المسلمون في الحوار الاسلامي المسيحي .. دعوة للنقاش
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله,
لا يشك انسان في ان الشيخ احمد ديدات -رحمه الله- كان له تأثير غير عادى في تحريك الحوار الاسلامي المسيحي و تغيير مساره الى الابد. فقبل احمد ديدات لم نسمع عن مسلمين درسوا الدين المسيحي بشكل قوى لمناظرة المسيحين, باستثناء اسماء قليلة مثل رحمة الله الهندي, و شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح, و الامام ابن حزم رحمهم الله جميعا.
الا ان احمد ديدات بكل تأكيد كان اكثرهم تأثيرا, و كانت مناظراته و كتبه هي الدافع الاساسي للكثير من شباب المسلمين الى الاتجاه الى دراسة المسيحية و الحوار الاسلامي المسيحي سواء كان ذلك عن طريق مناظرات في المنتديات او البالتوك, او مناظرات حقيقية على ارض الواقع.
و الموضوع الذي اريد ان اطرحه للنقاش هو المسلمون في الحوار الاسلامي المسيحي, حول مستواهم و امكانياتهم, و وضعهم الحالي و المطلوب منهم و المأمول تحقيقه في المستقبل.
و لكي اكون صريحا, يجب ان اعترف اني لست سعيدا بحال المسلمين حاليا في الحوار الاسلامي المسيحي للاسباب التالية:
1- من الواضح حاليا ان الغالبية العظمى من المسلمين المشاركين في الحوار مع الطرف المسيحي انهم يكتفون بمشاهدة مناظرات الشيخ احمد ديدات و قراءة كتبه ثم بعد ذلك ينطلقون للحوار مع المسيحيين سواء في المنتديات او على ارض الواقع.
و انا اعتقد انه يجب علينا تخطي مرحلة الشيخ احمد ديدات, فبكل صراحة دراسة تراث الشيخ ديدات لا يكفي ابدا للتحديات التي يواجهها المسلمون في الحوار مع المسيحيين. هذا ليس تقليلا على الاطلاق من قدر شيخنا الكبير احمد ديدات, و لكن لا يمكننا التوقف عنده دون ان نخطو الى الامام, فنحن نريد خدمة و نشر الاسلام و ليس مجرد تمجيد اشخاص محددين, مع كامل الاعتراف بفضلة و مجهوداته اثابه الله عليها.
2- قبول المسلمين الكثير من الاشياء بدون دراسة متأنية لمجرد انها تتفق مع العقائد الاسلامية. مثال على ذلك انجيل برنابا, فأنا نادرا ما ارى مسلم لا يستشهد به, فمع انه رغم انه قد يكون انجيل برنابا الاصلي فعلا الا انه لا يوجد دليل على ذلك, و جدير بالذكر ان اغلب الاكاديميين و الدارسين لا يعطوا اى قيمة لهذا الكتاب. و انا شخصيا لا ارى اى فائدة من استخدامه بكل صراحة.
مثال اخر هو السعادة الغامرة للمسلمين بقصة و فيلم شفرة دافنشي و قبولهم لكل ما فيها مع ان فيها اخطاء كثيرة جدا و اغلب الفيلم بكل صراحة خيال×خيال. فالمسيح عليه السلام عبد قبل مجمع نيقة ب200 سنة على الاقل.
3- عدم اهتمام المسلمين بدراسة الكتاب مقدس بشكل متعمق, فاغلب ما يفعلوه هو قراءة سطحية له ثم اقتباس بعض التناقضات فيه او المقاطع المثيرة للسخرية مثلا او مقاطع تنفي الوهية المسيح ثم الاستشهاد بها.
و يجب ان اعترف ان الكنيسة القبطية لها دور كبير في هذا فهي بكل صراحة خصم سهل مهاجمته, بعكس الكنيسة الاخرى. و لذلك لاصرارها على ان الكتاب المقدس كله وحي من الله و رفضها الاعتراف بتحريفه او تغير اى جزء فيه او وجود اى خطأ. و حتى بعض الترجمات العربية للكتاب المقدس نجد فيها بعض الفقرات التي ثبت انها ليست في الاصول (مثل التثليث) مازالت موجودة, بل و تصر كتب اللاهوت الدفاعي على الدفاع عنها و عن وجودها.
