رد شبهة سورة الإسراء آية 59
اقتباس:
هل محمد لديه معجزات وإذا قلت له معجزات كما هي معلومة في القرآن كشق القمر وموجودة في السنة كتكلم الشجرة وغير ذلك ... لماذا قال الله"(وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً"59" ) الإسراء" وغير ذلك من الآيات
الآيات: جمع آية، وهي الأمر العجيب الذي يلفت النظر ويسترعى الانتباه، وهذه الآيات إما أن تكون آيات كونية نستدل بها على قدرة المدبر الأعلى سبحانه مثل المذكورة في قوله تعالى:
{ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر .. "37"}
(سورة فصلت)
قد تكون الآيات بمعنى المعجزة التي تثبت صدق الرسول في البلاغ عن ربه تعالى، وقد تكون الآيات بمعنى آيات القرآن الكريم، والتي يسمونها حاملة الأحكام.
فالآيات ثلاثة: كونية، ومعجزات، وآيات القرآن.
الآيات الكونية وهي موجودة لا تحتاج إلى إرسال، الآيات القرآنية وهي موجودة أيضاً، بقى المعجزات وهي موجودة، وقد جاءت معجزة كل نبي على حسب نبوغ قومه، فجاءت معجزة موسى من نوع السحر الذي نبغ فيه بنو إسرائيل، وكذلك جاءت معجزة عيسى مما نبغ فيه قومه من الطب.
وجاءت معجزة محمد صلى الله عليه وسلم في الفصاحة والبلاغة والبيان ؛ لأن العرب لم يظهروا نبوغاً في غير هذا المجال، فتحداهم بما يعرفونه ويجيدونه ليكون ذلك أبلغ في الحجة عليهم.
إذن: فما المقصود بالآيات التي منعها الله عنهم؟
المقصود بها ما طلبوه من معجزة أخرى، جاءت في قوله تعالى:
{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90" أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا "91" أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا "92" أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه .. "93"}
(سورة الإسراء)
شق القمر فقالوا ساحر وما عرفوا عنه السحر من قبل ... لذلك المتأمل في كل هذه الاقتراحات من كفار مكة يجدها بعيدة كل البعد عن مجال المعجزة التي يراد بها في المقام الأول تثبيت الرسول، وبيان صدق رسالته وتبليغه عن الله، وهذه لا تكون إلا في أمر نبغ فيه قومه ولهم به إلمام، وهم أمة كلام وفصاحة وبلاغة، وهل لهم إلمام بتفجير الينابيع من الأرض؟ وهل إسقاط السماء عليهم كسفاً يقوم دليلاً على صدق الرسول؟ أم أنه الجدل العقيم والاستكبار عن قبول الحق؟
إذن: جلس كفار مكة يقترحون الآيات ويطلبون المعجزات، والحق سبحانه وتعالى ينزل من المعجزات ما يشاء، وليس لأحد أن يقترح على الله أن يجبره على شيء، قال تعالى :
{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون "16"}
(سورة يونس)
فالحق تبارك وتعالى قادر أن ينزل عليهم ما اقترحوه من الآيات، فهو سبحانه لا يعجزه شيء، ولا يتعاظمه شيء، ولكن للبشر قبل ذلك سابقة مع المعجزات.
والحق سبحانه يقول:
{وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها .. "59"}
(سورة الإسراء)
مبصرة: أي آية بينة واضحة.
لقد طلب قوم ثمود معجزة بعينها فأجابهم الله وأنزلها لهم، فما كان منهم إلا أن استكبروا عن الإيمان، وكفروا بالآية التي طلبوها، بل وأكثر من ذلك ظلموا بها أي: جاروا على الناقة نفسها، وتجرأوا عليها فعقروها.
وهذه السابقة مع ثمود هي التي منعتنا عن إجابة أهل مكة فيما اقترحوه من الآيات، وليس عجزاً منا عن الإتيان بها.
وقوله تعالى عن الناقة أنها آية (مبصرة) لبيان وضوحها كما في قوله تعالى:
{وجعلنا آية النهار مبصرة .. "12"}
(سورة الإسراء)
فهل آية النهار مبصرة، أم مبصر فيها؟
كانوا قديماً يعتقدون أن الإنسان يرى الشيء من شعاع ينطلق من عينة إلى الشيء المرئي فتحدث الرؤية، إلى أن جاء ابن الهيثم وأثبت خطأ هذه المقولة، وبين أن الإنسان يرى الشيء إذا خرج من الشيء شعاع إلى العين فتراه، بدليل أنك ترى الشيء إذا كان في الضوء، ولا تراه إذا كان في ظلمة، وبهذا الفهم نستطيع القول بأن آية النهار هي المبصرة؛ لأن أشعتها هي التي تسبب الإبصار.
ثم يقول تعالى:
{وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً "59"}
(سورة الإسراء)
أي: نبعث بآيات غير المعجزات لتكون تخويفاً للكفار والمعاندين، فمثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم اضطهده أهل مكة ودبروا لقتله جهاراً وعلانية، فخيب الله سعيهم ورأوا أنهم لو قتلوه لطالب أهله بدمه، فحاكوا مؤامرة أخرى للفتك به بليل، واقترحوا أن يؤتي من كل قبيلة بفتى جلدٍ، ويضربوه ضربة رجل واحد.
ولكن الحق سبحانه أطلع رسوله على مكيدتهم، ونجاه من غدرهم، فإذا بهم يعملون له السحر ليوقعوا به، وكان الله لهم بالمرصاد، فأخبر رسوله بما يدبر له، وهكذا لم يفلح الجهر ولم يفلح التبييت، ولم يفلح السحر، وباءت محاولاتهم كلها بالفشل، وعلموا أنه لا سبيل إلى الوقوف في وجه الدعوة بحال من الأحوال، وأن السلام في الإيمان والسير في ركابه من أقصر الطرق.
إذن: للحق سبحانه آيات أخرى تأتي لردع المكذبين عن كذبهم، وتخوفهم بما حدث لسابقيهم من المكذبين بالرسل، حيث أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، ومن آيات التخويف هذه ما جاء في قوله تعالى:
{فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون "40"}
(سورة العنكبوت)
فكل هذه آيات بعثها الله على أمم من المكذبين، كل بما يناسبه.
والله أعلم