صوت الضاد الفصيحة التي نزل بها القرآن . الجزء الثاني
15. إبدال صوت الضاد اللسانية بصوت اللام المغلظة
هناك ترابط بين صوت الضاد واللام من حيث أن بينهما قاسم مشترك لخروجهما من الحافتين فإن مخرج صوت اللام وفق ترتيب سيبويه وابن الجزري يأتي تاليا لمخرج الضاد كما يشتركان في أنهما من أصوات حافة اللسان يقول سيبويه في كتابه ج 2 ص 405 ( ومن بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الضاد ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام ) اهـ وقال ابن الجزري في المقدمة (
.....................والضاد من حافته إذ وليا .
لاضراس من أيسر أو يمناها واللام أدناها لمنتهاها
وتشارك الضاد اللام في الجهر . أما من ناحية الشدة والرخاوة فإن سيبويه عد الضاد التي نزل بها القرآن من الحروف الرخوة في حين عد اللام من الحروف المتوسطة بين الشدة والرخاوة ووصفها بصفة الانحراف يقول سيبويه ( ومن الحروف الشديد .... وهي الهمزة والقاف والكاف والجيم والباء والطاء والتاء والدال والباء .....ومنها الرخوة وهي الهاء والحاء والغين والخاء والشين والصاد والضاد والزاي والسين والظاء والذال والفاء .... أما العين فبين الرخوة والشديدة تصل إلى الترديد فيها لتشبها بالحاء ومنها المنحرف وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لانحراف اللسان مع الصوت ولم يعترض على الصوت كاعتراض الحروف الشديد وهو اللام وإن شئت مددت فيها الصوت وليس كالرخوة لأن طرف اللسان لا يتجافى عن موضعه ) اهـ وقد أدى اجتماع خروجهما من الحافتين واشتراكهما في التفخيم إلى الخلط بينهما والاشتباه في القراءة بين الضاد واللام المغلظة ومقاربة اللام المغلظة الضاد في اللفظ عند بعض من حاولوا نطق الضاد العربية القديمة الفصحى بصفاتها القوية وإخراجها من مخرجها الصحيح في القرنين السادس والسابع الهجري فنطقوا الضاد شبيهة باللام المفخمة وفي ذلك يقول المقرئ النحوي علم الدين السخاوي المصري في قصيدته النونية :
1. والضادُ عالٍ مُستطيلُ مُطَبَقٌ * جَهِرٌ يَكِلٌّ لديه كلُّ لسانِ
2. حاشا لسانِ بالفصاحةِ قَيِّمٍ * ذَربٍ لأحكام الحروف مُعانِ
3. كمْ رامَهُ قومُ فما أبدَوا سِوى * لامِ مُفخَمَةٍ بِلا عِرفانِ
أما في القرن السابع والثامن الهجري فإننا نجد ابن الجزري يشير إلى بعض مظاهر التغير والتحول في نطق الضاد في عصره والخلط بين الضاد والظاء والذال والزاي واللام المغلظة دون تحديد للمكان أو الأقوام الذين يقع منهم هذا الخلط وذلك في كتابه النشر في القراءة العشر ونوها أيضا بذلك في تمهيده ص 130 / 131(واعلم أن هذا الحرف ليس من الحروف حرف يعسر على اللسان غيره، والناس يتفاضلون في النطق به.
