اعرف الإسلام .. البوابة البرازيلية لدخول الدين الحنيف
اعرف الإسلام "البوابة البرازيلية لدخول الدين الحنيف"
5/4/1433 هـ
أجرت الحوار: إسراء البدر
البرازيل من الدول التي وصل إليها الإسلام فجر اكتشاف القارة الأمريكية، فعندما رست سفينة "كابرال" على ساحل البرازيل، كان برفقته ملاحون مسلمون ذوو شهرة عظيمة أمثال شهاب الدين بن ماجد وموسى بن ساطع، ويؤكد المؤرخ البرازيلي الشهير جواكين هيبيرو أن العرب المسلمين زاروا البرازيل، واكتشفوها قبل اكتشاف البرتغاليين لها عام 1500م، وأن قدوم البرتغاليين إلى البرازيل كان بمساعدة البحارة المسلمين الذين كانوا أخصائيين ومتفوقين في الملاحة وصناعة السفن.
كما تؤكد الوثائق التاريخية المحفوظة في المتاحف البرازيلية، أن أكثرية المنحدرين من الأفارقة الذين جيء بهم "كعبيد" إلى البرازيل هم من جذور إسلامية، وأنهم كانوا يقرأون القرآن باللغة العربية، وكان لهم دور كبير في بناء الهوية الحضارية للبلاد يقول المؤرّخ "فريري": كان هؤلاء المسلمون السود يشكلون عنصراً نشطاً مبدعاً، ويمكن أن نقول: إنهم من أنبل من دخل إلى البرازيل خلقاً.. لقد مارسوا دوراً حضارياً بارزاً، وكانوا الساعد الأيمن في تكوين البلد الزراعي.. إن البرازيل مدينة لهم في كل شيء.
وللوقوف على حياة المسلمين هناك. كيفية ممارسة شعائرهم، ومدى اندماجهم في المجتمع البرازيلي، وكيف ينظر إليهم هذا الأخير، وإلى أي حد أثروا في مجتمعهم ، ودور المساجد والمراكز الإسلامية في نشر الدين الحنيف، شرفت "رسالة الإسلام" بإجراء هذا الحوار مع الشيخ خالد تقي الدين مدير المركز الإسلامي في البرازيل .
• متى تأسس المركز الإسلامي في البرازيل وما الغرض من تأسيسه؟
تم تأسيس اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل عام ١٩٧٩م، والغرض من تأسيسه هو توحيد صوت المسلمين هنا، والعمل على تشييد المزيد من المساجد والمراكز والمدارس في التجمعات المختلفة للمسلمين داخل البرازيل، ووضع خطة عمل لنشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، ورعاية الشؤون الإسلامية المختلفة للجالية المسلمة .
• حدثنا عن وصول المسلمين إلى البرازيل. ومن أي أصول ينحدرون؟ وما هو عددهم الحقيقي؟
هناك رواية تقول إن المسلمين وصلوا مع مكتشف البرازيل " بيدرو كابرال " كبحارة، لهم معرفة بعلوم البحار، ثم جاءت بعض الأسر من المورسكيين من إسبانيا واستقرت في البرازيل، وقد تعرضوا للمحاكمة ثم التعذيب والقتل.
والذي لاشك فيه أن البرتغاليين استقدموا الكثير من العبيد الأفارقة في منتصف القرن السادس عشر الميلادي للعمل في استصلاح أراضي البرازيل الواسعة، وأغلب هؤلاء العبيد كانوا مسلمين، وقد تعرضوا لعملية تنصير شديدة حال وصولهم لأراضي البرازيل، ومع ذلك ظل هؤلاء المسلمون محافظين على دينهم وتأدية شعائر الإسلام سرا، وقد دخل معهم في الأسر طوعا، وتعرضوا للعبودية، بعض المشايخ حتى يساعدوهم في الحفاظ على هويتهم، وقد حاول هؤلاء المسلمون القيام بأكثر من ثورة للتحرر من رق العبودية، وكان نتيجتها الفشل، ومع ذلك ظلوا محافظين على دينهم رغم ما تعرضوا له من قتل ونفي بعد هذه الثورات، ومع مرور الأيام تلاشى هؤلاء المسلمون.
المرحلة الثالثة كانت مع بداية القرن التاسع عشر بهجرة المسلمين من بلاد الشام وهؤلاء استقروا في أكثر من مكان وأسسوا المراكز والمدارس الإسلامية.
