من الأمور التي وقفت أمام المعترضين على الإسراء والمعراج حادثة شق الصدر التي حكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتأمل فيه يجده عملاً طبيعياً لإعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لما هو مقبل عليه من أجواء ومواقف جديدة تختلف في طبيعتها عن الطبيعة البشرية. كيف ونحن نفعل مثل هذا الإعداد حينما نسافر من بلد إلى آخر، فيقولون لك: البس ملابس كذا. وخذ حقنة كذا لتساير طبيعة هذا البلد، وتتأقلم معه، فما بالك ومحمد صلى الله عليه وسلم سيلتقي بالملائكة وبجبريل وهم ذوو طبيعة غير طبيعة البشر، وسيلتقي بإخوانه من الأنبياء، وهم في حال الموت، وسيكون قاب قوسين أو أدنى من ربه عز وجل؟ إذن: لا غرابة في أن يحدث له تغيير ما في تكوينه صلى الله عليه وسلم ليستطيع مباشرة هذه المواقف. وإذا استقرأنا القرآن الكريم فسوف نجد فيه ما يدل على صدق رسول الله فيما أخبر به من لقائه بالأنبياء في هذه الرحلة، قال تعالى:
{واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا .. "45" }
(سورة الزخرف)
والرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمره ربه أمراً نفذه، فكيف السبيل إلى تنفيذ هذا الأمر: واسأل من سبقك من الرسل؟ لا سبيل إلى تنفيذه إلا في لقاء مباشر ومواجهة، فإذا حدثنا بذلك رسول الله في رحلة الإسراء والمعراج نقول له: صدقت، ولا يتسلل الشك إلا إلى قلوب ضعاف الإيمان واليقين. :p015:
وإياك أن تظن أن عقلك يستطيع إدراك كل شيء، بل هو محكوم بقانون. ولتوضيح ذلك، نأخذ مثلاً العين، وهي وسيلة إدراك يحكمها قانون الرؤية، فإذا رأيت شخصاً مثلاً تراه واضح الملامح، فإذا ما ابتعد عنك تراه يصغر تدريجياً حتى يختفي عن نظرك، كذلك السمع تستطيع بأذنك أن تسمع صوتاً، فإذا ما ابتعد عنك قل سمعك له، حتى يتوقف إدراك الأذن فلا تسمع شيئاً. كذلك العقل كوسيلة إدراك له قانون، وليس الإدراك فيه مطلقاً. ومن هنا لما أراد العلماء التغلب على قانون العين وقانون الأذن حينما تضعف هذه الحاسة وتعجز عن أداء وظيفتها صنعوا للعين النظارة والميكروسكوب والمجهر، وهذه وسائل حديثة تمكن العين من رؤية ما لا تستطيع رؤيته. وكذلك صنعوا سماعة الأذن لتساعدها على السمع إذا ضعفت عن أداء وظيفتها. إذن: فكل وسيلة إدراك لها قانونها، وكذلك العقل، وإياك أن تظن أن عقلك يستطيع أن يدرس كل شيء، ولكن إذا حدثت بشيء فعقلك ينظر فيه، فإذا ثقته صادقاً فقد انتهت المسألة، وخذ ما حدثت به على أنه صدق. وهذا ما حدث مع الصديق أبي بكر رضي الله عنه حينما حدثوه عن صاحبه صلى الله عليه وسلم، وأنه أسرى به من مكة إلى بيت المقدس، فما كان منه إلا أن قال: "إن كان قال فقد صدق". فالحجة عنده إذن قول الرسول، ومادام الرسول قد قال ذلك فهو صادق، ولا مجال لعمل العقل في هذه القضية، ثم قال "كيف لا أصدقه في هذا الخبر، وأنا أصدقه في أكثر من هذا، أصدقه في خبر الوحي يأتيه من السماء".
فالمتأمل في الإسراء والمعراج يجده إلى جانب أنه تسلية لرسول الله وتخفيف عنه، إلا أن لهم هدفاً آخر أبعد أثراً، وهو بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤيد من الله، وله معجزات، وتخرق له القوانين والنواميس العامة؛ ليكون ذلك كله تكريماً ودليلاً على صدق رسالته. فالمعجزة: أمر خارق للعادة الكونية يجريه الله على يد رسوله؛ ليكون دليلاً على صدقه، ومن ذلك ما حدث لإبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ حيث ألقاه قومه في النار، ومن خواص النار الإحراق، فهل كان المراد نجاة إبراهيم من النار؟ لو كان القصد نجاته من النار ما كان الله مكنهم من الإمساك به، ولو أمسكوا فيمكن أن ينزل الله المطر فيطفئ النار.
إذن: المسألة ليست نجاة إبراهيم، المسألة إثبات خرق النواميس لإبراهيم عليه السلام، فشاء الله أن تظل النار مشتعلة، وأن يمسكوا به ويرموه في النار، وتتوفر كل الأسباب لحرقه ـ عليه السلام. وهنا تتدخل عناية الله لتظهر المعجزة الخارقة للقوانين، فمن خواص النار الإحراق، وهي خلق من خلق الله، يأتمر بأمره، فأمر الله النار ألا تحرق، سلبها هذه الخاصية، فقال تعالى:
{قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم "69" }
(سورة الأنبياء)
وربما يجد المشككون في الإسراء والمعراج ما يقرب هذه المعجزة لأفهامهم بما نشاهده الآن من تقدم علمي يقرب لنا المسافات، فقد تمكن الإنسان بسلطان العلم أن يغزو الفضاء، ويصعد إلى كواكب أخرى في أزمنة قياسية، فإذا كان في مقدور البشر الهبوط على سطح القمر، أتستبعدون الإسراء والمعراج، وهو فعل لله سبحانه؟!
أخيراً :
الذي خرق لرسول الله :salla: النواميس في آيات الأرض من الممكن أن يخرق له النواميس في آيات السماء، فالله تعالى يقرب الغيبيات، التي لا تدركها العقول بالمحسات التي تدركها.
ومن ذلك ما ضربه إليه مثلاً محسوساً لمضاعفة النفقة في سبيل الله إلى سبعمائة ضعف، فأراد الحق سبحانه أن يبين ذلك ويقربه للعقول، فقال:
{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" }
(سورة البقرة)
انتهى
السؤال : كيف رفع الله سيدنا إدريس (اخنوخ) وهو حي ؟
:kaal:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) مريم
تك 5:24
وسار اخنوخ مع الله ولم يوجد لان الله اخذه