، هَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ فِي الْقُدْرَةِ " انتهى.
2- وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
( قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن السماء مرفوعة على عمد، ولكننا لا نراها، ونظير هذه الآية قوله أيضاً في سورة لقمان : (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) .. واختلف العلماء في قوله: (تَرَوْنَهَا) على قولين :
أحدهما : أن لها عمداً ولكننا لا نراها ، كما يشير إليه ظاهر الآية ، وممن روى عنه هذا القول ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد، كما قاله ابن كثير.
وروي عن قتادة أيضاً : أن المعنى أنها مرفوعة بلا عمد أصلاً ، وهو قول إياس بن معاوية ، وهذا القول يدل عليه تصريحه تعالى في سورة الحج، أنه هو الذي يمسكها أن تقع على الأرض في قوله: (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
قال ابن كثير: فعلى هذا يكون قوله: (تَرَوْنَهَا) تأكيداً لنفي ذلك ، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها كذلك ، وهذا هو الأكمل في القدرة) انتهى.
3- وقال الشيخ السعدي رحمه الله فى "تيسير الكريم الرحمن" (صـ :412) :
" أي : ليس لها عمد من تحتها ، فإنه لو كان لها عمد، لرأيتموها " انتهى.
4- وقال الشيخ ابن عاشور رحمه الله فى "التحرير والتنوير" (13/80) :
"وَجُمْلَةُ تَرَوْنَها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ السَّماواتِ ، أَيْ لَا شُبْهَةَ فِي كَوْنِهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ" انتهى.
5- ويقول سيد قطب رحمه الله في الظلال:
(والسماوات أيا كان مدلولها، وأيا كان ما يدركه الناس من لفظها في شتى العصور، معروضة للأنظار هائلة ولا شك، حين يخلو الناس إلى تأملها لحظة، وهي هكذا لا تستند إلى شيء مرفوعة بغير عمد، مكشوفة ترونها) انتهى.
--------------------------------------
فالحاصل أن أهل العلم قد اختلفوا في تفسير الآية على قولين :
الأول : أن لها عمدا ، لكن لا يراها الناس
والثاني : أنها لا عمد لها أصلا؛ فلو كان لها عمد لرآها الناس، وإنما رفعها، وأمسكها عن السقوط بقدرته جل جلاله .. وهذا هو أظهر القولين في الآية إن شاء الله
وعلى ذلك ... فمن قال بعدم وجود أعمدة للسماء لا نستطيع أن نقول بخطأه .. بل أن هذا بالفعل أصح الأقوال إن شاء الله إذ فيه تمام القدرة الإلهية والإعجاز الربانى فرفع السماء بلا عمد هو أكمل فى القدرة بالطبع من رفعها على عمد غير مرئية ويعضد ذلك قوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ)
فمعنى الآية - والله أعلم - أن الله سبحانه وتعالى يخبر عن كمال قدرته وعظيم شأنه، بأنه سبحانه وتعالى رفع السماوات فوق الأرض بدون أعمدة تحملها، كما يراها الناس واضحة للعيان ... والله أعلم