ويقدر عدد المسلمين اليوم بحوالي مليون ونصف المليون مسلم من أصول مختلفة " لبنان – سوريا – فلسطين " وتوجد أعداد قليلة من بعض الجنسيات الأخرى والمسلمين البرازيليين الجدد.
• كيف ينظر المجتمع البرازيلي للدين الإسلامي الحنيف؟ وما مدى تقبله للمسلمين؟
المجتمع البرازيلي ينظر إلى الإسلام من وجوه مختلفة، فالكثيرون من البرازيليين يجهلون هذا الدين، ولا يعرفون عنه إلا أنه دين العرب وأن كلمة الله لفظ الجلالة إله المسلمين وليس الإله المعبود، وبعضهم يتأثر بالدعاية السلبية ضد الإسلام، التي تصفه بأنه دين إرهابي، ومع ذلك هم شعب بسيط جداً وبعيد عن التعصب الديني، ويحب أن يتعرف ويسمع عن الدين الإسلامي، وهذا ما نلاحظه خلال مناشطنا الدعوية، ويوجد إقبال لا بأس به من البرازيليين لاعتناق الدين الإسلامي.
• هل لكم أن تضعونا على جهود المركز الإسلامي في مجال الدعوة؟ وهل أثمرت بالفعل عن دخول الكثير من البرازيليين إلى دين الله؟
يعتمد اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل بعد عون الله تبارك وتعالى على مشروع كامل اسمه "اعرف الإسلام"، وهو يهدف لنقل المعرفة بدين الإسلام لكل شرائح الشعب البرازيلي من خلال طرق مختلفة، حيث نقوم بتوزيع الكتاب الإسلامي والنشرات باللغة البرتغالية في الأسواق وأماكن التجمعات المختلفة وهو ما يسمى طاولة الدعوة ويوجد فريق متخصص يجيد اللغة البرتغالية يرد على استفسارات الزائرين، وكذلك المشاركة في معارض الكتب وهذا التواصل يكون مع الطبقة المثقفة من المجتمع البرازيلي أساتذة الجامعات والفنانين وطلاب المدارس، ولقد شاركنا هذا العام في معرض ريو دي جانيرو الدولي للكتاب وكانت مشاركة متميزة بفضل الله، ومشروع إرسال الكتب مجانا عن طريق البريد وترجمة معاني القرآن، وتقدم الطلبات عن طريق موقع الاتحاد وتصل إلى ١٠٠٠ طلب شهريا، نقوم بعمل دورات تعليمية بالتعاون مع المؤسسات والمراكز الأعضاء في الاتحاد، نعمل حاليا على مشروع الخط المجاني للتعريف بالإسلام.
• يلهج البرازيليون بالبرتغالية، إذن كيف تغلبتم على عقبة اللغة؟ وكيف تمكنتم من تعريفهم بالإسلام؟
في البداية كان نشاطنا الدعوي محصورا بين أبناء المسلمين في منطقة كان يغلب عليها الهجرة الحديثة، ولذلك لم أكن أهتم جديا بتعلم اللغة البرتغالية، وإذا احتجنا كنا نلجأ للاستعانة بمترجم، وبمرور الوقت وجدنا عددا كبيرا من أبناء المسلمين لا يجيدون اللغة العربية، وكان ذلك حينما انتقلت إلى منطقة أغلب أبنائها ممن ولدوا في هذه البلاد، مما دفعني لتعلم اللغة وكان هذا الأمر سببا في فتح آفاق جديدة للتواصل ودخول الكثيرين من البرازيليين في الإسلام، فاللغة عامل مهم جداً لانطلاق الداعية، وهي تنقل إحساساته وكلماته وهمومه للمستمع دون واسطة وهو المترجم .
• هل واجه المركز عوائق، وما هي أشكالها وكيف تمكنتم من التغلب عليها؟
توجد لدينا بعض العوائق مثل قلة الدعاة العاملين على الساحة، وقلة من يجيدون اللغة البرتغالية منهم، ونحاول التغلب على هذه الإشكالية عن طريق إرسال بعض أبناء المسلمين للدراسة في الجامعات الإسلامية، وكذلك استقدام دعاة من العالم الإسلامي لسد هذا الفراغ.
وكذلك ضعف بعض المؤسسات والمراكز ماليا ونحن نقوم بمساعدة هذه المؤسسات بالحد الأدنى وتوجد خطة استراتيجية لإنشاء وقف إسلامي يخصص ريعه لخدمة هذه المؤسسات.
