بني الكريم حبيب محمد صلى الله عليه وسلم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
لقد نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين
لقد نزل على قوم أهل فصاحة وبيان وبلاغة
كادت اللغة أن تخالط دمائهم من فرط عشقهم لها يتحسسون عبيرها ويتذوقون جمالها ويقيمون أسواقا للأدب والشعر يتبارزون فيها ويفتخرون وقد فتنتهم بعض الأشعار بسحرها وبيانها فرفعوها وعلقوها على كعبتهم
هؤلاء القوم لم يكونوا بحاجة إلى من يفسر لهم آيات الكتاب
وقد جاء في آيات القرآن تفسيرا لبعض آيات القرآن فكان ذلك تفسيرا للقرآن بالقرآن وهو أعلى درجات التفسير وكمثالا على ذلك ما جاء في سورة الطارق ما يبين لنا أن الطارق هو النجم الثاقب
( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب )
ثم جاء بعد ذلك أن بين رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الآيات والكلمات ، فكان هذا التفسير أفضل التفاسير بعد تفسير القرآن بالقرآن وقد سمي هذا التفسير بالمأثور
وبما أن اللغة العربية غنية بالمعاني والمفردات وأن كلمة واحدة قد يكون لها مدلولات عديدة فلا يحدد معناها إلا موقعها من الجملة ، بل قد يختلف المعنى تماما بسبب رفع حرف أو نصبه في كلمة واحدة ، لذلك أمسك الناس عن الخوض في تفسير القرآن بآرائهم وأفهامهم ،
فهذا أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يُسأل عن معنى العاصفات التي ذكرت في سورة المرسلات ( فالعاصفات عصفا ) فما كان منه رضي الله تعالى عنه إلا أنه أطرق ساعة ثم قال : العاصفات هي الرياح ولولا أني سمعت رسول الله قالها ما قلتها - فعندما أطرق لم يكن يفكر في معناها وإنما كان يتذكر ماذا قال لنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم وجد بعض أهل العلم أن ملكة اللغة قد ضعفت بين الناس وخاصة بعد أن فتحت البلاد ودخل في دين الله الأعاجم من الفرس والروم والقبط وغيرهم ،
لذلك إجتهد بعض أهل العلم فوضعوا تفسيرا للقرآن يعتمدون فيه على المأثور من التفسير ويستأنسون بأسباب النزول ويعتمدون على قواعد اللغة وبيانها ، فحاولوا التسديد والتقريب ما استطاعوا وقد تطرقوا للمحكم من الآيات وأمسكوا عن المتشابه منها
ثم جاء من استخدم تلك الأدوات وزاد عليها فاستأنس بعضهم بما جاء في كتب أهل الكتاب حول بعض القصص وبعض المسائل وبذلك تسربت إلى بعض كتب التفسير ما يعرف بالإسرائيليات
وكذلك حاول بعض المفسرين أن يضع ما توصل إليه برأيه واجتهاده
لكل ذلك أقول نعم هناك بعض الإختلافات في التفسير وخاصة بعد الإكتشافات العلمية والعلوم الحديثة التي كشفت عن بعض جوانب الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والتي لم يكن يعلمها المفسرون السابقون
فالذين قاموا بتفسير القرآن الكريم بشر يجتهدون فيصيبون ويخطؤن فليسوا معصومين ولم يدع أحدهم أنه مأيد بالوحي أو روح القدس ، بل إن أحدهم بعدما يضع عصارة فكره وعلمه يقول والله أعلم
لذلك وجدنا أن التفسير بالمأثور والإمساك عن الخوض بالرأي هو الأفضل لأن الأيام تتكشف عن أمور لم تكن في الحسبان
وقد تكفل الله بحفظ القرآن وجمعه وبيانه وقد كان
فقال تعالى ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ )
{ سورة القيامة:16-19}
وقد جاء في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القرآن الكريم
كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة رد ، ولا تنقضي عجائبه ، هو الذي ما تركه من جبار إلا قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي من عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ،
إن هذا القرآن مأدبة الله فتعلموا من مأدبة الله ما استطعتم ، إن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور البين والشفاء النافع ، عصمة لمن تمسك به ، ونجاة لمن تبعه لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق من كثرة الرد .
هذا والله الموفق للصواب والسداد وهو أعلى وأعلم