وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين
﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين . وكفى بربك هاديا ونصيرا ﴾.
ولله الحكمة البالغة . فإن بروز المجرمين لحرب الأنبياء والدعوات يقوي عودها ; ويطبعها بطابع الجد الذي يناسب طبيعتها . وكفاح أصحاب الدعوات للمجرمين الذين يتصدون لها - مهما كلفهم من مشقة وكلف الدعوات من تعويق - هو الذي يميز الدعوات الحقة من الدعاوى الزائفة ; وهو الذي يمحص القائمين عليها , ويطرد الزائفين منهم ; فلا يبقي بجوارها إلا العناصر المؤمنة القوية المتجردة , التي لا تبتغي مغانم قريبة . ولا تريد إلا الدعوة خالصة , تبتغي بها وجه الله تعالى .
ولو كانت الدعوات سهلة ميسورة تسلك طرقا ممهدة مفروشة بالأزهار , ولا يبرز لها في الطريق خصوم ومعارضون , ولا يتعرض لها المكذبون والمعاندون , لسهل على كل إنسان أن يكون صاحب دعوة , ولاختلطت دعوات الحق ودعاوى الباطل , ووقعت البلبلة والفتنة . ولكن بروز الخصوم والأعداء للدعوات , هو الذي يجعل الكفاح لانتصارها حتما مقضيا , ويجعل الآلام والتضحيات لها وقودا . فلا يكافح ويناضل , ويحتمل الآلام والتضحيات إلا أصحاب دعوة الحق الجادون المؤمنون , الذين يؤثرون دعوتهم على الراحة والمتاع , وأعراض الحياة الدنيا . بل على الحياة نفسها حين تقتضيهم دعوتهم أن يستشهدوا في سبيلها . ولا يثبت على الكفاح المرير إلا أصلبهم عودا , وأشدهم إيمانا , وأكثرهم تطلعا إلى ما عند الله واستهانة بما عند الناس . . عندئذ تتميز دعوة الحق من دعاوى الباطل . وعندئذ تمحص الصفوف فيتميز الأقوياء من الضعفاء . وعندئذ تمضي دعوة الحق في طريقها برجالها الذين ثبتوا عليها , واجتازوا امتحانها وبلاءها . أولئك هم الأمناء عليها الذين يحتملون تكاليف النصر وتبعاته . وقد نالوا هذا النصر بثمنه الغالي , وأدوا ضريبته صادقين مؤثرين
- الظلال لسيد قطب -
مشاركة: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين
اقتباس:
عندئذ تتميز دعوة الحق من دعاوى الباطل . وعندئذ تمحص الصفوف فيتميز الأقوياء من الضعفاء . وعندئذ تمضي دعوة الحق في طريقها برجالها الذين ثبتوا عليها , واجتازوا امتحانها وبلاءها . أولئك هم الأمناء عليها الذين يحتملون تكاليف النصر وتبعاته . وقد نالوا هذا النصر بثمنه الغالي , وأدوا ضريبته صادقين مؤثرين
أكرمك الله أخي المهتدي بالله
مشاركة: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين
قوله (﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين . وكفى بربك هاديا ونصيرا ﴾.
الآية صريحة بوجود أعداء للنبي حال قيامه بالدعوة ولا تنطبق على غيره
إليك تفسير إبن عاشور الذي وقف في وجه بورقيبة لتعرف الفرق بين كلام وجواهر
(هذه تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن ما لقِيَه من بعض قومه هو سنة من سنن الأمم مع أنبيائهم. وفيه تنبيه للمشركين ليَعْرِضوا أحوالهم على هذا الحكم التاريخي فيعلموا أن حالهم كحال مَن كذّبوا من قوم نوح وعاد وثمود.
والقول في قوله: { وكذلك } تقدم في قوله تعالى:
{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً }
[البقرة: 143]. والعدوّ: اسم يقع على المفرد والجمع والمراد هنا الجمع.
ووصف أعداء الأنبياء بأنهم من المجرمين، أي من جملة المجرمين، فإن الإجرام أعمّ من عداوة الأنبياء وهو أعظمها.g وإنما أريد هنا تحقيق انضواء أعداء الأنبياء في زمرة المجرمين، لأن ذلك أبلغ في الوصف من أن يقال: عدوًّا مجرمين كما تقدم عند قوله تعالى:
{ قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين }
في سورة البقرة (67).
وأعقب التسلية بالوعد بهداية كثير ممّن هم يومئذ مُعرِضون عنه كما قال النبي: (( لعلّ الله أن يُخرج من أصلابهم مَن يعبدُه )) وبأنه ينصره على الذين يُصرّون على عداوته لأن قوله: وكفى بربك هادياً ونصيراً } تعريض بأن يفوض الأمر إليه فإنه كاف في الهداية والنصر.
والباء في قوله: { بربك } تأكيد لاتصال الفاعل بالفعل. وأصله: كفى ربُّك في هذه الحالة.))