• المرأة المسلمة المحجبة، كيف ينظر إليها المجتمع؟ هل يتقبلها أم يلفظها؟ وهل تمارس حياتها العلمية والعملية بشكل طبيعي دون مضايقات؟
المرأة المسلمة المحجبة تمارس حياتها العلمية والعملية بشكل طبيعي ويوجد تفهم من المجتمع البرازيلي لأمور الحريات الشخصية حتى ولو لم يعرف أن هذا الزي إسلامي، والقانون البرازيلي يسمح للمرأة المسلمة بوضع صورتها على الأوراق الرسمية ( هوية - جواز سفر - رخصة قيادة ) بالحجاب، توجد أحيانا بعض المضايقات في العمل من بعض المؤسسات التي لا تقبل عمل المحجبات وهذا في الغالب يرجع لقانون الشركة الذي يشترط زيا معينا أو بعض السفهاء الذين يوجهون كلمات لبعض المحجبات ولكن هذه الحالات محدودة ولا تعبر عن الشعب البرازيلي بشكل عام .
• هل هناك دور مؤثر للمسلمين في الحياة العامة والسياسية في المجتمع البرازيلي؟
يوجد تأثير قوي للمسلمين في الحياة العامة هنا، ويرجع ذلك للوجود القديم للمسلمين في البرازيل؛ حيث كان العبيد الأفارقة يشكلون عددا كبيرا من سكان البرازيل، ورغم تدهور حال هؤلاء المسلمين والقضاء عليهم فقد ظل لهم تأثير في الحياة البرازيلية، فكان لهم أثر في البناء وطريقة اللباس والثقافة والطعام.
• هل تتواصلون مع الدول العربية والإسلامية للحصول على أشكال الدعم لنشاطكم أم أن تمويلكم يحتفظ بالطابع الذاتي؟
يوجد لدينا تواصل طيب مع الدول العربية والإسلامية، والهدف من هذا التواصل تعريف إخواننا في المشرق بوضع إخوانهم في البرازيل، وبحث أشكال تنمية هذا التواصل، أما بالنسبة لنشاطات الاتحاد فهي بالكامل تتم بتمويل ذاتي من داخل البرازيل، وبدأنا هذا العام نتيجة للتواصل الخارجي نحصل على بعض الدعم في مشاريع محددة، وهي تتم بمنتهى الشفافية ومتابعة سفارة البلد الذي يقدم هذا الدعم .
• خلال مسيرتكم الدعوية في البرازيل. ما القصة الأبرز لاعتناق برازيلي الإسلام؟
أقدم إليك هذه القصة، وهي من أبرز القصص التي مرت علي.
ريكاردو الباحث عن الحقيقة:
حانت ساعة الفراق وريكاردو إلى جوار والده يودعه الوداع الأخير، كان الوالد لديه الكثير لكي يحدث به ولده، حديث الصدق، والحقيقة التي تختلج في صدور الكثير من الناس، ولكن دافع الخوف على الجاه أو المنصب أو لاعتبارات أخرى، يجعلهم يفضلون الموت في صمت، دون الإقرار بالحقيقة الباقية " لا إله إلا الله محمد رسول الله".
أراد والد ريكاردو أن يحوز الخير لولده، وهو يخشى عليه أن يتحول حينما يكبر في العمر إلى إنسان لا دين له، فقال له يابني إذا وصلت إلى درجة من الشك تؤدي بك إلى الإلحاد، فابحث عن الإسلام، دوت هذه الكلمات في مسامع ريكاردو، وهو الذي كان يرى والده مع كونه مسيحيا، يحوز نسخة من القرآن الكريم، ويراه يقرأ فيها أحيانا.
مضت الأيام وتخصص ريكاردو في علوم الأديان، وكلما ازدادت علومه ازداد شكه، كيف يكون لله ولد سبحانه؟؟ كيف يكون الله ثالث ثلاثة، تعالى عما يقولون علوا كبيرا؟؟ كيف وكيف وكيف؟؟ أسئلة لم يجد لها إجابة، حينها تذكر كلمات والده الأخيرة.
قبل ثمانية أعوام، ومنذ تلك اللحظة بدأ رحلته للبحث عن إجابات شافية، لدى الإسلام والمسلمين، بحث أولا عن نسخة القرآن التي كانت لدى والده، فلم يجدها لأن أخاه كان قد أهداها من قبل.