فمنهم من يجعله ظاء مطلقاً، لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلها، ويزيد عليها بالاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء، وهم أكثر الشاميين وبعض أهل المشرق. وهذا لا يجوز في كلام الله تعالى، لمخالفة المعنى الذي أراد الله تعالى، إذ لو قلنا ) الضَّالِّينَ)(البقرة: من الآية198) بالظاء كان معناه الدائمين، وهذا خلاف مراد الله تعالى، وهو مبطل للصلاة، لأن (الضلال) هو ضد (الهدى)، كقوله: ) ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)(الاسراء: من الآية67) ، )ْ وَلا الضَّالِّينَ)(الفاتحة: من الآية7) ونحوه، وبالظاء هو الدوام كقوله: ) ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً)(النحل: من الآية58) وشبهه، فمثال الذي يجعل الضاد ظاء في هذا وشبهه كالذي يبدل السين صاداً في نحو قوله: ) وَأَسَرُّوا النَّجْوَى)(طـه: من الآية62) وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا)(نوح: من الآية7) فالأول من السر، والثاني من الإصرار. وقد حكى ابن جني في كتاب التنبيه وغيره أن من العرب من يجعل الضاد ظاء مطلقاً في جميع كلامهم. وهذا غريب، وفيه توسع للعامة.ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها دونه ممزوجة بالطاء المهملة، لا يقدرون على غير ذلك، وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب. ومنهم من يخرجها لاماً مفخمة، وهم الزيالع ومن ضاهاهم. واعلم أن هذا الحرف خاصة إذا لم يقدر الشخص على إخراجه من مخرجه بطبعه لا يقدر عليه بكلفة ولا بتعليم. ) اهـ ومدينة زيلع تقع جنوب مدينة جيبوتي بجمهورية الصومال قرب باب المندب وهما يطلان على خليج عدن وجنوب غرب اليمن وهم عبارة عن جيل من السودان في طرف أرض الحبشة وقد أشار بعض الباحثين لمشكلة التداخل اللغوي في تعليم العربية لغير الناطقين بها ومنهم الصوماليون إلى ما يؤكد ملاحظة ابن الجزري في نطق الزيالع للضاد لاما وتغيير مخرجها وصفتها بقوله ( فالناطق بلغة الأوردو لا يجعل الضاد دالا بل زايا .... أما الناطق باللغة الصومالية فهو يغير من مخرج الصوت وصفته كليهما عند نطقه الصوت " ض " لاما في المواقع النهائية ) اهـ وقد أشار ابن الجزري في نصه السابق إلى نطق الزيالع ومن ضاهاهم للضاد لاما مفخمة ولمعرفة من ضاهاهم من هم ؟ فسنجد الجواب عند بعض المستشرقين في مطلع القرن العشرين في كتاب دراسات في لهجات جنوب الجزيرة العربية اليمنية أن الضاد في عدد من الكلمات نطقا قريبا من نطق الضاد العربية القديمة عند أهل حضر موت وهو كاللام المطبقة وكذلك عند أهل دثينة .
16. إشمام صوت الضاد اللسانية بصوت الزاي والذال
16. إشمام صوت الضاد اللسانية بصوت الزاي والذال
أشار علامة القراءات بلا منازعٍ إلى وقتنا المعاصر شمس الدين ابن الجزري في كتابه النشر أن بعض الظواهر الصوتية الخاطئة التي لاحظها في عصره أن بعض العوام كان يخلط الضاد الفصيحة بصوت الزاي والبعض الآخر يمزجه بصوت الذال اللسانية وكان انتشار هذه الظواهر الصوتية في القرن الثامن الهجري وبيَّن ذلك بقوله في نشره ج 1 ص 219 ( والضاد انفرد بالاستطالة وليس في الحروف ما يعسر على اللسان مثله ومنهم من يمزجه بالذال ..... ومنهم من يشمه الزاي وكل ذلك لا يجوز ) اهـ
وأكد الدكتور احمد عبد المجيد هريدي في بحثه صوت الضاد وتغيراته أن قبل الإسلام يوجد الخلط قِبل الضاد والزاي في النطق بقوله ص 77 / 78 ( .... ومثل هذا الخلط في النطق بين الضاد والزاي نجد ما يماثله _ قبل الإسلام _ في نقوس الكتابات العربية الجنوبية القديمة التي وجدت في اليمن وفي نقوش الكتابات الثمودية والصفوية واللحيانية التي وجدت في شمال الحجاز .... وفي ذلك يذكر د / خليل يحيي نامي أن " رسم الضاد في الكتابات العربية الجنوبية الثمودية والصفوية يكاد يكون قريبا في الشكل من رسم حرفي الصاد والذال وقد يدل هذا على أن الضاد كانت قريبة في المخرج في زمن هذه الكتابات من مخرجي الذال والصاد كما أن إبدال الضاد بالزاي في نقش سبأى متأخر يدل على أن مخرج الضاد عند العرب الجنوبيين كان عبارة عن ذال مطبقة وكذلك عند الثموديين والصفويين ) اهـ
وقد أشار أبو الحسن الصفاقسي ( ت 1118 هـ) إلى بعض أشكال التغيير الصوتي للضاد التي نزل بها القرآن بتحويلها إلى صوت الذال اللسانية حال تلاوة القرآن الكريم وعده من اللحن الفاحش الجلي وذلك عند مجاورة الذال أحد حروف الاستعلاء السبعة وهي القاف والظاء والخاء والصاد والضاد والغين والطاء وفي ذلك يقول الصفاقسي في كتابه الرائع تنبيه الغافلين ص 58 في سياق تنبيهاته على الأخطاء والأمراض اللفظية التي تقع في نطق صوت الذال بقوله ( وبعضهم يجعلها عند حروف الاستعلاء ضادا وهو لحن فاحش ) اهـ أما في الوقت المعاصر لا يوجد ظاهرة صوتية في اللهجات العامية من إبدال الضاد بصوت الذال أو خلط بصوت الزاي إلا في القليل من الكلام .