و هو ما يجعل موقفها ضعيف و سهل هزيمته, و لكننا لا نريد ان تكون دعوتنا محصورة على الكنيسة القبطية او المسحيين العرب فقط بل نريد ان ندعو كل الناس من كل الجنسيات الى الاسلام.
4- قلة علم الكثير من المسلمين بدينهم. فمما رأيت ان كثير من المسلمين يهتم بدراسة الكتاب المقدس دون اى خلفية قوية عن الاسلام, سوى البحث عن الرد على شبهة يثيرها المسيحيون, و هذه مشكلة كبيرة جدا لاسباب عدة.
اولا لأن صحة او بطلان المسيحية لا يعني شيئا عن الاسلام, يجب ان تكون قناعتك بالاسلام نابعة من الاسلام نفسه و ليست نابعة من بطلان الديانات الاخرى.
ثانيا ان تكون معرفة المسلم بدينه عبارة عن شبهات و ردها فقط, و هو امر خطير فالمسلم مسلم اولا ثم محاور و مناظر ثانيا, لا بد ان تكون معرفته بدينه بعيدة تماما عن اى شبهات او شكوك.
و ثالثا انه يمكن ان يحاصره محاوره بشبهات حول الاسلام و القران لا يستطيع الرد عليها لقلة علمه و هنا يكون هناك مشكلة في منتهى الخطورة, لأن هذه الشبهات قد تتمكن منه و ايضا عجزه عن الرد قد يعطي انطباعا لمتابعي الحوار من المسيحيين او حتى المسلمين قليلي العلم بضعف موقف الاسلام.
5- الكتابات الاسلامية عن المسيحية ليست بالمستوى المطلوب على الاطلاق. يجب ان نعترف ان كتابات المسيحيين (و لا اقصد هنا المصريين او العرب و انما المستشرقين) رغم انها مليئة بالاخطاء و الافتراءات و الاكاذيب, الا انهم تعمقوا في دراسة المصادر الاسلامية بلغاتها الاصلية حتى خرجت كتاباتهم بشكل محترف, بينما لا نرى مثل هذا في الكتابات الاسلامية حول المسيحية فمعظمها مع الاسف كتيبات كتبها هواة غير متخصصين.
و الان و بعد ان بينت الاسباب الرئيسية لما لا يسعدني في الواقع الحالي للحوار الاسلامي المسيحي, يجب ان اقول اني متفاءل و هذا لأنه بالرغم من هذه المشاكل الا ان لدينا سلاح قوي و هو حب الاسلام و الغيرة عليه في قلوب شباب المسلمين وهو ما سيجعلهم باذن الله يتقدمون و يتطور مستواهم و فكرهم و يزداد علمهم.
المطلوب:
1- قبل ان تتوجه الى دراسة المسيحية عليك ان تدرس دينك اولا و بشكل مكثف و قوي. لا يكفي ان تشاهد حلقات عمرو خالد او طارق السويدان, بل يجب ان تقرأ القران و تفاسيره و علومه و جمعه و كتابته, و تتعرف على الحديث و علومه, و العقيدة و اساسياتها, و الفقه و مذاهبه حتى تكون لديك قاعدة تستطيع ان تبني عليها بعد ذلك, و تؤهلك للرد على الشبهات, و حتى ان واجهتك شبهة لا تعرف لها اجابه يمكنك العثور على اجابتها بسهولة دون ان تثير الشكوك في نفسك.
2- عندما تتوجه لدراسة المسيحية, يجب ان تستفيد من علم من سبقك, فابدأ بقراءة الكتب الاساسية مثل اظهار الحق لرحمة الله الهندي, و الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية, و مناظرات و كتب الشيخ ديدات و غيره من المناظرين. الا انه لا يجب ان تتوقف عند هذه المرحلة, بل يجب علينا دراسة الكتاب المقدس دراسة اكاديمية احترافية. يجب ان نقرأ الكتب و المراجع التي تدرس في الجامعات (و اعني الجامعات الغربية العلمانية و ليس الكتب التبشيرية) حتى نستطيع ان نصل بدعوتنا الى كل من على وجه الارض و ليس فقط مسيحيو مصر.
و اتمنى من الاخوة ان يفيدونا بوجهات نظرهم حول هذا الموضوع
و السلام عليكم.