حاول الحصول على نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية، اتصل بالكثير من الناس ولكن محاولاته باءت بالفشل، وفي نهاية الأمر وجد موقعا على شبكة الإنترنت يبيع ترجمة معاني القرآن، فاشترى نسخة وبدأ رحلته لدراسة القرآن الكريم، قرأه مرة واثنتين وثلاثا، وبدأت قناعاته تتغير شيئا فشيئا، ولكن الشكوك مازالت تحاصره بدأ في الدخول على قاعات المحادثة على شبكة الإنترنت، وأخذ يوضح التناقضات الموجودة لدى الأديان الأخرى، ويدافع عن الإسلام، ويكون دافعا ومحفزا لغيره من البرازيليين لاعتناق الدين الحنيف.
جاء إلى مسجدي في غواروليوس خلال شهر رمضان الماضي، وقدمته ليلقي كلمة بعد صلاة التراويح، فقال لرواد المسجد: إنه مازال مسيحيا، ولكنه يريد أن يوضح حقيقة أن لدى المسلمين أعظم جوهرة على وجه هذه المعمورة، وأن عليهم أن يفتخروا بها، ويعطوها حقها، ألا وهي القرآن الكريم، وأضاف: " لقد قرأته أكثر من مرة، وأشهد أن هذا الكلام ليس من صنع البشر".
يوم ميلاد عيسى عليه السلام الماضي "عند البرازيليين"، كان متواجدا لحضور ومتابعة دورة للمسلمين الجدد بمسجد غواروليوس باحثا عن إجابات لبقايا الشكوك التي كانت تراوده، وشاهد رفيقه في ذلك اليوم وهو يعلن إسلامه على الملأ، أما هو فقد ظل أسيرا لشكوكه، وقال يومها: لم يحن الوقت بعد.
حينما وصلت إلى المسجد ذات صباح للتجهيز لأداء صلاة الجمعة، وجدته ينتظرني بوجه بشوش، ملئ بالحيوية والنشاط، وبادرني بالقول: "جئت اليوم لأعلن إسلامي"، دق قلبي سريعا فرحا بسماع هذا الخبر.
انتهت الصلاة وتقدم ريكاردو الصفوف ليعلن شهادته على الملأ، " لا إله إلا الله محمد رسول الله "، لقد كان يضع حدا لرحلة الشك الطويلة، ثمانية أعوام من البحث والدراسة، ثمانية أعوام كانت كافية، ليقتنع ريكاردو قناعة كاملة بقول الله تبارك وتعالى " إن الدين عند الله الإسلام ".
أسلم ريكاردو وكان إسلامه فتحا لقلب إحدى الأخوات البرازيليات التي كانت تحضر صلاة الجمعة، فتقدمت هي الأخرى لتعلن شهادتها، ويكون ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة، " والله! لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".
ثبتنا الله جميعا على طاعته، وأماتنا على سنته، وجعلنا هداة مهتدين، اللهم آمين.
• كيف تغيرت حياة من اعتنقوا الإسلام في البرازيل، كونهم ينتقلون من الضلالة إلى الهدى ومن الظلمات إلى النور؟
للدين الإسلامي تأثير في نفس من يعتنقه بصدق ويقين ويتبع تعاليمه، وكثير من الذين أسلموا كان اعتناقهم سببا في تخليهم عن العادات السيئة والمعاصي، التي كانت بالنسبة لهم أمرا طبيعيا، فنجدهم يمتنعون عن تناول الخمر ويلتزمون بالصلوات وتلتزم المرأة بالحجاب.
• ما أهم الأهداف التي حققها المركز منذ إنشائه؟ وما اهم الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها في المستقبل إن شاء الله؟
أهم الأهداف التي حققها اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، تكمن في مقدرته على توحيد هذه المؤسسات بغرض التنسيق والعمل من أجل الدعوة الإسلامية، والمساهمة في بناء 37 مسجدا في البرازيل، وإنشاء إدارة الشؤون الإسلامية لتتابع مسيرة الدعوة، وتكون هيئة متميزة في الدعوة إلى الله، ولقد قامت هذه الإدارة بالعديد من المشاريع التي تخدم المؤسسات الإسلامية في البرازيل، ويسعى الاتحاد لإنشاء هيئة للوقف الإسلامي داخل البرازيل برأس مال كبير، وهو مشروع كبير سيعود ريعه لخدمة المؤسسات والمراكز الإسلامية داخل البرازيل.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.
