الكاثوليكيــة ومأزقهــا المزمــن
الكاثوليكية ومأزقها المزمن
يفترض في الفاتيكان - المرجع الديني الوحيد للكاثوليك - أنه ذو طابع مؤسسي، لأن الكنيسة ظهرت تاريخياً تعبيراً عن تحويل الدين المسيحي إلى مؤسسة تراتبية.. وليس أدل على ذلك من اختيار بابا الفاتيكان من قبل مجمع الكرادلة الذين يمثلون الكنائس الكاثوليكية في أنحاء العالم.. في ضوء هذه الحقيقة المعروفة والمعلنة، أثارت توجهات البابا الذي اختير قبل أيام، كثيراً من علامات الاستفهام والتعجب.. فقد حرص بندكت السادس عشر على تجاهل الإسلام وأهله الذين يقترب تعدادهم من ربع أبناء آدم، في إطلالته الأولى التي تشبه خطاب الثقة في الحكومات السياسية.. وفي حين ألح بابا الكاثوليك الجديد على ما سماه الإرث المشترك بين المسيحية واليهودية، فإنه سارع إلى تقديم برهان عملي شديد الحدة، تأكيداً لموقفه المبدئي؛ وذلك بإطلاق تصريح متعجل عن دعوته إلى استبعاد تركيا من عضوية الاتحاد الأوروبي!!
ومن المفارقات أن البابا الجديد أكَّد أنه سيسير على طريق سلفه يوحنا بولس الثاني الذي كان يبدو أقل انغلاقاً، وأكثر حرصاً على حوار من نوع ما، مع العالم الإسلامي..
وها هنا يجد المراقب أنه أمام احتمالين لا ثالث لهما، فإما أن شخصية البابا - المعصوم في نظر أتباعه - هي التي تهيمن على الكنيسة الكاثوليكية هيمنة مطلقة، وإما أن سياسة الفاتيكان لم تتبدل، وغاية ما في الأمر أن البابا الراحل كان أكثر دبلوماسية ودهاء في التعبير عن تلك السياسة الراسخة، المعلن منها والخفي على حدٍ سواء..
غير أن الاحتمال الثاني يفضي إلى دائرة أشد ضيقاً؛ فكيف يكون لدى الكنيسة ثوابتها، مع أنها انتقلت من موقع مطاردتها التاريخية لليهود بذريعة مسؤوليتهم عن الصلب المزعوم للمسيح - عليه السلام -، انتقلت إلى تبرئتهم منها، ثم إلى الإلحاح على ما تسميه ميراثاً مشتركاً؟!
والحقيقة هي أننا لا نبالغ حين نزعم أن العداء المزمن للإسلام والمسلمين، ربما يكون الثابت اليتيم لدى الكنيسة الكاثوليكية، فتاريخها يؤكِّد هذه الحقيقة.. فالكنيسة ناوأت المسلمين واليهود وعلماء الطبيعة في مراحل مختلفة، ثم تراجعت عن كل ذلك، وقدمت عنه اعتذارات صريحة، لكنها أبت أن تعترف بمسؤوليتها عن الحروب الصليبية التي قادتها ضد العالم الإسلامي على مدى بضعة قرون.. فهل كان التراجع اضطرارياً أمام سيطرة العلم في عصرنا الحاضر، وأمام تغلغل اليهود في مراكز صنع القرار في الغرب، فيصبح من العبث أن نتوقع تغيراً فعلياً في موقف الفاتيكان من الإسلام ما دام المسلمون ضعفاء؟!
وبكل أسف فإن هذا القول صحيح حتى الآن، وسوف يبقى كذلك إلى أن تملك الكنيسة حداً أدنى من الجرأة الأدبية، لتعترف بما فعلته قديماً، وتقرر الكف عن السعي إلى تنصير المسلمين!!
نقلاً عن مجلة الدعوة - السعودية - العدد 1998 - 16 جمادى الأولى 1426هـ - 23 يونية 2005 م .