قتل موسي للمصري

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي اله وصحبه ومن والاه وبعد:-
- احد الشبهات التي يطعن فيها اعداء المله في عصمة الانبياء في الاسلام هي قصة قتل سيدنا موسي للمصري كما وردت في قوله تعالي :-
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ) [القصص: ١٥]
واعتبرو قتل سيدنا موسي للمصري هنا طعن في عصمته علي نبينا وعليه الصلاة والسلام

_ والرد _ بمشيئة الله ______
_ اولا______،__
_ان طعنهم في عصمة الانبياء بمثل تلك الشبهه هو جهل من الطاعن بعقيدتنا كمسلمين بخصوص عصمة الانبياء فنحن نؤمن بعصمتهم في اربعة امور :-

١- عصمتهم من الكفر والدليل :-
- قال الجرجاني :-
- واما الكفر فاجمعت الامه علي عصمتهم منه قبل النبوه وبعدها ولا خلاف لاحد منهم في ذلك
- المصدر:- شرح المواقف :- ص١٣٤

- وقال ابن عثيمين في شرحه للعقيده السفارينيه تعليقا علي قول المؤلف عن عقيدة اهل السنه في انبياء الله عز وجل :-
- وان كل واحد منهم سلم.....من كل ما نقص ومن كفر عصم / قال ابن عثيمين :- فلم يكفر احد من الرسل ،وليس من الرسل كافر
-المصدر:- شرح العقيده السفارينيه :- ص٥٧١

٢_ عصمتهم فيما يبلغون عن ربهم تبارك وتعالي :-
- قال تعالي متحدثا عن نبينا صلي الله عليه وسلم :-
- وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (٢) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (٤)﴾ [النجم: ١-٤] / اكد هنا عز وجل ان نبيه صلي الله عليه وسلم معصوم فيما يبلغه عن ربه عز وجل وانه لا يتكلم بما ارسل به عن هوي نفسه بل بوحي من الله عز وجل لا يزيد فيه ولا ينقص لذلك قال ابن كثير في تفسير الايه :-
- وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ أَيْ: مَا يَقُولُ قَوْلًا عَنْ هَوًى وَغَرَضٍ، ﴿إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى﴾ أَيْ: إِنَّمَا يَقُولُ مَا أُمِرَ بِهِ، يُبَلِّغُهُ إِلَى النَّاسِ كَامِلًا موفَّرًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ

- وعصمته صلي الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه تقتضي عصمة غيره من الانبياء عليهم السلام لان الهدف من بعثتهم جميعا واحد وهو تبليغ رسالات ربهم للناس فاذا كان النبي صلي الله عليه وسلم معصوما فيما يبلغ حتي يصل للناس ما اراد الله عز وجل من الوحي فان غيره من الانبياء ايضا معصومون فيما بلغوا عن ربهم حتي يصل ما اراد ان يعرفه اقوامهم او ما اراد ان يصل لاقوامهم من الوحي ، لذلك قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :-
- فان الآيات الدالة على نبوة الأنبياء دلت على أنهم معصومون فيما يخبرون به عن الله عز وجل فلا يكون خبرهم إلا حقاً وهذا معنى النبوة وهو يتضمن أن الله ينبئه بالغيب وأنه ينبئ الناس بالغيب والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه
-المصدر :- مجموع الفتاوي :- ج١٨/ ص٧

٣_ عصمتهم من الكبائر والدليل :- قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله :-
- إن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام ، وجميع الطوائف ... وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء ، بل لم يُنقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول
-المصدر:- مجموع الفتاوي :- ج٤/ ص٨٥

٤_ عصمتهم من وجود اي مرض منفر ينفر الناس عنهم والدليل :- قال النووي :-
- ومنها ما قال القاضي وغيره ان الانبياء _ صلوات الله وسلامه عليهم _ منزهون عن النقائص في الخلق والخلق - بالضم- وسالمون من العاهات والمعايب
-المصدر:- شرح النووي علي مسلم :- ج٨ / ص١٠٢

_ اما دون تلك الاربعة امور فقد تقع منهم فعلي سبيل المثال صغائر الذنوب قد تقع منهم عليهم السلام لاكن لا تقع منهم الكبائر ولا يصرون علي صغائر الذنوب ولا يرضون بها بل يرجعون عن فعلها متي ما تبين لهم انه خطا كما فعل سيدنا موسي في تلك القصه

_ثانيا ______،______
_ان سيدنا موسي لم يناقض فعله اي من هذه الامور الاربعه التي عصم فيها الانبياء عندنا لان قتله للمصري قتل خطاء والقتل الخطاء ليس بكبيره خلاف القتل العمد فهو كبيره
_فاما دليلي انه كان قتلا خطأ :-
_ نقرء في تفسير جامع البيان / للطبري ( ٣١٠ه‍)
- حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ نبي الله،( ولم يتعمد قتله.)

