البدعة في فهم حديث البدعة
نتفق على أن
البدعة هي كل عبادة أحدثها الناس ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة ولا في تصرفات وأعمال الخفاء الراشدين وهي مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وهذه العبارة ترد على ألسنة المسلمين ويحتكرها أصحاب بعض مذاهب كعلامة تميزهم عن بقية المسلمين فهم أقرب إلى البغبغاء التي تردد طوال اليوم نفس الكلمة بدون أن تفهم ما تقول
وكأن هؤلاء أختزلوا كل الإسلام في كلمة هذه بدعة
ويحاجون بها من يتصدى لهم بالقول له :
أنهم يعملون بالكتاب والسنة ( أيأنهم لايخرجون عن إطار قال الله وقال رسوله) لننظر إلى البنية السطحية في نص الحديث النبوي)( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) ( هناك إشكال منطقي في الوحدة الثالثة ) (كل ضلالة في النار)( وهو نوع من المزيّة البيانية
والسؤال المطروح هنا هو : كيف يمكن أن تكون الضلالة في النار؟ واضح أن المقصود ليس الضلالة نفسها بل الشخص الذي يقترفها وبذلك يكون معنى العبارة : الضلالة تقود مقترفها إلى النار لنلاحظ الفرق بين كل ضلالة في النار وبين كل ضلالة تقود مقترفها إلى النار هنا في العبارة الثانية مسافة خطابية وبالتالي فكرية ونفسية بين كلمةضلالة وكلمة الناروهذه المسافة هي قولنا) : تقود مقترفها ( وإذا ترجمنا هذا الفرق إلى لغة الواقع أمكن أن نتصور شخصا من بادية العرب يقود شخصا آخر إلى مكروه بعيد ، ولأن النار هنا تقع في الآخرة هناك إذا مسافة نفسية تخفف في وجدان السامع من وقع الحكم) تقود مقترفها إلى النار( ويأتي التعبير البلاغي ليحذف هذه المسافة وليجعل الضلالة نفسها في النار فيخلق بالتالي في نفس الشخص المقترف للضلالة شعورا بأن النار مقترنة بالضلالة اقتران تزامن ... هذا الجانب البياني البلاغي في الخطاب القرآني قد أبرزه كثير من القدماء ، ويضرب الجرجاني صاحب دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة مثالا على ذلك بالآية الكريمة) فما ربحت تجارتهم( منبها ً إلى أن الصياغة العادية لهذه العبارة هي ): فما ربحوا في تجارتهم( لأن الذي يربح أو يخسر ليس التجارة بل أصحابها ، فحذف الفاصل بين( ماربحوا ) وبين ( تجارتهم )وهو واو الجماعة فجاءت العبارة بدون مسافة تفصل بين الذينوجه لهم الخطاب وبين الخسارة فوقع الحكم على التجارة نفسها تأكيدا لوقوع الخسارةفيها .
لنعد إلى أصل ما طرحناه ونتساءل متى تكون البدعة ضلالة ؟
بماأن النص الذي بين أيدينا حديث نبوي فإن المقصود بالهدي الذي يرد في خطبنا المنبرية هو الذي جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .. إذا فسياق العلاقات القائمة بين وحدات الخطاب يقتضي أن المقصود ليس المحدثات بإطلاق
)مثلما يسوغ له أصحاب هذا المعتقد في محاربتهم للتقدم تحت ذرائع ومبرر البدع (
بل تلك التي تكون بدعة في الدين ( أي تلك التي تضيف جديدا إلى نظام العبادة في الإسلام وهو نظام محدد مقرر لا يجوز لأحد الإضافة عليه أو الحذف منه (....
نحن نعرف أن الصيام هو فريضة في الإسلام فإذا أراد شخص التعبد بإضافة يوم إليه فإنه يحدث أمرا مبتدعا في الدين يفسد نظام الدين ومن هنا الضلال وهو الوعيد بالناركجزاء ، ذلك أنه لو جاز لكل واحد أن يزيد في الدين بنية التعبد لفسد الدين وأصبح فوضى ولكل دينه الخاص ... من هنا عرّف كثير من الفقهاء البدعة بأنهاالأمر الذي يستحدثه الإنسان في الدين بقصد التعبد
ومن هناأيضا معنى التجديد في اصطلاح الفقهاء ، فالتجديد هو كسر البدع والرجوع إلى سيرةالسلف الصالح والمعنى محاربة البدع التي يحدثها الناس في صورة زيادات وإضافات يقصدبها التعبد وهذا هو المعني الفقهي للسلفية الحقيقية التي هي الرجوع إلىسيرة السلف الصالح
فليست السلفية في معناها الأصلي الفقهي نوعا منالرجعية أو الماصوية بل هي الرجوع بالعبادات إلى بساطتها الأولى التي عرفت عن النبيوالصحابة ،
فزيارة القبور والتبرّك بالصالحين ووضع اليدين فوق الرأس مثلا حين الصلاةوالفرحة بعيد مولد النبي و الإكثار من الصلاة على النبي والدعاء عند النبي ولبس غير لباس أهل البادية والاستنجاء بالماء بدل الحجر وتأخير الفطور في رمضان إلى ما بعد صلاة العشاء وكذلك إرسال اللحية والإفراط فيالحجاب و.............................إلخ
كل هذه الأمور إن لم تكن تفعل على أنها عبادة فلا بأس أما إن قصد بها زيادة التعبد فهي تدخل في معنى البدعة ،
لأن البدعة هي زيادة في الدين يقصد منها المبالغة في العبادة ، وبما أنها تخرق نظام الدين فيجب كسرها أي محاربتها بالدعوة إلى الرجوع لبساطة الدين الأولى .
مماأسلفناه يتضح لكل ذي لب أن هؤلاء هم أصحاب البدع بما يلصقونه بالدين ويزيدونه على العبادات ويضيقون على الخلق تحت ذرائع محاربة البدع بإضافة ماليس من الدين إليهبالإفراط في كل شيىء بدء من الصلاة ومرورا باللحية بحيث غدى المسلم المتبع لنهجهم يتخير المساجد التي يصلي فيها والتي يطال فيها السجود والركوع وقراءة طوال السور كنوع من المغالاة وهي من المبدع المخالفة لنهج الرسول الكريم الذي يأمربالتخفيف في الصلاة نزولا عند مصالح المصلين الذين فيهم المريض وصاحب الحاجةوالعاجز ويغالون أيضا في إطلاق العنان للحى بحيث أصبحنا لا نفرق بينهم وبين الإنسانالقديم ،
ويفكرون بهدم قبة النبي على أنها بدعة ويفرضون عليك حتى هيئة قبرك فلا يحق لك مثلا ان تصنع قبر مثلث او مربع الشكل لأنه بدعة في نظرهم
ويزيدون في ضرب الستار القاتم من السواد على المرأة حتى خيل لنا أن لاوجود لها بين ظهرانينا .
أليس ذلك كله من البدع التي يجبعلى هؤلاء الارتداد عنها مصداقا لقول الشاعر العربي :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله---------- عار عليك إذا فعلت عظيم