_ونقرء في تفسير البغوي رحمه الله / معالم التنزيل (٥١٦ه‍)
- ﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ أَيْ: فَقَتَلَهُ وَفَرَغَ مِنْ أَمْرِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَرَغْتَ مِنْهُ فَقَدْ قَضَيْتَهُ وَقَضَيْتَ عَلَيْهِ، فَنَدِمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ،( وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْقَتْلَ) فَدَفَنَهُ فِي الرَّمْلِ.

_ ونقرء تفسير القران / للسمعاني ( ٤٨٩ه‍)
- ﴿فَقضى عَلَيْهِ﴾ أَي: قَتله، يُقَال: قضى فلَان أَي: مَاتَ. فَإِن قيل: كَيفَ يجوز هَذَا على مُوسَى؟ قُلْنَا: وَهُوَ لم يقْصد الْقَتْل، وَإِنَّمَا وَقع الْقَتْل خطأ، وَكَانَ قَصده استنقاذ الإسرائيلي من ظلمه.

_ونقرء في تفسير البحر المحيط / لابو حيان ( ٧٤٥ه‍)
- قَضى الوَكْزُ عَلَيْهِ، وكانَ مُوسى لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، ولَكِنْ وافَقَتْ وكْزَتُهُ الأجَلَ، فَنَدِمَ مُوسى. ورُوِيَ أنَّهُ دَفَنَهُ في الرَّمْلِ .

_ ونجد اجماع المفسرين انه قتله خطأ ويمكننا اصلا استنتاج ذلك من القصه نفسها فان سيدنا موسي عليه السلام دخل المدينه دون اي نيه لقتل احد ولما ان وجد فيها رجلين يتشاجران استغاثه الذي من شيعته ( اي من قومه ) فلما استغاثه هم سيدنا موسي عليه السلام بانقاذه فوكز هذا القبطي
اي ضربه اما بمجمع يده او بعصا كانت معه كما روي الاول عن مجاهد و الثاني عن قتاده في تفسير ابن كثير قال :- قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكَزَهُ، أَيْ: طَعَنَهُ بجُمْع كَفِّهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَكَزَهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ.

-فاين تعمد القتل هنا ؟ هو فقط اراد ان يغيث الرجل الذي استغاث به فدفع القبطي فقتله نتيجة دفعته هذه .

_واما دليلي ان القتل الخطأ ليس بكبيره قوله تعالي :-
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ٩٢]

-اي لا يجوز لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا ان يقع هذا الفعل منه علي بالخطا نقرء في التفسير الميسر للايه :-
- ولا يحق لمؤمن الاعتداء على أخيه المؤمن وقتله بغير حق، إلا أن يقع منه ذلك على وجه الخطأ الذي لا عمد فيه.

-ثم قال تعالي في الاية التي تليها :- (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: ٩٣]

_ وهنا الفرق بين القتل الخطا والعمد الخطا لم يتوعد صاحبه باللعن او الخلود في جهنم بينما العمد توعد صاحبه بذلك لذلك القتل العمد كبيره والخطا لا ولهذا لو جئنا لضوابط معرفة الكبائر من الذنوب وتفريقها عن غيرها من الذنوب نجد من ضمن تلك الضوابط ان الكبيره كل ذنب توعد الله صاحبه بالنار في الاخره او لعنه بسبب هذا الذنب :- قال ابن الصلاح عن الكبيره:-
- لها أمارات منها: إيجاب الحد، ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق نصا ومنها اللعن)"
-المصدر:- شرح صحيح مسلم للنووي:- ج٢ /ص٨٥

_والقتل الخطا لا فيه حد ولا فيه وعيد لصاحبه بالنار ولا وصف فاعله بالفسق او لعن خلافا للقتل العمد فلا يعتبر القتل الخطا من الكبائر

-وبالتالي استدلال اعداء المله بتلك الشبهه للطعن في عصمة انبياء الله عليهم السلام استدلال فاسد لا يطعن في عصمتهم حسب عقيدتنا كما بينة بفضل الله

#ثالثا________
_ ان سيدنا موسي ندم عما فعله رغم انه وقع خطا منه من غير عمد واستغفر لذنبه قال عز وجل علي لسان موسي :- ( قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ)(١٥) قَالَ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی فَٱغۡفِرۡ لِی فَغَفَرَ لَهُۥۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِیمُ )
- وهذا دليل كما ذكرت في النقطه الاولي ان انبياء الله عليهم الصلاة والسلام قد تقع منهم الصغائر لاكن لا يصرون علي فعلها بعد ان يتبين لهم انه ذنب ولا يرتضون بها / وطبعا لم يؤدي سيدنا موسي اي ديه او كفاره لانه لم تكن بعد نزلة عليه تشريعات بخصوص هذا الامر ولا فرضة عليه فرائض في هذه النقطه فلم تنزل التوراة اصلا عليه الا بعد الخروج من مصر وغرق فرعون وجنوده وانا اعلم ان هذه نقطة بديهيه لاكن النصاري توقع منهم اي سؤال حتي وان كان بهذا الغباء عافانا الله فاثرة ذكر تلك النقطه وتوضيحها مع انها واضحه وضوح الشمس

_هذا والله اعلي واعلم وصلي الله وسلم علي نبينا محمد وعلي اله وصحبه وسلم.